Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أيام طالبان الأولى في الحكم "مقدمة لما هو أسوأ"!

لايبشر تعامل الحركة مع معارضيها بحدوث تغير جوهري ولكن ماذا لو حدث العكس؟

الناطق باسم حركة "طالبان" ذبيح الله مجاهد (رويترز)

عادت حركة "طالبان" إلى سدة الحكم في أفغانستان، وعادت معها المخاوف من تحول "البلد المعضلة" منذ أربعة عقود إلى قبلة للتنظيمات المتطرفة، وقاعدة جديدة قديمة لنشر فكرها ونشاطاتها إلى كل بقاع الدنيا، وذلك بعد 20 عاماً من المواجهة مع الولايات المتحدة بمساندة تحالف دولي واسع، أسفرت عن لا شيء، وعودة صادمة إلى نقطة الصفر.
وعلى الرغم من التطمينات الأميركية، والحديث عن تعهدات "طالبان" باعتماد نظام حكم أكثر مرونة وأقل تشدداً لأفغانستان، أثناء مفاوضات الدوحة مع واشنطن، فإن قراءات مراقبين للمؤشرات الأولية التي تواترت بعد أقل من شهر من تولي الحركة الحكم، تشير إلى العكس، مع تسرب صور لانتهاكات ارتكبتها الحركة بحق مواطنين أفغان كثر، بخاصة المعارضين لها، وحديث عن إعدامات لبعضهم، ورفض قادة "طالبان" التعهد بمشاركة المرأة في الحكومة الجديدة.
الخشية من مآلات الانسحاب الأميركي، في ظل الفوضى الكارثية التي تم بها، وابتلاع "طالبان" كامل التراب الأفغاني في أيام قليلة، بعكس تقديرات الإدارة الأميركية التي ثبت خطأها جملةً وتفصيلاً، تعدت المخاوف من الطريقة التي ستدير بها الحركة البلاد، إلى التحذير من تحول أفغانستان مجدداً إلى ساحة جذب لتنظيمات أشد تطرفاً، مثل "داعش" و"القاعدة"، لالتقاط الأنفاس، بعد الضربات الموجعة التي حدت من تمددها وخطورتها في السنوات الماضية .

هل تغيرت "طالبان"؟

ورافقت جملة أسئلة بارزة عودة "طالبان" إلى حكم أفغانستان بعد 20 عاماً من المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها، فهل تغيرت "طالبان" فعلاً وباتت أكثر انفتاحاً وأقل تشدداً؟ وهل قامت فعلاً بمراجعات جوهرية حوّلتها إلى حركة سياسية ذات مرجعية دينية أقل تطرفاً؟ أم أنها استخدمت السياسة للمناورة فقط في مفاوضاتها مع واشنطن لتشجيعها على الانسحاب من الأراضي الأفغانية، لتخلو لها الساحة وتعود لإدارة البلاد بالأفكار ذاتها الراديكالية التي مارست بها الحكم قبل عقدين من الزمن؟
وعلى الرغم من أن الإجابة عن هذا السؤال تعتمد بشكل كلي على سلوك "طالبان" وأفرادها في الفترة المقبلة، فإن أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بنغازي، جمال الشطشاط، يرى أن "حركة مثل طالبان، وبالعودة إلى المرجعية التي نشأت على أساسها، لا يمكن أن تتغير بين ليلة وضحاها، والانتهاكات التي مارسها أفرادها في الأيام التي تلت الانسحاب الأميركي، ما هي إلا مقدمات لما هو أسوأ". وأضاف "وفي حين أن طالبان تأسست انطلاقاً من عقيدة صوفية تستند إلى أفكار المذهب الحنفي، إلا أن أفرادها تشربوا أفكاراً متشددة بخاصة بعد التقارب مع تنظيمات متطرفة مثل "القاعدة"، والتعاون مع قادته مثل أسامة بن لادن أثناء سنوات الحرب ضد الولايات المتحدة. ولم يسبق لتنظيم من التنظيمات التي تبنت الفكر المتشدد، التراجع عن عقائدها المتطرفة، والقيام بمراجعات تفضي إلى التخلي عنها، كما يُروج له حالياً بعد عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان".
وخلص الشطشاط إلى أن "الصورة مشوشة تماماً عن طبيعة الطريقة التي ستدير بها طالبان أفغانستان، ولكن أعتقد أنها ستحاول أن تعطي في البداية صورة مطمئنة للعالم عن سلوكها في الحكم، وستنفتح على كل المكونات السياسية والاجتماعية والدينية المعقدة في البلاد، ولكن لا أعتقد أنها ستستمر على هذا النهج المرن في إدارة البلاد لوقت طويل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أقوى مما مضى

من جانبه، رأى رئيس مجموعة العمل الوطني الليبية، خالد الترجمان، أن "المشهد في أفغانستان ضبابي، بعدما أدت الاتفاقات التي أعقبت محادثات طويلة بين واشنطن وطالبان، إلى عودة الأخيرة إلى الحكم، وبعد أن فاجأت قدرات الحركات العسكرية بعد كل الضربات التي تلقتها في السنوات الماضية، الجميع. كما فاجأت هشاشة وضعف القوات العسكرية والأمنية الحكومية بعد سنوات من التدريب والتسليح بكلفة خيالية، كل المتابعين في العالم وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي اعتمد في قرار الانسحاب من أفغانستان، على تقارير استخباراتية غير دقيقة، بالغت في التقليل من قوة طالبان وتضخيم قدرات القوات الأفغانية الحليفة لواشنطن".
وتابع الترجمان قائلاً إنه "من الأمور القليلة الواضحة في المشهد الأفغاني حالياً، أن طالبان عادت الآن إلى الحكم أقوى مما كانت عليه، نظراً إلى حجم الأسلحة التي غنمتها من القوات الأفغانية، التي تهاوت أمامها في زمن قياسي، والتي يكفي مراجعة التقارير الرسمية الصادرة عن واشنطن وتفيد بأن تسليح الجيش الأفغاني في العقدين الماضيين فاق ما مُنح لـ95 في المئة من الحلفاء الآخرين، طيلة العقود الماضية، لمعرفة حجم القوة التي باتت في يد الحركة المتشددة اليوم".

تقديرات خاطئة أم خطأ مقصود؟

وتساءل رئيس "مجموعة العمل الوطني الليبية"، "هل وقوع هذا السلاح بسهولة مريبة في يد طالبان هو نتيجة تقديرات خاطئة من الإدارة الأميركية فعلاً، أم هو جزء من اتفاق محكم التفاصيل يخدم خطط ومصالح هذه الإدارة في آسيا الوسطى، على مقربة من الغريمين الروسي والصيني؟".
وواصل الترجمان تساؤلاته قائلاً "على ماذا تستند التوقعات التي تشير إلى تغيرات محتملة في فكر وسلوك حركة طالبان، بعد أن عادت إلى الحكم منتصرة وأقوى مما كانت عليه عند تخليها مرغمة عنه قبل عقدين؟ وهل سترضخ للضغوط الدولية لفرض هذا التغيير عليها إذا كان وضعها وموقفها اليوم بهذه القوة؟".

دلالات تغير الخطاب

لم تفلح التغييرات الواضحة على بنية الخطاب المعلَن لقادة "طالبان"، منذ سيطرتها على البلاد، في كبح الشكوك، إذ رفض كثير من المحللين التصديق بأن الحركة التي حكمت البلاد قبل 20 عاماً بأقسى ممارسات التطرف والتشدد الديني، ستتبنى بعد عودتها نظام حكم ديمقراطياً قائماً على التعددية واحترام الحريات والحقوق العامة، بخاصة حقوق المرأة.
وفي قراءاته الخاصة لأسباب التغير في الخطاب الرسمي للحركة، عما كان عليه قبل 20 عاماً، رأى الباحث الأكاديمي فرج الجارح، أن "طالبان تغيرت على مستوى المواءمة السياسية مع الواقعَين المحلي والدولي، مقارنةً بفترة حكمها الأولى، ولكن ما زالت بنيتها العقائدية والتنظيمية على حالها، ما سيجعل فترة حكمها الثانية مليئة بتحديات كبيرة، يرجع بعضها إلى هذا التناقض بين العقائدي والعملي".
وأشار الجارح إلى أن "المشاهد التي تابعها العالم منذ دخول طالبان سلمياً إلى كابول، ولهجة خطابات قادة الحركة، تشير إلى تغيّر في أدائها وخطابها، وليس في بنيتها العقائدية، التي ما زالت تنطلق من مجموعة من تفسيرات دينية متشددة، جعلتها ترفض الديمقراطية، لأنها تمنح حق التشريع للشعب، لذا طوال فترة حكمها الأولى، لم تضع دستوراً للبلاد، ورفض كل قادة الحركة الديمقراطية باعتبارها نظام حكم غربياً وتمسكوا بالشورى. وأعتقد أنه من الصعب وربما مستحيل أن تنسلخ الحركة عن هذه المفاهيم والعقائد التي ستبني عليها رؤيتها وممارستها السلطة في أفغانستان".

المزيد من متابعات