Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الراقصة المهندسة" إيمي سلطان توثق الرقص المصري لحمايته في اليونسكو

تعود إلى الجذور الفرعونية وترفض مقولة "هز البطن" التي أطلقها الاستشراق وتنتقد تشويه الأجنبيات لهذا الفن العريق

الراقصة المصرية إيمي سلطان في منزلها في القاهرة أمام لوحة تمثلها (اندنبدنت عربية)

الراقصة المصرية المعروفة في الأوساط الفنية والثقافية إيمي سلطان تشكل اليوم ظاهرة في المجتمع المصري، فإيمي ليست فقط راقصة مصرية، بل هي كذلك مهندسة ديكور، الأمر الذي منحها لقب "الراقصة المهندسة" كما يُعرف عنها في أوساط القاهرة الفنية. وقبل أن نبدأ الحديث عن مشروع "طرب" لحماية الإرث المصري في الرقص الذي تعمل عليه إيمي، نراها تستقبلنا بحفاوة وعلى قدميها تقبع هرة بيضاء أسمتها إيمي "بمبة كشّر" تيمناً بالراقصة المصرية الاستعراضية بمبة أحمد مصطفى كشّر (1860- 1930) التي نالت من المجد ما لم تنله راقصة مصرية قبلها.

الرقص المصري وليس رقص البطن

تفتتح إيمي سلطان الحوار برفضها لمصطلح "راقصة البطن"belly dancer، فتقول، "أنا راقصة مصرية، ولست راقصة شرقية أو ما سواه. لا أحب تعبير belly dancer، لأنه مصطلح أميركي نُقل عن الفرنسية danseuse du ventre، وهو التصنيف الذي أعطاه الاستعمار الفرنسي للراقصات المصريات. إن الرقص المصري لا علاقة له بالبطن أبداً، فالحركة هي حركة القدم والركبة التي تثبت الوقع وتحدد حركة الجسم بأسره وانتظامه على الإيقاع. إن الضغط الأكبر هو على عضلات القدم، وليس البطن أو الخصر كما قد يظن البعض. إضافة إلى ذلك، إن تعبير "الرقص الشرقي" نفسه فضفاض، فالرقص اللبناني يختلف عن الرقص العراقي، وهما مختلفان عن الرقص المصري بطبيعة الحال. الرقص مرتبط بالإيقاع، والإيقاع مختلف من دولة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى، ولا يمكن أن نضع ضروب الرقص المختلفة ضمن بوتقة واحدة اسمها "الرقص الشرقي". تملك كل دولة نوعاً من الرقص خاصاً بها. الرقص المصري يعود إلى حضارة الفراعنة وإلى الرقص في المعابد لدى المصريين القدماء، فقد كان الرقص نوعاً من أنواع العبادة في الأعياد والمناسبات الدينية، كمثل عيد الشمس وعيد النيل وغيرهما، وكانت النساء يمارسنه في المعابد. إنما في بدايات الألفية السابقة بدأت فكرة الرقص بهدف الإغراء، أو فكرة رقص المرأة أمام الرجل وله، وهنا بدأنا نتحدث عن رقص شرقي. ويهمني كثيراً أن أفرق وأميز بين الرقص للرجال والرقص الذي كان شائعاً بين المصريين القدماء، الرقص المصري الذي يملك موسيقاه ووقعه والذي أمارسه أنا".

وتضيف إيمي حول التغيّرات التي عرفها الرقص المصري قائلةً: "الرقص المصري أنواع، فهناك مثلاً رقص العوالم ورقص الغوازي ورقص الصعيد ورقص الدلتا ورقص الحجالة ورقص البدو، هناك أنواع لا عد لها ولا حصر، وما يميز الأنواع عن بعضها أمور كثيرة كالموسيقى والحركات والبدلات وإيقاع الجسد وغيرها، والعروض التي نقدمها نحن كراقصات استعراضيات هي خليط الرقصات كلها، لذلك من الضروري والحيوي حماية هذا الإرث وهذا التراث مما يشوبه من تغيرات تنتج عن دخول راقصات أجنبيات إلى هذا المضمار".

وتكمل إيمي قائلة، "بدلة الرقص نفسها تغيرت بمرور السنوات وتبدل العصور، فأيام الفراعنة وُجد عنصر الحزام مثلاً الذي حافظت عليه الراقصة المصرية المعاصرة، وكذلك طريقة ارتداء القطعة العُليا من الزي في الملابس مع ظهور البطن. إنما مع مرور السنوات حدثت تغييرات، فدخل مثلاً عامل كثرة الأقمشة عند ازدهار تجارة الأقمشة والحرائر القادمة من الهند ودول الشرق الأقصى، أو مثلاً بدأ يظهر أيام بديعة مصابني تأثير "هوليوود" بالترتر والبهرجة واللمعية المُضافة. لكل عصر بدلة الرقص الخاصة به وهو أمر جميل ومثير للاهتمام. أنا مثلاً أحب كثرة الأقمشة التي تمنح الحركة انسيابية وأنوثة، كما أحب أن يظهر البطن في بدلة الرقص تيمناً بأزياء الفراعنة. المفروض في الرقص أيضاً أن تكون الراقصة حافية القدمين، إنما تم إدخال عنصر الكعب العالي بتأثير من "هوليوود" وعامل الغلامور المعاصرglamour".

من الباليه إلى الرقص المصري

وفي حديث حول بداياتها في عالم الرقص تقول إيمي، "كنتُ صغيرة عندما عشقتُ الباليه. عائلتي عموماً تحب الفن والموسيقى والاستماع إلى الأغاني، إنما بدأ شغفي الفعلي بالباليه عندما كنتُ صغيرة وشاهدتُ للمرة الأولى "بحيرة البجع"، فرحتُ أقف على رؤوس أصابعي وأحاول تقليد الراقصات اللواتي شاهدتهن، فسجلتني عائلتي في أكاديمية للرقص وبدأت منذ ذلك الحين قصة حبي للرقص. فكبرتُ على حب الباليه ومزاولته والتنقل بين الدول لتقديم عروض مع فرقتي. وذات مرة، كنتُ في تركيا، ودخلتُ كاباريه في إسطنبول وكانت تجربة رائعة. وأكثر ما فاجأني حينها، أن الكاباريه بأسره كان مزيناً بلوحات من السينما المصرية، فملأت صور رشدي أباظة وفاتن حمامة وسامية جمال وتحية كاريوكا وفريد الأطرش المكان. كان الفن المصري وثقافته يملآن المكان، كما أن الأغاني التي كانت تُسمع هي من التراث والطرب المصريين كأغاني عبد الحليم وأم كلثوم. أخذتُ يومها بسحر المكان، أنا التي تربيت على فكرة أن الكاباريه مكان سيء السمعة، ولم أدخله يوماً في حياتي. ومرت الأيام، ونصحني صديق قائلاً "بدلاً من ترميم المباني القديمة فلترممي الرقص المصري". في البداية استصعبت الأمر وشعرت به مستحيلاً، بخاصة وأن ذلك كان يعني أن أعود إلى مصر وأستقر فيها، لكن صديقي أصر على موقفه، معتبراً أنني الشخص المناسب لتغيير نظرة المجتمع المصري إلى الرقص. كان ذلك منذ ست سنوات، وبدأت منذ عام 2015 الرقص المصري".

وتضيف إيمي سلطان عن الانتقال من الباليه إلى الرقص المصري، "من أكبر تحديات انتقالي من الباليه إلى الرقص المصري، طبيعة الحركة، فالباليه رقص متصلب وجامد جمود خشبة، الجسم في الباليه ثابت صارم، بينما الرقص المصري عكس ذلك تماماً. الرقص المصري قائم على الحركة والمرونة واللين. لقد عانيت شديد المعاناة في البداية لأنني لم أتمكن من السيطرة على حركتي، كنتُ أشعر بالموسيقى تسري في عروقي، إنما كنتُ عاجزة عن ترجمتها في حركتي. كانت تقنية الرقص صعبة في البداية، ثم رويداً رويداً أتقنت أسس الرقص واعتدتها. درستُ أصول الرقص المصري على رقية حسن والراقصة والممثلة لوسي التي تبنتني فعلاً. إلى جانب الصعوبة التقنية، أذكر تحدي تعامل المجتمع مع الراقصة المصرية، فراقصة الباليه محاطة بالاهتمام وبفريق تقني لوجيستي يهتم بتفاصيل العرض والمسرح، ويترك للراقصة مهمة التركيز على رقصها وحركاتها فقط لا غير، راقصة الباليه تملك روتيناً منظماً ومكانة، ولا تفكر في أي تفاصيل. أما الراقصة المصرية فلا نظام يحتويها، أحياناً لا تملك الراقصة غرفة لتبدل ملابسها فيها ولتتحضر لوصلتها، الفنادق نفسها لا تحسب حساب الراقصة ولا تخصص لها غرفة تبدل فيها ملابسها وتحضر فيها نفسها قبل بدء العرض أو بين الرقصة والأخرى. على الرغم من أن الفنادق تكسب كثيراً من وجود راقصة مصرية في الأمسية أو في الزفاف، أرى أن المنظمين لا يحترمون الرقص المصري عموماً، ولا يمنحون الراقصة المساحة أو الاعتبارات التي تحتاج إليها".

وتضيف إيمي قائلة، "هناك إيتيكيت تعامل مع الراقصة، وهذا ما يجهله كثر، فلا يمكن الالتصاق بالراقصة أو الرقص قربها، أو إرسال الأطفال ليقفوا أمامها بينما هي تتحرك على خشبة المسرح. المجتمع المصري في حاجة إلى تحديث نظرته إلى الرقص المصري وعلاقته به. هو في حاجة إلى تعلم التفرج إلى الراقصة من دون أن يدخل إلى مساحة خشبة المسرح، أو أن يقف إلى جانبها، تماماً كالمغني الذي عندما يؤدي أغانيه لا نجد الناس متهافتة للوقوف إلى جانبه. هناك أصول للتعامل مع الراقصة، السيلفي والصور واقتراب الأطفال والتهافت أمور مزعجة للراقصة ولمساحة فنها".

وفي سؤال حول علاقة المجتمع بالراقصة ونظرته إليها فتجيب إيمي، "المجتمع عامة لا يحترم المرأة، وليس المرأة التي تزاول مهنة الرقص فقط. في المجالات كلها تتعرض المرأة لتضييقات، لأن الرجل يشعر بالتهديد من السيّدة الناجحة، والسيدات المقهورات أنفسهن يشعرن أحياناً بالغيرة من المرأة القوية لأنها تمكنت من تحقيق ما عجزن عنه. لا أذكر حادثة معينة وقعت معي، لم يضايقني أحد، بخاصة أنني أعمل في فنادق رفيعة المستوى، بالتالي فالأشخاص الموجودون حولي ينتمون إلى فئات معينة من المجتمع. إنما بالتأكيد، إنني لا أندم أبداً على هذا التغيير في مسيرتي فأنا سعيدة جداً وأرقص بفرح وحب. في أحيان كثيرة أرى الصدمة على وجوه الذين أخبرهم أنني راقصة مصرية، أراهم يحاولون إخفاء ذلك لكن التوتر يبدو على وجوههم، وهذا أمر يضحكني. أجده أمراً مسلياً، وغير مزعج بتاتاً أن يُصدم الناس، فهؤلاء الأشخاص لن أراهم على الأرجح مجدداً في حياتي ولن تؤثر ردة فعلهم فيّ".

