يسعى العالم جاهداً للسيطرة على انبعاثات الكربون ومكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، من خلال تفعيل التحول من استخدام الوقود الأحفوري (كالبترول والغاز الطبيعي) إلى استخدام الطاقة النظيفة (كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح) كمصادر بديلة. ولأن وسائل المواصلات تشكل ثاني أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بعد توليد الكهرباء، ركز كثير من الأبحاث على العودة ثانية إلى وسائل المواصلات الكهربائية بدلاً من الوسائل ذات الاحتراق الداخلي، وأقول العودة ثانية لأن كثيرين لا يعرفون أن أول سيارة كهربائية ظهرت في عام 1832 على يد روبرت أندرسون قبل 47 عاماً من ظهور أول سيارة وقود على يد الألماني كارل بنز عام 1879.
تعد السيارات الكهربائية بأنواعها من أهم التطبيقات على الطاقة النظيفة، إذ إنها تعتمد على محرك كهربائي يزود بالطاقة الكهربائية التي يتم تخزينها في آلاف البطاريات المرصوصة في هيكل السيارة، وبزيادة نمو استخدام السيارات الكهربائية ستتخلص البيئة من كميات كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تولدها سيارات الاحتراق الداخلي (سيارات الوقود) ما سيسهم بشكل كبير في مكافحة الاحتباس الحراري.
التأثير السلبي
وينحصر التأثير السلبي للسيارات الكهربائية على البيئة في عملية إتلاف البطاريات عند انتهاء الزمن الافتراضي لها وذلك لما تحتويه من كميات كبيرة من المواد الكيماوية المضرة بالبيئة كعنصر "الغرافيت" وغيره. ولكن هناك أبحاثاً ومشاريع فعالة تستهدف عملية إعادة تدوير أجزاء هذه البطاريات لتخفيف تأثيراتها السلبية على البيئة.
إلى جانب مساهمتها في مكافحة الاحتباس الحراري، تتميز السيارات الكهربائية بانخفاض كبير في التكلفة الدورية التي تحتاجها السيارات، ولعل إحدى أهم المزايا هي تكلفة الشحن الكهربائي المنخفضة مقارنة بالوقود، ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلاً، تقدر تكلفة شحن السيارة الكهربائية بأقل من نصف مقارنة تكلفة تعبئة البنزين العادي "بناء على أرقام موقع eGallon التابع لوزارة الطاقة الأميركية"، علاوة على أن السيارات الكهربائية لا تحتاج إلى كثير من الصيانة الدورية المعتادة في سيارات البترول مثل تغيير زيت المحرك وغيرها، وهذا يُعد أيضاً خفضاً كبيراً في تكلفة استعمال السيارات، إلا أن التكلفة العالية لشراء السيارة الكهربائية تعد أهم المعوقات.
من ناحية أخرى، وعلى الرغم من انخفاض تكلفة البطاريات التي تعد العنصر الأعلى تكلفة في السيارة الكهربائية بنسبة 97 في المئة خلال العشرين سنة الماضية، فإن تكلفة شراء السيارات الكهربائية لا تزال مرتفعة كثيراً مقارنة بالسيارات التقليدية، كما أن أحد أهم عيوب السيارات الكهربائية طول فترة الشحن الكهربائي الذي يجعل من السيارة الكهربائية سيارة مدينة أكثر من أن تستخدم للسفر لمسافات طويلة، كما أن أداء السيارة يتأثر بشكل كبير بدرجة الحرارة، فلا يمكن أن يتساوى معدل المسافة لكل عملية شحن واحدة لسيارة في ولاية أريزونا الحارة بسيارة في شيكاغو، والجانب العلمي يقول، إن سعة التخزين الكهربائي للبطاريات تتأثر بدرجة الحرارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما من الناحية الصناعية والاقتصادية، فلا شك أن هناك نمواً كبيراً في إنتاج السيارات الكهربائية وخصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة، وتقود أوروبا العالم في نمو السيارات الكهربائية بنسبة نمو تقدر بـ60 في المئة سنوياً منذ 2016 حتى 2020. ويأتي هذا النمو المتسارع في أعداد السيارات الكهربائية في أوروبا لأسباب عدة أهمها التسهيلات الضخمة التي تقدم للشركات الأجنبية "غالباً شرق آسيوية" لإنشاء مصانعها على الأراضي الأوروبية، لا سيما مصانع بطاريات "الليثيوم أيون"، والسبب الآخر هو التحفيز الحكومي للأفراد وشركات المواصلات للتحول إلى المركبات الكهربائية من خلال الإعفاء الضريبي وغيره، فعلى سبيل المثال: عند شراء سيارة كهربائية، يعفى المواطن في النرويج من ضريبة السيارة التي تبلغ 100 في المئة، والجدير بالذكر أن النرويج تتصدر دول العالم في استخدام السيارات الكهربائية بنسبة تتجاوز 75 في المئة من مجموع السيارات في شوارعها.
