Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الكويتي خالد الصديق فتح أبواب السينما الخليجية على العالم

رحل عن 76 سنة وفيلمه "بس يا بحر" أسس مدرسة في الإخراج

المخرج الكويتي خالد الصديق (صفحة المخرج على فيسبوك)

في عام 2013 أطلق مهرجان دبي السينمائي قائمة أفضل مئة فيلم عربي اختارها عدد من النقاد، فحل فيلم "بس يا بحر" في المركز التاسع عشر، وهو للمخرج الكويتي خالد الصديق (1945ـ 2021) والذي رحل قبل أيام عن 76 سنة.

بعض الأفلام تقترن بأصحابها، اقتراناً يصعب الفكاك منه، فإذا ذكر خالد الصديق ذكر "بس يا بحر" والعكس صحيح. كأنه، وعلى غير الحقيقة، مخرج الفيلم الواحد.

بداية ينتمي الصديق إلى جيل تفتح وعيه مع استقلال دولة الكويت وإعلان الدستور، بمشاعر وطنية جياشة. آنذاك استقطبت الكويت بعض الأسماء العربية المرموقة للإسهام في وضع البنية الأساسية لنهضة ثقافية تمثلت في إطلاق مجلة "العربي" العريقة وتأسيس الإذاعة والتلفزيون والمسرح، وكان من أبرز من تمت الاستعانة بهم الرائد المسرحي زكي طليمات. تتلمذ على يد طليمات أبرز نجوم التمثيل والمسرح في الكويت أمثال عبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج وخالد النفيسي وحياة الفهد وسعاد عبدالله وغانم الصالح وجاسم النبهان. هؤلاء أنفسهم هم من أسهموا في تأسيس الإذاعة والتلفزيون والمسرح، وكان هناك قسم للسينما تابع لمظلة التلفزيون أسسه الصديق نفسه بعدما انضم وهو دون العشرين من عمره، إلى هؤلاء المؤسسين، واختلف عنهم، هو الآتي من خلفية هندسية ـ وفي إخلاصه للفن السابع، لم يشتت جهده في تجريب فنون أخرى. فاستحق لقب "المخرج السينمائي الأول" في الخليج، بجدارة.

في ظل الدعم الرسمي للشباب آنذاك لصقل مواهبهم، كان أبناء هذا الجيل محظوظين بالسفر واستكمال دراستهم في الخارج، وقد درس الصديق في عدة دول منها الولايات المتحدة وإنجلترا، بل ودرس التصوير في بومباي.

لا شك في أن دراساته في الخارج أكسبته اطلاعاً واسعاً على جميع مفردات العمل السينمائي، وفتحت له جسوراً مع المهرجانات العالمية، فحظيت أفلامه القليلة باهتمام وترشيحات مهمة. من ثم يعتبر أيضاً أول مخرج كويتي وخليجي يرسخ اسمه في المحافل الدولية.

"بس يا بحر"

لم يكن "بس يا بحر" باكورة إنتاج الصديق بل سبقته أعمال روائية وتسجيلية بسيطة مثل "الصقر" و "الرحلة الأخيرة" و"وجوه الليل" و "عالية وعصام" عن ظاهرة الثأر في البادية. خرج الفيلم عام 1972 من كتابة عبد الرحمن الصالح، وتمثيل محمد المنصور في دور "مساعد"، الابن الوحيد للأب، صياد اللؤلؤ، الذي جسد دوره سعد الفرج، في مغامرة تحسب له وللمخرج، لأنه كان ما زال في ريعان الشباب. وخاطرت الفنانة حياة الفهد أيضاً بلعب دور "الأم". كان من أبرز الأسماء التي شاركت في تدشين أول فيلم خليجي يعتد به، أحمد الصالح، عبدالله خريبط، علي المفيدي، ومحمد المنيع.

وعلى رغم أننا ننظر إلى أسماء المشاركين باعتبارهم رواداً مؤسسين لفن التمثيل في الخليج، لكنهم  في حقيقة الأمر، كانوا عند الاستعانة بهم قبل نصف قرن، أقرب إلى هواة مبتدئين وقليلي خبرة. ربما لديهم رصيد في التلفزيون والمسرح، لكن تحريكهم أمام كاميرا السينما آنذاك، كان تحدياً لأي مخرج.

