Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يبعد استجرار الغاز المصري شبح العتمة عن لبنان؟

تلوح بعض العراقيل في أفق تنفيذ المشروع لا سيما في القسم السوري من "الخط العربي"

يغرق لبنان في العتمة بانتظار تطبيق الحلول (رويترز)

يترقب اللبنانيون آخر المستجدات المتعلقة باستجرار الغاز المصري إلى بلادهم عبر خط الغاز العربي، مروراً بسوريا والأردن، لزيادة ساعات التغذية بالطاقة الكهربائية. ويبرز اليوم ملف استجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن، كأحد الحلول المطروحة في مواجهة أزمة الطاقة التي تهدد بتعطيل مختلف القطاعات في لبنان الذي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.
إلا أن علامات استفهام عدة لا تزال مطروحة، بخاصة من النواحي السياسية والتقنية والمالية بعد الاجتماع الرباعي لوزراء الطاقة في دول "خط الغاز العربي" الذي استضافته عمّان أخيراً، لوضع خريطة الطريق، والتأكد من جهوزية البنى التحتية، بدءاً من مصر، وصولاً إلى لبنان لإيصال الغاز بعد انقطاع دام لأكثر من 10 سنوات. وكان الاجتماع قد تطرق إلى الأضرار التي تعرضت لها خطوط الغاز والكهرباء في سوريا خلال الحرب هناك، كما صرحت وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية، هالة زواتي، عقب الاجتماع، بأن الأردن سيتمكن من تأمين ما بين 200 و250 ميغاواط من الطاقة الكهربائية للبنان.

موقف أميركي مستجد

عُقد عديدة يجري العمل على حلها في المشروع الذي نال الضوء الأخضر من واشنطن التي أعطت موافقتها على استجرار الغاز المصري عبر سوريا، في استثناءٍ من عقوبات قانون "قيصر" الذي يحظر التعاملات التجارية مع السلطات السورية. هذا التطور المهم في الموقف الأميركي قد يعود، بحسب الباحثة، في مجال النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لوري هايتايان، إلى "رغبة أميركية في إبعاد شبح الاتهامات الموجهة ضدها باعتبارها الجهة المسؤولة عن الضغوط التي يرزح تحتها لبنان، والتي أدت إلى استفحال الأزمة فيه. وانطلاقاً من ذلك، قررت مد يد العون لمساعدة لبنان في مواجهة الأزمة، عبر منح هذا الاستثناء، وأيضاً عبر المساهمة في تأمين التمويل اللازم لهذا المشروع الذي تترتب عليه تكاليف ضخمة سيغطيها البنك الدولي".
ولا يزال الغموض يلف نواحي عدة من هذا المشروع، سواء لجهة خطة العمل أو لجهة الخطوات التي ستُتبع في سبيل تخطي التحديات والعوائق، خصوصاً في سوريا، حيث تُطرح علامات استفهام حول وضع البنى التحتية نتيجة الحرب وما يمكن أن تكون قد تعرضت له من أضرار، وما إذا نُفذت أعمال الصيانة فيها. وأوضحت هايتايان، "كالعادة، تفاصيل عدة ليست واضحة بعد، ولم تُعرف المدة التي سيتطلبها إتمام المشروع، وإن كان وزير الطاقة اللبناني السابق، ريمون غجر، قد لمّح إلى أن الطاقة قد تؤمَّن في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل تقريباً، بعد التحقق من الأمور التقنية، وبعد أن تكشف كل دولة عن أنابيبها ومنشآتها وقدرتها على استيعاب الغاز وإمكان حصول تهريب في مكان ما، إضافة إلى ضرورة التأكد من معمل دير عمار (لإنتاج الكهرباء) وجاهزيته، وأيضاً الاتفاق في الشأن المالي والتمويل. في الواقع، مسألة المدة المطلوبة لإتمام خطة العمل ترتبط بكل التفاصيل التي لا بد من معالجتها".

