هو في الثقافة الشعبية "النعمة" و"العيش"، بما تمثله الأولى من منحة إلهية كريمة للإنسان، وبما تعنيه الثانية من وسيلة لا غنى عنها لمواصلة الحياة. هو الخبز، مادة الغذاء الأولى والرئيسية (وربما الوحيدة) لملايين الفقراء حول العالم... ولمثلهم من الأغنياء أيضاً، وإن اختلف خبز هؤلاء عن خبز أولئك...
تشير الدراسات التاريخية إلى أن الإنسان اكتشف الخبز وصنعه منذ عام 8000 قبل الميلاد، أي منذ بدأ نشاطه الزراعي، ومن ضمنه زراعة القمح الذي يعد من المحاصيل الأولى التي اكتسبتها البشرية. ومنذ ذلك الحين تعددت أنواع الخبز، وأشكاله، ونكهاته، إذ يوجد على الأقل 138 نوعاً من الخبز حول العالم، ويمكن تقسيمه وفقاً لشكله، فهناك الخبز المسطح أو المفرود والخبز المنفوخ، ووفقاً لما يصنع منه، فثمة خبز الحنطة أو الحبوب وهناك خبز الخميرة وخبز الشعير وخبز الذرة، وهكذا.
يحتفل العالم باليوم العالمي للخبز في 16 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام باعتباره أهم غذاء عند الشعوب منذ أقدم العصور.
وعلى الرغم مما يقوله خبراء التغذية، عن مضار بعض أنواع الخبز، أو الإكثار منه، إلا أنه كان ويبقى سيد المائدة العربية.
هنا جولة على أنواع الخبز الشائعة في كل من السعودية، ومصر، ولبنان، والمغرب، والجزائر، واليمن، والعراق، والسودان...
الخبز في السعودية ترياق الحياة ولكن
أهم أنواع الخبز في السعودية هي: التميس، والشريك المديني، والخبز الملوح، والخبز الحساوي (الأحمر)، وخبز الصاج أو الشمالي، وخبز العربود (في منطقة الجوف). ويعد التميس من أشهر أنواع الخبز المعروف في منطقة الحجاز، إذ يحضر في البيت بمقادير بسيطة ومكونات اقتصادية وبطريقة سهلة، ويقدم عادة مع الفول والأجبان ويحتل وجبات الإفطار والعشاء.
ويشبه خبز التميس أو الخبز الأفغاني إلى حد كبير خبز "التنور الشامي"، وتختلف مكوناته وطريقة تحضيره من منطقة لأخرى ومن بيت لآخر. وتشتهر المدينة المنورة بعديد من أنواع الخبز، أبرزها الشريك وفتوت التعتيمة والصامولي وخبز البر والخبز الأبيض والشوابير، وأنواع عدة من المخبوزات المدينية التي تقدّم في مواسم الأعياد ومناسبات الزواج في المدينة المنورة، بخاصة مع النواشف كالجبن والزيتون والحلاوة وغيرها.
وخبز الشريك هو مزيج من الطحين والحليب والماء، يرش عليه السمسم ويضاف إليه الحمص والشمر واليانسون والحبة السوداء ليكسب طعماً مميزاً، ثم يخبز في الفرن على شكل دوائر. وتشتهر المنطقة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية أيضاً بالخبز الملوح، الذي يقدم مع الفول والبيض.
كما تصنع النساء القرص، الذي يعتمد أيضاً على العجين بعد خبزه في إناء مستدير على هيئة قرص ويضرب من الحواف جيداً باليد حتى يأخذ شكله تماماً ثم يوضع على النار حتى يستوي ثم يقدم على المائدة مع السمن أو العسل.
ويُبدع أهالي منطقة الحدود الشمالية في صناعة خبز الصاج أو كما يسميه البعض، الرغيف الشمالي الذي تعلموه من الأجداد، ويقدمه أهالي المنطقة مع الشاي أو الحليب أو المرق. وبالنسبة إلى الخبز الحساوي، فإنه يتكون من طحين البر والنخالة والتمر والحبة السوداء والحلوى والسمسم، كما تضاف عليه عديد من النكهات الحديثة كالجبن والزعتر واللبنة. ويستغرق تحضيره وقتاً طويلاً، إذ يبدأ الخباز أولاً بنقع التمر في الماء لمدة معينة للحصول على نقيع التمر، ومن ثم يقوم بعملية العجن بوضع الدقيق في ماء التمر تدريجاً حتى يحصل على عجينة متماسكة يمكن تشكيلها إلى دوائر صغيرة بحسب حجم الرغيف، ثم يضيف مادة الحلوى وحبة البركة، ثم يترك العجين لفترة كي يرتاح ويختمر، ثم يضعه في التنور.
وتتميز منطقة الجوف بعديد من المأكولات الشعبية مثل خبز "العربود" أو ما يسمى "الجمري". وهو من أهم الوجبات المفضلة لدى أهالي بادية الشمال، بالأخص الجوف، فهو مليء بالعناصر الغذائية المهمة التي تساعد على الإحساس بالشبع لفترات طويلة بخاصة في ليالي الشتاء الباردة.
ولا يتعفن خبز العربود بسهولة، خصوصاً إذا كان موضوعاً في مكان جيد التهوية. ويفضل البعض أكل العربود مع الحليب أو السمن وزيت الزيتون والجبن، كما يفضله الآخرون مع العسل أو التمر أو غيرها من الإضافات اللذيذة.
لكل مناخ في اليمن خبز
للخبز اليمني أنواع شتى، تختلف في طريقة تحضيرها وإعدادها، وفقا لكل منطقة. إذ يسهم التنوع الجغرافي والمجتمعي والثقافي والمناخي في اليمن في تمييز الخبز كل منطقة عن الأخرى.
تقول لولوة غالب معوض، خبيرة فنون الطهي، إن أهم ما يميز الخبز اليمني أن طريقة إعداده تتم داخل البيوت اليمنية عوضاً عن شرائه من الأفران الأتوماتيكية أو المحال المخصصة كما هي الحال في باقي بلدان الوطن العربي والعالم. وذلك باستخدام التنور (الفرن الخاص بإعداد الخبز).
يتوافر التنور في كل بيت يمني، كونه آلة إعداد أهم الوجبات اليومية التي لا غنى عنها. وتوضح أن الخبز اليمني يتميز أيضا بتحضيره داخل التنور التقليدي الطيني باستخدام وقود الحطب الذي يضفي له نكهة ومذاقاً فريداً.
ووفقاً للشيف لولوة فإن هذا التنوع والاختلاف الزاخر يعود لاختلاف المكونات التي يحضر منها، إضافة إلى مناخ المناطق التي يحضر فيها. وتضيف "بعض المناطق تعتمد على الحبوب الكاملة وبعضها على البقوليات الداخلة في تكوين بعض أنواع الخبز مثل البلسن (العدس الأسمر)، وأيضاً طرق خبزه، ولهذا تختلف أنواعه باختلاف المناخ.
وتستدل قائلة "مثلاً نجد خبز الكدر في مناطق تهامة (في محافظة الحديدة غرب اليمن) يحتوي على جريش اللوبيا والقمح، وشكله كروي، وفي دوعن (في محافظة حضرموت شرق) يحتوي على الذرة البيضاء وشكله دائري مسطح، بينما نجده في صنعاء وصعدة (شمال) يحتوي على القمح والشعير وشكله كروي، كما أن خبز الملوج يحتوي على بعض من مسحوق الحلبة.
ويحتل اللحوح أهمية ملحوظة في قائمة المخبوزات اليمنية على امتداد البلاد. وتؤكد لولوة أن للحوح أنواعاً ومسميات مختلفة، ففي تعز لا بد أن يخبز على الحطب كشرط أساسي لإجادته ويحتوي على الذرة الحمراء التي تتوفر فقط في مدينة تعز وتسمى "بالغرب".
الخبز وجبة أساسية على مائدة المصريين
بحسب الجهاز المركزي المصري للإحصاء، يبلغ متوسط حصة الاستهلاك السنوي للفرد من الخبز في البلاد 889 رغيفاً، وهو أعلى معدل استهلاك على مستوى العالم، وفق دراسة أجراها، وتشير الإحصاءات إلى أنه يعد وجبة أساسية على مائدة الشريحة الأكبر من المصريين.
مواصفات رغيف الخبز
تتمثل مواصفات رغيف الخبز، وفقاً لوزارة التموين والتجارة الداخلية المصرية، في الاستدارة الكاملة والنضج، وأن يكون غير ملتصق الشطرين أو محترق، وذا مذاق ورائحة طبيعية، وألا تزيد نسبة الرطوبة به على 36 في المئة، وأن يحتوي على مواد نشوية وبروتينية ومعدنية مهمة في الغذاء اليومي للمواطن، ليمد المستهلك بنحو 70 في المئة من احتياجاته الغذائية من المواد النشوية والبروتينية، و52 في المئة من السعرات الحرارية، وكذلك المواد المعدنية كالحديد والزنك.
يسكن الستيني محمد جمعة، هو وأسرته بحي فيصل في محافظة الجيزة، حصته من الخبز المدعوم 30 رغيفاً يومياً، مؤكداً "أن الحصة لا تكفيهم أحياناً، ويحتاج إلى شراء مزيد خارج البطاقة التموينية، فالطعام بلا خبز لا يمكن تصوره أو استساغته".
أما أميمة كامل الأربعينية، تعمل في القطاع الحكومي، ولديها أسرة مكونة من سبعة أفراد فتؤكد "أن استهلاك الفرد يومياً يتراوح ما بين ثلاثة وأربعة أرغفة في اليوم وأحياناً يزيد، رغم أنهم يعتمدون على الأرز أيضاً في وجباتهم الأساسية".
الخبز على البطاقة التموينية
في المقابل، يقول أحمد جمال، خبّاز ثلاثيني بأحد أفران العيش البلدي بمنطقة الجيزة، "إن تحويل الخبز على البطاقات التموينية وتحديد حصة الفرد له دور أساس في علاج مشكلة التكدس والزحام على الأفران، وتفاوت الحصص، فلا يزال الخبز هو البطل الأول على مائدتنا، حتى وإن اختلفت الأوضاع عما كانت عليه من قبل". ويضيف، "العيش يؤكل من دون طعام، ويسترنا في الأوقات الصعبة، كما أن وباء كورونا ألقى بظلاله على نسبة إقبال المواطنين على شراء الخبز في بداية الجائحة، لكن البسطاء لا يستغنون عنه".
حساسية الجهاز الهضمي
من جهة ثانية، يحذر خالد أبو العزم، استشاري أمراض الباطنة والغدد الصماء والسكري، من تأثير زيادة تناول الخبز والنشويات، وأنه على الرغم من أهميتها فإن الزيادة منها ليست صحية، بل تنعكس على الجسم سلباً، لأنها تساعد على رفع مستوى الانسولين في الدم، نتيجة رفع النشويات معدل السكر الذي يستقبله الجسم، والذي بدوره يزيد من معدل الخمول والإرهاق به، بل وألم الصدر والنهجان أحياناً، إضافة إلى التخمة وزيادة الوزن الناتجة عن حبس النشويات للماء بالجسم".
ويؤكد أبو العزم، "أن الخبز يحتوي على مادة الغلوتين التي تتسبب في حساسية للجهاز الهضمي"، مشدداً على ضرورة تغيير تلك الثقافة التي تنتشر بشكل كبير في مصر والوطن العربي بالاعتماد الأساس على النشويات وعلى رأسها الخبز، لتجنب تلك الأضرار وخفض مستوى الدهون على الكبد الذي ينجم عنه عديد من المشاكل وعودة الجسم إلى النشاط والحيوية.
وتوضح نادية حسني، رئيس قسم بحوث الخبز والعجائن بمعهد تكنولوجيا الأغذية، "أن رغيف الخبز بمكوناته الحالية يحتاج إلى تطوير باعتباره عنصراً مهماً في وجبة المصريين، سواء المحدود الدخل أو المتوسط الدخل، وتحويله إلى وجبة غنية بالعناصر الغذائية، بخاصة الطبقة الفقيرة التي تعتمد عليه بشكل أساس، من خلال إضافة الشعير أو الذرة أو الكينوا وغيرها من المكونات التي ترفع قيمته الغذائية، بما يسهم في تغذيتهم بشكل سليم، وتقليص معدلات الأنيميا ونقص الوزن والتقزم، وغيرها من تبعات سوء التغذية".
الخبز اللبناني... من مادة للحياة إلى نقطة لتطور الإنسان
ترتكز طبيعة الغذاء في لبنان بشكل رئيس على الخبز كمادة الحياة الأساسية. وهو ليس فقط مادة غذائية بل أيضاً أداة ترافق كل المأكولات، عكس بعض المناطق العربية والآسيوية، حيث إن لبعض الوجبات طقوسها وعاداتها الخاصة، كتناول الطعام باليدين، أو العيدان الخشبية وغيرها من الأدوات. أما بالنسبة إلى الحنطة فهي ليست مادة غذائية فحسب، بل هي أيضاً أساس انتقال الإنسان وتطوره من التاريخ القديم إلى المعاصر.
في هذا السياق، يشرح كمال مزوّق، صاحب فكرة "سوق الطيب"، الذي أطلق سلسلة مطاعم في مناطق لبنانية عدة تركز على استعمال كل ما هو عضوي وتشجع منتجات المزارعين المحليين، أن "كل بلد يتميّز بالحنطة الخاصة به، وهي تتنوع من المعكرونة في إيطاليا، إلى الفطائر في آسيا، أما في لبنان فيتم الاعتماد على الخبز العربي الصناعي بشكل رئيس، ويتميز بخميرته الطبيعية التي تعمل على تفكيك القمح ليصبح أسهل في الهضم". ويضيف مزوّق أن "زراعة الحنطة عززت نمط الحياة المستقرة للإنسان وجعلته يتطور من خلال الاهتمام بالأرض، الأمر الذي أدى إلى انتعاش العمران وبالتالي الحياة الحضارية".
أما بالنسبة إلى أنواع الخبز في لبنان فهي تعتمد بشكل رئيس على أنواع الأفران التي تحدد شكل الرغيف ووزنه. وفي هذا الإطار، يعدّد مزوّق أنواع الخبز، بدءاً بـ "الخبز الصناعي الذي يُصنّع بطريقة سريعة وكميات كبيرة يومياً، ويُطلَق عليه محلياً اسم الخبز العربي، الذي يتطلّب فرناً أو مخبزة كبيرة، ويحضر على موائد كل شرائح المجتمع".
ولفت أن "هذا النوع من الخبز لم يكن موجوداً في السابق، بحيث كان كل شخص يعتمد على صناعة خبزه في بيته. وفي بعض المناطق كان الخبز يُصنَّع بمعدّات بسيطة على الحطب أو قش الصنوبر أو الصاج، ويوزّع على الأحياء.
واشتهر منذ ذلك الوقت الخبز المرقوق، ذو الرغيف الكبير والرقيق. أما بالنسبة إلى أنواع أخرى من الخبز كالطبونة، فكانت تصنعها ربّات المنازل يدوياً من خلال استخدام الأحجار والتراب لصناعة خبزة الطلامة السميكة. أمّا خبز التنور فهو شبيه بالطبونة ولكنه أكبر حجماً وهو أقرب إلى الخبز العربي الصناعي من حيث الشكل".
مادة مقدسة في المغرب
يُحاط الخبز في المغرب، بقدسية كبيرة في الثقافة الشعبية المحلية، اذ يحضر في جميع الوجبات الغذائية اليومية وحتى في المناسبات، بالتالي يشكل المادة الغذائية الأساسية.
وينقسم إلى صنفين: الخبز المحضر في البيت، والخبز الذي يباع في المخابز. ظل الصنف الأول لقرون النوع الوحيد المستهلك من كل المغاربة، حيث كانت سيدة البيت تحضره بعناية وبشكل شبه يومي، باستخدام الدقيق الطازج الذي تقوم بطحنه بنفسها على الرحى، وتضيف إليه شيئاً من الماء والملح والخميرة التقليدية، إضافة إلى مواد أخرى كالسمسم واليانسون وغيرها، ومن ثم تقوم بطهيه في فرن تقليدي من الطين في جانب من المطبخ، ومع مرور الوقت تم التخلي عن فرن المنزل مع ظهور الأفران الشعبية وتلك المنزلية التي تعمل بالغاز أو الكهرباء.
مادة مقدسة
يحيط المغاربة الخبز بقدسية شديدة، حافظوا عليها في ثقافتهم الشعبية منذ القدم، بحيث ارتبط التعامل مع الخبز بطقوس معينة. ويتم وضعه عادةً في وعاء خاص يسمى "الطبق"، ويتم الحرص على عدم رمي بقاياه في القمامة بل يتم الاحتفاظ بها لاستخدامها في بعض الأطباق لاحقاً.
كما تحظر تلك الثقافة الشعبية رمي الخبز على الأرض، وعلى من رأى خبزاً مرمياً أرضاً أن يقبله ويضعه في مكان عالٍ لكي يتجنب لعنة قد تلحق به إن لم يقم بذلك. ويشكل تقبيل الخبز حمداً لله على نعمته. و"النعمة" هي من بين أسماء الخبز المتداولة في المغرب. وفي تقاليد الأعراس في بعض المناطق المغربية، تحمل العروس معها خبزة أو قطعة منها كي تجلب فأل الخير معها إلى بيت زوجها.
ولخص الشاعر الصوفي المغربي الذي عاش في القرن الـ 16، عبد الرحمن المجدوب، قدسية الخبز في المغرب في حكمة، قال فيها "الخبز يا الخبز، والخبز هو الإفادة. كون ما كان الخبز، ما تكون لا صلاة ولا عبادة"، في دلالة إلى المكانة الأساسية التي يشهدها الخبز في المجتمع المغربي، باعتباره أساس الحياة.
خبز الجزائر ثروة مهدرة
يُعدّ الجزائريون من أكثر شعوب العالم استهلاكاً لمادة الخبز، بمعدل 50 مليون رغيف في اليوم موجهة للاستهلاك المنزلي والمطاعم والفنادق وغيرها من الخدمات الربحية، وهو ما يفوق العدد الإجمالي للسكان البالغ عددهم 44 مليون نسمة، لكن المفارقة أن 10 ملايين رغيف يُرمى في مكبات النفايات يومياً، وفق تقارير حكومية رسمية، تكتفي بالتحذير من الظاهرة في ظل غياب حلول لكبح هذا التبذير المتنامي.
ووفق دراسة أعدّتها وزارة التجارة الجزائرية، فإن تبذير الجزائريين للخبز، يصل إجمالاً إلى 340 مليون دولار سنوياً، بينما يقدر الاستهلاك اليومي للخبز على المستوى الوطني بـ50 مليون رغيف، منها 10 مليون تبذر يومياً، و 13 مليوناً خلال شهر رمضان، حيث ترتفع معدلات الاستهلاك فيه لدرجات عالية جداً، ما يكلف خزانة الدولة ملايين الدولارات التي تنفق على القمح المستورد.
ضمن هذا السياق، تصل كميات القمح اللين المستعملة في إنتاج الخبز المبذر إلى مليون طن سنوياً، في حين يبلغ دعم الدولة لهذه المادة ذات الاستهلاك الواسع والمفرط 15.5 مليار دينار جزائري (120 مليون دولار).
وتستورد الجزائر أكثر من 7 ملايين طن من القمح اللين سنوياً بقيمة 1.6 مليار دولار، وتنتج أقل من 10 في المئة من احتياجاتها من هذا الصنف من الحبوب، 60 في المئة منه يوجه للمخابز كمادة مدعومة من طرف الدولة، كما تشير إحصاءات رسمية.
مؤشرات مخيفة
التقارير الصادمة عن استهلاك الجزائريين للخبز عديدة ودورية، وفي أحدثها كشفت وزارة الداخلية في حصيلة وصفتها بـ"الثقيلة" و"المؤسفة"، عن "تبذير ما يتجاوز مليون كيلوغرام من الخبز (1.062.646 كيلوغرام) بمعدل يفوق 4 ملايين خبزة (4.250.664 وحدة) في ظرف 20 يوماً"، وذلك خلال الفترة الممتدة من 13 أبريل (نيسان) إلى 2 مايو (أيار) من العام الحالي.
واعتبر التقرير الحكومي، أن هذه الظاهرة "تتنافى مع القيم المتأصلة لمجتمعنا، فضلاً عما تخلفه ظاهرة التبذير والاستهلاك اللاعقلاني لمادة الخبز من آثار اقتصادية بالنظر إلى التكلفة المالية المتعلقة بتموين السوق الوطنية بالمواد الضرورية لإنتاجها، لا سيما مادة القمح اللين والمواد الأساسية المدعومة الأخرى، والتي يتم استيراد كميات منها بالعملة الصعبة".
ويرجع سبب التبذير الأول، إلى أن المواطنين يطلبون كميات تفوق حاجة أفراد العائلة، ولا يأكلون منها إلا القليل فيما يرمون الباقي في القمامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتخلت العائلات عن عادة متوارثة كانت فيها تستغل الخبز اليابس في إعداد أطباق تقليدية، بتقطيعه ووضعه في قدر حتى يغلي في الماء والملح والزيت، ويضاف إليه الفلفل الحار مع إضافة بعض البهارات والطماطم ليقدم ساخناً. وفي ظل اختفاء هذه العادة، وجد بعض المواطنين في الخبز المرمي في مكبات النفايات مصدر رزق لهم، إذ يجمعونه ويقومون بتجفيفه تحت أشعة الشمس قبل بيعه لمربي المواشي الذين يحولونه بدورهم إلى علف لها.
السم الأبيض
ويباع الخبز المدعوم بسعر 10 دنانير جزائرية (الدولار يساوي نحو 134 ديناراً)، في حين يميز المتخصص في التغذية محمد وامري، من البليدة (45 كيلومتراً عن العاصمة)، بين نوعين من الخبز يقبل عليهما المواطن، أولهما الخبز الأبيض الذي يتناوله معظم الجزائريين "وعادةً ما يصنع من حبوب غير كاملة، معالجة بإزالة النخالة والجراثيم، بشكل يفقدها العديد من العناصر الغذائية المهمة، فهي فقيرة جداً بالمواد الغذائية والألياف وعالية بالسعرات".
وفي السياق، ينصح محمد وامري المستهلكين عند تناول الخبز الأبيض بضرورة التأكد من أنه مصنوع من حبوب كاملة، إضافة لعدم احتوائه على طحين معالج، من دون إهمال الإكثار من تناول الخضراوات ذات القشور، مثل الخيار والطماطم، لتسهيل حركة الأمعاء وتجنب الإصابة بالإمساك.
ويتمثل النوع الثاني، حسب طبيب التغذية، في الخبز الكامل، أو "الأسود"، ويعتبر منتجاً من الدرجة الثانية لا يستحسنه سوى سكان الأرياف، على الرغم من أن بعض الحرفيين يحرصون على توفيره في الأسواق، وهو مفيد للصحة على اعتبار أنه "يحتوي على كمية جيدة من الألياف التي تساعد على علاج الإمساك والفيتامينات والبروتينات، وعلى نسبة كبيرة من الفيتامينات والمعادن.
وفي ظل تحذير أطباء من تأثيرات تناول الخبز على صحة المواطن، حذرت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك من الاستهلاك المفرط للخبز الأبيض، وذكرت الجمعية في نشرة خاصة بها أن الطحين الأبيض المستعمل في صناعة الخبز يسمى "السم الأبيض"، كونه "فرينة" بيضاء تم التخلص فيها من النشاء الخاص بها، وهو ما يعد مادة غير سليمة وغير صحية تماماً، بل يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة.
الموائد العراقية تحتفظ برغيف التنور الطيني
ارتبط الموروث الشعبي للخبز في العراق، بالحنين إلى الأم. وإيفاء النذور غالباً ما يتوج بتوزيع أرغفة الخبز مع التمر على الجيران والأقارب أو توزيع "خبز العروق"، الذي يضاف إليه اللحم والتوابل والخضر، كدلالة على بشرى تحققت.
وعلى الرغم من الحياة العصرية وانتشار المعامل التي تعمل بالكهرباء لصناعة الخبز بكل أنواعه، بقي "تنور الطين" لدى العراقيين الوسيلة الأفضل للحصول على الخبز الصحي الخالي من الإضافات. وفي حين انحسر استخدام "تنور الطين" الذي يعمل على الحطب، حافظ التنور الذي يعمل بواسطة النفط أو الغاز على وجوده في مدن العراق.
يستغرق بناء "التنور الطيني" أياماً عدة. وهو على شكل أطواف إلى أن يجف كل طوف ثم يبنى عليه طوف آخر، ويتم تضييق كل طوف جديد إلى أن يضيق الطرف العلوي ويكون بمثابة فتحة. وعبر هذه الفتحة تُشعل النار ويوضع الخبز ويُخرج. وفي أسفل التنور، تترك فتحة صغيرة لدخول الهواء الذي يساعد على اشتعال النار، وتسمى "الخنارة".
"التنور" والأنواع المطلوبة
يؤمن محمد حسين، الذي يعمل في مخبز يحتفظ بتنور الطين كوسلية لإنتاج الخبز التقليدي، بأن هذا النوع من الخبز هو الأفضل صحياً بسبب نوع الدقيق المستخدم الذي يخلو من الإضافات.
ويقول إن "إنتاج الخبز عن طريق تنور الطين هو عمل يدوي بالكامل، فالعامل يعجن ويترك العجين كي يختمر، ومن ثم تبدأ عملية تقطيعه لتصل بعدها إلى الخباز الذي يقوم بفرده باليد ويضعه في التنور، ومن ثم يخرجه الشلاح من التنور بعد أن يكتمل". و"الشلاح" باللهجة العراقية هو الشخص الذي يخرج الخبز من التنور.
يلفت قيس مجيد، الذي يعمل في أحد مخابز بغداد، إلى أن كل أنواع الخبز مطلوبة، فالصمون الكهربائي الذي يعتمد على التخمير لمدة سبع ساعات ويُعجن بالثلج لضمان الحفاظ على جودته لمدة ثلاثة أيام ويضاف إليه الزبد، يطلبه بشكل كبير أصحاب محال الشاورما، أما الصمون الحجري الذي تختلف طريقة صناعته عن الكهربائي من ناحية المواد وطريقة العمل ويدخل في صناعته الماء والدقيق والخميرة فقط، فيفضله أصحاب محال الفلافل.
حداثة الأنواع مع الحفاظ على الجودة
يعتقد أثير عامر، صاحب محل حديث لصناعة المخبوزات، أن الآلات الحديثة تضمن نظافة الخبز بشكل كبير، فاليد البشرية لا تلمس الخبز، لكن هذه الآلات لا يمكن أن تعمل على نوع الدقيق العادي، فلا بد أن يكون الدقيق المستخدم خالياً من النخالة مثلاً، ما يُفقد الخبز المنتج عبر هذه الآلات خصائص صحية مهمة.
ويؤكد عامر "أننا نحافظ على المواد الأولية التي تخص حبة القمح من دون إضافات، فهناك أنواع من الخبز ما زلنا نصنعها باليد، وهي التي تُصنع بالأفران الحجرية، أما الأنواع الحديثة من الخبز التي يُضاف إليها بروتين وغلوتين، فلا يمكن صناعتها إلا من طريق الآلات الحديثة".
ومع انتشار الخبز المصنوع من الدقيق الأبيض، وفق عامر، تم التوجه إلى صناعة خبز الشوفان والخبز الأسمر الذي تضاف إليه بذور أخرى منها الكتان والشيا التي تُطحن مع الشعير، وتُضاف إليه بذور الروجانا، وهي من أنواع البن بغاية تلوين الخبز.
تطور صناعة الخبز لم يقتصر على خبز الشوفان، بل ظهرت أنواع من الخبز مخصصة لمن يعانون من حساسية الحنطة، وتستخدم فيها بدائل الدقيق، وهي الكتان وطحين اللوز والرز.
الخبز أطاح بنظام البشير الأكثر دكتاتورية في المنطقة
على الرغم من مرور السودان على مدى السنوات الأربع الأخيرة، بأزمات كثيرة مرتبطة بالارتفاع الكبير في سعر الخبز الأبيض، لا يزال هذا المكون الغذائي أحد أهم العناصر الأساسية على مائدة الإفطار والغداء وحتى العشاء.
وأدى غلاء الرغيف وارتفاع سعره إلى أكثر من 10 جنيهات (ربع دولار) آنذاك، في بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر، إلى قيام ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي أسقطت حكم عمر البشير الدكتاتوري. وأرسل الشعب وقتها رسالةً واضحة مفادها أن خبزه خط أحمر، وارتفاع سعره يعني تجويع الشعب.
أنواع مختلفة
تختلف أنواع الخبز في السودان، أبرزها الخبز البلدي الذي يتم تصنيعه من القمح في مخابز بلدية تنتشر داخل الأحياء. أما النوع الأكثر انتشاراً فهو الخبز المصنوع في مخابز آلية، ويكون أكثر خفة ويتميز بطعمه اللذيذ، لكن سعره أغلى.
وأدى ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني إلى زيادة أسعار الخبز بصورة جنونية، حتى وصل سعر الخبز الآلي الحديث إلى 25 جنيهاً.
ولاحظ محمد أيمن، وهو صاحب مخبز آلي، عزوف الناس عن شراء الخبز. وقال "بسبب زيادة أسعار الخبز أصبح الناس يصنعون الخبز في المنازل، حيث تكون التكلفة أقل وحجم الخبزة أكبر". وأضاف أن "وزن الخبزة الواحدة 35 غراماً وشكلها أقرب إلى المستطيل".
وصرح أبوبكر جاويش، رئيس اتحاد أصحاب العمل، الذي يضم غرفة المخابز، أن "كل منطقة في السودان تتميز بجغرافية مختلفة ومناخات متنوعة، الأمر الذي أوجد اختلافاً في المواسم والنباتات. فهناك مناطق تقتات على القمح وأخرى على الرز، ومناطق على الذرة الشامية والدخن. وتتم صناعة العصيدة التي تعتمد عليها دول عدة، وليست حكراً على السودانيين".
وقال جاويش "تظهر الهيمنة في المحاولات المتكررة لفرض القمح كغذاء رئيس ينافس المحاصيل الوطنية لخلق حالة سيطرة تقود شعوب العالم كالقطيع نحو الولاء والخنوع للنظام العالمي الجديد. فتجد مناطق إنتاج القمح في السودان تشتهر بالقراصة كطعام لعموم الناس، بينما تشتهر مناطق الذرة الرفيعة بالعصيدة والكسرة ومناطق الدخن كذلك".
ولفت أن "هناك عدة أغذية تقوم مقام الخبز، لكنها اندثرت إثر تسويق القمح والخبز كطعام سريع التحضير وبديل لتطوير المنتجات المحلية. وتمت هذه المعادلة لجعل القمح سلعة عالمية يتحكم بها النظام العالمي الجديد، ومن خلالها يتحكم في مصير الحكومات، فتجد المعونات تأتي ترغيباً وترهيباً عبر بواخر سهلة المنال لتحطيم الإرادة المحلية والسيطرة على الحكومات، وذلك من خلال المنع والتجويع. ولا تخفى على أحد سلطة الخبز في إسقاط الحكومات".
ونوّه جاويش بضرورة "فك الارتباط مع القمح، مع إيجاد البدائل الثقافية. ونعرّف البديل الثقافي بأنه ناتج تجربة إنسانية يتم اقتباسها من محيط ثقافي مختلف بسبب نجاحها الفعلي أو عبر التسويق الذكي، للحصول على نتائج اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية".
ورأى جاويش أنه "يجب على الحكومات الإسهام الخلاق في الاهتمام بثقافة الغذاء المحلي والسعي إلى تطويرها ووضع الخبز ضمن الخيارات وليس الخيار الأوحد".
أضرار صحية