Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"احتلال الحرم" يلهب "العاصوف2"... و"الصحوة" تنسحب من المعركة باكراً!

إقرار الداعية القرني بأخطائها القطرية والتركية والقديمة غير مسار المشهد هذه المرة

لقطة من مسلسل العاصوف2 (أم بي سي)

اعتاد الجمهور السعودي منذ عقدين تقريباً على وجبتي إفطار يومية في رمضان، يقدم الأولى الكوميدي السعودي ناصر القصبي عبر قناة "ام بي سي" وقبلها القناة السعودية الأولى، ويحضّر الثانية خصوم رسائله النقدية من التيار المحافظ من كل الأطياف والتوجهات بالوسائل المتاحة، فما أن يقترب الشهر الكريم حتى تستعر المواجهات.

لكن جولة هذا العام من الحرب المرتقبة سنوياً، جرى حسمها مبكراً، عندما أصاب أحد أقطاب التيار الصحوي (المحافظ) المحسوبين عليه بنيران صديقة، إثر إقراره بكل الأخطاء والذنوب التي تنسب إلى التيار من خصومه، وتجاوز ذلك إلى الاعتذار باسمها عن كل ماضيها القريب والبعيد، في حوار وصفه بالتاريخي مع الزميل عبدالله المديفر، على قناة "روتانا خليجية" في أول يوم من رمضان.

ومع أن القصبي وفريقه الدرامي، تكيفوا مع هجمات التيار المضاد وجمهوره، سواء من الصحوة أو بقية المحافظين، إلا أنهم هذه المرة بإعلانهم المسبق عن تناول قضية "احتلال جماعة جهيمان الحرم" عام 79 من القرن الماضي، توقعوا حرباً ضروساً على النسخة الثانية من دراما "العصوف"، وذلك لأن تلك الحادثة يعتقد أنها البداية الأولى لتحول المجتمع السعودي من محافظ عادي، إلى أيدولوجي متعصب، انقلب فيه المشهد الديني والاجتماعي رأساً على عقب بفعل ما سمي الصحوة الإسلامية آنذاك.

الداعية السعودي الشهير عايض القرني، بإقراره بكل ما قيل عن الصحوة من القصبي ورفاقه ممن يسمون التيار "الحداثي والعلماني والليبرالي" في العقود الأربعة الماضية، أوقع الطرفين في حيرة وجدل، ذلك أن التيار الصحوي الذي بدأ بالتحريض ضد مزاعم "تشويه تاريخ المجتمع السعودي"، بعد أن خرج أحد أهم رموزه معلناً انتهاء المعركة لصالح الخصوم والاعتذار جهرة عن خسائرها بين الفريقين، أوقعهم في حرج، وهو الذي أقر أيضاً بعلاقة نجوم التيار بالإخوان المسلمين والنظام القطري واستخدامه إياهم ما أمكنه ذلك، ضد بلادهم، ودان حليفه التركي بكيده للسعودية.

نيران صديقة وأخرى مضادة

لكن التيار الصحوي الذي اكتسب الخبرة هو ومريدوه في إعادة ترتيب الصفوف بعد خسائر عدة، يبدو أنه سريعاً ما تجاوز الصدمة الأولى، فانقسم إلى جيوب تردد صداها في بعض دول الخليج، ما بين مستهجن خروج الشيخ والبحث عن أسباب خفية وراءه، إلى باحث عن تأويل مغاير، ومطالبٍ خصوم التيار باعتذار مماثل عن أخطائهم في حق المجتمع والقيم، عند قول أحدهم للقصبي "الشيخ_عائض_القرني نحترمه ونقدّر شجاعته واعتذاره وهذه تُحسب له ولو جاءت متأخرة، ياليت تخرج لنا وتمتلك جزءاً من تلك الشجاعة وتعتذر عن كل ما قدمت من (فن) سلبي أيّاً كان نوعه".

النيران الصديقة التي أطلقها القرني على تياره، لا يبدو أنها ستحظى بغفران من جانب الحراس الكبار، أمثال الأكاديمي في جامعة أم القرى الدكتور محمد السعيدي، الذي حمل طويلاً على القرني واعتذاره من دون أن يسميه، معتبراً أن الصحوة لم تبدأ منذ عهد قريب ولكنها انطلقت عند استعادة الملك عبدالعزيز الرياض وتأسيسه الدولة السعودية الثالثة، في وقت ترزح فيه أوطان عربية عدة تحت الحكم التركي والاستعمار الغربي.

وأضاف "القول بأن الصحوة هي تلك الفترة التي نشطت فيها بعض التيارات الإسلامية داخل السعودية قول تافه غير مستوعب لحقيقة الدولة والدعوة الإصلاحية التي قامت عليها، وكذا القول بأن هذه الصحوة ستموت بسبب حفلة غنائية تقام هنا وفيلم سينمائي يعرض هناك، إنما هو تمتمات تعبر عن إحباط قائلها أما الأعظم خطراً من مثل هذا القول فهو الاستجابة له ولأمثاله والانهيار أمامه والتسليم لمدلوله، نعم: إن الدعوة العظيمة التي قامت عليها هذه الدولة بأجنحتها الثلاثة “العقدية والفقهية والسياسية “تُحَارَب حرباً شعواء لم تشهدها منذ تأسيس الطور الثالث على يد الملك عبدالعزيز"!

أما التيار الذي يقوده ناصر القصبي وجمع من الكتاب والمثقفين السعوديين، فليسوا أقل حيرة، فهل يقبلون اعتذار "الصحوة" بعد "خراب مالطا"، وكل الأفاعيل التي دانوها بها من قبل، واعترفت بها فقط الآن؟ أم أنهم يقرؤونه مناورة ويطلبون نقداً وتصحيحاً أكثر شمولية لقواعد الصحوة وليس فقط مفرداتها والآثار الناجمة عنها؟

أوضح الأمثلة على ذلك، موقف القصبي نفسه، وهو المحارب الأكثر إيلاماً للصحوة بلسعاته الكوميدية، مثلما أنه أيضاً المستهدَف الأبرز للتيار المناوئ، شخصاً وإنتاجاً، وأسرة أحياناً، مثلما توثق زوجه الكاتبة بدرية البشر في كتابها "معارك طاش ماطاش..قراءة في ذهنية التحريم في المجتمع السعودي"، وهو الكتاب الذي وصفه الكاتب رجا المطيري بأنه "تضمن توثيقاً حيّاً لتطرف الصحوة وجنايتها على المجتمع. إذ كان مسلسل "طاش" موضع سهام رموز الصحوة، في امتداد لنضالهم القميء ضد الفن والنور والحداثة".

أي اعتذار لا قيمة له بعد "سندمرهم فوراً"

يأتي ذلك في معرض تفاعل المطيري مع اعتذار الصحوة، الذي وصفه بأنه عديم القيمة بعد أن أهال عليها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التراب في تصريحه الشهير، على هامش مؤتمر مستقبل الاستثمار في الرياض قبل نحو عامين، إذ قال "السعودية والمنطقة كلها انتشر فيها مشروع الصحوة بعد عام 79 لأسباب كثيرة ليس هذا مجال ذكرها، فنحن لم نكن هكذا في السابق، ولذلك سنعود إلى ما كنا عليه إلى الاسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان والشعوب (...) وبكل بساطة لن نضيع 30 أخرى من حياتنا مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرهم اليوم وفوراً".

أما القصبي فقال بادئ الأمر، تعليقاً على الحادثة "تقول بكل شجاعه أعتذر. اعتذارك هذا لا يكفي لأن الثمن كان باهظاً.اعتذارك الحقيقي يكمن في تقديمك كتاباً ناقداً مفصلاً من داخل هذه الحركة تكشف فيه بهدوء وعمق و وضوح  أصولها  ومع من ارتبطت، وكيف نشأت، وكل رموزها ونهجها وكواليسها ومخططاتها هذه هي الشجاعة وغيره استهلاك إعلامي"، لكنه عاد بعدها بأيام ليعدل من موقفه شبه الرافض لاعتذار غريمه، قائلاً " تغريدتي حول اعتذار الشيخ عايض شاهدها 4 مليون قارئ وهذا يدل على أثر الشيخ  في الناس، ويظل هذا الاعتذار مهماً في قيمته و توقيته، ولعل الشيخ عايض بحضوره القوي يكون قدوة لغيره، لو خرج رموز الصحوة اليوم باعتذار مماثل لاستقبله الناس بحفاوة،  وشيئا  فشيئاً سيجف منبع التطرف والتشدد لدينا".

 فيما ينحى أبرز صناع دراما "ام بي سي" الكاتب خلف الحربي إلى اتجاه آخر، يراه عملياً أكثر تمثل في الحل الألماني بعد الحرب العالمية الثانية، بعدم التوقف كثيراً عند نقد الصحوة والانتقام منها والالتفات إلى صنع الغد "كي لا يضيع الوقت بينما نحن نستعيد الذكريات المحزنة"، تماماً كما ألقت ألمانيا النازية خلف ظهورها. غير أن الحربي نفسه في مقالة أخرى كتبها في الزميلة "عكاظ"، تناول هذا النوع من الاعتذارات لقوم "يسرقون أعمارنا ثم يعتدلون"، ليخلص إلى أنه من أجل ذلك "حارب الإسلام فكرة الوسطاء". وكان هذا المعنى الأخير حاضراً في السجال حول اعتذار الصحوة، في سياق البحث عن المتلقي المذنب: أليس هو الذي سلم عقله لشخص آخر مهما تكن ألقابه من دون تمحيص؟

فاز "العاصوف" بالابل!

المستفيد الأكبر من هذا السجال، أو المتضرر لا ندري، هو مسلسل العاصوف، الذي بدأت دعوات مقاطعته تروج مثل العادة، وجعل الاصطفاف ضد تناوله قضية جهيمان يأخذ أبعاداً أوسع دائرة من نقده الظواهر الاجتماعية قبل أن ينشغل الجميع بتصريحات القرني. لكن المختصين في الشأن الاعلامي يعتبرون أن هذا النوع من الاختلاف على بعض الأعمال الفنية، قد يكسبه مزيداً من الأهمية والانتشار لا العكس.

 أما لماذا تخشى الصحوة من تناول حادثة جهيمان، فإن أحد الداعين إلى مقاطعته من نشطاء السوشيال ميديا ويدعى ماجد الرويلي، ففسر الأمر بأن القناة شوهت في النسخة السابقة من المسلسل تاريخ المجتمع السعودي، وصورته مجتمع رذيلة وعلاقات محرمة وغزل ولقطاء، على عكس الأتراك والأمم الأخرى تبرز في أعمالها الدرامية، ما يدفع إلى تعظيم صورتها الذهنية لدى المتلقي البعيد.

بينما لدى الكاتب السعودي نجيب يماني تفسير آخر، إذ يرى أن حملة الانتقادات الواسعة للمسلسل من جانب الصحوة، "نتاج طبيعي لفكرها (...) فسهام الانتقاد اتجهت بالكلية لنفي المظاهر الاجتماعية التي صورها المسلسل والتي تعارضت بشكل قاطع مع الصورة الطهرانية الواقرة في عقلنا الجمعي، وهي لا تعدوا أن تكون وهماً ورثناه من الصحوة حين كانت تعلى من الخصوصية، بما ينطوي عليها من إضمار لصورة المجتمع الملائكي المبرأ من غوائل الخطأ الآدمي في تصوره للمجتمع السعودي كما لو كان حالة استثنائية بين أمم الأرض".

ومع كل ذلك تبقى الساحة السعودية الفكرية والدرامية في رمضان أكثر حيوية، ولا تخلوا حتى في ساعات الجدل الحاد من النكتة المغلفة بالرسائل، والسخرية التي تلطف جفاف المشهد، فيعلق مثلاً الطبيب النفسي عبدالرحمن الصبيحي في هاشتاق مقاطعة العصوف، بأن "من يفكر في مقاطعة العاصوف ليته يراجع طبيب نفسي يسوي له اختبارات نفسية للتاكد من صحته النفسية"، لتنهال عليه ردود لا بد أنه توقعها، تدعوه هو أيضاً إلى الفحص عن وجهه لتأمل أثر المعاصي التي أظلمت بوجهه. وهكذا تمضي قافلة العاصوف على طريقة المثل العربي "أوسعتهم شتماً وفازوا بالابل".

 

اقرأ المزيد

المزيد من فنون