Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا فشلت الحرب الأميركية في أفغانستان بعد 20 عاما؟

أهدرت واشنطن كثيرا من الفرص في حين تفشى الفساد في البلاد وزادت الرغبة في مقاومة الاحتلال

خسرت الولايات المتحدة 2300 جندي خلال حربها في أفغانستان (أ ف ب)

عندما يغادر آخر جندي أميركي أفغانستان في 31 أغسطس (آب) الحالي، ستكون الحرب الأميركية قد استمرت نحو عقدين من الزمن وامتدت على مدى أربع فترات رئاسية، لتصبح رسمياً أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة بكلفة مالية قاربت التريليون دولار، خسرت خلالها أرواح 2300 جندي وأكثر من 20 ألف جريح. فما الذي برر الغزو الأميركي، ولماذا استمرت الحرب عقدين كاملين، وهل هُزمت الولايات المتحدة وفشلت في تحقيق أهدافها أم أنها نجحت وكان لا بد من إيجاد مخرج سواء عن طريق التفاوض أو الانسحاب من جانب واحد؟

تتعدد الأسباب التي أدت إلى هذه النهاية المحتومة للوجود الأميركي في أفغانستان، ما بين إهدار القادة السياسيين فرصاً للتعاون مع "طالبان" وإدماجها في المشهد السياسي بعد أشهر قليلة من الغزو، مروراً بعدم التدخل لوقف الفساد المستشري والمحسوبية والسرقات في حكومة كابول، وانتهاء بمنعها من التعاون مع الهند ضد باكستان التي احتضنت "طالبان" وساعدتها سراً لسنوات. لكن قبل التعرف على أسباب فشل الولايات المتحدة في أفغانستان، كيف انطلقت الحرب وكيف تطورت؟

مبررات الغزو 

غزت الولايات المتحدة أفغانستان في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2001، حينما أمر الرئيس جورج دبليو بوش بشن الحرب رداً على هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية التي أحدثت صدمة هائلة لدى الشعب الأميركي بعدما قتلت أكثر من 3000 في نيويورك وواشنطن.

كانت "طالبان" التي حكمت أفغانستان توفر ملاذاً لتنظيم "القاعدة" الذي اتهمته واشنطن بتدبير الهجمات، ومع بداية الغزو الأميركي فر زعيمها أسامة بن لادن وكبار القادة الآخرين إلى باكستان لمدة عشر سنوات، لكن نظام "طالبان" سقط في غضون أسابيع، وظلت القوات الأميركية والقوات المتحالفة معها من حلف شمال الأطلسي وغيره في أفغانستان لدعم تثبيت حكومة جديدة في كابول تضمن عدم عودة "طالبان" والمتطرفين إلى الحكم.

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2001، عرض المتحدث باسم "طالبان" استسلاماً غير مشروط، وهو ما رفضته الولايات المتحدة. وفي مايو (أيار) 2003، أعلن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد إنهاء العمليات القتالية الرئيسة في البلاد.

إنجازات وإخفاقات

بعد هزيمة "طالبان"، تحولت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي إلى إعادة بناء دولة فاشلة وإقامة ديمقراطية على النمط الغربي، وإنفاق المليارات في محاولة لإعادة بناء بلد فقير للغاية دمرته بالفعل الحرب الأهلية والاحتلال السوفياتي طوال الثمانينيات. 

ووفق صحيفة "نيويورك تايمز"، تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق نجاحات مبكرة، حيث نُصبت حكومة موالية للغرب، وشيدت مدارس ومستشفيات ومرافق عامة جديدة، وظهرت وسائل إعلام إخبارية نشطة ومستقلة، وانخرطت آلاف الفتيات في التعليم بعدما كن ممنوعات عنه في ظل حكم "طالبان"، كما التحقت النساء بالكليات الجامعية، وانضممن إلى القوى العاملة، وخدمن في البرلمان والحكومة بعد سنوات من حرمانهن من المشاركة وإجبارهن على ملازمة المنزل. 

وعلى الرغم من هذه الإيجابيات، فإن الفساد كان مستشرياً في البلاد، حيث سُرقت أو اختلست مئات الملايين من الدولارات من أموال إعادة الإعمار، وأثبتت الحكومة عدم قدرتها على تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ما أدى في كثير من الأحيان إلى ضياع سلطتها خارج المدن الكبرى.

