Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صور تالفة تتحول رموزا سريالية تدهش معارض دولية

فنان يمني يستنطق أشتات المشهد في بلاده بعد الحرب

إرث تالف من صور المصور اليمني عارف النمي تحول إلى كتاب وركن لافت في كبريات المعارض الدولية (اندبندنت عربية)

معالم تداخلت رموزها وألوانها، نتاج عطاء امتد لسنوات طوال للمصور اليمني عارف النمي الذي تفاجأ بعطائه، وقد أضحى إرثاً تالفاً يشبه ما تسبب به الحرب في بلده.

في رحلة اقتناص توثيق سلسلة طويلة من لحظات المعالم الأثرية والتاريخية والمناظر الطبيعية التي استغرقت منه رحلة عمر مهني امتد لعقود. يتفاجأ المصور النمي في لحظة ما بخسارة إرثه المصور الذي ظل يفاخر به، جراء عطل فني أصاب جهاز كمبيوتره الخاص نتيجة الانطفاء المتكرر للتيار الكهربائي في اليمن، كإحدى نتائج الحرب التي طاولت كل مناحي الحياة المعيشية والاقتصادية وتسببت في أسوأ مأساة إنسانية في العالم.

قصة محكية
يروي النمي خلال حديثه إلينا أن رحلته مع التصوير الفوتوغرافي بدأت منذ عقود في مدينة أبها بالسعودية، بعد أن "هاجرت إليها في العام 1989م، ومن خلال تجربتي مع العديد من الفنانين السعوديين أدركت أن الصورة ليست مجرد لقطة جامدة، ولكنها قصة محكية يمكن أن تنقل رسالة إلى العالم من دون الحاجة للترجمة".

خلال تلك الفترة كان على اتصال منتظم مع مجموعة من الفنانين الذين أسسوا مجموعة قرية "المفتاحة" للفنون بأبها، وأطلقت على نفسها اسم "شتّا" ويعني "التفكك"، ومن بينهم أحمد ماطر وأشرف فياض وعبدالناصر غارم.

يضيف، "استمرت هذه المجموعة في تأسيس حركة غيرت المشهد الفني السعودي إلى الأبد، وبدأنا في تجربة وسيلة التصوير الفوتوغرافي كشكل فني ومنصة لمناقشة القضايا الحرجة مع مجتمعنا".

خيوط الماضي والحاضر

كي يوصل رسالته ومعنى محتوى عدسته إلى العالم، قرر النمي بعصامية إيجاد طريقة لتعلم التصوير الاحترافي فالتحق بدورات متخصصة في هذا الجانب كان يقدمها المعهد الأمريكي عبر الإنترنت.

خلال العقدين الماضيين قال إنه تنقل بين السعودية واليمن كفنان مستقل متخصص في التصوير الوثائقي وتوثيق حقائق الذاكرة المنسية لليمن في السيناريوهات المفاهيمية، و"حاول الربط بين خيوط الماضي والحاضر والمستقبل في الأعمال التي وثقها للمعالم الثقافية والتاريخية والمناسبات الاجتماعية وغيرها".

بأسى يحكي عن الإرث التالف الذي تبقى لديه من صور ظهرت كخطوط مشعة طمست جل أو بعض المعالم الملتقطة، أو أبقت على بعضها في هيئة تمازج غير مفهوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع، "نتيجة الانطفاءات التي سببها انقطاع التيار الكهربائي المتكرر جراء الحرب، تعطل نظام التشغيل على جهاز الكمبيوتر الخاص بي وفقدت جميع بياناتي تقريباً، بما في ذلك جميع الصور المخزنة على القرص الصلب".

ويوضح أن المادة الوحيدة المتبقية كانت عبارة عن ملف تم استرداده من صور تالفة جزئياً تم التقاط بعضها في إب وصنعاء في مهرجان صيف 2014 وبعضها من أرشيف المصور القديم.

استعارة للضائع

يسرد حكاية رد فعله نحو ضياع إرثه الفريد، إذ "كانت الصور غريبة وقوية وأثارت في داخلي رد فعل عاطفي وبصري، وأصبحت الصور التالفة بالنسبة لي استعارة لما ضاع من ذاكرة اليمن الثقافية وتاريخها وتبقى لدي توليفة من صور عدة فيها أجزاء وألوان مما صمد وبقي سليماً وأجزاء أخرى منقطة ومقطعة وغير قابلة للتمييز".

وبعد أن بدأ عارف إفاقته من صدمته المحبطة أدرك أن هذه الصور المتداخلة كلوحات سريالية، يمكن أن تعبر عن نفسها بتجسيد مأساة الحرب اليمنية ومشكلتها المتفاقمة بطريقتها الفنية الخاصة، و"اكتشفت أن هذا العطل أعطى بعداً آخر لما بقي من صور تالفة بألوانها وأشكالها الغريبة بأن تمثل حال إسقاط على الواقع الذي يعيشه اليمن، ودعوة للتفكير في وضع البلد، ودعوة أيضاً لاستعادة السلام في أقرب وقت".

من هذه التجربة يخلص النمي إلى أن "الأخطاء الفنية يمكن أن تؤول إلى نهج جمالي يتحدى الطريقة التي كانت مخصصة لتقديم هذا النوع أو ذاك من الفن".

الصورة تشكو الحرب

الإرث التالف من الصور التي شبهها بالحرب وأسقطها على واقع بلاده، دفعته "لجمعها ضمن كتاب يحوي مجمل هذه الأعمال وتقديمها دولياً للتعريف بالمأساة التي خلفتها الحرب في اليمن".

منذ الوهلة الأولى يظهر للمتابع أن النمي يقدم أعماله التالفة كشكوى ضمنية للآخر، إلا أن الفكرة لقيت انتشاراً دولياً لم يكن يتوقعه، وقال "شاركتها في معارض فنية في جدة وبيروت وبرلين وباريس، وقريباً أصدر كتاباً يحوي الصور التالفة كوثيقة فنية تعكس مأساة الحرب".

في إحدى الصور التي فازت على مستوى الشرق الأوسط في مسابقة أقيمت في دبي، يظهر فتى ممسك بجالون مملوء بالبترول في إحدى أسواق الوقود السوداء في اليمن كتجسيد حي يوثق أبعاد الأزمات التي كانت إحدى تمظهرات الحرب وتداعياتها الكارثية على السكان.

يعلق عليها قائلاً، "على امتداد الطريق عبوات بلون عصير الرمان (لون البترول) سريع الاشتعال، وإنسان يقاوم صراعات العالم التي تحدث هذه اللحظة، البنزين ما نحتاجه لنواصل الطريق، وما نحتاجه لنواصل الحياة".

وضمن 240 فناناً في معرض ذكرى تأسيس معهد العالم العربي في باريس شارك النمي بصورة طفل بملامح مظلمة تشبه انبعاثات الحرب ودمارها، ويصفها بأنها "انعكاس لضياع مستقبل التعليم في اليمن بسبب الصراع الدائر".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة