Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المراهنات "الاقتصاد المحرّم" في الرياضة العربية

يعد القمار أحد أوجه الأنشطة التجارية في الألعاب الشعبية على مستوى العالم

تعد كرة القدم من أكثر الألعاب جذباً لأموال المراهنات (غيتي)

تُمثل المراهنات جُزءاً لا يتجزأ من المنافسات الرياضية الشعبية حول العالم وخصوصاً في اللعبة الأكثر شهرة وانتشاراً، كرة القدم، إذ تنشط شركات ومكاتب ومواقع المراهنات في معظم دوريات كرة القدم العالمية وتتصدر شعارات بعض أكبر شركات المراهنات حول العالم، قمصان بعض أندية كرة القدم الكبرى، أو تشارك على الأقل في رعايتها، إلا أن مشروعيتها وطرق ممارستها تختلف من دولة إلى أخرى.

إذ تضع بعض الدول قيوداً على ممارستها بصفتها أحد أوجه اقتصادات الرياضة التي يجب تنظيمها، في حين تخضع هذه الممارسة لقيود ورقابة أقل في مناطق أخرى من العالم، ما يجعلها مدخلاً للتلاعب بنتائج المباريات من قبل كبار رؤوس الأموال المراهنة.

العالم العربي ليس بمنأى عن هذا النشاط، بخاصة وأن المسابقات الرياضية تعد شعبية في هذه الخريطة، إلا أن مشروعيتها وطرق ممارستها تختلف بين دولة أخرى، لذا قمنا برصد عدد من خروقات قوانين منع المراهنات في بعض أنشطة الرياضة وكرة القدم العربية.

الاحتيال على المصارف في لبنان

كان لبنان من أوائل دول المنطقة التي سمحت بألعاب المراهنات والقمار، حين تم تأسيس "كازينو لبنان"، بموجب مرسوم جمهوري صدر سنة 1954، قضى بحصر ألعاب الميسر فيه من دون سواه، وفي عام 1966 استحصل "ميدان سباق الخيل" في بيروت على مرسوم ترخيص بفتح الميدان واستثماره، سنداً لقانون المراهنات الصادر في 5 مارس (آذار) 1932، وبالتالي باتت "المقامرة" إحدى أبرز الروافد الاقتصادية ووجهات السياحة في لبنان.

وعلى الرغم من أن لبنان كان سباقاً بين دول المنطقة بتشريع ألعاب الميسر ضمن ضوابط معينة، فإنه لم يستطع مواكبة الثورة الرقمية لملاءمة تلك القطاعات في العالم الافتراضي، الأمر الذي حول "المراهنات الرقمية" إلى فوضى تحرم الدولة من إمكانات مادية هائلة لمصلحة بعض النافذين الذين استطاعوا الولوج إلى هذا القطاع، حين اجتاحت البلاد ظاهرة الرهانات على المباريات الرياضية، عبر مكاتب غير شرعية، ولكنها تحظى بحماية ما يعرف بـ"مافيا السياسة والمال".

 

وبات معروفاً أن في لبنان وكلاء مخفيين قد تتغاضى عنهم السلطات أو لا يمكنها الوصول إليهم، من خلال قدرتهم على الوصول إلى شبكات الإنترنت الخارجية بطرقهم الخاصة، وبالتالي الدخول إلى مواقع الألعاب ودفع مبالغ مراهنات كبيرة.

ويوضح جاد غاريوس، مالك شركة "onlive support services" المتخصصة بالمراهنات عبر الإنترنت، أن الرياضة باتت إحدى أكثر أنواع المراهنات شيوعاً وانتشاراً في لبنان، إذ يراهن اللاعب على لعبته الرياضية المفضلة، لافتاً إلى أنه في لبنان لا يوجد تنظيم قانوني نظراً إلى غياب التشريعات البرلمانية، الأمر الذي ترك السوق اللبنانية متاحة لمن يشاء من المواقع العالمية للوصول إلى العملاء في لبنان، الذين بدورهم يستطيعون الدخول إلى المواقع الأجنبية، وهو أمر يؤدي إلى خسارة لبنان ملايين الدولارات.

وأشار إلى أن الدولة اللبنانية حاولت عام 2012 أن تحظر تلك المواقع وأن توقف كل مشغليها المحليين، لكنها لم تفلح بسبب معارضة لاعبي "البوكر" اللبنانيين ومحبي المراهنات الرياضية، الذين سيحرمون من حقوقهم في عملية المراهنة عبر الإنترنت على ألعابهم المفضلة وكل الأحداث الرياضية بحسب تعبيرهم، الأمر الذي دفع لبنان إلى العدول عن هذا الإجراء.

من جانبه، يشير المستشار في الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي، بشير التغريني، إلى أنه بحكم عدم وجود قوانين في لبنان تتيح للراغبين الولوج إلى مواقع الرهانات، كانت المصارف اللبنانية تحظر التحويلات المصرفية إلى تلك المواقع، الأمر الذي أدى إلى نشوء طرف ثالث وسيط يقوم بالمهمة، إضافة إلى بروز ظاهرة التحايل على البطاقات المصرفية، إذ تستخدم البطاقات المحددة للشراء عبر الإنترنت للمراهنة.

ولفت إلى أن بعض المصارف كانت على علم بالأمر ولكنها كانت تغض النظر عن استخدام زبائنها البطاقات لهذا الغرض، فيما بعضها الآخر كان أكثر تشدداً وفقاً للقوانين اللبنانية، ولكن اليوم بات من المستحيل استخدام البطاقة المصرفية للدخول إلى هذه المواقع بسبب وضع المصارف من جهة وتشدد الدولة من جهة أخرى، وبالتالي بات على المراهنين أن يقصدوا وسيطاً لديه اشتراك في هذه المواقع، والدفع له نقداً لإنشاء حساب جديد يتيح لهم المشاركة في ألعاب المراهنات المتعددة.

المراهنات الممنوعة على القمصان في مصر

وخلال السنوات الأخيرة باتت مباريات الدوري المصري لكرة القدم متاحة للمراهنات عبر مواقع كبرى، مع وضع رهانات تفصيلية تبدأ من هوية الفائز في كل مباراة مروراً بتوقع أهداف كل فريق ومن سيسجل من لاعبي كل فريق، ويتم تحديثها بشكل فوري، مع تغير آني في قيمة الرهانات، ما يشير إلى رواج المنافسة على المباريات.

وشهدت كرة القدم المصرية وقائع عدة خلال السنوات الأخيرة كانت شركات المراهنات طرفاً فيها، إذ سبق أن دفعت إحدى شركات المراهنات العالمية لأندية في دوري القسم الثاني "الممتاز ب" والقسم الثالث، لوضع شعارها على قمصان اللاعبين وفي ملاعب المباريات، لكن سرعان ما اختفت هذه الشعارات وسط الهجوم الإعلامي على مسؤولي الأندية، الذين نفوا تماماً معرفتهم بأن هذه الشعارات لشركات مراهنات.

 

لكن رغم هذا، أكد الاتحاد المصري لكرة القدم في تصريح "أن الدوري المصري خالٍ تماماً من المراهنات، ومصر ليست ضمن الدول التي تُجرى فيها مثل تلك العمليات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال أسامة إسماعيل مدير الإعلام في الاتحاد المصري لكرة القدم، "قطعاً لا توجد مراهنات في الاتحاد المصري لكرة القدم، لا على سبيل الدوري ومبارياته وأنديته ولا المنتخبات". 

وشدد إسماعيل على أن "الجهات المعنية في الدولة أقرت عدم العمل بالمراهنات، وأية جهة تقوم بالمراهنات على الدوري المصري تعرض نفسها للمساءلة القانونية الفورية أمام الجهات المختصة".

الـ"VPN" سبيل المراهنات في السعودية

على الرغم من أن الدوري السعودي يحتل المرتبة الثانية في القارة الآسيوية بقيمة سوقية تصل لـ 563.71 مليون دولار، إلا أن ثمة قيوداً صارمة على لعبة المراهنات من منطلقات دينية وارتباطها بأنشطة غير مشروعة إسلامياً.

ولكون لعبة كرة القدم رياضة عالمية كسرت فيها التقنية حواجز الممنوع، غدت شركات المراهنات العالمية متاحة للرياضيين ومتتبعي شغف المراهنات والثراء السريع، بفضل مواقع إلكترونية يمكن للرياضيين تخطي حجبها من خلال استخدام الشبكة الافتراضية (VPN) كما كتب ذلك موقع رياضي، "لتخطي مراقبة الأجهزة الرقابية في السعودية، يمكنك اللعب والمراهنة والربح بكل أمان وارتياح، كل هذا في منتهى الأمان والسرية".

وعلى الرغم من أن لعبة المراهنات لا تزال بعيدة من "الشرعية" في البلاد، إلا أن الدوري السعودي كسائر دوريات العالم، لم يكن بعيداً من مافيا شركات المراهنات، سواء المشروعة أو غير المشروعة، إذ أدرج موقع شركة "تيبيكو" الألمانية للمراهنات، التي تعمل بشكل قانوني، بعضاً من مباريات الدوري في سباقاتها في فترة ماضية، كما أدرجت مواقع أخرى مباريات حاسمة تحدد الهابطين في الدوري عام 2017، حين كانت المنافسة محتدمة آنذاك لتفادي ما يوصف بدوري "المظاليم" (الدرجة الثانية).

 

وعلى المستوى القاري، راجت أخبار حول وقوع عدد من مباريات الفرق السعودية في فخ الرهانات، التي أثرت بنتائجها. ففي تصريح سابق لكريس إيتون، المسؤول السابق بالاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" والمتخصص في مجال الأمن، أثار احتمالات تغير نتيجة مباراة نهائي كأس آسيا 2017 بين الهلال السعودي وويسترن سيدني الأسترالي، قائلاً "من واقع خبراتنا في هذا المجال ومن خلال المعلومات التي تلقيناها، نستطيع التأكيد أن حجم المراهنات التقديري الذي وقع في المباراة النهائية وصل إلى ما يقرب من 50 مليون دولار أميركي عالمياً"، وهي المباراة التي شهدت قرارات تحكيمية مثيرة غيرت مسار النتيجة.

وبحسب وثائق أصدرها جهاز البوليس الدولي "الإنتربول"، فإن هناك ما بين 300 إلى 400 شركة منتشرة حول العالم تعمل في نظام المراهنات عبر آلاف المواقع الإلكترونية، وأغلبها شركات غير شرعية، وأن أول ظهور لعملية المراهنات كان في إنجلترا قبل أكثر من 90 عاماً، ونجحت تلك الشركات في تحقيق أرباح مالية خيالية، ما دفع البعض إلى تكوين عصابات دولية تعرف حالياً باسم "مافيا المراهنات".

وبحسب تقرير"الإنتربول"، فإن "القارة الآسيوية تسهم عبر مراهنيها في عمل 15 ألف موقع إلكتروني خاص بـ300 نوع من المراهنات حول العالم".

المراهنون لعبة الفقراء في المغرب

يعود تشريع مجال "ألعاب القمار" في المغرب إلى فترة الاحتلال الفرنسي، إلى حين إنشاء "الشركة المغربية للألعاب والرياضات" في عام 1962. وفي عام 1971، صدر قرار تأميم تلك الشركة، بالتالي أصبحت الدولة تحتكر تنظيم المجال عبر ثلاث شركات هي، "شركة الرهان التعاضدي الحضاري" التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، التي تدبر قطاع سباق الخيول، و"الشركة المغربية للألعاب والرياضات" التابعة لوزارة الشباب والرياضة وتدير قطاع المراهنات، فيما تدير "شركة اليانصيب الوطني" التابعة لصندوق الإيداع والتدبير (الحكومي) قطاع ألعاب الحظ.

ولا تزال ألعاب الحظ والمراهنات وسباق الخيل في المغرب تشهد ارتفاعاً كبيراً، خصوصاً في صفوف الفئات الفقيرة. فبعدما بلغ عددهم حوالى 3 ملايين شخص خلال عام 2015، وصل العدد في عام 2018 إلى ما يناهز 5 ملايين، ينفقون حوالى 100 مليون دولار سنوياً على المراهنات. وحظي سباق الخيل بحصة 70 في المئة من المراهنين، وبقيمة 7 ملايين دولار تقريباً، فيما حلت المراهنات الرياضية في المرتبة الثانية بقيمة 20 مليون دولار، وألعاب الحظ ثالثةً بـ 10 ملايين دولار، حسب إحصاءات "المغربية للألعاب والرياضة".

 

وفي جولة لـ "اندبندنت عربية" على مكاتب المراهنات في ضواحي العاصمة الرباط، التقت بمحمد الموظف في القطاع العام، الذي أشار إلى أن مجال المراهنة على مباريات كرة القدم بدأ ينتشر بشكل مهول خلال الأعوام الأخيرة، مؤكداً أن عدداً من معارفه حققوا منها ثروات كبيرة، وفي المقابل تسببت لآخرين بالإفلاس والتشرد. وربط محمد الإقبال المتزايد على مجال المراهنات على المباريات، بـ"الاهتمام الكبير الذي تحظى به كرة القدم عند المغاربة من جهة، وبسهولة المراهنة من جهة أخرى، لأنها لا تتطلب خبرة كبيرة باعتبار أن الأمر يتعلق بالحظ أساساً، إضافة إلى كون احتمال انتصار أو انهزام فرق كرة القدم هو أمر متساو بغض النظر عن قوة أو ضعف مستواها".  

وأكد أحد مسيّري محلات المراهنات، الإقبال المتزايد في المغرب على الرهان على مباريات كرة القدم، لافتاً إلى استقباله عدداً كبيراً من المراهنين يومياً. وأوضح أن "السعي وراء الربح السريع، خصوصاً لدى قسم كبير من سكان الأحياء الفقيرة، هو ما يجعل أعداد المراهنين في تزايد مستمر".

وصرح المحامي المغربي عبد الملك زعزاع، أن "مجال القمار الذي تسميه الدولة احتيالاً على النظام العام بألعاب الحظ والألعاب الرياضية، كانت تدبره الدولة الفرنسية إلى غاية بداية السبعينيات، حين احتكر المغرب القطاع وقام بتنظيمه بمقتضى نصوص تشريعية"، موضحاً أن "قانون الالتزامات والعقود، يحرم كل المعاملات المبنية على الغرر، ومنها أعمال المراهنة"، بالتالي يعتبر زعزاع أن "ما يُسمى بألعاب الحظ، باطل بحسب نص القانون، بخاصة الفصول من 1092 إلى1097 في قانون الالتزامات والعقود، بالتالي كل الوثائق والسندات التي تثبت أن هذا النوع من المعاملات باطل لوجود الغرر، يمكن المطالبة باسترجاعها".

واستغرب زعزاع "الانتشار الكبير لألعاب القمار في المغرب، في وقت ينص فيه الدستور على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، وعلى الرغم من مطالبة علماء بإلغاء القمار، إضافة إلى غياب تشريع جنائي واضح في تنصيصه على تجريم أعمال القمار، التي يعتبرها جنحاً ومخالفات فقط"، مشيراً إلى أن "المشرّع المغربي اكتفى بتجريم المخالفات والجنح المتعلقة بالمجال التنظيمي للقمار، ولم يجرّم أفعال القمار، ذلك أن الفصول من 282 إلى 286 من القانون الجنائي، تجرّم الإخلال بالضوابط المنظمة لألعاب القمار ولا تجرّم ممارستها".

المزيد من تحقيقات ومطولات