عودة الحرب

بعد عام ونصف تقريباً، كان هناك نحو 8000 جندي أميركي في أفغانستان، لكن الولايات المتحدة بدأت في تحويل الموارد القتالية إلى الحرب في العراق، التي بدأت في مارس (آذار) 2003 وهو ما شجع "طالبان" وعناصر "القاعدة" الذين فروا إلى باكستان المجاورة ولم تلاحقهم القوات الأميركية، إلى تنظيم صفوفهم وإعادة بناء قدراتهم القتالية، والعودة عبر الحدود لمهاجمة القوات الأميركية والقوات الحكومية الأفغانية وتحقيق بعض المكاسب والسيطرة على بعض الأراضي داخل أفغانستان، حيث انقضت الحركة في فبراير (شباط) 2006 على مناطق بأكملها وحاصر عناصرها عواصم المقاطعات، وشكلت الحركة مجلس شورى "كويتا" الذي كان بمثابة نظام منافس للحكومة الأفغانية في كابول، وعلى مدار السنوات الثلاث التالية، استولت "طالبان" على معظم أراضي جنوب البلاد وجزء كبير من شرقها. 

أجبرت هذه التطورات الرئيس الأميركي باراك أوباما، عام 2009، على نشر آلاف القوات الإضافية في أفغانستان حتى وصلت إلى حوالى 100 ألف بحلول منتصف عام 2010، لكن "طالبان" ازدادت قوة وأوقعت خسائر فادحة في صفوف قوات الأمن الأفغانية.

مقتل بن لادن 

وفي مايو 2011، قتل فريق من قوات النخبة الأميركية أسامة بن لادن في باكستان، حيث كان يعيش لسنوات بالقرب من أكاديمية للتدريب العسكري، وهو ما اعتبرته الإدارة الأميركية انتصاراً كبيراً من شأنه أن يسهل مهمة الانسحاب من أفغانستان بعد عشر سنوات من الغزو. وهو ما أعلنه أوباما في يونيو (حزيران)، محدداً أنه سيبدأ في إعادة القوات الأميركية إلى الوطن وتسليم المهام الأمنية إلى الأفغان بحلول عام 2014.

لا يمكن كسب الحرب

بحلول ذلك الوقت، كانت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون قد خلصت إلى أنه لا يمكن كسب الحرب عسكرياً وأن تسوية تفاوضية فقط هي التي يمكن أن تنهي الصراع الذي يعد الثالث من نوعه خلال ثلاثة قرون تمكن فيه المقاتلون الأفغان من هزيمة الجيش البريطاني في القرن الـ19، والجيش الروسي في القرن الـ20، والجيش الأميركي في القرن الـ21. 

ومع وصول الحرب إلى طريق مسدودة، أنهى أوباما العمليات القتالية الرئيسة في 31 ديسمبر (كانون الأول) 2014، وانتقل إلى تدريب قوات الأمن الأفغانية ومساعدتها. ولكن بعدما يقرب من ثلاث سنوات، قال الرئيس دونالد ترمب، إنه على الرغم من رغبته الأولى في سحب جميع القوات الأميركية فإنه سيواصل الحرب، وشدد على أن أي انسحاب سيكون على أساس ظروف القتال وليس على جداول زمنية محددة سلفاً.

مفاوضات الانسحاب

غير أن إدارة ترمب كانت تتفاوض أيضاً مع "طالبان" منذ عام 2018، ما أدى إلى مفاوضات رسمية استبعدت الحكومة الأفغانية بقيادة الرئيس أشرف غني. وفي فبراير 2020، وقعت إدارة ترمب اتفاقية مع الحركة حددت أول مايو 2021 موعداً لمغادرة جميع القوات الأميركية أفغانستان، على الرغم من أن الرئيس جو بايدن مدد هذا الموعد إلى 11 سبتمبر ليتوافق مع الذكرى 20 لهجمات "القاعدة" على نيويورك وواشنطن.

في المقابل، تعهدت "طالبان" بقطع العلاقات مع الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في أفغانستان، والحد من العنف والتفاوض مع الحكومة الأفغانية التي تدعمها الولايات المتحدة، لكن الاتفاق لم يتضمن أي إجراءات تنفيذية لإجبار الحركة على الوفاء بوعودها. 

وفي نهاية عام 2019، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" سلسلة تقارير بعنوان "أوراق أفغانستان"، وهي مجموعة وثائق حكومية أميركية تضمنت ملاحظات عن المقابلات التي أجراها المفتش العام الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، والتي أقر العديد من المسؤولين الأميركيين فيها أنهم رأوا منذ فترة طويلة أن الحرب في أفغانستان لا يمكن الفوز بها، في وقت كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية الأميركيين ينظرون إلى الحرب على أنها فاشلة. 

إرهاصات التوتر 

ومع استبعاد الحكومة الأفغانية من الاتفاق بين الولايات المتحدة و"طالبان"، توترت العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، على الرغم من أن الأهداف الأساسية لاتفاق 2020 هي أن يتفاوض القادة الأفغان مع الحركة على خريطة طريق سياسية لتشكيل حكومة ودستور جديدين، والحد من العنف والتوصل في نهاية المطاف إلى وقف دائم لإطلاق النار. لكن حكومة الرئيس أشرف غني اتهمت "طالبان" باغتيال مسؤولي الحكومة الأفغانية وأفراد قوات الأمن وقادة المجتمع المدني والصحافيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك العديد من النساء اللاتي تم إطلاق النار عليهن في وضح النهار.

ومع ذلك، أوقفت "طالبان" بعد توقيع الاتفاق مهاجمة القوات الأميركية وامتنعت عن شن تفجيرات إرهابية كبيرة في المدن الأفغانية، وفي المقابل خفضت الولايات المتحدة الدعم الجوي لقوات الحكومة الأفغانية. 

نهاية محتومة 

كان من الواضح أن كل رئيس أميركي سعى منذ عام 2001 إلى الوصول لنقطة يكون فيها العنف منخفضاً في أفغانستان بدرجة كافية أو أن تكون الحكومة الأفغانية قوية بما يكفي للسماح للقوات العسكرية الأميركية بالانسحاب من دون تجدد خطر التهديد الإرهابي على الولايات المتحدة، لكن ذلك اليوم لم يأت أبداً. وبهذا المعنى، أدرك القادة السياسيون والعسكريون الأميركيون أنه مهما كان شكل المستقبل، لن تتمكن الولايات المتحدة من الانتصار.

وهكذا تزايدت الأسئلة المربكة مثل: هل كان الاستمرار في مسار الحرب وتخصيص المزيد من الموارد والنفقات خياراً أفضل من المخاطرة بانهيار الدولة الأفغانية بعد إدراك أنها لن تتمكن من البقاء على قيد الحياة من دون دعم عسكري أميركي، أم كان من الضروري إيجاد مخرج سواء عن طريق التفاوض أو الانسحاب من جانب واحد؟

اعترف بايدن أنه بعد ما يقرب من 20 عاماً من الحرب، كان من الواضح أن الجيش الأميركي لا يمكنه تحويل أفغانستان إلى ديمقراطية حديثة ومستقرة، ورد على منتقدي الانسحاب بالتساؤل عن عدد الرجال والنساء الأميركيين الذين ينبغي المخاطرة بهم، مؤكداً أن الولايات المتحدة أنجزت مهمتها منذ فترة طويلة في حرمان الإرهابيين من الملاذ الآمن في أفغانستان.

جدوى الحرب

وعلى الرغم من اتفاق غالبية الآراء في الولايات المتحدة على ضرورة الانسحاب من أفغانستان، فإن مشهد الخروج المهين وإخلاء السفارة الأميركية وتدافع المواطنين المدنيين الأميركيين والأفغان للخروج من كابول، فتح الباب على مصراعيه لمحاسبة الإدارة الأميركية الحالية والإدارات السابقة بعدما لقي أكثر من 2300 من أفراد الجيش الأميركي مصرعهم هناك، وأصيب أكثر من 20 ألفاً آخرين، إضافة إلى مقتل وإصابة أكثر من نصف مليون أفغاني من القوات الحكومية ومقاتلي "طالبان" والمدنيين، وإنفاق واشنطن نحو تريليون دولار على الحرب. 

وعلى الرغم من مقتل زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن وعدم تنفيذ أي هجوم كبير على الولايات المتحدة من قبل مجموعة إرهابية مقرها أفغانستان منذ 11 سبتمبر 2001، فإن الولايات المتحدة لم تتمكن من إنهاء العنف أو تسليم مهمة الحرب إلى الحكومة الأفغانية، التي أثبتت عجزها عن البقاء على قيد الحياة من دون دعم عسكري أميركي.

أسباب الفشل 

يشير كارتر مالكاسيان، كبير مستشاري رئيس هيئة الأركان الأميركية السابق الجنرال جوزيف دانفورد، إلى أن عقبات النجاح في أفغانستان كانت كثيرة ومن أبرزها أن القادة الأميركيين أهدروا فرصاً لتحقيق السلام، بفضل الثقة المفرطة غير المبررة في أعقاب الانتصارات العسكرية الأميركية وبسبب خوفهم من تحميلهم المسؤولية إذا هاجم الإرهابيون المتمركزون في أفغانستان الولايات المتحدة مرة أخرى. فقد تشبث المسؤولون في واشنطن لفترات طويلة بأفكارهم المسبقة عن كيفية سير الحرب وأهملوا الفرص والخيارات التي لا تتناسب مع تحيزاتهم، ولا يعني ذلك أن تحقيق الانتصار في أفغانستان كان سهل المنال، لكن الأخطاء التي ارتكبت وكان من الممكن تجنبها جعلت الفوز في أفغانستان مستحيلاً.

ووفق تقديرات البعض، لم يكن الفشل الأميركي حتمياً، فقد ظهرت أفضل الفرص للنجاح في وقت مبكر، بين عامي 2001 و2005 حين كانت "طالبان" في حالة من الفوضى وكان التأييد الشعبي للحكومة الأفغانية الجديدة مرتفعاً نسبياً، وكذلك التعاطي مع الوجود الأميركي والغربي، لكن قرارات الولايات المتحدة خلال تلك الفترة، أغلقت المسارات التي كان من الممكن أن تتجنب سنوات الحرب التالية.

خطأ إهدار الفرص

يتمثل الخطأ الأول في قرار إدارة بوش استبعاد "طالبان" من التسوية السياسية بعد الغزو مباشرة، فقد حاول كبار قادة الحركة التفاوض على اتفاق سلام مع الرئيس كرزاي في ديسمبر 2001، وكانوا على استعداد لإلقاء أسلحتهم والاعتراف به كزعيم شرعي للبلاد، لكن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد أفشل الصفقة وأعلن رفضه في مؤتمر صحافي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبين عامي 2002 و2004، واصل قادة "طالبان" التواصل مع كرزاي للمطالبة بالسماح لهم بالمشاركة في العملية السياسية، لكن إدارة بوش حظرت التفاوض مع أي شخصيات بارزة في الحركة. وفي النهاية، تم تشكيل الحكومة الجديدة من دون أن تحصل "طالبان" على مقعد حكومي في وقت كان هناك عدد كاف من القادة الكبار فيها مهتمين بتقليل العنف في المستقبل.

وبعد دفع "طالبان" للعودة إلى الحرب، تحرك بوش وفريقه ببطء شديد في بناء قوات الأمن الأفغانية، حيث مر عام على الغزو الأميركي قبل أن تلتزم واشنطن ببناء وتمويل جيش وطني صغير قوامه 70000 واستمر التجنيد والتدريب بتردد، حتى وصل عدد المتدربين إلى 26000 بحلول عام 2006. لذلك، عندما تقدمت "طالبان" في ذلك العام، لم يكن هناك كثير من الجنود لمنعها، وهو خطأ اعترف الرئيس بوش به في مذكراته. 

وهكذا أضاعت إدارة بوش أفضل فرصتين لإيجاد السلام، بينما كان من الممكن أن تفوز بتسوية شاملة مع زعماء "طالبان" الرئيسيين، وكان بإمكان القوات الأفغانية المسلحة أن تصطدم بقوات الحركة حين شنت أول هجوم كبير لها، لكن الإدارة الأميركية افترضت أنها قد هُزمت. وبعد عام 2006، تقلصت احتمالات التوصل إلى نتيجة أفضل، فقد حفزت عودة ظهور الحركة المزيد من المقاومة للاحتلال وعززت الضربات الجوية والغارات الليلية الأميركية الشعور بالقمع بين الأفغان، وأدت إلى التزام العديد منهم المقاومة. 

الفساد والمظالم

وتشير مجلة "فورين أفيرز" في مارس (آذار) 2020 إلى أن أحد العوامل الحاسمة للفشل هو أن الحكومة الأفغانية وحلفاءها من أمراء الحرب كانوا فاسدين وعاملوا الأفغان معاملة سيئة، مما أثار المظالم ومنح قوى التمرد دعماً شعبياً، فقد سرقوا الأراضي ووزعوا الوظائف الحكومية على المقربين منهم في إطار من المحسوبية، وغالباً ما خدعوا قوات العمليات الخاصة الأميركية لاستهداف منافسيهم السياسيين. 

ودفعت هذه المعاملة السيئة بعض القبائل إلى أحضان "طالبان"، فزودوا الحركة بالمقاتلين وبشبكة دعم، وأرض يمكن من خلالها الهجوم، ولهذا كان يمكن لواشنطن أن تفعل المزيد لمعالجة الفساد والمظالم التي شعر بها الأفغان في ظل النظام الجديد، مثل الضغط على الرئيس السابق حامد كرزاي لإبعاد المسؤولين الأسوأ من مناصبهم، وجعل جميع أشكال المساعدة الأميركية مشروطة بالإصلاحات، والحد من غارات العمليات الخاصة الأميركية والاستهداف الخطأ للأفغان الأبرياء. 

نفوذ باكستان 

وهناك عامل رئيس آخر في فشل الولايات المتحدة هو نفوذ باكستان، إذ لطالما تشكلت استراتيجية باكستان في أفغانستان من خلال التنافس الهندي - الباكستاني. وعلى الرغم من أن الرئيس الباكستاني برويز مشرف قطع دعمه عن "طالبان" بأمر من إدارة بوش عام 2001، لكنه سرعان ما خشي أن تكتسب الهند نفوذاً في أفغانستان، ولهذا أعاد في عام 2004 فتح باب المساعدة للحركة، كما اعترف بذلك لصحيفة "غارديان" البريطانية عام 2015، لأن كرزاي كما زعم، ساعد الهند في طعن باكستان في الظهر من خلال السماح للطاجيك المناهضين لباكستان بلعب دور كبير في حكومة كابول ومن خلال إقامة علاقات جيدة مع الهند. 

وصرح ضباط استخبارات أميركيون بأن الجيش الباكستاني موّل "طالبان"، ومنح عناصرها وقادتها ملاذاً آمناً، وأدار معسكرات تدريب لهم، وقدم المشورة بشأن التخطيط للحرب، وباءت محاولات القادة الأميركيين بشأن تغيير السياسة الباكستانية بالفشل.

مقاومة الاحتلال

وعلى الرغم من أهمية العوامل السابقة التي أسهمت كثيراً في إفشال مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان، كان هناك شيء أكثر أهمية، فقد جسدت "طالبان" فكرة عميقة في الثقافة الأفغانية ألهمت عناصرها، وجعلتهم أقوياء في المعركة. وهذه الفكرة هي مقاومة الاحتلال، فقد كان وجود الأميركيين في أفغانستان هجوماً على ما يعنيه أن تكون أفغانياً، واتضح هذا العامل الثقافي عبر استطلاعات رأي متعددة لعناصر "طالبان" أجرتها مجموعة من الباحثين منذ عام 2007.

في المقابل، لم تستطع الحكومة الأفغانية، المتحالفة مع الأجانب، أن تقدم الإلهام نفسه. ففي عام 2015، وجدت دراسة استقصائية أجراها المعهد الأفغاني للدراسات الاستراتيجية على 1657 ضابط شرطة في 12 مقاطعة أن 11 في المئة فقط من المشاركين انضموا إلى القوة على وجه التحديد لمحاربة "طالبان"، وأن معظمهم انضموا إلى خدمة وطنهم أو لكسب راتبهم، وهي دوافع لا تتطلب بالضرورة القتال، ناهيك عن الموت. وكشف الاستطلاع أن غالبية أفراد الشرطة العاديين في المراتب الأدنى، ليسوا مقتنعين بأنهم يقاتلون من أجل قضية عادلة. 

ويفسر عدم التساوي في الالتزام سبب انسحاب قوات الأمن الأفغانية واستسلامها في العديد من اللحظات الحاسمة خلال المعارك السابقة، ناهيك عن انسحابها في الأسابيع الأخيرة التي تبعت انسحاب القوات الأميركية، على الرغم من تفوقها العددي وامتلاكها كمية متساوية من الذخيرة والإمدادات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير