ما التهديد الأكبر الذي يواجهه بوريس جونسون في الخريف المقبل؟ هل إنه حدوث موجة جديدة من فيروس كورونا و[الاضطرار إلى] إغلاق آخر؟ أم الفشل في قمة المناخ "كوب 26"؟ أم لعله خلاف مع ريشي سوناك في شأن مستوى الإنفاق الحكومي (أو ربما حول من منهما يملك أفضل كلب في "داوننغ ستريت")؟
لا، ليس هذا، ولا ذاك، إذ تتمثل القضية التي تخيف عديداً من الوزراء في قوائم الانتظار [ بأسماء مرضى يحتاجون إلى مواعيد لعمليات جراحية وغيرها في المستشفيات] لدى هيئة "خدمة الصحة الوطنية" (أن أتش أس). فقد ارتفع عدد الذين ينتظرون المعالجة إلى 5.45 مليون شخص بإنجلترا، في أعلى رقم يسجل منذ بداية عملية توثيق تلك الأرقام في 2007. وسيجري تحطيم الرقم القياسي كل شهر. ويعتقد المسؤولون أن نحو 7 ملايين شخصاً لم يحضروا لتلقي العلاج أثناء الجائحة، مع أنهم ربما كانوا بحاجة إليه.
وتذكيراً، حينما حذر ساجد جاويد، وزير الصحة، من أن عدد الأسماء الواردة في قوائم الانتظار قد يرتفع إلى 13 مليون شخص، لم يكن يحاول إضفاء مسحة من التشاؤم على الوضع كي يعزز موقفه في المناقشات المتعلقة بالميزانية مع وزارة المالية. ففي نفس مماثل، يتوقع "معهد الدراسات المالية" أن مجموع الأسماء في قوائم الانتظار قد يصل إلى 14 مليون اسم مع حلول نهاية العام المقبل. وقد يستغرق توفير مواعيد المعالجة المتأخرة ثلاث سنوات، ما يعني أن ذلك لن يحصل قبل حلول موعد الانتخابات العامة التالية المقرر إجراؤها في 2024، مع إمكانية تقريب هذا التاريخ إلى 2023.
وفي أوقات سابقة، اعتادت "أن أتش أس" على مواجهة أزمات خلال الشتاء، غير أنها تعرضت لواحدة من هذه الأزمات في فصل الصيف، بحسب المسار الزمني المفصل في شأن الصعوبات التي وثقها زميلي شون لينترن.
وللتوضيح، جرى قبول المرضى في المستشفيات أثناء موجة "كوفيد"، بأعداد أقل من المتوقع. ومع ذلك، يفيد رؤساء "أن أتش أس" بأن المستشفيات أكثر انشغالاً من أي وقت مضى، معتبرين أن فرق العمل المنهكة لا يمكنها أن تواصل العمل بالوتيرة الحالية إلى الأبد.
وفي المجال نفسه، يرى كريس هوبسون، الرئيس التنفيذي لمزودي خدمات "أن أتش أس"، أن أياً من أقسام الخدمة لا ينجو من الضغط الذي يرزحون تحته كلهم. ويذكر ستة أسباب هي التعامل مع حالات الرعاية المتأخرة، وخسارة ما يصل إلى 10000 سرير استشفائي نظراً إلى الإجراءات المتبعة في السيطرة على تفشي العدوى، ووجود عدد من كوادر "أن أتش أس" في الحجر الذاتي، وحلول ذروة موسم الإجازات السنوية؛ وتخطي الرعاية العاجلة والطارئة حالياً مستويات ما قبل الجائحة، وبقاء مرضى كورونا في 5000 سرير حتى الآن.
ويعلم الوزراء الذين يشتكون غالباً من أن رؤساء "أن أتش أس" يطلقون استغاثات كاذبة، أن هؤلاء المسؤولين لا يبالغون في ما يقولونه هذه المرة. في المقابل، تحملهم الحكومة أعباءً جديدة. وعلى الرغم من أن "أن أتش أس" منكبة فعلاً على وضع طريقة للانتقال في أبريل (نيسان) المقبل إلى نظام معني بالجانب الوقائي أكثر مما عليه الأمر الآن بهدف تقليص حالات قبول المرضى في المستشفيات، فقد رفض جونسون طلب جاويد للمضي قدماً في إجراء تعديل آخر.
