Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف مولت الحكومة الأميركية الأبحاث الخطيرة على الفيروسات في الصين؟

كتاب جديد يكشف كيف يعمل مختبر ووهان على هندستها وراثياً لتصبح أكثر فتكاً

عمال في أحد مختبرات فحص فيروس كورونا في ووهان الصينية (أ ف ب)

مع عدم اليقين حتى الآن بالنسبة إلى المصدر الحقيقي للفيروس المسبب لوباء كورونا (كوفيد-19) الذي بدأ من مدينة ووهان وسط الصين لينتشر في العالم كله، لم تتوقف الأبحاث والكتابات حول مصدره ودور بكين في ذلك. هذا بالطبع إضافة إلى نظريات كثيرة تنتشر على الإنترنت ومواقع التواصل، يصل بعضها إلى حد الشطط، بينما يبدو بعضها الآخر منطقياً لكثير من الناس على الرغم من أنها ربما تكون حملات لأهداف سياسية أكثر منها علمية. وهذا أمر طبيعي في ظل غياب الحسم العالمي لأي قضية علمية، ما يفتح باب الاجتهادات والتلفيقات أيضاً.
إلا أن هناك كتابات تتسم بالتوازن والموضوعية النسبية حول الوباء الذي ما زالت البشرية تعاني منه ومسألة أصله ونشأة الفيروس المسبب له. من هذه الكتابات، كتاب حديث للصحافية الأسترالية المخضرمة شاري ماركسون بعنوان "ما حدث فعلاً في ووهان: التعتيم، المؤامرات والأبحاث السرية"، الذي نشرت صحيفة "تايمز" البريطانية مقتطفات منه والذي يُتوقع صدوره نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الحالي. وماركسون تترأس قسم الصحافة الاستقصائية في صحيفة "ذي أستراليان" وتقدم برنامجاً نقاشياً على قناة "سكاي نيوز أستراليا".
في مقتطفات الكتاب التي نشرتها "تايمز"، تركيز على دور المستشار الطبي للبيت الأبيض الدكتور أنتوني فاوتشي، في الدفاع عن الأبحاث الفيروسية في مختبر ووهان التابع لمعهد الفيروسات الصيني. وكانت رسائل إلكترونية مسربة لفاوتشي نُشرت في وقت سابق من هذا العام في الصحافة الأميركية، جلبت له الاتهامات بالتواطؤ في التعتيم على دور الصينيين في حدوث الوباء. واستندت تلك الاتهامات إلى أن المعهد القومي للصحة، الذي كان يرأسه فاوتشي، متورط في التمويل غير المباشر لأبحاث "تعديل الوظيفة" على فيروسات "سارس" التي تدور شكوك حول أن تسرّب أحدها شكّل منشأ الوباء الحالي.


تستّر فاوتشي على الصينيين

تعني أبحاث "تعديل الوظيفة" قيام العلماء بالتعديل الجيني للفيروسات المسببة للأمراض بشكل يجعلها أشد فتكاً، بخاصة للإنسان. يتم ذلك عبر إضافة مقاطع من الجينوم البشري لجزء من الشريط الوراثي الأحادي للفيروس، يضم البروتين الخاص بمهاجمة الخلية الحية. والهدف، معرفة أي الفيروسات يمكنها من خلال الطفرات أن تصبح معدية، أو تنتقل بين البشر وليس فقط من الحيوانات والطيور إلى البشر. ويمكن أيضاً أن تؤدي تلك التعديلات الوراثية إلى جعل الفيروسات الفتاكة، التي لا تنتشر عن طريق الهواء، تنتشر هوائياً.
ووصل الجدل حول تلك الأبحاث إلى قمته عام 2012، عندما أراد العلماء العمل على فيروسات إنفلونزا الطيور (إتش5 إن1) وتعديلها وراثياً لتنتقل بين البشر مسببةً وباء، وليس فقط من الطيور إلى البشر. لقي هذا التوجه معارضة قوية من علماء مرموقين حول العالم عبّروا عن مخاوفهم من احتمالين: الأول، هو إمكانية استغلال تلك الأبحاث عسكرياً لتطوير أسلحة بيولوجية، والثاني احتمال تسرّب الفيروس المعدَّل عن طريق الخطأ بما يطلق وباءً عالمياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شكّل العلماء المعارضون لتلك الأبحاث ما عُرف باسم "مجموعة عمل كامبريدج"، التي أصدرت بياناً علمياً شديد اللهجة عام 2014 يحذر من أن تلك الأبحاث ستؤدي إلى وباء عالمي يصيب ربع البشرية. واستندوا في ذلك إلى نماذج انتشار أوبئة سابقة، مؤكدين أن الفيروسات المسببة للإنفلونزا تنتشر وبائياً وتصيب ربع سكان الأرض على الأقل.
في المقابل، وفي بحث له عام 2012، دافع فاوتشي عن تلك الأبحاث، التي كان يموّلها المعهد القومي للصحة في الولايات المتحدة وجهات حكومية أميركية أخرى منها وزارة الدفاع (البنتاغون). واعتبر فاوتشي وقتها أن "الفائدة من تلك الأبحاث تفوق المخاوف من مخاطرها". ووصف العلماء والباحثين الذين يعملون عليها بأنهم "يجرون أبحاثهم بشكل سليم وفي ظل ظروف عالية التأمين والسلامة".

