Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العيش الشمسي"... ما هو سر الرقم 11 في خبز الفراعنة؟

تسجل جدران معابد الأقصر وأسوان مراحل صناعته لاستخدامه قرابين من قبل الكهنة

يعد العيش الشمسي موروثاً ثقافياً أصيلاً لدى أهالي صعيد مصر (اندبندنت عربية)

ما زال الخبز الشمسي أو "العيش الشمسي" جزءاً أصيلاً من مائدة الطعام في صعيد مصر، بشكله الذي يشبه قرص الشمس، خصوصاً خلال جائحة كورونا، إذ زادت معدلات اعتماد الأسر الريفية عليه، بدلاً من اللجوء إلى المخابز وسط الزحام.

وللعيش الشمسي قصة طويلة تضرب بجذورها في عمق العصور الفرعونية، كما يتضح على جدران المعابد الأثرية بمدينتي الأقصر وأسوان. ويطلق المصريون أسماءً عدة عليه، فيسمونه "الروغفان الصعيدي"، و"العيش الشمسي"، و"العيش البلدي"، و"جاتوه الصعايدة". "اندبندنت عربية" التقت أهالي للتعرف على طرق صناعته في المنزل، وسألت متخصصين: ماذا تقول جدران المعابد عن العيش الشمسي؟

طعام مقدس

يقول أحمد البدري، الباحث في علم المصريات، "الخبز الشمسي أحد موروثات الطعام الفرعوني، فجدران المعابد ونقوشها تكشف أن المصري القديم أول من عرف طريقة تخمير الخبز، الذي يختص بصناعته الكهنة، بوصفه طعاماً مقدساً يستخدم في القرابين".

 

وأضاف، "المصري القديم نقش على جدران المعابد طريقة العجن والتقريص بشكل دائري كما هو عليه العيش الشمسي اليوم، ليقدم الخبز قرابين للإله (رع) معبود الشمس لدى القدماء المصريين". لافتاً إلى أن "الخبز في مصر الفرعونية تنوّعت ألوانه". موضحاً "كان الدقيق يخلط بالتوابل والملح، وأحياناً أخرى يخلط بالبيض والزبد، بل ويُحشى باللحوم والخضراوات".

وتابع البدري، "لا تخلو مائدة فرعونية وإلا ويتقدمها الخبز، كونه طعاماً مقدساً لدى الآلهة طبقاً لمعتقدات المصري القديم، وخلال أغلب اكتشافات المقابر الملكية بوادي الملوك والملكات بمدينة الأقصر كان يعثر بالمقابر على كميات كبيرة من الخبز التي تشبه بشكل كبير جداً الخبز البلدي الصعيدي".

موروث ثقافي

تقول السيدة صابرة، التي تسكن في مدينة الأقصر، "أجمل ما في صناعة الخبز الشمسي أن كل امرأة تبذل كل ما في وسعها حتى يخرج بشكل تفتخر به إذا ما قورنت بباقي أقرانها من نساء المنطقة أو العائلة، لذلك يجهز بروح تملؤها البهجة والحماسة والعطاء".

وتحكي عن صناعته، "تمر بعدة مراحل تبدأ بالتخمير، وفيها يجري تنقية الدقيق من الشوائب و(الردة)، وبعدها يُخلط بقليل من الماء الساخن وخميرة (البرباسة)، ثم يغطى بإناء محكم، لتكتمل عملية التخمير من الليل وحتى الصباح. ثم تبدأ عملية العجين عبر وضع الماء على الخميرة، وهو ما يتطلب قوة ونشاطاً من السيدة التي تحفر بكل يديها لتناول العجين إلى أعلى ثم تعيده مرة أخرى إلى الإناء".

وتواصل، "بعد ذلك تأتي مرحلة تقريص العجين، أي تشكيله على هيئة دائرية، على ألواح دائرية مصنوعة من الطين، لتوضع بعد ذلك تلك الألواح في الشمس حتى يأخذ الخبز الخميرة النهائية من ضوء الشمس، وتحرص السيدات خلال هذه المرحلة على نقشه وتزيينه بواسطة شوكة لعمل خط دائري حول قرص العجين. وفي المنتصف يُرسم الرقم 11 والخط الدائري، وهو موروث فرعوني يرمز به إلى الإله (رع) الذي يوحي إلى قرص الشمس".

 

وتصنع صابرة العيش الشمسي داخل فرنها المصنوع من الطين، وعند سؤالها عن الفارق بينه وبين الأفران الكهربائية، قالت "ما يميزه المنتج". موضحة "منتج الفرن الطيني يخرج كامل الاستواء ومتماسك، أما الكهربائي أو ما يطلق عليها السيدات (الإفرنجي) فقلب رغيف الخبز لا ينضج بالشكل اللازم، بالتالي يكون غير متماسك بعد مرور يومين".

وأضافت، "الفرن البلدي يعمل من دون وقود، لذا تلجأ كل سيدة لادخار مخلفات المنزل لإشعالها بداخله، كما أنه يحتاج إلى مكان مفتوح مثل سطح منزل أو حوش، بينما الإفرنجي يشتعل بالغاز ويمكن استخدامه داخل المنزل أو الشقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واختتمت السيدة المصرية أن أجمل ما في صناعة العيش البلدي "رائحته خلال تسويته". تحكي "يطلق عليه أهالي صعيد مصر رائحة البركة. إذ تثير شهية كل من يصادف شمها. مذاقه يسحر كل من يتذوقه، وصناعته موروث ثقافي أصيل ما زال أهالي الصعيد يتمسكون به، فهو إحدى أهم عادات الغذاء. ويكفي أنه الأفضل صحياً لعدم احتوائه على مواد سكرية مفرطة أو غلكوز كما يحدث في بعض أنواع الخبز الأخرى".

يذكر أن جائحة كورونا دفعت كثيراً من الأسر والعائلات إلى الاعتماد الكامل على صناعة الخبز البلدي منزلياً بالصعيد، بدلاً من اللجوء إلى المخابز، بهدف تجنب الزحام الشديد الذي تشهده تلك المخابز، خوفاً من التقاط العدوى.

وأشار محسن النجار، مرشد سياحي، إلى هوس السياح خلال زيارتهم الأقصر وأسوان بالعيش الشمسي، بوصفه تراثاً مصرياً أصيلاً، الأمر الذي دفع عديداً من الفنادق إلى استحداث قسم لصناعة الخبز الشمسي بداخلها، عبر الاستعانة بسيدات احترفن صناعته.

وأضاف، "السياح يحرصون على توثيق مراحل صناعة العيش الشمسي عبر كاميراتهم الشخصية، كتجربة مختلفة بالنسبة لهم، وخلال تصفح الأفلام القصيرة التي يرفعونها على موقع (يوتيوب)، نجد أغلبها يضم صناعة العيش الشمسي".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات