Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قصص من أفغانستان تخفيها الأحداث العسكرية

من مخيم في قندهار... وطابور طويل أمام دائرة الجوازات في كابول

أفغانستان تواجه وضعاً أمنياً "صعباً للغاية" مع انسحاب القوات الأجنبية (أ ف ب)

تُخفي الأحداث الأمنية والعسكرية والسياسية في أفغانستان قصصاً كثيرة، بل مآسي أشخاص كثر هم أنفسهم معرّضون للاختفاء.

محمد صادق، مثلاً، عاد إلى منزله قرب مدينة قندهار هذا الأسبوع ليكتشف أن فيه سكاناً جدداً هم حركة طالبان. وصادق واحد من عشرات آلاف الأفغان الذين شردتهم المعارك المتصاعدة بين الحركة المتمردة والقوات الحكومية، فيما تستكمل القوات الأجنبية انسحابها بعد 20 عاماً على غزو أفغانستان.

وروى صادق لوكالة الصحافة الفرنسية، وقد بات في مخيم للنازحين في ثاني أكبر المدن الأفغانية، "لم يسمحوا لي حتى بالدخول".

وقد وصل، هذا الأسبوع، آلاف الأشخاص إلى قندهار في سيارات وحافلات وشاحنات وسيراً على الأقدام، مفضّلين مستقبلاً مجهولاً في مخيم بالحد الأدنى في المدينة، على مواجهة القتال.

وقال مسؤولون محليون إن أكثر من 150 ألف شخص وصلوا هذا الشهر وحده.

وقالت بيبي عائشة، وهي نازحة تقيم في مركز حكومي للحجاج قرب مطار قندهار، "فقدت اثنين من أبنائي في انفجار أمام منزلي".

أضافت "كانت الشوارع في حيي مليئة بالأشلاء البشرية".

وتحذر منظمات إنسانية من أزمة كبرى في الأشهر المقبلة في وقت تواصل طالبان عملية عسكرية واسعة سيطرت خلالها على مساحات شاسعة من شمال البلاد.

وغادرت القوات الحكومية بعض المناطق الريفية من دون قتال، لكنها بصدد تعزيز الدفاع عن عواصم الولايات، ومن بينها قندهار، حتى مع تضييق المتمردين الخناق على المدن.

سقوط كارثي

قندهار هي معقل طالبان، ومنها تصاعد نفوذ الحركة في 1996 قبل أن تبسط سيطرتها على معظم مساحات البلاد في 2001 حتى الغزو بقيادة الولايات المتحدة.

وسيكون سقوط المدينة كارثياً بالنسبة إلى الحكومة، إذ سيجعل البلد قسمين قبل الشتاء، عندما تصبح استعادة السيطرة على أراض تنطوي على صعوبة.

والمعركة للسيطرة على قندهار ستكون صورة مصغرة من المعركة للسيطرة على أنحاء البلاد.

في المناطق التي تسيطر عليها طالبان من دون قتال، خصوصاً في مناطق ريفية محافظة جداً، تتواصل الحياة اليومية بشكل شبه عادي. لكن، في أجزاء أخرى أكثر تمدناً تدافع عنها القوات الحكومية، فإن المدنيين يُجبرون على الفرار من صدامات عنيفة أحياناً.

في المخيم القريب من مطار قندهار، كان عشرات الأطفال يلهون وسط الغبار فيما كانت النسوة يغلين الشاي على مواقد مرتجلة.

وكان فتى يغسل الملابس في وعاء بلاستيكي فيما جلس عدد من كبار السن يشربون الشاي الأخضر من أكواب صغيرة وهم يحاولون إبعاد الذباب المتحلق حولهم.

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين إن عشرات آلاف الأفغان نزحوا داخل البلاد هذا العام وحده، وتحذر من أنه ما لم يتوقف القتال فإن الأزمة يمكن أن تمتد إلى جوار أفغانستان.

وكانت باكستان وإيران بشكل خاص ملجأً لملايين الأفغان الذين فروا من الاحتلال السوفياتي الذي استمر عقداً، ومن نظام طالبان في التسعينيات.

مشكلات صحية

والمخيمات البدائية الشديدة الاكتظاظ والمستجدة في قندهار، بدأت تتسبب بمشكلات صحية.

وقال الطبيب محمد عارف شكيب، لوكالة الصحافة الفرنسية، "نعالج ما بين 250 و300 مريض يومياً".

أضاف "كثيرون منهم أطفال مصابون بالإسهال والإنفلونزا وأمراض جلدية. نعاني الضغط".

ويشعر عدد كبير من سكان المخيم بالارتباك إزاء محنتهم، خصوصاً فيما يوشك العدو اللدود لحركة طالبان، أي القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة التي أطاحت الحركة.

وسألت فيروزة "ضد من يقاتلون؟".

وأضافت "لم يعد هناك أميركا ولا كفار. جميع الناس الذين طردوهم من منازلهم مسلمون".

وقال سيد محمد "المدنيون هم أكثر من يعاني".

وأضاف فيما كانت عائلته بجانبه "نواجه العديد من التحديات. أطفالنا ونساؤنا غادروا الديار ببعض الملابس".

وروى صادق الذي احتل منزله المتمردون وفر وسط معركة "الرصاص والصواريخ كانت تسقط على منزلنا... أُجبرنا على الفرار".

جوازات سفر

في طابور طويل أمام دائرة الجوازات في كابول، يقف عبد الخالد نبيار منتظراً أن يحين دوره لطلب إصدار وثائق سفر لعائلته، من شأنها أن تخوّله مغادرة البلاد في حال استولت طالبان على السلطة.

وبينما ينتظر على غرار المئات صباحاً تحت أشعة شمس حارقة، يقول "جئت للحصول على جوازات سفر لعائلتي لأننا لا نعلم أبداً" ما قد يحصل.

ويوضح الرجل (52 سنة) الذي يخشى الاستهداف كونه يدير متجراً في قاعدة عسكرية تابعة لقوات حلف شمال الأطلسي، "إذا ازداد الوضع سوءاً، قد نضطر إلى مغادرة البلاد"، شأنه شأن كثيرين يودون "أن يكونوا على أهبة الاستعداد في حال ساءت الأمور".

لأكثر من مئة متر، يمتد صفّ الانتظار عند الثامنة صباحاً. يستظل البعض من أشعة الشمس بمغلفات بلاستيكية وضعوا فيها المستندات والأوراق المطلوبة لإنجاز جوازات سفرهم.

خلال الأسابيع الماضية، فاق عدد الراغبين بالحصول على جوازات سفر التوقعات. ويقول شرطي "نستقبل نحو عشرة آلاف شخص يومياً، مقابل ألفين" في العادة.

عند الخامسة فجراً، وصل المهندس خليل الله (36 سنة) مع زوجته وأطفاله الثلاثة من محافظة بلخ الشمالية، للحصول على "جوازات سفر حتى نتمّكن من الذهاب إلى مكان آخر إذا ساءت الأمور".

ويوضح فور اجتيازه حاجز الأمن، بعد انتظار ثلاث ساعات، أنه وجد قرابة "300 شخص ينتظرون في الطابور" على الرغم من وصوله باكراً.

مسألة ضرورية

بعد ختم مستنداتهم، ينتظر المتقدمون للحصول على جوازات سفر مجدداً. يتوزع قرابة 150 رجلاً، والعديد من النساء مع أطفال، بشكل منفصل على مقاعد قبل دخول قاعة البيانات البيومترية المكتظة بدورها، وحيث يجلس موظفون خلف مكاتبهم منهمكين في التقاط صور للمتقدمين والحصول على بصماتهم إلكترونياً عدا عن مسح قزحيات العيون عبر أجهزة رمادية.

على الرغم من وصولها باكراً، تعيّن على الطالبة في اختصاص المعلوماتية زينات بهار نازاري (23 سنة) الانتظار لساعات طويلة. فالحصول على جواز سفر مسألة "ضرورية نظراً إلى الظروف" السائدة.

وعلى الرغم من أنها كانت صغيرة للغاية أثناء حكم طالبان (1996-2001) وتفسيرها المتشدّد للقواعد الإسلامية، فإنها تعرف كثيراً مما سمعته من أفراد عائلتها.

وتقول "عندما كنا أطفالاً، روت عائلاتنا كيف كان (مقاتلو) طالبان يقتلون الناس أو يعملون على إخفائهم، ويتصرفون بعنف تجاه النساء ولا يسمحون لهن بالتعلم، عدا عن حرمانهن من حقوقهن الأساسية".

لكنها عايشت في السنوات العشرين الماضية تجربة تمرّد الحركة. وتوضح "الوجه الوحيد الذي أعرفه عن طالبان هو وجه الرعب: المعارك ومحاولات الاغتيال وحمامات الدم".

تبدي الشابة خشيتها من الأسوأ. وتشرح "عندما ترتاد المدرسة أو الجامعة، فإنك تأمل بمستقبل مشرق. لكن إذا استولت طالبان على السلطة، سيتلاشى هذا الأمل".

وتعتبر أن عودتهم المحتملة إلى السلطة "لا تبشّر بالخير"، خصوصاً بالنسبة إلى النساء، لكن "عند حديثنا عن مغادرة أفغانستان، أشعر بالحزن حقاً".

البقاء في الوطن

تدرك قلّة ممن يحضرون للحصول على جوازات سفر إلى أين سيتوجهون، لأن كثيرين ومنهم زينات، يريدون تصديق أنه سيكون بمقدورهم البقاء في وطنهم. لكنّهم جميعاً يرغبون بأن يكونوا على استعداد تام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يجد سرادار (52 سنة)، الذي يرفض الكشف عن اسمه الحقيقي ويخشى على حياته بعدما عمل مترجماً لدى منظمة غير حكومية بريطانية، بديلاً من خيار السفر الموجع للغاية. ويقول "حياتنا في خطر، ليس لدينا خيار".

ويخشى حجي سيد محمد سلطاني (45 سنة)، العاطل حالياً من العمل، أن يختبر مجدداً تجربة اللجوء التي عاشها إبّان الغزو السوفياتي (1979-1989) وخلال سنوات الحرب الأهلية (1979-1989) ثمّ أثناء حكم طالبان.

ويصر "طالما أن أفغانستان صالحة للعيش، فلن نغادر بلدنا"، لكن "على مدى العشرين عاماً الماضية، تمتع الناس (...) بالحرية. وإذا انهارت هذه الحكومة اليوم، فلن تكون هناك حرية".

وعلى الرغم من سلسلة تعهدات وردت على لسان زعيم طالبان هبة الله أخوند زاده، في رسالة نشرها قبل عيد الأضحى، في حال تولت حركته مقاليد السلطة، لناحية عدم الانتقام و"خلق بيئة مناسبة لتعليم الفتيات" وإرساء "السلام والأمن"، فإن ذلك لا يطمئن المواطنين الأفغان.

ويقول نبيار "لا نصدق كلمة واحدة مما تقوله طالبان".

وضع صعب للغاية

في الإطار ذاته، شدد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الثلاثاء 27 يوليو (تموز)، على ضرورة التفاوض على "تسوية" مع طالبان في أفغانستان. وأقر بأن البلد يواجه وضعاً أمنياً "صعباً للغاية" مع انسحاب القوات الأجنبية.

وكتب ستولتنبرغ على "تويتر" بعدما تحدّث إلى الرئيس الأفغاني أشرف غني "يبقى الوضع الأمني في أفغانستان صعباً للغاية ويقتضي تسوية يُتفاوض عليها. سيواصل حلف شمال الأطلسي دعم أفغانستان بما في ذلك عبر التمويل والوجود المدني والتدريب خارج البلاد".

وذكرت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء، الثلاثاء، أن موسكو ستشارك بألف من جنودها في تدريبات عسكرية مشتركة في طاجيكستان قرب الحدود مع أفغانستان.

وستشارك قوات من أوزبكستان وطاجيكستان كذلك في التدريبات. وذكرت الوكالة أن القوات المشاركة في التدريبات قوامها أكثر من 1500 جندي إجمالاً.

وارتفع مستوى العنف منذ مطلع مايو (أيار) في وقت أطلقت "طالبان" هجوماً واسع النطاق بعد أيام من بدء القوات الأميركية بقيادة حلف الأطلسي انسحابها الذي استُكمل تقريباً.

وسيطر المتمرّدون على مناطق واسعة ومعابر حدودية وحاصروا عواصم عدة ولايات.

وتواصل القتال في المناطق الريفية فيما أخفقت المحادثات بين الحكومة الأفغانية وطالبان في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب.

وانسحب معظم أفراد قوة حلف شمال الأطلسي البالغ عددهم عشرة آلاف جندي من البلاد بعد قرار الرئيس الأميركي جو بايدن سحب جنود بلاده بعد الغزو بعقدين.

وحذرت الأمم المتحدة، الاثنين، من أن أفغانستان قد تسجّل أعلى عدد للوفيات في صفوف المدنيين منذ أكثر من عقد في حال لم تتوقف هجمات طالبان في أنحاء البلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من الأخبار