من أفضل الحلول حالياً والكل مستفيد

يُعد استجرار الغاز المصري وتأمين الكهرباء من الأردن، من الحلول المطروحة للبنان لزيادة ساعات التغذية بالكهرباء، نظراً إلى شح الدولار في البلاد، وعدم إمكان التعويل على شراء النفط في المرحلة الحالية. كما يُطرَح النفط العراقي ايضاً كأحد الحلول. إلا أنه وبعد أن تبينت عدم صلاحيته للاستخدام في المحطات اللبنانية، تم الاتفاق على أن تستبدله شركة "إينوك" الإماراتية التي فازت بالمناقصة الأولى، بنفط يلائم محطات توليد الكهرباء في لبنان، على أن يُسدَّد ثمن النفط العراقي بعد عام من تاريخ تسلم كل شحنة.
تبدو هذه الحلول مناسبة للبنان حالياً، وبات يترقب التنفيذ في هذه المرحلة التي يتعذر عليه فيها تحمّل أي نفقات إضافية وتسديد التكاليف بشكل آني.
أما بالنسبة إلى استجرار الغاز المصري، فيبدو واضحاً أن كل الأطراف المعنية مستفيدة منه. أولاً، بالنسبة إلى مصر، فإنها لطالما طرحت نفسها كمركز للطاقة يمكّنها من لعب دور محوري أساسي في المنطقة. أما الأردن، فبعدما دفع غالياً ثمن العقوبات الأميركية على سوريا، يمكن لهذا المشروع أن يساهم في استعادة دوره كمركز محوري لمد المنطقة بالكهرباء، خصوصاً أن عمّان تنتج أكثر بكثير من معدل الاستهلاك لديها، ومن مصلحتها أن تنشئ سوقاً مشتركة في هذا المجال، هذا إلى جانب مبادرتها للقيام بهذه الخطوة ضمن المساعي العربية لمساعدة لبنان، لكن وفق ما توضح هايتايان، فإن "مشروع استجرار الغاز المصري ليس بحديث، فالفكرة مطروحة منذ عام 2009، وتوقفت بعدها بسبب الربيع العربي وعراقيل عدة حالت دون التنفيذ. أما اليوم فبعدما توحّدت المصالح عاد المشروع ليُطرح على الطاولة. والأهم من ذلك هو أن لبنان لا يتحمل التكاليف المترتبة عن المشروع بشكل آني لعدم توافر السيولة لديه. ويتولى البنك الدولي التمويل للعمل على البنى التحتية وغيرها من الخطوات التي تضمنتها خطة العمل الموضوعة لاستجرار الغاز إلى معمل دير عمار في شمال لبنان، وأيضاً معمل الزهراني في الجنوب، وهما أكبر معملين لإنتاج الكهرباء في لبنان، وينتجان ثلث حاجة لبنان من الكهرباء، على أن يُزوَّد المعمل الأول بأنبوب مباشر من مصر، في حين يُنقل الغاز إلى الثاني عبر السفن لعدم وجود أنبوب بين المعملين اللبنانيين، مع الإشارة إلى أن طول خط الغاز العربي الذي سيُنقل من خلاله الغاز المصري إلى لبنان، مروراً بسوريا والأردن، يصل إلى نحو 1200 كيلومتر بقدرة نقل تزيد على 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً".

تحسن جزئي فقط

يتوقع اللبنانيون أن تسهم هذه الخطوة في معالجة أزمة الكهرباء والحد من معاناتهم اليومية، وهم غارقون في العتمة في ظل ساعات التقنين التي تزايدت بشكل كارثي أخيراً... "في الواقع، لا تُعد تلك الإجراءات بمثابة حل جذري للأزمة"، كما توضح هايتايان، "ولن يكفي المشروع لتغطية كافة حاجات البلاد من الطاقة، بل ما سيحصل هو تحسن في معدل ساعات التغذية الكهربائية بعد إتمامه وفق الخطة المطروحة لتزيد التغذية الكهربائية من ساعتين إلى معدل ثماني ساعات في اليوم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن تبقى المشكلة الأساسية في أن الحلول التي تُقدَم للبنانيين مجتزأة دوماً وقصيرة المدى، وتضعه في وضع يجده أفضل من ذلك الأسوأ الذي كان فيه". وأضافت، "المطلوب اليوم تأمين الكهرباء للبنانيين 24/24، وليس لبضع ساعات إضافية بالمقارنة مع الوضع الحالي. الحل لن يكون إلا بإصلاحات بنيوية جذرية في قطاع الكهرباء لتأمينها من جهة واحدة معروفة بأسعار مقبولة، وعبر تحسين الجباية حتى تصبح شركة كهرباء لبنان رابحة. كما أن تحويل المحطات على الغاز من الحلول البعيدة المدى التي تسهم في حل الأزمة، فالمطلوب بناء معامل لتأمين الطاقة على الغاز، خصوصاً أن تكلفتها أقل".
ويبدو واضحاً أنه لا يمكن الاستمرار بالتعويل على الحلول الآنية، و"الترقيع" كما جرت العادة. فالمجتمع الدولي جاهز لتقديم يد العون حالياً من خلال هذا المشروع في إطار مساعدة آنية إنسانية في مواجهة أزمة الكهرباء التي تهدد مختلف القطاعات في لبنان، لكن لا بد من العمل في المقابل على الحلول البعيدة المدى التي تؤمّن الاستمرارية والضمانات للشعب اللبناني، وعلى رأسها الاستثمار في الطاقات المتجددة لتوفير الطاقة، إذ أظهرت الدراسات أن تأمين الطاقة يجب أن يتم بنسبة 40 في المئة من الطاقة المتجددة، وبنسبة 60 في المئة من الغاز.

غموض وعراقيل محتملة

لا تزال حتى اليوم المسائل التقنية عالقة في المشروع، وهي قيد الدرس، خصوصاً في ما يتعلّق بوضع الشبكة في سوريا في ظل الحرب وما إذا كانت تجرى فيها أعمال الصيانة المطلوبة، وما إذا كانت حالتها تسمح بإتمام المشروع بأقل قدر ممكن من الوقت والتكاليف. فمسألة الوقت ترتبط بشكل أساسي بوضع الشبكة والبنى التحتية في سوريا. وتبيّن أنه لا مشكلة في الشبكة في الأردن وفي الأنابيب الممتدة من مصر إلى الأردن، كما أنه ما من مشكلة جوهرية في خط الغاز اللبناني، فيما يبقى الشق السوري العائق الوحيد الذي يستدعي المعالجة. أما بالنسبة إلى التكاليف التي قد تترتب عن صيانة الشبكة، فهل الجانب السوري سيتحملها أم البنك الدولي أيضاً؟ سؤال مطروح أيضاً لم يُعط الجواب عنه حتى اللحظة، حتى تتضح الصورة بشكل أفضل. وماذا عن خطر استهداف الخط من قبل إرهابيين؟ فهذا الخطر وارد، وما من ضمانات أكيدة. كما أن كون أمن الشبكة مهدداً، يدفع إلى أخذ هذا الخطر بعين الاعتبار ضمن الخطة الموضوعة لتحديد التكاليف، لأن التأمين على الأنابيب ضد تهديد الإرهاب يرفع التكلفة، ولا بد من إدخال هذه النقطة في الاتفاق حول الشأن المالي. الخطر وارد فعلاً، وسبق أن فجّر "إرهابيون" خط أنابيب الغاز في سوريا أخيراً، وما من ضمانة لمنع مثل هذا الخطر. ويُفترض أن يكون الجانب السوري مسؤولاً عن هذه الأمور التي يقع التأمين من ضمنها.

يشكل مشروع نقل الغاز اليوم جزءاً من الحل للأزمة اللبنانية، وهو ليس حلاً بالمطلق. كما أنه ليس مؤكداً ما إذا كانت مصر ستمد لبنان بالغاز على المدى البعيد، أم أنه مجرد حل مؤقت. فهل ستتمكن القاهرة من تمويل بيروت على المدى البعيد وفق قدرتها على الإنتاج؟ ويحتاج لبنان إلى خطة عمل واستراتيجية استباقية واضحة لتأمين الطاقة على المدى البعيد، إذ إنها لا تُعد من سبل الرفاهية، بل حاجة أساسية للمواطن لا يمكن المساومة بشأنها.

اقرأ المزيد