Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كير ستارمر اختار وسطية توني بلير وسيكافأ حزبه

زعيم العمال البريطانيين استنتج أنه لا يمكنه توفير الوحدة التي وعد بتحقيقها في سباق الرئاسة والفوز بالسلطة في الوقت ذاته

كير ستارمر أثناء مؤتمر حزب العمال الذي انعقد في برايتون أخيراً (غيتي)

 عشية خطابه الكبير أمام أعضاء حزب العمال خلال مؤتمرهم السنوي، أظهر كير ستارمر إحباطه من استمرار مقارنته بأسلافه في زعامة الحزب، تحديداً جيريمي كوربين وتوني بلير، وكذلك رفض تحديد أي من نهجيهما أقرب إلى قلبه. وبحسب ستارمر، "وظيفتي لا تملي عليّ تقليد ما فعله أي من الزعماء السابقين، وظيفتي تملي علي أن أقود حزب العمال وأن أغيره".

لكن كلمته التي دامت تسعين دقيقة في المؤتمر السنوي لحزب العمال أوضحت بشكل جلي أنه اختار نهج رئيس الوزراء السابق بلير، إذ استنتج أنه لا يمكنه تحقيق وحدة الحزب التي وعد بتحقيقها قبل انتخابه زعيماً للحزب، تحديداً إرضاء يسار الحزب المؤيد [للرئيس السابق جيريمي] كوربين، والفوز بالسلطة في الوقت ذاته. وبحسب ما أخبر أحد مندوبي الحزب أن "إعادة تشكيل الوطن تستدعي فوز حزب العمال"، ويشكّل ذلك بالنسبة إليه، "الهدف من العملية برمّتها" [وليس توحيد أو تقسيم أو إرضاء محازبيه]. 

وبالاسترجاع، فقد قاطع عدد من الحضور الممثل ليسار الحزب الذي يعارض زعامة ستارمر، خطابه أكثر من مرة، ما يدل على أن يسار الحزب لم ينتهِ بعد، وتنتظر ستارمر معارك كثيرة بالرغم من إعلانه في برايتون في جنوب غربي إنجلترا [استضافت المدينة أعمال مؤتمر حزب العمال]، أنه نجح في "إعادة ترتيب بيت الحزب الداخلي". ووصل ستارمر إلى المؤتمر، متسلحاً بمجموعة جيدة من الانتقادات اللاذعة في مواجهة أعداء الحزب من الداخل، داعياً إياهم للاختيار بين "الشعارات الحزبية أو تغيير حياة الناخبين".

وبالرغم من أن كثيراً من الناخبين المؤيدين لحزب العمال لن يجدوا صورة انقسام الحزب أمراً مستحباً، لكن الغالبية في مقر المؤتمر وقفت بقوة إلى جانب ستارمر، بعدما استعار من توني بلير شعار "التعليم التعليم التعليم" من دون تسميته، وبرز مؤشر مهم أيضاً في أن أكبر ترحيب جاء بعد ثنائه على إنجازات حكومة حزب العمال السابقة في تنمية المناطق المحرومة، في إشارة واضحة إلى أن حزب العمال يبدو عازماً على فعل كل ما يمكنه لاستعادة السلطة. ويبدو أن الثناء الذي حصل عليه ستارمر خلال خطابه يضع حداً للانتقادات الانتخابية الكارثية التي وُجّهت إلى الحزب والصورة التي روّجها عن نفسه التي بالغ يسار الحزب في انتقادها منذ خسارة الحزب للانتخابات في 2020.

وبصدق، توجّب على ستارمر مواجهة حزبه وجبهته الداخلية بحقائق أليمة، إذ تساءل بأنه إذا كانت حكومة جونسون غير كفوءة إلى هذه الدرجة، "فماذا ينبئنا ذلك عن حالة العمال؟"، خصوصاً بعد الهزيمة النكراء التي تلقاها الحزب في انتخابات 2019.

في المقابل، يصر حلفاء ستارمر المقربين أنه ليس "نسخة محدثة من توني بلير"، على الرغم من أن بلير كان ليعبّر عن كثير من المواقف التي أوردها ستارمر أمام مؤتمر الحزب، إذ مثل الجزء الذي خاض من خلاله في صلب الموضوع، "عن السبب وراء تكرار تاريخ هذا الحزب في إنكار قدرتنا على تحقيق الحلم بإرساء مجتمع جيد، وفي الوقت ذاته نلام على عجزنا عن قيادة نهوض اقتصادي قوي". في المقابل، وفق ستارمر، "لا يمكن تحقيق نمو اقتصادي جيد من دون الاستناد إلى مجتمع جيد. وتحت قيادتي، سنكرس أنفسنا لتحقيق الأمرين معاً". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قدم ستارمر نفسه على أنه قائد جدي في زمن خطير، ويقدر على وضع خطة من أجل تشكيل حكومة، لا على شاكلة كوربين ولا على هيئة حكومة بوريس جونسون الذي وصفه بأنه "رجل الاستعراضات الذي لم يعُد لديه ما يقدمه"، خصوصاً بعد تأديته حيلة "بريكست". واستطراداً، يضفي ذلك كله قيمة على نقطة ضعف ستارمر المتمثلة في الصلابة التي يعترف حتى الحلفاء أنها تجعله يبدو "مملاً بعض الشيء". وذهب ستارمر إلى القول إن جونسون "ليس شخصاً سيئاً"، ما حمل انتقاداً ضمنياً لنائبه أنجيلا راينر بعد الهجوم الذي شنّته على جونسون وكبار المسؤولين في حزب المحافظين، ونعتتهم بأنهم "أوباش".

في النهاية، وجّه ستارمر [عبر خطابه] ضربات ناقدة لجونسون تتعلق بأزمة نقص المحروقات، مشيراً إلى إن جونسون "خرج ولم يعُد" وهو أمر منتظر بغرابة، من ستارمر منذ فترة طويلة. وزادت عيّنة رصد توجهات أعضاء حزب العمال، مستوى آمال فريق ستارمر من أن جونسون قد تعثّر، بحسب أحد حلفاء ستارمر. وفيما بدا الناخبون متسامحين مع رئيس الوزراء حيال تعامله مع جائحة فرضت نفسها على الجميع، أظهر أولئك الناس أنفسهم تسامحاً أقل مع فشله في التعامل مع قضية نقص إمدادات الوقود وارتفاع أسعار توفير الطاقة التي برأيهم كان يمكن لجونسون تلافيها عبر تخطيط أفضل، إضافة إلى عدم تسامحهم جراء زيادة تكلفة المعيشة التي تفاقمت بسبب قرارات هذه الحكومة.

لقد امتد خطاب ستارمر ثلاثين دقيقة إضافية عمّا كان متوقعاً له. وعرج ستارمر خلاله على الحديث عن مشكلة هويته، وسرد بشكل مقنع وأحياناً بشكل مؤثر، قصصاً عن تاريخه وتاريخ عائلته وعمله كمحامٍ، معبّراً عن تمسكه باستمرار بمبادىء "العمل والحرص والمساواة والأمن" باعتبارها المبادئ التي طبعت حياته، ووصفها بأنها شكلت "أدوات عمله" التي تتوافق مع قيمه البريطانية الوطنية. وحاول ستارمر أيضاً أن يحوّل مسألة أنه "ليس رجلاً يجيد لعب السياسة بطبعه" الذي طالما اعتبره مناصروه عيباً، إلى قيمة مضافة لمصلحته.  

وبصورة عامة، خلا خطابه بشكل مفاجئ من تفاصيل رؤيته السياسية. فقد سبقته تعهدات أُطلقت من أجل "خطة تحديث طموحة للمدارس غير مسبوقة" وتعهد فيها تقديم مليار جنيه استرليني سنوياً لدعم خدمات العناية بالصحة العقلية، في نهاية الدورة البرلمانية التي تستمر خمسة أعوام، وأضاف ستارمر إلى ذلك كله تعهده النهوض "بمهمة وطنية" عبر العمل من أجل بناء منازل أكثر رفقاً بالبيئة وخفض فواتير أكثر من 19 مليون عائلة بتكلفة ستة مليارات جنيه استرليني سنوياً تتحملها خزانة الدولة.  

وكخلاصة، أنهى ستارمر أعمال مؤتمر حزبه السنوي بشكل أقوى مما بدأ فعالياته، على الرغم من أن ذلك [المؤتمر] لم يكن موقعاً جيداً بالنسبة إليه [ستارمر]. ووفق ما ذكره أحد حلفائه في وقت لاحق "لقد نجح ستارمر في خطابه، والآن عليه أن يحلّق عالياً".   

وعلى الرغم من كل الضجيج الذي خيّم على أجواء قاعة المؤتمر، يبقى الأهم متمثّلاً في رأي القاعدة الشعبية العريضة المتلقية الأساسية والأهم، إذ سيراقب فريق ستارمر نتائج استطلاعات الرأي المقبلة عن كثب. وسيفعل الأمر ذاته معارضوه من يسار الحزب والنواب الوسطيين الراغبين بتحقيقه النجاح، على الرغم من الشكوك التي تعتريهم حيال قدرته على ذلك. وبحسب أحد الأعضاء في حكومة الظل العمالية، "لقد حققنا تقدماً كبيراً خلال هذا الأسبوع، لكن ما زال أمامنا طريق طويل، طويل جداً".

© The Independent

المزيد من آراء