عودة التمويل

وظلت الإدارات الحكومية الأميركية تموّل مشاريع أبحاث التعديل الجيني في الصين وغيرها، حتى بعدما فرضت إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما حظراً مؤقتاً على التمويل الفيدرالي لأي أبحاث "تعديل وظيفة"، بخاصة على الفيروسات المسببة للأمراض التنفسية مثل "سارس" و"ميرس" وغيرهما. لكن ذلك التمويل استؤنف فجأة في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، تحديداً عام 2017. وتفصّل الكاتبة كيف أنها لم تستطِع الوصول إلى تأكيد من أي من المسؤولين السابقين في البيت الأبيض والإدارة الأميركية في ذلك الوقت على أن فاوتشي حصل على موافقة من أحد لاستئناف تمويل تلك الأبحاث في الصين.
ويشير الكتاب إلى برقية من وفد أميركي زار معهد الفيروسات في ووهان، والمختبر المؤمَّن الملحق به ويخضع مباشرةً للسلطات العسكرية الصينية (جيش التحرير الشعبي)، حيث تُجرى أبحاث تعديلات الفيروسات. وتفصّل البرقية المخاوف من الاحتياطات التأمينية في المختبر وخطورة ما يُجرى فيه من أبحاث وتضييق السلطات الصينية على مشاركة علماء وباحثين أجانب في الأعمال البحثية والعلمية في المختبر.
وعلى الرغم من أن المختبر بُني بشراكة فرنسية على أن يعمل طبقاً لمعايير تأمين أبحاث الفيروسات الفتاكة، في ما يُعرف بالمستوى الرابع للتأمين، إلا أن الفريق الأميركي الذي زار المكان عام 2018، ذكر في برقيته لوزارة الخارجية أن المكان "يُدار بشكل صيني تماماً وبما لا يتسق مع معايير التأمين للأبحاث الخطيرة". وتقول الكاتبة إنه "يبدو أن لا أحد في وزارة الخارجية أو أجهزة الاستخبارات الأميركية انتبه إلى ما احتوته البرقية".
بدأ بناء المختبر عام 2004 من قبل معامل "جين ميريو بي إس إل-4" في ليون بفرنسا. واستمر العمل فيه 11 عاماً وتكلّف 44 مليون دولار وسُلّم عام 2015. يقول الكتاب إن تلك الفترة شهدت خلافات كثيرة بين الصينيين والفرنسيين. وبعد تشغيله عام 2016، يقول الفريق الأميركي في برقيته إن الصينيين أصبحوا يختلقون الأعذار لتقليل عدد الباحثين والعلماء الأجانب في المختبر.
عام 2017، عاد التمويل الأميركي بسخاء، ودرّبت كلية طب في جامعة تكساس الفنيين في المختبر، بينما تدفقت الدولارات للأبحاث على فيروسات "سارس" من الخفافيش ضمن مشاريع "تعديل الوظيفة" شديدة الخطورة.

إثارة أسئلة

يبدو الكتاب، فقط من خلال المقتطفات التي نشرتها صحيفة "تايمز"، وكأنه تحقيق استقصائي مطوّل لا يخلص إلى مصدر الفيروس المسبب لوباء كورونا، لكنه يثير تساؤلات كثيرة لم تتم الإجابة عنها من خلال أي نقاش علني جماهيري. وتقول الكاتبة إن الوباء مسّ حياة كل شخص في العالم، من فقدان أعزاء ضحايا للوباء، إلى فقدان وظائف وتغيير نمط حياة. بالتالي يستحق الأمر نقاشاً واسعاً وألّا يقتصر على بضعة مسؤولين.
وإذا كان العلماء المتحمسون لأبحاث "تعديل الوظيفة" يبررون عملهم عالي المخاطر بأن هدفه التحسب لأي أوبئة محتملة وإمكانية تطوير لقاحات استعداداً لتلك الاحتمالات، فإن الآراء العلمية الأخرى تستحق نقاشاً عاماً موسعاً. وفي ذلك إشارة إلى "مجموعة عمل كامبريدج" التي وقّع على بيانها العلمي عام 2014 عدد من العلماء المرموقين عالمياً، بلغ 200 عالم وباحث.

المزيد من صحة