عقد مجلس الأمن الدولي جلسة لمناقشة الملف الليبي، في محاولة لإعطاء دفعة جديدة للمسار السياسي، الذي تعثر أخيراً بتعثر التوافق حول ملفات يتعلق جلّها بالقوانين الخاصة بتنظيم الانتخابات العامة نهاية العام الحالي. وخلص الاجتماع إلى تجديد الدعوة وتشديد اللهجة للأطراف الليبية المرتبطة بمسار الحوار السياسي بضرورة تجاوز خلافاتها التي تعرقل تنفيذ خريطة الطريق التي تشرف عليها الأمم المتحدة، وتأكيد أن موعد إجراء الانتخابات لا يمكن المساس به، مع التلويح بعصا العقوبات الدولية للمعرقلين. واستُقبل البيان الختامي بترحيب كبير في ليبيا، من حيث مضمونه وتوقيته، الذي يأتي في زمن حرج يستلزم حسم الملفات العالقة في الطريق إلى الانتخابات، مع بقاء خمسة أشهر فقط على موعد الاقتراع على أسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية.
الانتخابات في موعدها
وجدد مجلس الأمن، الخميس، دعمه المؤسسات التنفيذية الليبية، المنبثقة من لجنة الحوار السياسي الذي رعته بعثة الأمم المتحدة في يناير (كانون الثاني) الماضي، ممثلةً في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، المكلفين قيادة البلاد حتى تجرى الانتخابات الرئاسة والبرلمانية، في 24 ديسمبر (كانون الأول) 2021، على النحو المبين في خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي في تونس، وقرار مجلس الأمن رقم 2570 للعام الحالي.
وشدد، في البيان الختامي، على "أهمية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وشاملة وذات مصداقية، مع تأكيد أهمية الترتيبات لضمان المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة وتضمين الشباب". ونوه على جميع الأطراف الليبية بـ"ضرورة حماية النساء، بمن فيهن المشاركات في الأماكن العامة، من التهديدات والأعمال الانتقامية".
تلميح وتصريح
ولمح البيان إلى الخلافات القائمة بين مجلسي النواب والدولة، التي تعرقل العملية السياسية الليبية، داعياً إلى ضرورة حلها في أسرع وقت، وصرح بإمكانية استخدام العقوبات الدولية لردع المعرقلين لعملية السلام في ليبيا، قائلاً، إن "مجلس الأمن يذكر بأهمية توحيد المؤسسات الليبية، والحكم الرشيد وتحسين الأداء الاقتصادي، بما في ذلك الاتفاق على موازنة موحدة، والاتفاق السريع على المناصب السيادية، على النحو المنصوص عليه في خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي".
وحث البيان بشدة السلطات والمؤسسات ذات الصلة، بما في ذلك مجلس النواب، على "اتخاذ إجراءات فورية لتوضيح القاعدة الدستورية للانتخابات وسن التشريعات حسب الاقتضاء، لإتاحة الوقت والموارد الكافية للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات للتحضير للانتخابات الرئاسية والبرلمانية الوطنية".
وهدد بإمكان استخدام عقوبات في وجه المخالفين للقرارات الدولية والاتفاقات المحلية الرامية إلى حل الأزمة الليبية بالطرق السلمية، مؤكداً أن "الإجراءات المنصوص عليها في القرار 1970 لعام 2011، بصيغته المعدلة بقرارات لاحقة، تنطبق أيضاً على الأفراد والكيانات التي تحددها اللجنة لمشاركتها في أو تقديم الدعم لأعمال أخرى تهدد السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو تعرقل أو تقوض استكمال عملية انتقالها السياسي بنجاح". وأشار إلى أن "مثل هذه الأعمال يمكن أن تشمل عرقلة أو تقويض الانتخابات المخطط لها في خريطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التشديد على مقررات برلين
وكما جرت العادة في كل الجلسات التي عقدها المجلس الدولي خلال الأشهر الأخيرة لمناقشة الملف الليبي، جدد دعوته إلى وقف التدخلات الخارجية في البلاد، داعياً "جميع الدول الأعضاء والأطراف الليبية والجهات الفاعلة ذات الصلة إلى احترام ودعم التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار، بما في ذلك انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير".
وأشار المجلس إلى "ضرورة متابعة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا دعم آلية مراقبة وقف إطلاق النار التي يقودها الليبيون، من خلال النشر السريع والقابل للتطوير والزيادة لمراقبي وقف إطلاق النار التابعين للبعثة، بمجرد أن تسمح الظروف بذلك".
اتهامات "كوبيش"
في المقابل، شهدت جلسة الأمن الخميس عدة مداخلات، تطرقت إلى التطورات الخاصة بملف الأزمة، وكان لافتاً فيها الكلمة التي اتهم من خلالها المبعوث الأممي إلى ليبيا، يان كوبيش، أطرافاً لم يسمها في ليبيا، بـ"تعمد عرقلة المسار السياسي، وإفشال الاتفاق على القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها، مما قد يتسبب في تعطيل الانتخابات وعدم توحيد الجيش".
وفي كلمته أمام جلسة مجلس الأمن حول ليبيا، قال كوبيش، "أنا قلق من تداعيات عرقلة المسار السياسي والخلافات المتزايدة بين الأطراف الليبية، بما فيها عدم تمكن الملتقى الليبي للحوار السياسي من التوصل إلى اتفاق بشأن القاعدة الدستورية". وتابع "نحتاج إلى إعادة توحيد الجيش لتفكيك الميليشيات ووقف نشاط المرتزقة ونزع السلاح، وقوى الوضع القائم، السابقة والمقبلة، التي تستخدم تكتيكاً وأحياناً حججاً لا تؤدي سوى إلى نتيجة واحدة تتمثل في إعاقة إجراء الانتخابات"، واصفاً إياهم بـ"المخربين".
وعدد كوبيش بعض هذه الحجج المعطلة المسار السياسي، قائلاً إنها، "تشمل عمل استفتاء على مشروع الدستور قبل الانتخابات، وتوحيد المؤسسة العسكرية قبل الانتخابات أيضاً، ورفض ترشح حاملي الجنسيات الأخرى أو أصحاب المناصب العسكرية".
تحذير من انهيار النظام المالي
وواصل المبعوث الأممي لدى ليبيا إطلاق صافرات الإنذار بشأن الوضع الحالي في ليبيا، محذراً من أن يقود استمرار الانقسام في المصرف المركزي إلى "عرقلة الإصلاح النقدي"، مشيراً إلى "إمكانية انهيار النظام المصرفي الليبي في غياب التوحيد".
وأوضح أنه "بسبب عدم وجود موازنة موحدة وكذا الإغلاق النفطي المتكرر، قدم فرعا المصرف المركزي قروضاً لحكومتيهما السابقتين، ما أدى إلى تراكم ديون كبيرة، ولا يمكن إدارة هذا الدين إلا إذا توحد". ولفت إلى "تسليم البعثة في 8 يوليو (تموز) الحالي، تقرير المراجعة المالية الدولية إلى المجلس الرئاسي بحضور رئيس الوزراء ورئيسي فرعي مصرف ليبيا المركزي، التي خلصت إلى أن توحيد المصرف لم يعد مستحسناً فحسب، بل مطلوباً بشدة، ويحدوني الأمل في أن يتمكن المجتمع الدولي من دعم هذه العملية وهي تمضي قدماً في إطار عملية برلين".
مسؤولية مجلسي النواب والدولة
من جانبه، حمّل رئيس الوزراء الليبي، عبد الحميد الدبيبة، مجلسي النواب والدولة ولجنة الحوار السياسي الليبي مسؤولية تعثر المسار الليبي في الفترة الماضية، داعياً إياها إلى "نبذ خلافاتها وتحمل مسؤولياتها التاريخية حتى تتمكن البلاد من إجراء الانتخابات العامة في موعدها المحدد". وأضاف "نجدد التأكيد أن وجود المرتزقة والمقاتلين الأجانب على الأراضي الليبية أمرٌ مرفوض، ونشدد على ضرورة انسحابهم الفوري وبشكل متزامن، ونطالب المجتمع الدولي بدعم ليبيا لتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية والمساهمة معنا في دعم استراتيجية شاملة لتنفيذ برامج التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني وتأمين الحدود".