Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المحاكمات العسكرية تثير مخاوف حقوقيي تونس

"القضاء يعيش ديناميكية كبيرة بعد الثورة على مستوى القوانين ما يجعل فرصة الإصلاح متاحة للتحرر من السلطة والأحزاب"

وقفة احتجاجية ضد المحاكمات العسكرية في تونس (اندبندنت عربية)

أثارت محاكمات عسكرية لعدد من نواب الشعب السابقين بعد إجراءات 25 أغسطس (آب) الماضي، ردود فعل مختلفة، منها من يرى أنها تجاوز خطير ينبئ بفترة استثنائية ربما تدوم وتتحول إلى ديكتاتورية، وبين من يعتبر أن تدخّل القضاء العسكري جاء لتعديل الكفة وفرض العدل الذي لم يتحقق في ظل تدخل بعض القوى السياسية في استقلالية القضاء المدني، بخاصة بعد ثورة يناير (كانون الثاني).

وأوضحت الناشطة الحقوقية بشرى بلحاج حميدة أن "المحاكم العسكرية هي في الأصل متخصصة في النزاعات المتعلقة بسلك الجيش"، وبرّرت سبب رفضها هذا النوع من المحاكمات، "عندما يحاكم مدني أمام المحكمة العسكرية التي تكون هي القاضي والخصم في الوقت ذاته، أي أن القضاء طرف في النزاع"، على غرار قضية النائب ياسين العياري الذي حوكم أمام القضاء العسكري بسبب تدوينة انتقد فيها الجيش. وبحسب بلحاج حميدة، "لا يمكن أن نتحدث عن توافر شروط المحاكمة العادلة"، وتابعت، "المبدأ أن المحاكم المدنية هي التي تحكم في الجرائم التي يكون المتهم فيها مدنياً، والمحاكم العسكرية تحسم في القضايا التي يكون المتهم فيها عسكرياً".

ولفتت الناشطة الحقوقية إلى أن "القضاء في تونس يعيش ديناميكية كبيرة بعد الثورة على مستوى القوانين على غرار المجلس الأعلى للقضاء، ما يجعل فرصة الإصلاح متاحة للتحرر من السلطة والأحزاب، وكل الضغوط التي تمارس على القضاء"، مضيفة، "على الرغم من محاولات تركيع القضاء، إلا أن هناك ديناميكية نحو الإصلاح"، وقالت إن "أي إخلال اليوم، في هذه الفترة الاستثنائية، أنه لا يوجد تناسق في المواقف بسبب التوجهات السياسية، والأشخاص الذين انتقدوا القضاء العسكري في محاكمات شهداء الثورة، هم أنفسهم يباركون اليوم المحاكمات العسكرية ضد مدنيين".

تحطيم معنويات الجيش

يذكر أن النائب المجمدة عضويته ياسين العياري أودع السجن في 30 يوليو (تموز) الماضي، على خلفية تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، وقال إنه حوكم بسبب تدوينة تعود لعام 2018 والقضاء العسكري حرّك القضية لأنه عارض قرارات 25 يوليو.

وأكد القضاء العسكري التونسي سابقاً أن إيقاف العياري جاء تنفيذاً لحكم قضائي سابق بشأنه، يتعلق بتهمة "تحطيم معنويات الجيش". وقال المستشار في رئاسة الجمهورية وليد الحجام في تصريح إعلامي إن "مؤسسة رئاسة الجمهورية لا علاقة لها بإيقاف النائب ياسين العياري، ورئيس الجمهورية لديه حرص شديد على احترام حقوق الإنسان والحريات، وليست لديه نيّة للتدخل بالقضاء التونسي، والقضاء التونسي مستقل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى الكاتب الصحافي الصغير الحيدري أن هناك نوعاً من الانتهاكات والاستفزازات مبالغ فيها من طرف البعض على غرار حادثة المطار التي اقتحم فيها عدد من نواب "ائتلاف الكرامة" المرفق، وهو من الأماكن السيادية التي يحق للجيش الوطني حمايتها.

يذكر أن النائب المجمدة عضويته سيف الدين مخلوف أُوقف أيضاً من قبل القضاء العسكري بسبب اقتحامه مطار تونس قرطاج الدولي في مارس (آذار) الماضي، لإيقاف إجراء منع سفر ضد موكلته.

العدل المفقود 

ورأى الحيدري أن "فشل القضاء العدلي في الفصل في عدد من القضايا المهمة على غرار قضايا الاغتيالات السياسية والفساد، وما رافق العملية الانتخابية الأخيرة من انتهاكات رصدها تقرير محكمة المحاسبات، شرعن المطالبات بتدخل القضاء العسكري لتحقيق بعض من العدل المفقود"، لكنه شدد في المقابل "على وجوب ألا يكون القضاء العسكري هو القاعدة بل يجب أن يكون الاستثناء في هذه الفترة الاستثنائية"، مضيفاً، "لأنه قضاء خاص بالجرائم العسكرية، لكن للأسف تدخله الاستثنائي جاء نتيجة عدم حسم القضاء المدني في قضايا مهمة، ونظراً إلى الاتهامات التي يواجهها القضاء العدلي بعد الثورة بعدم الاستقلالية وتدخّل القوى السياسية في مساره، ما جعله يتعثر في أداء دوره كما يجب".

وبحسب الحيدري، ينبغي "تحييد وزارة العدل ويجب إصلاح القضاء المدني من أجل إعادة القضايا التي تتعلق بالمدنيين إلى القضاء العدلي".

وكانت جمعية القضاة التونسيين جددت أخيراً تمسكها باستقلال السلطة القضائية ومؤسساتها، وبالتزام القضاة واجبات النزاهة والحياد وفقاً للدستور كضامن أساس لدولة القانون مع استكمال ما تقتضيه هذه السلطة من إصلاحات، بحسب بيان صادر عن المكتب التنفيذي للجمعية.

غياب الرؤية

كما أكدت الجمعية في بيان لها أصدرته مطلع الشهر الحالي أن "غياب الرؤية الإصلاحية العميقة للقضاء في الحركات القضائية، خلال الأعوام الخمسة المتعاقبة لمجلس القضاء العدلي، مسّ بجوهر وظيفة المجلس الأعلى للقضاء في ضمان حسن سير القضاء وتحقيق الإصلاحات الكبرى المتعلقة به والضامنة لتركيز قضاء قوي وناجز وذي جودة، قادر على مكافحة الجريمة ومكافحة الفساد وإعلاء القانون وإنفاذه".

واستنكر مجلس القضاء العدلي في بيان صدر قبل يومين، ما سمّاها "حملة المغالطات والتشويه التي طالته وأعضاءه بما يمثل خطأ لا يتماشى واحترام المؤسسات الدستورية نتيجة مواقفهم في التعاطي مع الملفات التأديبية بمنتهى الاستقلالية والحياد". وذكّر المجلس أنه "خلافاً للمزايدات والمغالطات التي أطلقتها جهات عدة، فإن مجلس القضاء العدلي هو من بادر من تلقاء نفسه بفتح كل ملفات شبهات الفساد المالي من دون تدخّل أي طرف آخر منذ عام 2019"، واعتبر أن "الحركة القضائية الأخيرة حققت نسبة كبيرة من الأهداف التي تم وضعها بمناسبة الإعلان عن قائمة الشواغر".

المزيد من متابعات