وسيمنح "مشروع قانون الصحة والرعاية" الذي ينظر فيه البرلمان حالياً، مزيداً من الصلاحيات للوزراء من أجل توجيه "أن أتش أس في إنجلترا" في تحويل اهتمام الخدمة من التركيز على أولوياتها المتعلقة العامة والسياسية إلى معالجة الأعمال المتأخرة. ويخشى مديرو "أن أتش أس" من أن يستخدم الوزراء صلاحياتهم الجديدة كي يمنعوا، بالتعاون مع أعضاء حزب المحافظين المحليين، عمليات الإغلاق المقترحة، ما سيعطل خطط الترشيد المنطقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أوقات سابقة، وضع حزب العمال هدفاً لنفسه تمثل في خفض قائمة الانتظار بين عامي 2004 و2010 إلى 18 أسبوعاً تمتد من تحويل المريض من قبل الطبيب العام إلى إجراء العملية في المستشفى. ويلفت الحزب الآن إلى المفارقة التي ينطوي عليها اتخاذ المحافظين مزيداً من إجراءات التأميم والإدارة الدقيقة [ على مستوى كل وحدة صحية] في حين أن تفويض الصلاحيات من شأنه أن يوفر لفرق الصف الأول من العاملين الصحيين، مرونة أكبر في معالجة التراكم في الأعمال.
وعلى الرغم من استخدام القدرات الاحتياطية في القطاع الخاص لتقليص قوائم الانتظار، وذلك تصرف صائب، يتأهب حزب العمال لاتهام المحافظين بفتح الباب أمام خدمة صحية ذات معياريين مختلفين باعتبار أن مزيداً من الناس ممن ليس لديهم تأمين صحي خاص يختارون المعالجة في القطاع الخاص على أساس "الدفع بحسب الاستخدام". ولن يعجب ذلك ناخبو حزب المحافظين الجدد من أبناء الطبقة العاملة الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة هذه الرفاهية.
وبصورة عامة، يثق الناخبون بشكل غريزي بحزب العمال حين يتعلق الأمر بـ"أن أتش أس"، ما ينم عن تقديرهم بأنه تولى المسؤولية عن ولادة تلك الخدمة في 1948. وفي السنوات القليلة الماضية، استطاع المحافظون أن يحققوا بعض النجاح في تحييد القضية. وبعد أن نام ديفيد كاميرون على الأرض فيما عملت كوادر "أن أتش أس" على العناية بابنه الراحل إيفان، صدق الجمهور وعده "سأخفض العجز، وليس "أن أتش أس" نفسها".
وفي بداية الجائحة، استفاد المحافظون من الدعم قصير الأمد الذي تتلقاه الحكومات عادة في أوقات المحن. وحينها، أجاب الناس حين سألوا [عن مفاضلتهم بين الحزبين] بأن حزب المحافظين أفضل من العمال لجهة التعامل مع "أن أتش أس". وعلى الرغم من نجاح عملية توزيعه اللقاح، فإن حزب المحافظين متخلف حالياً بـ11 نقطة عن حزب العمال في استطلاعات الرأي.
إن العدد الكبير من الناس الواردة أسماؤهم في قوائم الانتظار سيجعل من الصعوبة بمكان على المحافظين أن يقلبوا هذا الوضع رأساً على عقب. وإذا لم نكن نعرف سلفاً شخصاً ورد اسمه في تلك القوائم، فإننا سنفعل قريباً. وثمة عبارة هجومية خطيرة يرددها حزب العمال حين تكون "خدمة الصحة الوطنية في مأزق"، تفيد بأنه "لا يمكنكم أن تأتمنوا المحافظين على تلك هيئة (أن أتش أس) الصحية". وسيتعهد حزب العمال في الانتخابات المقبلة بتصفير الأعمال المتراكمة. ولذا يملك المحافظين كل الأسباب المشجعة الممكنة لإنجاز كل المهمات المتأخرة.
في المقابل، سيتطلب ذلك استثمارات ضخمة، مع وجود حاجة لتحقيق زيادة في الرصيد في النصف الثاني من هذه السنة المالية بهدف تمديد فترة تطبيق مخطط ناجح يساعد المرضى الذين يمكثون في المستشفيات على الخروج بسرعة أكبر، إضافة إلى وجوب رفع مراجعة الإنفاق خلال 3 سنوات هذا الخريف بقوة، إذ ستساعد الإيرادات الأولية من الزيادة المقترحة، بمقدار نقطة مئوية واحدة في التأمين الوطني، على إنجاز الأعمال المتأخرة. في المقابل، لا يمكن إنفاق هذه الأموال مرتين، وستبرز الحاجة إلى إنفاقها في تحسين إصلاحات الرعاية الاجتماعية التي طال انتظارها، كي تصبح مجدية فعلاً.
وكخلاصة، يواجه ريشي سوناك عدداً من طلبات الإنفاق المتنافسة، على غرر الأولويات الأخرى في مواجهة كورونا اللازمة في تعويض ما فات واللحاق بالركب، خصوصاً في المدارس، إضافة إلى تكلفة تصفير انبعاثات الكربون، ورفع مستوى المساواة. ضمن ذلك التنافس، ثمة خوف في أوساط "خدمة الصحة الوطنية" من أنها لن تحصل على كل ما تحتاج إليه. وسيمثل ذلك الأمر تهديداً حقيقياً يطاول الآفاق الانتخابية للمحافظين.
© The Independent