Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسباب أزمة الطاقة العالمية

لعبت العوامل السياسية الدور الأكبر... وهناك عوامل اقتصادية وطبيعية وفنية

أزمة الطاقة التي نراها الآن هي البداية (رويترز)

تتمثل أزمة الطاقة العالمية في انقطاع الكهرباء، ونقص إمدادات الفحم، وارتفاع تاريخي في أسعار الكهرباء والفحم والغاز المسال. وصاحَبَ ذلك تجاوز أسعار النفط 80 دولاراً للبرميل. فما أسباب هذه الأزمة؟

هناك حزمة من الأسباب يمكن جمعها في الجملة الآتية: العالم الآن يدفع ثمن السياسات المناخية المتطرفة للدول الأوروبية وبعض الولايات الأميركية وتجاهلها أساسات أمن الطاقة ومبالغات وكالة الطاقة الدولية والأمم المتحدة وحماة البيئة والشركات التي تستفيد من الإعانات الحكومية الضخمة للطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، ومبالغات وسائل الإعلام الموالية لهم، أو التي ابتلعت الطعم، وتركيز مؤتمرات الطاقة المختلفة، بما في ذلك التي عقدت في دول "أوبك"، على هذه المبالغات وإعطائها صدقية لا تستحقها.

وسيتم تجاهل أزمة الطاقة في كل من لبنان والعراق وفنزويلا، لأنها مزمنة، وسببها الأساسي هو الفساد الإداري.

أزمة الطاقة التي نراها الآن هي البداية، وقراء مقالاتي يعرفون أنني حذرت من هذه الأزمة مرات عدة خلال السنوات الثلاث الماضية. والأزمة التي أتحدث عنها أكبر مما نرى اليوم، وقد تكون أزمة تاريخية بكل المقاييس.

بدأت أزمة الطاقة الحالية بانتشار الجفاف حول العالم، الأمر الذي خفض منسوب المياه في السدود، فانخفضت كمية الكهرباء المولدة من الطاقة الكهرومائية. كيف تم التعويض؟ التعويض يجب أن يأتي من مصادر لم تكن مستخدمة، ما يعني أن الطاقة الشمسية والهوائية لا تستطيع التعويض. والحل هو زيادة معدلات تشغيل المحطات العاملة بالوقود الأحفوري، أو تشغيل محطات متوقفة تعمل بالوقود الأحفوري. من هنا، بدأت زيادة الطلب على الفحم والغاز والنفط.

وتوافرت عوامل عدة نتجت عنها أزمة الطاقة العالمية، منها:

العوامل الاقتصادية

بشكل عام، أسهم انخفاض أسعار النفط والغاز في السنوات الماضية في تخفيض الاستثمار في الصناعة، كما أسهم في تخفيض أسعار الفحم، وتخفيض الاستثمار فيه. وأسهمت مبالغات وكالة الطاقة الدولية وحماة البيئة والإعلام الموالي في تخفيض الاستثمار في الصناعة أيضاً. ونظراً للإعانات الضخمة التي قدمتها الدول المختلفة لصناعات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، كونت هذه الصناعات لوبيات سياسية وإعلامية لها أثرها عند صناع القرار وفي الإعلام. إلا أن الأسباب المباشرة تمثلت في الانتعاش الاقتصادي، بداية من الصين، ثم أوروبا، ثم الهند، بعد انتشار اللقاح ووقف عمليات الحجر وانفتاح الاقتصاد. وصاحَبت ذلك حزم الإنعاش الاقتصادي الضخمة التي قدمتها حكومات الدول المختلفة، ما زاد الطلب على الطاقة بشكل عام، والكهرباء بشكل خاص.

وكان الغاز أكثر تأثراً لأسباب عدة، أهمها زيادة الاعتماد عليه في السنوات الماضية بسبب انخفاض أسعاره من جهة، وبسبب انخفاض انبعاثاته من جهة أخرى. إلا أنه كان أيضاً مصدر الطاقة البديل للطاقة المتجددة عندما تغيب الشمس، أو تتوقف الرياح.

ونتج عن الارتفاع التاريخي في أسعار الغاز والغاز المسال في الأسواق الفورية تفضيل الدول المصدرة الالتزام بالحد الأدنى في العقود وبيع الباقي في السوق الفورية. ونتج عن هذا انخفاض كميات الغاز المتاحة للمتعاقدين. وهذا يفسر التصريح الروسي بأن شركة "غاز بروم" قامت بتوريد كل الكميات المتعاقد عليها. التصريح صحيح، ولكنه يعني أيضاً أنه الحد الأدنى في العقد، وأنه تم تحويل الكميات فوق ذلك إلى الأسواق الفورية. وستتم مناقشة هذا الموضوع مرة أخرى عند الحديث عن العوامل السياسية.