لعل من أسباب نجاح الفيلم على كل المستويات، أنه لامس لحظة تغير جوهري وحضري عاشتها دول الخليج جميعها، لحظة الانتقال من الغوص وصيد اللؤلؤ وركوب البحر، إلى النفط الذي دشن عصراً جديداً. أمسك الفيلم بعناصره كافة، بتداعيات تلك اللحظة التاريخية والاجتماعية الفاصلة، وبات أقرب إلى مرثية لعالم يندثر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حاول الصديق أن يعطي للعالم إجابة عن هوية شعوب الخليج، وأن الثروة النفطية الطارئة آنذاك، لا تعني أن أهل الخليج إزاء مجتمع مرفه، بل ثمة تاريخ وجذور وكفاح ضد غضب الطبيعة. كما يجب عدم النسيان، أنه أول محاولة عربية جادة للتصوير تحت الماء.

وربما ثمة حاجة الآن للمقارنة ما بين تجربة "بس يا بحر" وهو الأشهر، وفيلم آخر سبقه بعدة سنوات هو "العاصفة" 1965، إخراج محمد السنعوسي، وكتابة عبد الأمير التركي، تمثيل عبد الحسين عبد الرضا وخالد النفيسي. فكلا الفيلمين يتناولان عالم البحر في الخليج، ومرحلة ما قبل النفط وتداعيات ظهوره. وإن كان "العاصفة" مدته أقل من نصف ساعة، وكأنه إرهاصة لم يسعفها الطموح، وهو ما حققه الصديق.

"عرس الزين"

بعد مرحلة "بس يا بحر" حقق الصديق فيلمه الثاني من حيث الشهرة وهو "عرس الزين" 1976، عن رواية الأديب السوداني الراحل الطيب صالح. عالج الفيلم قضية النفاق الديني استلهاماً من الواقع السوداني، واستقبل استقبالاً جيداً جداً في المهرجانات المختلفة. وواقع الحال إن "عرس الزين" مع "بس يا بحر" يمثلان ذروة تجربة خالد الصديق، لأن بقية مشاريعه القليلة لم تحقق النجاح ذاته.

على رغم أن "بس يا بحر" يعبر عن واقع كويتي وخليجي بامتياز، إلا أن الصديق ظل منفتحاً على "العالمية" عبر حضوره الشخصي في المهرجانات، أو لتسويق أعماله، أو ضمن بحثه الدائم عن مشاريع ذات صبغة عالمية، وتمويل متعدد. ويبدو أن تلك السمة لا تخصه وحده، بل نراها عند معظم المخرجين العرب آنذاك، مثل يوسف شاهين أو مصطفى العقاد في فيلمه "عمر المختار". لذلك سعى الصديق في "شاهين" 1984، أن يكون ناطقاً بأكثر من لغة، واستقطب ممثلين من العرب والأجانب، وبحسب شهادته أنجز حوالى 80 في المئة منه، لكن المشروع تعثر ودخل في قضايا وتعويضات، فلم ير النور.

بعد تعثر "شاهين" تعرض الصديق لضربة أشد قسوة، تمثلت في الغزو الصدامي الغاشم للكويت، وضياع ممتلكاته ومعداته السينمائية. ومن بعد التحرير حاول الاشتغال على مشاريع عالمية معظمها لم يكتمل، كما كتب سيناريوهات بأسماء مستعارة بحثاً عن دخل. ومن أبرز هذه التجارب سيناريو "الطائرة الورقية بالخيط الفضي" الذي بدأ تنفيذه مع شركاء من اليابان وأميركا، والفيلم كان يتناول بعض الظواهر السلبية في المجتمع الهندي، فللهند دائماً حضور مهم في مسيرة الصديق بدءاً من ارتباط والده التاجر بها.

وفي محاضراته وندواته كان الصديق يكشف عن سينمائي متعدد المواهب والخبرات في الكتابة والإخراج والتصوير والإنتاج، إضافة إلى الولع بالمعدات والتقنيات. وتميزت مشاريعه غير المستكملة، وكذلك أفلامه، بالهم الإنساني والاجتماعي، وقد وازن دائماً ما بين تجديد الأسلوب الفني، والالتزام برسالة ما. فهو رائد سينمائي صاحب قضية، ولا يسعى فقط للربح وتلبية شروط السوق، وربما لهذا السبب انقطعت به السبل مبكراً. وعلى رغم قلة أعماله، وتوقفه شبه التام منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لكن منجزه الرائد ظل حاضراً ومحتفى به عربياً ودولياً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة