استيقظ سايمون فيكادو قبل الفجر، للانضمام إلى قافلة غادرت مخيم ماي عيني في منطقة تيغراي الإثيوبية، لتفقد مكان جديد يفترض نقل المخيم إليه، قبل أن يُبلغ بحصول معارك في محيط المخيم الذي بقيت فيه زوجته وأولاده الثلاثة... في حادث آخر يؤشر إلى التداعيات الكارثية لحرب تيغراي على آلاف اللاجئين الإريتريين.
وكان وفد من المسؤولين ينقل حوالى 20 لاجئاً على بعد أكثر من 100 كيلومتر جنوباً إلى دابات لزيارة موقع قد يُقام فيه مخيم جديد أكثر أماناً من ماي عيني الذي كانت المعارك تقترب منه.
كانت القافلة قد غادرت للتو المخيم عندما سمع سايمون الطلقات الأولى. وسرعان ما اقترب دوي الأسلحة من محيط ماي عيني، حيث كانت زوجته وأطفاله الثلاثة لا يزالون نائمين.
خلال أربع ساعات اتصل سايمون بأقاربه الذين اضطروا إلى الصراخ لتغطية هدير الرصاص ونيران المدفعية. وتكشف معارك 13 يوليو (تموز) مجدداً العواقب الوخيمة للحرب في تيغراي على آلاف الإريتريين الذين لجأوا إلى هذه المنطقة قبل عشرين عاماً.
لكن منذ نوفمبر (تشرين الثاني) تحارب جبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الحاكم السابق في المنطقة، الجيش الفيدرالي الإثيوبي وحلفاءه بما في ذلك الجيش الإريتري.
وسرعان ما استُهدف اللاجئون وتعرض مخيما هيتساتس، وشيملبا الأقرب من الحدود الإريترية للنهب والتخريب، وفر الآلاف من سكانهما. اليوم يخشى هؤلاء اللاجئون أي هجوم مضاد ويريدون مغادرة تيغراي نهائياً.
ويقول سايمون لمسؤولي الأمم المتحدة عندما زار الموقع الجديد في منطقة أمهرة جنوب تيغراي مع احتدام القتال حيث يقيم "أرجوكم حاولوا أن تفهموا مشاعري".
وبإنجليزية ركيكة ناشدهم إخلاء ماي عيني وأدي هاروش - وهما المخيمان الإريتريان الوحيدان المتبقيان في تيغراي. ويضيف "لا تكونوا مجرد مسؤولين. أرجوكم حاولوا أن تكونوا إنسانيين".
بدأ اللاجئون الإريتريون في الوصول إلى تيغراي في عام 2000 مع انتهاء الحرب التي دارت لعامين بين إثيوبيا وإريتريا وخلفت آلاف القتلى.
كما كانوا يفرون من النظام الاستبدادي لأسياس أفورقي رئيس إريتريا الملقب بـ "كوريا الشمالية الأفريقية" بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان وفرضه الخدمة العسكرية الإجبارية.
حاز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 2019 جائزة نوبل للسلام للتقارب المفاجىء الذي أحدثه مع إريتريا.
لكن أسياس أفورقي وجبهة تحرير شعب تيغراي التي حكمت إثيوبيا أثناء النزاع، بقيا عدوين لدودين، ولم يعد اللاجئون الإريتريون يشعرون بالأمان في تيغراي.
وقال عبدالله إبراهيم، وهو من المقيمين السابقين في شيملبا ويعيش الآن في مخيم أززو للنازحين قرب مدينة غوندر في منطقة أمهرة، إن المنطقة "كانت جيدة لنا جميعاً".
لكن منذ اليوم الذي أرسل فيه آبي قواته إلى تيغراي، تغير سلوك بعض السكان تجاه اللاجئين الإريتريين، على حد قوله.
ويقول عبدالله بحسرة "كان الراشدون يقدمون لنا الماء للشرب، لكن الشباب كانوا يبحثون عن ذريعة للتشاجر أو الإيذاء أو حتى القتل بأي شيء يقع بين أيديهم".
عندما وصل القتال إلى هيتساتس في أواخر نوفمبر انتقمت قوات موالية لجبهة تحرير شعب تيغراي من اللاجئين، بعد هزائم منيت بها أمام الجيش الإريتري، بحسب شهادات لاجئين.
وأضافوا أن الجنود الإريتريين المتهمين بارتكاب مجازر واغتصاب جماعي بحق المدنيين، سيطروا على هيتساتس وشيميلبا، ما أرغم اللاجئين الذين كانوا لا يزالون موجودين على المغادرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يكن أمام كثيرين خيار سوى المجازفة في منطقة القتال، وغالباً لا يكون لديهم ما يأكلونه غير أوراق المورينغا. قبل الحرب كان يعيش 92 ألف لاجئ إريتري في تيغراي بينهم 19200 في هيتساتس وشيميلبا، وفقاً لوكالة شؤون اللاجئين والعائدين الإثيوبية.
ووصل أكثر من خمسة آلاف شخص فروا من المخيمات المدمرة إلى ماي عيني وأدي هروش. لكنهم لم يشعروا يوماً بالأمان هناك على حد قول المدير العام لوكالة شؤون اللاجئين والعائدين الإثيوبية تسفاهون غوبزاي.
يخشى كثيرون من تحميلهم وزر انتهاكات الجنود الإريتريين. وصرح تسفاهون لوكالة الصحافة الفرنسية أن "انعدام الثقة يتزايد بين اللاجئين الإريتريين والمجتمعات المضيفة. وهذا هو سبب خوفهم".
تدهور الوضع أكثر في منتصف يوليو. وشن المقاتلون بعد استعادة السيطرة على القسم الأكبر من تيغراي هجوماً في جنوب وغرب المنطقة، حيث ماي عيني وأدي هاروش.
وبحسب وكالة اللاجئين، قتل ستة لاجئين في الأقل على أيدي "مقاتلي" جبهة تحرير شعب تيغراي. وأشارت الأمم المتحدة إلى مقتل لاجئ إريتري دون مزيد من التفاصيل.
كما اتهمت الوكالة الحكومية الإثيوبية المقاتلين بنشر مدفعية ثقيلة في هذين المخيمين، ونهب مركبات ومخازن فيهما، ومنع اللاجئين من المغادرة، مقارنة "الوضع بعملية احتجاز رهائن".
ونفى المتحدث باسم المقاتلين جيتاشيو رضا هذه المزاعم. وقال "ليس لدينا مشكلة مع اللاجئين الإريتريين". وعلى الرغم من الضمانات الممنوحة لهم، يبدو أن اللاجئين قبلوا فكرة مغادرة تيغراي.
3 آلاف إثيوبي من أمهرة يعبرون الحدود إلى السودان
عبر ثلاثة آلاف إثيوبي من إقليم أمهرة الحدود مع السودان طلباً للجوء، حسب تقرير سوداني عن حركة اللاجئين.
وذكر التقرير الرسمي الذي يصدر بصورة يومية أن "3 آلاف فرد عبروا مساء اليوم الحدود الإثيوبية إلى قرية تايا بمحلية باسندة".
وأضاف التقرير أن اللاجئين الإثيوبيين ينتمون إلى قبيلة الكومنت التي تسكن المناطق الريفية القريبة من مدينة غوندار بمنطقة أمهرة. وأشار التقرير إلى أن توافد اللاجئين "ما زال مستمراً".
تقع محلية باسندة بولاية القضارف شرق السودان، داخل منطقة الفشقة الزراعية التي يدعي كل من السودان وإثيوبيا أحقيته فيها، وأعاد الجيش السوداني نشر قواته فيها في نوفمبر الماضي.
تسبب النزاع في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا بتدهور العلاقات بين البلدين في الأشهر الأخيرة، وتبادل الجانبان الاتهامات بممارسة أعمال عنف وانتهاك حرمة أراض في المنطقة.
هذا فضلاً عن الخلاف بين أديس أبابا من جهة والقاهرة والخرطوم من جهة أخرى حول سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق، الفرع الرئيس المكون لنهر النيل.
تحاذي منطقة أمهرة إقليم تيغراي الذي يشهد نزاعاً عسكرياً بين الحكومة المركزية و"جبهة تحرير شعب تيغراي" منذ الرابع من نوفمبر الماضي، عندما أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد شن هجوم على الإقليم بعد أن اتهم الجبهة بشن هجوم على معسكرات للجيش الفيدرالي.
وتسببت الحرب الإثيوبية بخسائر بشرية هائلة وبأزمة إنسانية مروعة، ويقول برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إن 5.2 ملايين شخص، أو 91 في المئة من سكان تيغراي، يحتاجون إلى مساعدات غذائية طارئة. كما تسببت في فرار 60 ألف شخص إلى السودان طلباً للجوء.