ونتجت عن الارتفاع الكبير في أسعار الفحم والغاز المسال زيادة اعتماد الهند على الفحم المحلي، إلا أن انخفاض المخزون في محطات الكهرباء من جهة، ورداءة الفحم الهندي، وعدم القدرة على زيادة الإنتاج من جهة أخرى، عوامل أسهمت في زيادة شح الإمدادات. وأسهم الارتفاع الشديد في تكاليف الشحن البحري في رفع أسعار الطاقة أيضاً.

العوامل الطبيعية

بدأت الأزمة، كما ذكر في البداية، بتوقف الأمطار وحدوث الجفاف في مناطق مختلفة من العالم، ما خفض توليد الكهرباء من الطاقة الكهرومائية. ولا يمكن التعويض عنها بالطاقة المتجددة، فتم استخدام مزيد من الغاز والفحم، وأحياناً زيت الوقود، كما تم ترشيد الكهرباء، وأحياناً انقطاعها. وهذا ما شاهدناه في البرازيل وكاليفورنيا وبعض دول آسيا الوسطى. وقد بلغ انخفاض توليد الكهرباء في الغرب الأميركي 14 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

واستمرت الأزمة بالتفاقم، إذ كانت مخزونات الغاز والفحم منخفضة بسبب زيادة الطلب عليهما في الشتاء القارس، في وقت كانت فيه عمليات الحجر مستمرة، ما يعني بقاء الناس في بيوتهم، وزيادة الطلب على التدفئة. وكان المفروض أن يتم بناء المخزون مرة أخرى مع نهاية فصل الشتاء، إلا أن النمو الاقتصادي الذي نتج عن عمليات الانفتاح منع من بناء المخزون. ثم جاء الصيف، وكان حاراً بكل المقاييس، خصوصاً في أوروبا. فزاد الطلب على التبريد، ولم تتمكن هذه الدول من بناء مخزون الغاز والفحم.

إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة يعني عدم وجود رياح، وعدم وجود الرياح يعني توقف عنفات الرياح عن توليد الكهرباء، ما أجبر بعض الشركات على زيادة الاعتماد على الغاز والفحم، فارتفعت أسعارهما، وارتفعت معهما أسعار الكهرباء.

وأسهمت الأمطار الموسمية في كل من الصين والهند في إغلاق مناجم الفحم، في وقت كانتا فيه بأمسّ الحاجة إليه، وكان الأثر في الهند أكبر من الصين.

الأسباب الفنية

كما ذكر سابقاً، لم تتمكن الدول المختلفة من إعادة ملء مخزون الغاز والفحم مع نهاية فصل الشتاء بسبب الانتعاش الاقتصادي وزيادة الطلب على الطاقة، إلا أن الدول الأوروبية خصوصاً، عانت مشكلة أخرى، وهي أنه في بداية أغسطس (آب) حدث حريق في محطة ضخ لشركة "غاز بروم" في سيبيريا، فانخفضت الإمدادات الروسية لأوروبا مؤقتاً. وتزامن ذلك مع عمليات الصيانة في حقول النفط والغاز في بحر الشمال، الأمر الذي منعها من إنقاذ الموقف. وزاد الطين بلة انقطاع الكابل البحري الذي ينقل الكهرباء من فرنسا إلى بريطانيا.

وعانت الصين حوادث عدة في مناجم الفحم هذا العام، نتج عنها وقف عمليات الإنتاج في هذه المناجم، وأشهرها كان في أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) وأغسطس. حادثة أغسطس كانت نتيجة فيضان، وراح ضحيتها 19 عاملاً.

وقبل أيام، حدث حريق في محطة "أمور" للغاز في شرق سيبيريا، وهي مخصصة لضخ الغاز للصين، ما أدى إلى توقفها.

وعانت أستراليا انقطاع الإمدادات وشح الكهرباء في السنوات الماضية، ولكن في الشهور الماضية خصوصاً، عانت انقطاع خط "توتُّر عالٍ"، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وانفجار منجم للفحم. وقبلها، تم إيقاف بطاريات تخزين ضخمة في كاليفورنيا كان المفروض أن تخزن الكهرباء من الطاقة المتجددة واستخدامها عند الحاجة، وذلك بسبب ارتفاع درجة الحرارة فيها، الأمر الذي زاد الاعتماد على الكهرباء المولدة من الغاز والفحم. وانقطعت الكهرباء في مدن أوروبية عدة منها استوكهولم ولاهاي، بسبب حرائق في محولات محلية.

العوامل السياسية

ولعبت العوامل السياسية الدور الأكبر في أزمة الطاقة الحالية، إذ إن معظم الأزمة جاء نتيجة قرارات سياسية تضمنت التخلص من الفحم والطاقة النووية سريعاً، ولكنّ ثمة فشلاً في إيجاد بدائل لهما. فقد تم التركيز على الطاقة الشمسية والهوائية، مع تجاهل أن الفحم والطاقة كثيفا الطاقة، بينما الطاقة المسيلة والهوائية منخفضة الكثافة.

في بريطانيا خصوصاً، تم تحرير أسواق الغاز من دون إيجاد أدوات إدارية وقانونية للتحكم بها وقت الأزمات. وسُمح للشركات بإغلاق خزانات الغاز لتخفيض التكاليف والاستفادة من تخزين الدول المجاورة، ما جعل سعة المخزون صغيرة جدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما أزمة البنزين في بريطانيا فهي محلية الصنع بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي وعودة عشرات الآلاف من سائقي الشاحنات والصهاريج إلى بلادهم، ومعظمهم من أوروبا الشرقية.

في أوروبا، تم تطبيق الربط الكهربائي من دون إيجاد أدوات إدارية وقانونية للتحكم في صادرات الكهرباء ووارداتها، وهذا يعني أن الكهرباء ستذهب إلى من يدفع السعر الأعلى، ويخلق حرب أسعار.

عالمياً، تم التركيز على فك ارتباط أسعار الغاز بأسعار النفط والتخلص من العقود طويلة الأجل لمصلحة الأسواق الفورية، بخاصة الهند. هذه العملية سمحت للأسعار في الأسواق الفورية بالارتفاع أكثر من عشرين مرة، بينما كان ارتفاع أسعار عقود المسال بسيطاً ومرتبطاً بأسعار النفط. قرار التخلي عن العقود لمصلحة الأسواق الفورية كان سياسياً، لأن صناع القرار ظنوا أنهم باللجوء إلى الأسواق الفورية يستطيعون الضغط على الدول المنتجة للبيع بسعر منخفض، فانقلب السحر على الساحر.

وأسهم الخلاف التجاري بين الصين وأستراليا في اتخاذ بكين قراراً سياسياً بوقف استيراد الفحم من أستراليا، ما أسهم في أزمة الطاقة داخل الصين. وهناك مشاكل داخلية بين الحكومات المحلية المنتجة للفحم والحكومة المركزية في بكين. ونتج عن هذه المشاكل عدم القدرة على استيراد كميات كافية من منغوليا، فارتفعت أسعار الفحم محلياً، وهذا ما أرادته حكومات الولايات.

وهناك رأي شائع بأن وقف محطات الكهرباء وانقطاع الكهرباء في المدن الصينية سببه رغبة الحكومة الصينية في تخفيف مستويات التلوث في هذه المدن استعداداً للألعاب الأولمبية الشتوية، والهدف ليس ظهور الصين بشكل لائق أمام العالم فحسب، ولكن لتخفيض الضغوط الأوروبية عنها بشأن اتفاقية المناخ وتخفيض الانبعاثات.

أسعار النفط

أما بالنسبة إلى أسعار النفط، فإن نمو الطلب بسبب الانتعاش الاقتصادي ما زال الداعم الأول، إلا أن المستجدات تتعلق بثلاثة أمور، الأول هو وقف عمليات الإنتاج في خليج المكسيك بسبب إعصار "آيدا"، الذي أسهم في دعم أسعار الغاز الطبيعي. والثاني هو أن النفط أصبح بديلاً للغاز المسال في توليد الكهرباء في دول آسيوية عدة بعد الارتفاع التاريخي في أسعار الغاز المسال. والثالث، وهو المهم الآن وفي الشهور المقبلة، هو التوليد الخاص، ويقصد به قيام المصانع والمستشفيات والمؤسسات التجارية والأفراد باستخدام مولدات كهرباء خاصة بها، غالباً تعمل بالديزل، في ظل الانقطاع الدائم والمستمر للكهرباء في بعض المناطق. وفي هذه الحالة يتم استخدام النفط كبديل للفحم أو الغاز. وأعتقد أن ارتفاع أسعار النفط فوق 77 دولاراً كان بسبب الإحلال محل الغاز المسال والتوليد الخاص.

خلاصة القول، إن ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً له أسباب عديدة، ولكنه ما كان أن يحدث لو ركزت الدول الأوروبية على أساسات أمن الطاقة المعروفة التي تركز على تنويع مصادر الطاقة وتنويع الواردات وتخفيض الذبذبة عن طريق بناء مخزون كبير، ولم تتطرف في سياساتها المناخية.

المزيد من آراء