مبادرة "طرب" لحماية الإرث المصري

تتحدث إيمي عن مشروعها الثقافي الجديد لحماية إرث مصر في الرقص قائلةً، "أعمل منذ سنوات على مشروع "طرب كوليكتيف"Tarab Collective، وهو مبادرة قائمة على ثلاثة أقسام، هناك أولاً قسم التوثيق الذي سيبحث في التاريخ والأرشيف لتشكيل ملف نقدمه لليونسكو، لتسجيل الرقص المصري كإرث ثقافي مصري. إن تسجيل هذا التراث في اليونيسكو سيؤدي إلى حمايته من التغييرات والشوائب الخارجية التي تؤثر فيه. تراثنا الفني اليوم في خطر، فهو يُسرق ويتم التغيير في أصوله، بخاصة عندما تأتي راقصات أجنبيات ويغيرن في الحركات وأصول الرقص وبدلاته، يجب أن نحمي شكل الرقص وإرثه فهو يتعلق بالشعب والنساء الأصيلات اللواتي يرقصن في حفلات الزفاف أو المناسبات الأخرى. يجب أن نوثق رقص سيدات الريف والصعيد ومناطق مصر كلها، يجب أن نملك أرشيفاً لهذا التراث لنسجله ونحميه ونمنع عنه التغييرات والشوائب الأجنبية التي قد تدخل فيه وتغير من خصائصه. السيدة المصرية الأصيلة هي الراقصة الحقيقية، ونحن أنفسنا نأخذ عنها الحركات ونجسدها على خشبة المسرح. وطبعاً يرأس فريق البحاثة شخص متخصص وهو الدكتور فكري حسن، وهو بروفيسور متخصص في علم الآثار والمصريات.

أما الجزء الثاني من مشروع "طرب" لحماية إرث الرقص المصري، فهو إنشاء مدرسة اسمها "تقسيم" تيمناً بتقاسيم الموسيقى والرقص. ستكون هذه المدرسة مكرسة للموسيقى والرقص، وستعلم الرقص المصري بالطريقة الصحيحة والأصيلة وكذلك الموسيقى، فالموسيقى العربية الحقيقية باتت منقرضة. إن الموسيقى اليوم لاتينية أو تركية أو يونانية وتدخلها نوتات وآلات غير عربية تؤذي التراث العربي. لم نطور منذ تسعينيات القرن العشرين الطرب والموسيقى العربية، بالتالي نرى أنفسنا اليوم إزاء خطين اثنين لا وسط بينهما، إما موسيقى أم كلثوم، أو موسيقى "المهرجانات"، من دون وجود مرحلة انتقالية فعلاً بينهما، وهو ما يريد معهد "تقسيم" القيام به، إنشاء جيل من الموسيقيين والراقصات الذين يستطيعون تعويض الثلاثين سنة الفائتة من غياب صناعة الموسيقى العربية والرقص المصري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الجزء الثالث والأخير من مشروعي هذا، فهو تأسيس شركة "ترتر للإنتاج"، وستنتج هذه الشركة كل ما له علاقة بالتراث الاستعراضي المصري، وستكون مصادر هذا الإنتاج وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام وغيرها من الأمور الأخرى".

وتضيف إيمي واصفة مشروعها وواقع الراقصة المصرية اليوم، "ستكون هناك حملات جمع تبرعات لإطلاق المشروع، لكنه سيكون مشروعاً قادراً على تمويل ذاته عموماً. إن وزارة الثقافة المصرية تقوم بالكثير، لكنها لا تستطيع الإحاطة بالمشكلات كلها. تقوم الوزارة بدورها لكننا يجب أن نتساعد لأن الثقافة في مصر منهكة، يجب على المجتمع المدني أن يسهم في التطوير والتقدم، وألا ينتظر جهود الوزارة وحدها. هناك نقابة مهن تمثيلية ونحن كراقصات مصريات ننتسب إليها، وهذه النقابة قائمة لحماية الراقصات، إنما يجب أن نقوم نحن أيضاً بدورنا".

وفي نهاية مقابلتنا مع الراقصة إيمي سلطان، يبقى السؤال الوحيد الذي لا مفر منه، هل تعتزل إيمي سلطان ذات يوم الرقص من أجل رجل أو من أجل حب؟ فتجيب المصرية الجميلة من دون تردد، "لا يمكن أن أترك الرقص من أجل شيء أو أحد أبداً، على العكس، أراني أعمل لحمايته وحماية إرثه. أحب الرقص أكثر من أي أمر آخر في حياتي، وأي رجل سيدخل حياتي يجب أن يعلم أن الرقص هو أولويتي وشغفي. الرقص هو حبي الأول وملجئي منذ صغري، أنقذني الرقص في صغري من أمور كثيرة، كان بيتي وملاذي ولا يمكن أن أدير له ظهري يوماً".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة