Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نشوب حرب أهليه جديدة في أفغانستان قد ينشر الفوضى في العالم

إذا اشتعل الوضع في أفغانستان.. فلن تقف النار عند حدود هذا البلد

مخاوف من اندلاع حرب أهلية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميريكية وسيطرة طالبان على أجزاء كبيرة من البلاد (رويترز)

تدعو الأنباء الواردة من أفغانستان إلى مزيد من التشاؤم يوماً بعد يوم. وتمضي طالبان في زحفها على مواقع حدودية رئيسة ومدن، منذ أعلن الرئيس جو بايدن في أبريل (نيسان) الماضي انسحاب القوات الأميركية، وطوى عملياً الشهر الماضي 8 يوليو (تموز) صفحة مهمة أكملت عامها العشرين. ليس من الواضح نهائياً كيف يمكن للجيش الأفغاني الذي تلقى تدريباً غربياً إلى حد بعيد، أن يصمد أمام تقدم طالبان. ولا يبعث أداؤه في المرحلة الأولى على التفاؤل.

في غضون ذلك، يتكهن أصحاب الخبرة بأن مزيداً من الدماء ستسفك قبل أن يحصل أي تحسن، هذا إذا كان التحسن ممكناً على الإطلاق. وقد حذر الجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان قد عينه الرئيس باراك أوباما قائداً للقوات الدولية في أفغانستان، من أن البلاد تتفكك، وأن الولايات المتحدة قد تخلت عن أفغانستان تاركة إياها لتواجه "حرباً أهلية دموية وحشية" لوحدها.

 ويتوقع روري ستيورات، وزير التنمية الدولية البريطاني السابق الذي قطع أفغانستان سيراً على الأقدام في عام 2002، أن تشهد البلاد عودة أمراء الحرب إلى سابق عهدهم في تسعينيات القرن الماضي، مع وجود أشخاص شرسين من هذا النوع  نفسه ممن سيتولون زمام الأمور.

أما الجنرال السير نيك كارتر، وهو قائد القوات المسلحة البريطانية، فبدا صريحاً على نحو غير مألوف بالنسبة إلى ضابط بهذا المستوى على رأس عمله، على الرغم من أنه أكثر حذراً من غيره. وقال الجنرال كارتر، إن من غير الممكن استبعاد انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، في الوقت الذي أصر فيه على أنه لايزال من السابق لأوانه الاستسلام للتشاؤم.

 وإذا كانت البشائر غير مطمئنة، هذا إذا أردنا توصيف الوضع بلغة معتدلة، فينبغي ملاحظة أن قرار بايدن القاضي بإعادة القوات الأميركية من أفغانستان إلى الوطن بحلول التاريخ المليء بالدلالات 11/9،  قد جعل كثيرين يشعرون بالإهانة.

لم يفاجئ القرار الذي كان واحداً من أولى القرارات التي اتخذها بايدن كثيرين. فقط لأنه يشكل قطيعة مع السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة حين كان هو نفسه نائباً للرئيس. بل كان ثمة أسباب أخرى للدهشة أيضاً، إذ ربط القرار بينه وبين أحد القرارات الرئيسة التي اتخذها سلفه دونالد ترمب. وكان الفرق الوحيد بينهما هو تاريخ الانسحاب، فقد انتقى الرئيس السابق 1 مايو ( أيار) من هذا العام، فيما اختار بايدن سبتمبر ( أيلول)، موعداً لرحيل القوات الأميركية. وقد حرص بايدن، على عادة القادة الحذرين، على خروج الغالبية العظمى من القوات بصمت قبل ذلك التاريخ بوقت طويل، وهذا ما حصل قبل فترة طويلة.  

من هنا، ربما لم يكن صدفة أن بعض أصحاب التوقعات الأكثر تشاؤماً كانوا من بين المعارضين للانسحاب. أقنع الجنرال بترايوس، على سبيل المثال، أوباما بإبقاء القوات الأميركية في أفغانستان مع أن الرئيس لم يكن متأكداً من ذلك، وكان له رأي أفضل حول كيفية التعاطي مع الموضوع. وعلى الرغم من أن هذا القائد العام الأسبق قد ترك منصبه في ظروف مثيرة للجدل، فهو لا يضيع أي فرصة سانحة للدفاع عن سجله العسكري أو عن "مدرسة بناء الأمم" في السياسة الخارجية الأميركية.

 لم يكن أصحاب القرار في المملكة المتحدة مسرورين جراء قرار بايدن. ولا يعود الضيق الذي شعر به البريطانيون فقط إلى عدم إبلاغهم بالقرار قبل اتخاذه بوقت كاف، بل أيضاً إلى كونهم لا يملكون الخيار بشأن اتباعه. بل يترتب عليهم أن ينفذوه، الأمر الذي يكشف عن مدى ضآلة هامش الاستقلالية التي تتمتع بها المملكة المتحدة حين يتصل الأمر بالمسائل العسكرية. وأبدى المسؤولون البريطانيون أسفهم بينما كانوا يهرولون لسحب قواتهم المتبقية في أفغانستان، مشيرين إلى أن بضعة أشهر أخرى من التدريب كان من شأنها أن تجعل الجيش الأفغاني في وضع أفضل. ولك أن تصدق ذلك إذا استطعت.

ويشمل معارضو قرار بايدن كذلك عديداً ممن عاشوا تجارب مباشرة في أفغانستان، من جنود قاتلوا هناك وسيكونون محقين إن شعروا حالياً أن تضحياتهم كانت عبثاً، وعمال إغاثة أصبحت مشاريعهم الآن مهددة، وصحافيين يحسون بالمسؤولية حيال أولئك الذين مدوا لهم يد المساعدة. هكذا يسود بين هؤلاء الإحساس بالتخلي عن مهمة جيدة قبل الأوان وبخيانة الالتزامات التي تم التعهد بتنفيذها، خيانة فظيعة.

يؤسفني أن أقول إن قلبي أقسى قليلاً. وإذا كان علينا أن نستخلص أي نتيجة من السنوات العشرين الماضية من التدخلات العسكرية الغربية في دول أخرى، فمن المؤكد أنه يجب ترك تلك البلدان تبني مستقبلها بيدها، وأن المساعدة الأجنبية، مهما اتسمت بحسن النية، فإنها قابلة للاستمرار بقدر ما يستمر الدعم الذي تتلقاه تلك الدول. لا تستطيع حكومة تعتمد على قوة خارجية، سواء كانت قوة غازية أو محتلة أو متدخلة، أن تظل قائمة بعد رحيل تلك القوة الأجنبية. وستندلع النزاعات من جديد بعدما كانت قد توقفت بشكل مصطنع، وسيستأنف المتناحرون نزاعهم القديم من النقطة التي توقف عندها.   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد اندلع النزاع في هذه الحالة عام 2001 بعد الحادي عشر من سبتمبر(أيلول)، حين جرت المحاولات لإلحاق هزيمة بطالبان. وللأسف، على الرغم من كل الحديث الذي سمعناه عن التقدم الاجتماعي في أفغانستان، فهي أقرب بقليل إلى الاستقرار مما كانت عليه حين جرت المباحثات حول تسوية دستورية جديدة قرب بون في ديسمبر (كانون الثاني) 2011. ويتبين الآن كم كان من الخطأ استبعاد طالبان من تلك المباحثات، ومدى جسامة خطأ التحول الكارثي للولايات المتحدة من أفغانستان إلى العراق.

 والمؤلم أن هذه الأخطاء ليست عصية على التصحيح فحسب، بل إن تشعبات الصراع المتجدد وتداعياته تهدد بإشاعة الفوضى على نطاق أوسع.

 وينبغي أن تكون الصورة الكبيرة مصدر قلق كبير. فقد بدا جيران أفغانستان قبل عشرين عاماً عموماً أكثر استقراراً مما هم عليه الآن. فحالياً لايزال العراق وإيران يحاولان التعافي من حرب استمرت حوالى عشر سنوات. كانت إيران في 2001 تسعى إلى تعزيز ثورتها، فيما رزح العراق تحت سيطرة صدام حسين المباشرة. أما جمهوريات آسيا الوسطى السوفياتية سابقاً، فكانت لاتزال تحاول نهج طريقها نحو استقلال أبقاها بشكل كبير دولاً تابعة لنفوذ موسكو. وفي تلك الأيام، كان فلاديمير بوتين قد ورث السلطة للتو ووضع على رأس أولوياته إبقاء عناصر الاتحاد الفيدرالي المتصدعة مجتمعة. أما الصين فانشغلت حينذاك باقتصادها في أعقاب عقد من الزمان على أحداث ميدان تيانانمين. ولم تؤثر أحداث أفغانستان في دولة ما بالحدة التي أثرت فيها على باكستان، وذلك بسبب تدفق ملايين اللاجئين الأفغان على هذه الدولة المجاورة. وكان بدا أي تهديد قد يطال بلداناً أخرى، محدود المفعول، بسبب ضعف الاتصالات والقيود الجغرافية.

 لكن يبدو جوار أفغانستان حالياً شديد الاختلاف عما كان عليه قبل عشرين سنة، حيث تتمتع كل من روسيا والصين بقوة أكبر. وبقيت المنافسة بينهما من أجل السلطة والنفوذ في جمهوريات آسيا الوسطى حتى الآن خفية لم تلتقطها الرادارات بعد.

غير أن هذا لا يعني أن التنافس بينهما لن يبرز فجأة إلى العيان، ودول آسيا الوسط يمكن أن تستعمل كوكلاء أكثر حرية مما كانوا عليه في السابق، في صراع محتمل. ويعد قمع الصين للأويغور في شينجيانغ مؤشراً على أنها تراقب جيداً الوضع الأمني في المناطق الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من أراضيها. وفي هذه الأثناء، كسبت إيران نفوذاً إقليمياً بفضل الحرب في سوريا، وباتت حالياً على وشك التحول إلى قوة نووية. وتبحث "داعش" عن ملاذات جديدة لتلجأ إليها. وبينما كان الأفغان يميلون إلى البقاء في باكستان أو إيران، فعديد منهم يطمحون الآن للوصول إلى أوروبا.

  لهذه الأسباب كلها، يمكن لأي حرب في أفغانستان أن تمثل الآن تهديداً أكبر  للاستقرار الإقليمي والدولي منه قبل عشرين عاماً، وهو ما كان التأثير الكارثي لضربات 11/ 9  يميل إلى إخفائه.

  لكن يتوجب على جميع من يوجهون الآن اللوم إلى الرئيس بايدن ويحاولون مراعاة  ضمائرهم المذنبة بسبب "خيانة" الغرب، أن ينظروا إلى ما هو أبعد من حلفائهم في كابول. كان بوسع الوجود الأجنبي الطويل الأمد أن ينتهي فعلاً باعتقال أسامة بن لادن. و على هؤلاء النقاد أن يتساءلوا ما إذا كان الوجود الأجنبي قد أسهم في إرجاء  التوصل إلى تسوية أفغانية حقيقية، وأدى إلى تأجيج نيران الصراع التي يمكن أن يكون احتواؤها الآن أصعب بكثير.

 

 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل