Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يحارب العتمة بالغاز المصري والنفط العراقي

محاولة لتفعيل "الخط العربي" بعد 10 سنوات من الانقطاع

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد مستقبلاً نظيرته اللبنانية بالوكالة زينة عكر في دمشق السبت 4 سبتمبر الحالي (رويترز)

بعد 10 سنوات من الانقطاع، يعود "خط الغاز العربي" إلى الواجهة، لكنه هذه المرة يشكّل الفرصة الأخيرة للبنان الذي تتهدده العتمة الكاملة. ويندرج تفعيل هذا الخط في خانة الحلول الجزئية لأزمة الكهرباء في البلد، الطامح إلى الاستفادة من الغاز المصري الذي يمكن أن يمرّ عبر الأردن وسوريا، وصولاً إلى محطة دير عمار لإنتاج الطاقة الواقعة في شمال البلاد، على البحر المتوسط. في موازاة ذلك، يستعجل لبنان تنفيذ اتفاق توريد النفط الخام العراقي لاستبداله بفيول صالح للاستخدام في معامل شركة "كهرباء لبنان" لزيادة ساعات التغذية بالطاقة وتخفيف فترات القطع والتقنين التي وصلت إلى 23 ساعة يومياً في بعض المناطق.

خط الغاز العربي

"خط الغاز العربي" الذي أُطلق عام 2000، هو الاسم الرديف لمشروع تصدير الغاز المصري إلى دول المشرق العربي وصولاً إلى تركيا فأوروبا. ويُقدَّر الطول الإجمالي لهذا الخط بـ 1200 كيلومتر، ويهدف إلى نقل حوالى 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً.

وينطلق خط الأنابيب هذا من العريش في شمال سيناء نزولاً إلى شاطئ خليج العقبة الأردني، ومن ثم يتجه نحو منطقة الرحاب في الأردن، ليتجه إلى دير علي وصولاً إلى حمص في سوريا، على أن تكون الوجهة الأخيرة من ناحية لبنان في محطة دير عمار.

ونجح هذا الخط في إمداد المحطة بالغاز في أكتوبر (تشرين الأول) 2009، قبل أن يتوقف لظروف عدة، من بينها عدم قدرة لبنان على دفع المستحقات المتوجبة عليه واندلاع الحرب في سوريا عام 2011.

اليوم، ومع وصول لبنان إلى مرحلة العتمة الكاملة، واقتراب استحقاق رفع الدعم عن المشتقات النفطية الذي أُرجئ لمدة أقصاها نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، أُعيد طرح تفعيل خط الغاز لتزويد البلاد بجزء من حاجاتها من الطاقة. وفي حال نجاح تلك العملية، فسيزوّد الخط العربي محطة دير عمار، وهي واحدة من أربع محطات لإنتاج الكهرباء في لبنان تعمل على الغاز، إضافة إلى محطات الزهراني والذوق 2 والجية 2.

في المقابل، رأى حلفاء النظام السوري في لبنان أن الفرصة سانحة لإعادة تفعيل العلاقات مع سوريا بعد أعوام من البرود في العلاقات الرسمية، وأن يكون ذلك سبباً لكسر العقوبات على التعامل مع النظام وحلفائه، المفروضة بموجب قانون "قيصر" الأميركي.

اجتماعات تحضيرية

وكانت نائبة رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية زينة عكر، ترأست وفداً رسمياً للقاء وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، السبت 4 سبتمبر الحالي، وأجرى الوفد مباحثات مع الجانب السوري، من ضمنها بحث تفعيل خط الغاز المصري الذي يصل لبنان عبر سوريا.

ولاقت تلك الزيارة ردود فعل متباينة، فتعرّضت للانتقاد من خصوم النظام السوري، تحديداً من بوابة الأخطاء البروتوكولية وتعمّد عدم وضع علم لبنان في قاعة الاجتماع، في مقابل ترحيب كبير من أنصار النظام، باعتبار أن "سوريا ممر أساس نحو العالم".

من جهة أخرى، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قائلاً، "ما إن انتهت زيارة الوفد الرسمي اللبناني إلى سوريا حتى انفجر مجدداً أنبوب النفط في الشمال"، متسائلاً، "هل هي عصابات النفط المتحكمة بالمواطن وبالخزينة، تريد تخريب استيراد الغاز المصري والكهرباء الأردنية؟ أم أن النفط الإيراني له صلة؟ وماذا عن المتحكمين في الظل بوزارة الطاقة؟".

وبعيداً من الخلافات الداخلية، باشر الأردن اتخاذ خطوات عملية لتفعيل المشروع، إذ أعلنت وزارة الطاقة في بيان عن استضافة المملكة لـ"اجتماع نهار الأربعاء المقبل في 8 سبتمبر 2021، يضم وزير البترول والثروة المعدنية المصري ووزير النفط والثروة المعدنية في سوريا ووزير الطاقة والمياه اللبناني لبحث سبل تعزيز التعاون لإيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن".

تفعيل مؤجل

بدء المحادثات حول تفعيل خط الغاز المصري، لا يعني أن نتائجها ستكون سريعة وإنما مقدمة إلى حلول جذرية، ولفتت الباحثة اللبنانية في مجال الطاقة لوري هايتيان إلى أن "هناك استراتيجية تؤكد ضرورة اعتماد الغاز لتوليد الطاقة في البلاد كبديل عن الفيول أويل منذ عام 2009"، وأوضحت أن "الخطط لم تكُن قائمة على استيراد الغاز المصري وإنما على محطات التغويز العائمة، التي تكرر الغاز المسال وتحوّله إلى غاز طبيعي لاستخدامه في إنتاج الكهرباء، إلا أن هذه الخطة لم تنفَّذ".

وعبّرت هايتيان عن اعتقادها بأن "هامش الحلول لمشكلة الكهرباء بات محدوداً، لأن مداخيل الدولة المالية من الدولار قليلة. لذلك بدأ البحث عن حلول بكلفة مخفضة أو مؤجلة، لذلك كان هناك توجه نحو العراق لاستقدام فيول بأثمان مؤجلة أو لقاء خدمات وسلع. كما أُعيد طرح استيراد الغاز، أو استجرار الكهرباء من الأردن. وتهدف كل هذه الخطط إلى تقليل ساعات تقنين الكهرباء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت هايتيان إلى "نوعين من العوائق التي تعترض مشروع استجرار الغاز المصري عبر سوريا. فمن الناحية السياسية يجب أن ننتظر ردود الفعل الرسمية من الإدارة الأميركية وإمكان منح لبنان استثناء من قانون قيصر. بالتالي لا بد من التمهل لعدم تعريض البلاد إلى عقوبات صارمة"، لافتة إلى أن "المصريين والأردنيين لن يتجاوبوا مع لبنان في حال عدم توافر الاستثناء الأميركي. كما يجب انتظار السلوك السوري نحو لبنان، ومدى اعتباره ما يجري فرصة لمفاوضة الولايات المتحدة".

أضافت، "أما من الناحية التقنية والفنية، فلا بد من عملية مسح للشبكات والأنابيب وقياس مدى جاهزيتها، لأن هناك أضراراً محتملة في الأراضي اللبناني، وكذلك السورية التي تشهد حرباً منذ عقد من الزمن. وعلى ضوء هذه الدراسات، يمكن تقدير التكاليف التأهيلية والفترة الزمنية التي يتطلبها تشغيل خط الغاز"، وتابعت هايتيان أن "هناك نقاطاً يُفترض الاتفاق عليها لناحية الكميات، والالتزامات المالية الواجبة على لبنان وكيفية دفعها في ظل الأزمة الراهنة، إضافة إلى البدلات المادية أو العينية التي من الممكن أن تشترطها سوريا لعبور الغاز والكهرباء عبر أراضيها في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية".

هامش زمني ضيق قبل الظلمة

ويمتلك لبنان هامشاً زمنياً ضيقاً جداً، يفرض عليه التحرك بسرعة لاستدراك العتمة التامة حال رفع الدعم عن المشتقات النفطية بالكامل. وفي هذا الصدد، أكدت هايتيان أن "وصول الغاز المصري إلى لبنان يحتاج إلى بعض الوقت، وكل شيء رهن المفاوضات والتسهيلات"، معربة عن تخوفها من "ظهور فئات تشكك بأن الغاز الذي يصلنا ربما يكون إسرائيلياً لأن خط الغاز الواصل إلى الأردن يمرّ فيه الغاز الإسرائيلي أيضاً، ومن المحتمل أن يتطلب الأمر إيجاد وصلات مستقلة".

وقالت إن لبنان يستعجل استقدام الغاز المصري لتشغيل دير عمار، والكهرباء من الأردن لتزويد منطقة البقاع بالطاقة، أما النفط العراقي فيتم استبداله لتأمين ساعات طاقة إضافية، وتحقيق انفراج جزئي"، وأردفت أن "الصورة ستتضح مع دخول المازوت الإيراني، وكيفية التعامل معه، لأنه سيكون مؤشراً إلى الانفراج أو الصدام والانفجار بفعل إصرار حزب الله على فتح الطريق من إيران إلى لبنان، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المحور، والاستمرار في سياسة استقدام المساعدات من دون إجراء إصلاحات".

النفط العراقي جاهز للتبديل

وبانتظار تفعيل اتفاق الغاز المصري، بدأ لبنان والعراق بتنفيذ "اتفاق بيع مادة زيت الوقود الثقيل"، وأوضحت الباحثة في مجال الطاقة ديانا القيسي أن "العراق منح لبنان في الدفعة الأولى 84 ألف طن، سيتم تبديلها مع شركة إينوك الإماراتية"، وأضافت أنه "بدل استقدامه إلى لبنان عبر شاحنات، وتكبيد الدولة أعباء إضافية وأجرة النقل، يُفضًّل إرساله مباشرة من العراق إلى الإمارات عبر البواخر بسبب وجود تعاملات سابقة". وطالبت القيسي مجدداً الدولة اللبنانية بنشر العقد مع بغداد لمعرفة كيفية إنفاذه، كما تحدثت عن ضرورة تدقيق الكميات المستلَمة براً ضماناً للشفافية.

وبحسب العقد، "يقوم الجانب العراقي ببيع زيت الوقود الثقيل HSFO بمقدار 1 مليون طن متري سنوياً إلى لبنان، وتُنظّم عملية البيع بموجب ما يتم توقيعه بين شركة تسويق النفط العراقية سومو SOMO، والجهة الحكومية اللبنانية، على أن يكون المشتري كياناً عائداً إلى الدولة اللبنانية، التي يحق لها التصرف إما بالاستخدام المباشر في محطات توليد الكهرباء في البلاد أو تكريرها على حسابها إلى منتجات ثانوية نفطية، أو استبدالها مع طرف ثالث بهدف تغيير المواصفات لاستخدامها من قبل الحكومة"، كما "تخول وزارة المالية العراقية البنك المركزي العراقي فتح حساب مصرفي وإدارته لدى مصرف لبنان بالدولار الأميركي لأغراض الاتفاق حصراً"، و"يُحوّل رصيد البنك المركزي العراقي لدى المركزي في بيروت إلى وديعة مصرفية لمدة عام واحد وتُجدد تلقائياً باتفاق الطرفين، وتستحق الفائدة على الرصيد وفقاً لما هو معمول به لدى مصرف لبنان". و"يلتزم الجانبان ألّا يكون أي طرف مشترك في عملية البيع والشراء مدرجاً على لوائح العقوبات الدولية ويُستبعد أي طرف قد يتم إدراجه لاحقاً خلال فترة نفاذ الاتفاق، وبخلافه، يُعتبر الاتفاق ملغى ويحق للطرف العراقي الانسحاب من بنوده".  

المزيد من العالم العربي