Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يجب أن يكون تدوير الزوايا وخرق القواعد جزءا من خطة الحكومة البريطانية؟

على الرغم من الاتهامات الكثيرة التي وجهت إليهم بممارسة المحسوبية والفساد، فالقصة تبقى على حالها، تفلت حكومة جونسون دائماً من العقاب. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا تقلع الحكومة الآن عن هذا السلوك؟ يتساءل ...

لا يمكن التطرق إلى ذلك: تبدو حكومة جونسون محصنة من الاتهامات بالمحسوبية والفساد (غيتي)

هل هو مصدر إحراج؟ نعم. هل هو غير أخلاقي أو غير قانوني؟ نعم. هل يحدث أي فرق؟ لا.

يبدو أن الحكومة تقوم بأعمالها وفق نمط سلوك واضح الملامح، أكثر منه طريقة عمل، كما يتبين حالياً. فالقضية الأخيرة التي نظرتها المحكمة العليا وأصدرت حكماً بشأنها نص على أن الوزير مايكل غوف قد تصرف على نحو غير قانوني حين قرر منح بعض معارفه عقداً مجزياً بقيمة نصف مليون جنيه استرليني لقاء إجراء بحوث السوق، ليست حقاً مدعاة للفخر. لا، بل يجب أن تكون هذه القضية مخجلة بعض الشيء، يحمر لها وجه أي شخص حتى ولو كان مثل وزير شؤون مجلس الوزراء الذي يتعمد تماماً التصرف في عمله من دون خجل، بيد أن التجربة قد علمتنا جميعاً أن الوزراء باتوا يعرفون أن هناك الكثير من الإيجابية في دفع الحدود المتعارف عليها عادة للقواعد والقوانين أيضاً إلى نهاياتها الأخيرة، وأن ذلك ينطوي على قدر محدود من السلبية. لذلك يستطيع حزب العمال ومعه وسائل الإعلام، أو بعض المنابر الإعلامية، أن يرفعوا الصوت على "الفساد" قدر ما يشاؤون، بيد أن الوزراء أصحاب العلاقة لا يتعرضون شخصياً إلى أي عقوبات. ويبدو أن الجمهور لا يبالي كثيراً بذلك. فبعد أشهر شهدت الكشف عن فضيحة تلو فضيحة، ها هم المحافظون يفوزون بالانتخابات ويتصدرون استطلاعات الرأي بفارق مريح عن خصومهم. وإن كانت هناك جهة تعاني أزمة ثقة، فهي في الواقع حزب العمال المعارض.

هكذا تبلورت معالم النمط الذي تتبعه الحكومة في عملها. وهو يتمثل في توصيات يمكن اختصارها على النحو التالي: قم بتدوير الزوايا، والالتفاف على القواعد، وخرق القانون، ومن ثم تأخير التعامل مع القضية وتشتيت الانتباه لأطول وقت ممكن. وعندما تكتشف السلطات الأمر وتوبخك بسببه، ما عليك إلا أن تتجاهل ما حصل كما لو أنه شيئاً عابراً، ثم تعاود الانطلاق إلى الأمام كالعادة. قد يستوجب الخطأ أحياناً تقديم اعتذار، أو قد لايتطلب ذلك، مثلما حصل مع بريتي باتيل وزيرة الداخلية حين اكتفت بالإعراب عن أسفها "إذا كان أحد ما قد شعر بأن أخطاء ارتكبت"، ولم تفعل شيئاً حيال تلك الأخطاء. ولم تنهِ خدمات أي شخص مهم، ما عدا إقالة دومينك كمينز، التي تعتبر مثالاً غريباً. وفي الحقيقة، لم يطرد كمينز بسبب خرقه قواعد الإغلاق، ولكن لأنه كان يزعج كاري سيموندز، وهي خطيبة رئيس الوزراء آنذاك، التي تجرأ على التهكم بها، معتبراً أنها تستحق لقب "أميرة الجنون" لفرط غرابة أطوارها وخفة عقلها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إلا أن الوزراء أفلتوا من العقاب في حالات أخرى عديدة على غرار تنمر بريتي باتيل، وتدخل روبرت جينيرك على نحو ينم عن قلة الحكمة في طلب تخطيط قدمه ريتشارد ديزموند، وتملك مات هانكوك مجموعة من الأسهم في شركة شقيقته، والمعاملة الخاصة التي لقيها ديفيد كاميرون من قبل وزير المالية وآخرين ممن أصغوا إلى طلبات رئيس الوزراء السابق، ومنح مايكل غوف عقد بحوث السوق، وتجاوزات بوريس جونسون المتعددة، كما في حالات منها إعادة تجديده الشقة، ودفعه تكلفة العطلة التي قضاها في البحر الكاريبي، وتمييز المقربين منه عن الآخرين ومعاملتهم معاملة تفضيلية. وعليه، فإن أحكام القضاء، وتقارير اللجان التابعة لمجلس العموم التي تنطوي على الاستنكار، واستقالات المستشارين المستقلين، والتحقيقات التي تجريها وسائل الإعلام، والمتاعب التي تثار في جلسات مساءلة رئيس الوزراء، هي كلها عبارة عن تكلفة إضافية يتوجب دفعها للقيام بالوظيفة على طريقة جونسون، أو هي بالأحرى مجرد واحد من المخاطر المهنية التي يواجهها في سياق سعيه لتحقيق غاياته الشخصية. وهذا يجعل المكافآت كبيرة، والتكاليف طفيفة.

ليس من الصعب اكتشاف أسباب هذا الخلل في التوازن. فلدى المملكة المتحدة جهاز تنفيذي قوي بشكل استثنائي، ولا سيما أنه يتمتع بحرية للمناورة تكاد تكون غير محدودة، هذا إذا قررت حكومة عنيدة تحوز أغلبية برلمانية كبيرة أن تتحدى القيود القليلة المفروضة على حريتها وتستهتر بها. والواقع أن المعارضة، ما عدا الاسكتلندية منها، تمر بمرحلة ضعف وضياع. وتتعرض المراكز المستقلة، مثل المحاكم و"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) ووسائل الإعلام عموماً، التي تعمل في العادة كضوابط تحفظ توازن العمل الحكومي، للتنمر من قبل "حكومة الشعب".

وفي ظروف الجائحة، تطرح الحجة المثالية التي تبرر هذا السلوك نفسها من دون عناء، وهي تتمثل في الحاجة للاستجابة العاجلة إلى كوفيد، واتخاذ إجراءات فعلية بشكل فوري ثم إنجاز المعاملات الورقية فيما بعد، على طريقة تشرشل الذي كان يكتب "اعمله هذا اليوم" على الأوراق الخاصة بتعليماته الأكثر إلحاحاً. وفعلاً، تذرع دومينيك كمينز في شهادته في قضية غوف، بأن "آلاف الأرواح كانت حينذاك على المحك. وكانت الأموال الإضافية التي يجري إنفاقها على مضاعفة أي من استطلاعات الرأي أو مجموعات التركيز (التي تعكس آراء الجمهور حول قضية معينة) في الأساس ليست مهمة في تلك الظروف".

والعنصر الآخر هو أن الجمهور ربما فقد إحساسه بالغضب تجاه سلوك من هذا النوع. وإذا استثنينا انتهاك كمينز قواعد الإغلاق بالتوجه إلى بلدة برنارد كاسل في شمال إنجلترا الذي أثار اهتمام الكثيرين وامتعاضهم، يبدو أن الناس لم يشعروا بالاستفزاز من تفاصيل القصص الأخرى التي يتجلى فيها نمط السلوك الحكومي الآنف الذكر. وقد يعود سبب برود الجمهور إلى الدفء الذي يشع به صيف يحتمل أن نستعيد فيه حريتنا قريباً، أو النجاح الجامح لبرنامج التلقيح، أو إدراك الناخبين الساخرين الذين علمتهم تجاربهم الطويلة ألا يتوقعوا من حكامهم أفضل من ذلك، أو إلى تكاتف عدد من هذه العوامل مع بعضها بعضاً لتجعل الناس لا يأبهون بما يفعله المسؤولون.

وبعد فضائح نفقات أعضاء مجلس العموم، والكشف عن حوادث التحرش الجنسي وإساءة استخدام السلطة بصورة مستمرة على المستويين الوطني والمحلي، ربما قرر بعض الناخبين تجاهل حقيقة أن السياسيين يتمتعون بالامتيازات المخصصة لمن كانوا في مناصبهم، وأن المحافظين ليسوا أفضل أو أسوأ من الممثلين المنتخبين لأي حزب آخر. ولسبب ما، تبدو السياسة البريطانية حالياً أقل صدقاً مما كانت عليه.

© The Independent

المزيد من تحلیل