نمو السيارات الكهربائية
وتأتي الصين في المرتبة الثانية في نمو السيارات الكهربائية بنسبة نمو سنوي يقدر بنحو 36 في المئة في السنوات ما بين 2016 و2020. وبناء على إحصائيات الوكالة الدولية للطاقة (IEA)، فإن الصين تملك 44 في المئة من السيارات الكهربائية في العالم بأكثر من 4.5 مليون سيارة، بينما تملك أوروبا نسبة 31 في المئة من الرقم العالمي لهذه السيارات بواقع 3.2 مليون سيارة ثم الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 17 في المئة بواقع 10.2 مليون سيارة.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فقد سُجلت أكثر من 1.8 مليون سيارة كهربائية جديدة عام 2020 وهو ما يعادل زيادة بحوالى ثلاثة أضعاف عن الرقم المسجل في 2016.
الركب العالمي
ولا يزال العالم العربي متأخراً عن الركب العالمي في السيارات الكهربائية من حيث التصنيع أو الاستعمال لأسباب اقتصادية وسياسية كثيرة، ولكن ومضة الأمل قد تأتي من شركة "لوسيد موتورز" التي تطرح أولى نسخها "لوسيد أير" للسوق الأميركية في هذا العام. ومن المعلوم أن "لوسيد موتورز" هي شركة سيارات كهربائية حديثة يمتلك فيها صندوق الاستثمارات العامة السعودي نسبة 62 في المئة (طرحت أسهمها في بورصة ناسداك الأميركية أخيراً). ويصنف خبراء السيارات النسخة الأولى من "لوسيد أير" بأنها سيارة تملك مواصفات رفاهية عالية بأسعار منافسة لمثيلاتها من الشركات الأخرى، وهناك أنباء تؤكد أن نقل التقنية وإنشاء مصنع سيارات لشركة "لوسيد موتورز" في السعودية خلال السنوات المقبلة هو جزء من اتفاقها مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
لكن السؤال المهم هو: هل ستحل السيارات الكهربائية محل سيارات الاحتراق الذاتي، ومتى؟
مؤشرات النمو
تدل مؤشرات النمو المتسارع في إنتاج السيارات الكهربائية على أنها ستحل يوماً ما محل سيارات الوقود، ما جعل شركات السيارات الكبرى تتسابق في فتح خطوط إنتاج جديدة للسيارات الكهربائية، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، طرحت شركة "جنرال موتورز" العملاقة ثلاث سيارات كهربائية جديدة في 2021 فقط.
لكن كثيرين من الباحثين يعتقدون أننا أصبحنا في منتصف ثورة صناعية للسيارات الكهربائية، وأنها ستحل محل سيارات الوقود أسرع مما نتخيل وذلك بناء على التغيرات الكبيرة في خطط إنتاج شركات السيارة التي تتجه نحو إغلاق كلي أو جزئي لخطوط إنتاج سيارات الوقود وإحلال السيارات الكهربائية محلها وهنا بعض الأمثلة:
-"جاكوار" البريطانية بحلول 2025.
-"فولفو" السويدية بحلول 2030.
-"جنرال موتورز" بحلول 2035.
-"فورد" الأميركية لن تبيع لأوروبا إلا سيارات كهربائية بحلول 2030.
-"فولكس فاغن" الألمانية بحلول 2030.
ومن ناحية سياسية، فقد طرح عدد من الحكومات خططاً زمنية خلال الـ15 عاماً المقبلة لحظر سيارات الوقود التقليدية من السير في شوارعها. وتعد فرنسا وألمانيا وكندا أهم هذه الدول إضافة إلى 12 ولاية أميركية أهمها كاليفورنيا.