Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السينما المصرية عندما اقتبست من الروايات العربية والعالمية

360 فيلماً نهلت من مخيلات الروائيين على مدى 70 عاماً

من فيلم "عمارة يعقوبيان" المقتبس عن رواية علاء الأسواني (الخدمة الإعلامية للفيلم)

تعتبر مصر من أوائل الدول التي عرفت صناعة السينما على مستوى العالم، وقد عرفت السينما المصرية مبكراً اقتباس الأدب، وبدأ ذلك تحديداً في العام 1930 بفيلم "زينب"، المأخوذ عن عمل بالعنوان نفسه لمحمد حسين هيكل، يعتبره باحثون أول رواية عربية.  

وانطلاقاً من تلك البداية جاء كتاب "الاقتباس من الأدب إلى السينما في تاريخ مشترك" (دار المرايا للإنتاج الثقافي)، ويضم أبحاثاً عدة ترصد تلك الظاهرة من بدايتها وحتى العام 2019، وقام بتحريره سلمى مبارك ووليد الخشاب، اللذان كتبا كذلك مقدمته التي تعد في ذاتها دراسة وافية في موضوعه، كما شاركا ببحثين ضمن متنه الذي احتوى كذلك مقالات ودراسات لكل من ميشيل سيرسو، جان كليدر، هالة كمال، جان لوقا بارولين، رندة صبري، عصام زكريا، دينا قابيل، داليا السجيني، دينا جلال، وأماني صالح إبراهيم.

وبحسب مبارك والخشاب، فقد تفوقت السينما المصرية في العالم العربي بفضل صناعة قوية منذ الثلاثينيات، وقد لعب اقتباس الأدب دوراً مهماً في تأكيد ذلك التفوق.

ظاهرة محورية

يسعى هذا الكتاب إلى درس اقتباس الأدب في السينما، بل والحداثة في مصر، من أجل رسم معالم هذه الظاهرة المحورية في تاريخ الفنين، عبر دراسات نظرية وتطبيقية لعدد من أبرز الباحثين في المجال من الأكاديمييين والنقاد المصريين والأجانب. ويتناول الاقتباس بوصفه مساحة تلتقي فيها مختلف الثقافات والوسائط والأنواع الفنية، وتصنع من العمل الأدبي منتجاً سينمائياً ذا شخصية جديدة، وإيماناً بأن من يقومون بالاقتباس عن الأدب "هم مترجمون ثقافيون" .

ويعد هذا العمل تطويراً وتعميقاً لنخبة من أبحاث المؤتمر الدولي الأول لـ "شبكة آمون للباحثين في الأدب والسينما" بجامعة القاهرة 2019. وبحسب المقدمة، تم إنتاج 360 فيلماً مستمداً من الأدب ما بين 1930 و2019، ومن 1930 إلى 1960 اعتمدت السينما المصرية على المصادر الغربية، لا سيما الإنجليزية والفرنسية،  بشكل أساس عبر اقتباس صريح وليس مجرد استلهام. ومنذ 1960 صار أغلب الأفلام المصرية المقتبسة عن المصادر الأجنبية منقولاً عن أفلام أميركية.

تراجع الأدب الغربي كمصدر للأفلام المصرية من 1952، واحتل الأدب العربي هذا الفراغ بمنطق أن اقتراب السينما من الواقعية يزداد مع ازدياد اعتمادها على الأدب "الوطني".

ومن ثم أصبحت الرواية المصرية هي المنافس الأول للرواية الغربية في سوق صناعة السينما المأخوذة عن الأدب. وعلى الجانب الآخر، قدم الخيال الروائي نفسه من خلال اتجاهه المتنامي نحو الواقعية بوصفها خطاباً "للحقيقة" يستمد شرعيته منها.

الواقعية والتمرد عليها

تحدث ريتشارد جاكمون عن هيمنة النموذج الواقعي وعن صورة الكاتب وصوته الناقد بوصفه ضميراً للأمة، لكن المفارقة، بحسب ملاحظة مبارك والخشاب، تبدت في اعتماد الواقعية في سينما الخمسينيات والستينيات غالباً على اقتباس روايات تنتمي إلى تيار الواقعية، وعدم ارتباطها بالضرورة بـ "الواقع"، بمعنى الأحداث والشخصيات وثيقة الصلة باليومي والمعاش والقضايا الاجتماعية واسعة الانتشار. فبدا الاحتفاء بالأدب وكأنه الضامن للقيمة الفنية والثقافية للسينما، كما ورد في مقدمة الكتاب. ومن هنا أنتجت السينما المصرية المزيد من الأفلام الواقعية المأخوذة عن أعمال روائيين مثل نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس ويحيى حقي... إلخ. فما بين عامي 1963 و1973 قدمت السينما المصرية من خلال القطاعين الخاص والعام مئة فيلم مقتبسة، بينما بلغ المقتبس منذ فيلم "زينب" (1930) وحتى عام 1962، 52 فيلماً فقط.

في السبعينيات والثمانينيات ظهرت أجيال من الأدباء والسينمائيين الثائرين على تقاليد الكتابة وقيود السوق، والمنفتحين على التجريب. في هذه الأجواء بزغت الكتابة الجديدة بالتوازي مع ظهور سينما المؤلف التي أولت ظهرها للأدب، وسعت لتدعيم مفهوم السينما كفن مستقل.

كانت البداية مع هزيمة 1967 التي، بحسب مبارك والخشاب، أصابت جيلاً كاملاً بصدمة انعكست على الأدب وتبدت في ترنح النموذج الواقعي، فتخلى جيل من الكتاب عن الخطاب السائد، هو جيل الستينيات ومن أبرز كتّابه بهاء طاهر، جمال الغيطاني، صنع الله إبراهيم، وإبراهيم أصلان، وكذلك الجيل الأكبر بمن فيهم نجيب محفوظ، مع نشر مجموعته القصصية "تحت المظلة" (1967).

سعى هؤلاء المؤلفون إلى التحرر من القوالب المهيمنة وإلى الاستقلال عن النماذج السائدة في الكتابة وفي الفكر، فولدت معهم حداثة ترفض مفهوم المحاكاة وتمثيل الواقع، في مقابل الإبحار في الخيال والغوص في الأنا وتبني أساليب جديدة في الكتابة، مثل مصاحبة البطل المضاد وتعدد وجهات النظر واستخدام المونولوغ الداخلي وتيار الوعي، والتقنيات السينمائية، وتفكيك البنية السردية الخطية، وتحطيم مفهوم الحدث ومرواغة القارئ.

وعقب هزيمة 1967 أيضاً ظهرت "سينما جديدة" سعت للقطيعة مع الأيديولوجيا السائدة، بما في ذلك تلك التي تبنت الاقتباس كنموذج لنقل القيمة الفنية إلى السينما. وفي هذا الإطار صنع مخرجون مثل محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد أفلامهم القصيرة الأولى، وساروا على درب التجديد الذي سبقهم عليه يوسف شاهين وتوفيق صالح وشادي عبد السلام، وتبدى في أفلامهم حس فني جديد، وتناولوا قضايا ترتبط بالفرد المهمَّش الذي سحقته الليبرالية الاقتصادية في عصر السادات.

التناص الأدبي

ومنذ منتصف التسعينيات، نشطت الدراسات عابرة الوسائط أو دراسات التواسط، واهتمت ضمن ما اهتمت بالاقتباس. في البداية كانت دراسات التواسط مبنية على نموذج دراسات التناص الأدبي، وكانت تعتبر دراسة لنوع خاص من التناص بين رواية وفيلم، لا بين نصين أدبيين، بحسب ملاحظة مبارك والخشاب. فالتناص، يقول المحرران، هو حضور أثر نص ما داخل نص ثان، والتواسط هو وقوع أثر منتج ثقافي ما، قد تكون مادته وسيط الطباعة أو غيره، داخل منتج آخر بوسيط آخر (تشكيلي مثلاً أو سمعي أو سمعي بصري). لكن دراسات التواسط تميل اليوم إلى مقارنة مختلف الأعمال والوسائط دون التقيد بقضية الاقتباس تحديداً.

ويرى المحرران أن الخطاب النقدي المعتمد على هذه المقاربات أوشك على اتنفاذ أغراضه، وتعجز كثير من دراسات الاقتباس عن تجاوز آفاقه. لكن ثمة محاولات جديدة لكسر هذا الطوق في النقد المعاصر. على سبيل المثال يعتمد جان كليدر على مقاربة الاقتباس بوصفه نوعاً من العمل. ويطرح ميشيل سيرسو فكرة أن الاقتباس هو عملية انتقال ثقافي.

وتدور الأبحاث بين دفتي هذا الكتاب حول محاور ثلاثة، أولاً اقتباس النوع بوصفه عملية انتقال لقيم الحداثة وإشكالياتها من خلال أعمال مثل "زينب"، و"البؤساء"، و"الباب المفتوح"، و"يوميات نائب في الأرياف". ثانياً الاقتباس باعتباره عملية انتقال ثقافي وما تستلزمه من مواءمات زمانية ومكانية في أعمال "أمير الانتقام"، و"نهر الحب"، و"جنة الشياطين"، وفي اقتباسات "الملك لير". ثالثاً، أعمال نجيب محفوظ بوصفها نموذجاً استثنائياً لحركة ذهاب وإياب مكثفة بين الوسائط الفنية، نستحضرها من خلال "أفراح القبة"، و"أهل القمة".

البروفيسور ميشيل سيرسو مقالته الأكاديمية الأخيرة قبل وفاته، ويفصل عرضاً تاريخياً لاقتباس الأدب، لا سيما الغربي، في السينما المصرية. يطرح سيرسو تصوره عن لجوء المخرجين المصريين لاقتباس الأدب الغربي اعتماداً على شمولية أنماط الشخصيات الدرامية مثل "الغانية طيبة القلب"، و"الباحث عن العدالة"، وصلاحيتها للنقل من السياق الغربي للسياق العربي، ويفحص فرضية اعتماد السينما المصرية على الاقتباس، ضماناً للقيمة الجمالية للأعمال، واستعادة للقيم الواقعية في الأدب بنقلها إلى الشاشة.

ثم يقدم البروفيسور جان كليدر استعراضاً لإسهاماته النظرية في دراسات الاقتباس والمقارنات بين الأدب والسينما ولتأملاته في ذوبان الحدود بين الأدب والسينما، مع تركيزه على فكرة الاقتباس بوصفه عملاً وصنعة، وليس مجرد فناً ملهماً.

الارتباط بقيم الحداثة

ويتضمن القسم الأول من الكتاب أربع دراسات تحلل ارتباط الاقتباس بقيم الحداثة والعبور بين الأنواع الفنية. تحلل سلمى مبارك عناصر نوع حكاية الريف أو سردية الريف وملامحه الفنية في فجر تاريخ كل من الأدب والسينما في مصر، أما وليد الخشاب فيرسم ملامح تصوير الورشة والمصنع في السينما بتأثير الأدب الغربي، ويرصد مواكبة هذا التصوير لبدايات الحداثة. وتقدم هالة كمال استعراضاً لملامح المرأة وتحررها المصاحب للتحرر الوطني، من زاوية الدراسات النسوية السينمائية في كل من رواية "الباب المفتوح" للطيفة الزيات وفيلم هنري بركات المقتبس عنها. ويخصص جان لوقا بارولين دراسته لنوع التحقيق البوليسي بين الأدب والسينما في كل من رواية "يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم، وفيلم توفيق صالح، ويتأمل تصور مؤسسات القانون الحديثة بعيون مؤسسة السينما المعاصرة لتلك التجربة.

ويركز القسم الثاني على جانب الانتقال عابر الثقافات في الاقتباس، حين يتضاعف تحول الدلالة بسبب الانتقال من الوسيط الطباعي للرواية إلى الوسيط السمعي البصري للفيلم، ويضاف إليه تحول ثقافي حين تُنْقَل الرواية من سياق غربي إلى آخر عربي مصري.

في هذا القسم، تحلل رندة صبري الأبعاد السياسية والثقافية لتحول رواية ألكسندر دوما "الكونت دي مونت كريستو" إلى فيلم "أمير الانتقام" لبركات. ويقدم عصام زكريا مقارنة بين اقتباس شكسبير، ورائعته "الملك لير" تحديداً، في السينما الغربية وفي السينما المصرية، حيث يغيب البعد السياسي تماماً على الشاشة المصرية.وتتأمل دينا قابيل تمرد رواية ليف تولستوي "آنا كارنينا" على قيم المجتمع القيصري الروسي المحافظة، مقارنة باندراجها في سياق الخطاب الثوري لعصر جمال عبدالناصر، بعد اقتباسها في فيلم "نهر الحب" لعز الدين ذو الفقار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقدم داليا السجيني قراءة لاستيعاب الواقعية السحرية في أميركا اللاتينية في السينما المصرية من خلال تحليلها لأليات تحويل المكان الواقعي إلى مكان مجازي مغاير، ومقابلة خطاب البرجوازية بتمرد الصعاليك في رواية جورجي أمادو "الرجل الذي مات مرتين" وفيلم أسامة فوزي المقتبس عنه "جنة الشياطين".

ويختتم الكتاب قسم ثالث يدور حول اقتباس السينما والتلفزيون لروايات نجيب محفوظ، فتقدم دينا جلال قراءة لاقتصاديات الإنتاج التلفزيوني ودوره في تنشيط صناعة الكتاب، من خلال تحليلها لاقتباس "أفراح القبة" في مسلسل من منظور اقتصادي.أما أماني صالح، فتقدم تحليلاً لمُتصل الزمان والمكان، وتبدل دلالاته السياسية والاجتماعية في نقد خطاب الانفتاح الاقتصادي، عبر قراءة مدققة لقصة "أهل القمة" واقتباسها في فيلم علي بدرخان بالعنوان نفسه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة