Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفلح الصين وروسيا في إنهاء هيمنة العملة الأميركية؟

قد لا يزعزع من تلك المكانة سوى حروب هائلة أو اضطراب سياسي مدمر يفقد البلاد وضعها ويهدد مرونة اقتصادها

كررت روسيا تصريحاتها الداعية للتخلص من الاحتياطات الدولارية (أ ف ب)

كررت روسيا في غضون أقل من شهرين تصريحاتها الداعية للتخلص من الاحتياطيات الدولارية في محاولة للتقليل من هيمنة الدولار الأميركي على تعاملاتها، إذ قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، الخميس الثالث من يونيو (حزيران)، إن بلاده ستغير من هيكلة صندوق الثروة السيادية وستتخلى نهائياً عن الدولار الأميركي. وعلى هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي أضاف الوزير: "لقد اتخذنا قراراً، مثل البنك المركزي، بخفض استثمارات صندوق الثروة السيادية في الأصول الدولارية... كان لدينا اليوم نحو 35 في المئة من استثمارات صندوق الثروة السيادية بالدولار و35 في المئة باليورو من حيث الهيكل، لكننا قررنا الخروج من الأصول الدولارية بالكامل، واستبدال الاستثمارات بالدولار بزيادة اليورو، وزيادة الذهب. وبالهيكلة الجديدة سيصبح الدولار صفر، اليورو 40 في المئة، واليوان 30 في المئة، والذهب 20 في المئة، والجنيه الاسترليني، والين خمسة في المئة لكل منهما".

ليست تلك المرة الأولى التي يصدر فيها إعلان مثل هذا من موسكو في السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ بدء تصاعد العقوبات الأميركية على روسيا، لكن تلك التصريحات زادت في الآونة الأخيرة، متسقة أيضاً مع مزيد من العقوبات التي تفرضها واشنطن على موسكو. وتحاول روسيا بذلك تخفيف تأثير العقوبات بتقليل الاعتماد على الدولار.

وقرب نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لوسائل الإعلام الصينية، إن روسيا والصين مضطرتان للتطور بعيداً عن الولايات المتحدة لمواجهة محاولات واشنطن عرقلة التطور التكنولوجي في البلدين. وأضاف، "نحتاج لتقليل مخاطر العقوبات بتعزيز استقلالنا التكنولوجي، والتحول إلى نظام مدفوعات بعملاتنا الوطنية وعملات دولية أخرى بديلة للدولار الأميركي... علينا أن نبتعد عن نظام المدفوعات والتحويلات الدولية التي يتحكم بها الغرب".

تهديد هيمنة الدولار

ومع التوسع في العقوبات الأميركية على روسيا والصين وإيران وغيرها، خصوصاً في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، تسعى كثير من الدول لإيجاد بدائل للدولار الأميركي لتفادي التأثير الخانق للعقوبات الأميركية، لكن، هل يهدد ذلك هيمنة الدولار كعملة احتياط دولية تتمتع بهذه الميزة العالمية منذ نحو قرن من الزمن؟ ليس بالضرورة. إنما هناك بالفعل تراجع في وضع الدولار كعملة رئيسة في العالم، ليس بسبب محاولات بعض الدول استبداله في احتياطاتها، وإنما لأسباب تتعلق بالعوامل التي أعطته من البداية ميزة السيادة المالية العالمية.

وقبل أسابيع، حذر الملياردير الأميركي ستانلي دراكينميلر من أن الدولار قد لا يصبح عملة الاحتياط العالمية الرئيسة في غضون 15 عاماً. وأضاف، "لا أرى أي فترة في التاريخ كانت فيها السياسات المالية والنقدية منفصلة تماماً عن الصرف الاقتصادي مثل هذه". تأتي أهمية ما قاله دراكينميلر ليس بكونه أحد أكبر مدير الصناديق، ولكن لأنه المستثمر الذي راهن مع جورج سوروس عام 1992 على الجنيه الاسترليني وخروج بريطانيا من آلية الصرف الموحد الأوروبية ما أدى إلى انهيار الاسترليني.

لذا لقيت تصريحاته اهتماماً خصوصاً أن الدولار احتل مكانته كعملة احتياط عالمية رئيسة بعد إزاحته الجنيه الاسترليني عن هذه المكانة في أربعينيات القرن الماضي، بعد أن أدت تبعات الحرب العالمية الأولى إلى انهيار الاقتصادات الأوروبية بما فيها البريطاني وصعود الاقتصاد الأميركي كاقتصاد رائد عالمياً.

ويردد البعض مخاوف مماثلة، لا سيما مع توقعات ضغوط تضخمية هائلة في الاقتصاد الأميركي يخشى أن تهدد مكانة الدولار، لكن أغلب الاقتصاديين التقليديين يرون أن تلك المخاوف مبالغ فيها، وأن الأمر يتطلب أكثر من ذلك لتهديد هيمنة الدولار كعملة احتياط رئيسة عالمياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تراجع وليس انهياراً

وفي أحدث مسح بيانات لصندوق النقد الدولي لاحتياطيات العالم من العملات الأجنبية، انخفض نصيب الدولار من الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية حول العالم إلى 59 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي 2020، وذلك أدنى مستوى له في ربع قرن، إذ كانت نسبته لدى طرح العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) عام 1999 عند أكثر من ثلثي الاحتياطيات العالمية (71 في المئة).

لكن ذلك التراجع يبدو منطقياً، فبعد الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة تستحوذ على أغلب الناتج الصناعي العالمي خارج نطاق الاتحاد السوفياتي السابق. وهكذا كان الدولار العملة الرئيسة التي يسوي المصدرون والمستوردون في العالم تعاملاتهم التجارية بها. كذلك كان العملة الرئيسة للقروض الدولية والتي تحتفظ البنوك المركزية بها كاحتياطي نقدي.

أما الآن، فلا تمثل الولايات المتحدة سوى أقل من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن الطبيعي أن تتراجع هيمنة العملة الخضراء في الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية التي أصبحت تضيف اليورو وغيره بنسب أكبر في احتياطاتها، لكن يظل الدولار هو العملة الرئيسة في تلك الاحتياطات وإن تراجعت نسبته بينها.

وتحتل العملة مكانتها الرئيسة عالمياً لعوامل عدة، أهمها أنها الأسهل تداولاً للكثيرين حول العالم. أيضاً يدعمها اقتصاد مرن يمكنه توفير السيولة في حالات الأزمة. ولا يزعزع من تلك المكانة سوى حروب هائلة أو اضطراب سياسي مدمر يفقد بلد العملة وضعها ويهدد مرونة اقتصادها.

"هز العرش"

وعلى الرغم من أن البعض أثار المخاوف بهذا الشأن مع رفض الرئيس السابق دونالد ترمب نتائج الانتخابات الرئاسية، فإن النظام الأميركي أثبت قدرته على تجاوز ذلك، ثم إن الاضطرابات الناجمة عن أزمة وباء فيروس كورونا (كوفيد-19) لا تبدو حتى الآن أنها ستترك أثراً أكبر من أزمات أخرى تعرض لها الاقتصاد العالمي.

وكان أمل البعض أن العملات المشفرة يمكن أن تهز عرش الدور كعملة احتياط رئيسة عالمياً، باعتبار أنها في النهاية لا وطن لها وليس وراءها بنك مركزي يديرها ويسندها ويتحكم بها، لكن التطورات الأخيرة في سوق المشفرات تبدو وكأنها بخرت تلك الآمال.

ويظل الدولار، على الرغم من كل هذا التململ العالمي ومحاولات إيجاد بدائل، العملة الرئيسة المهيمنة في العالم. صحيح أنه لم يعد الوحيد على عرش العملات، لكنه المسيطر بقدر قوة وحجم الاقتصاد الأميركي عالمياً، يليه اليورو، ثم الين الياباني، ثم الجنيه الاسترليني، ويأتي اليوان الصيني في ذيل القائمة. وحالياً، يمثل الدين المقوم بالدولار نحو نصف الدين العالمي كما أن نحو 40 في المئة من المعاملات عبر نظام "سويفت" تتم بالدولار.

يمثل اليورو ثاني عملة احتياطات لدى دول العالم بعد الدولار بنسبة نحو 20 في المئة من احتياطات تلك الدول من النقد الأجنبي. أما رينمينبي (اليوان الصيني) فتحاول الصين منذ سنوات جعله عملة احتياط دولية، لكنه حتى الآن لا يمثل سوى اثنين في المئة من احتياطات النقد الأجنبي لدى دول العالم، لأن القيود التي تفرضها الصين على حركة الأموال في اقتصادها تعوق محاولاتها لجعل اليوان عملة احتياط دولية. وربما يسهل صدور اليوان الرقمي التوسع في التعامل باليوان خارج حدود الصين، خصوصاً أن بكين تسعى من خلال مشروع "الحزام والطريق" إلى تعزيز الوضع الدولي لعملتها، لكن في النهاية، قد يأكل ذلك من نصيب الدولار والعملات الأخرى كالين واليورو، لكن قد لا يمكنه إزاحة الدولار عن عرشه.