Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوجه شبه بين وفيات كورونا وقتلى معركة السوم... القادة السيئون يتحملون اللوم

لماذا ثمة من وقعت عليه تصريحات دومينيك كمينز عن حوادث الفشل الذريع وقعَ المفاجأة؟ كنا نعلم بشأنها من قبل

دفعت أرواحٌ في بريطانيا، ثمن إضعاف مؤسسات الدولة بسبب التقشف والاستعانة بمصادر خارجية وأربعة عقود من الخصخصة (رويترز)

انتقد دومينيك كمينز استجابة الحكومة البريطانية لجائحة كوفيد-19، معتبراً إياها مثالاً على عبارة "أسود يقودهم حمير" التي شاع استخدامها في وصف قادة القوات العسكرية البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى. ربما كان يقصد شتم بوريس جونسون وبعض وزرائه بتصويرهم غير أكفاء لدرجة كارثية، غير أن المقارنة صالحة ومعبرة.

خلال معركة السوم التي استمرت أربعة أشهر في عام 1916، قتل نحو 125 ألف جندي بريطاني فيما توفي 127 ألف شخص حتى الساعة بسبب الجائحة خلال عامي 2020 و2021. لا أحد يشك في أن الخسائر الكارثية في الأرواح خلال معركة الحرب العالمية الأولى تضاعفت عدة مرات بسبب غياب الكفاءة والمبالغة في الثقة التي اتسمت بهما قيادة الجنرال السير دوغلاس هيغ والجنرال السير هنري رولنسون، المسؤول عن إدارة العمليات اليومية. أنقذ هيغ رولنسون من الطرد في وقت سابق، لذلك شعر بأنه مجبر على تنفيذ الأوامر التي يعطيه إياها قائده مهما كانت، حتى عندما كان يعلم بأن قرارات هيغ خاطئة وستؤدي على الأرجح إلى مقتل الجنود البريطانيين الجماعي.

إن أوجه التشابه بين هيغ ورولنسون منذ قرن وجونسون ومات هانكوك اليوم لافتة بشكل خاص. في الحالات الأربع، قام قادة واقعون في وضع يتخطى قدراتهم بتحويل أزمة إلى كارثة من دون أن يدفعوا شخصياً ثمن فشلهم بسبب نجاحات بريطانية لاحقة نسبوا الفضل فيها لأنفسهم.

وأثارت تصريحات كمينز الصدمة، عندما زعم أن "عشرات الآلاف من الأشخاص توفوا بلا داعٍ"، مع أن هذه الحقيقة بانت منذ زمن. لو بدأ الإغلاق الثاني في وقت أقرب واستمر لوقت أطول، ربما ما كانت موجة الجائحة الثانية لتحدث، أو كانت ستكون أخف. ونظراً إلى أن 87 ألف ضحية من أصل ضحايا كوفيد-19 الـ127 ألفاً توفوا بين أكتوبر (تشرين الأول) 2020 ومارس (آذار) 2021، يرجح أن سوء تقدير جونسون أدى إلى وقوع عشرات الآلاف من الوفيات غير الضرورية. وإن فاجأت هذه الوقائع سهلة الإثبات كثيرين هذا الأسبوع، قد يكون مرد ذلك إلى أن معارضة حزب العمال الضعيفة تفادت تسليط الضوء عليها.

ولا شك كذلك في العواقب المأساوية لعملية شراء معدات الوقاية الشخصية الفوضوية والتي ربما شابها الفساد، وبرنامج الفحص والرصد المكلف والفاشل - وفتح الحدود أمام القادمين من بلدان فيها معدلات إصابات مرتفعة، لكن أكثر ما يلفت في شهادة كمينز ليس أنه كشف أي شيء جديد عن هذه الإخفاقات، بل روايته عن التفاعلات السياسية التي أنتجتها، وهي رواية شاهد عيان.

والمشكلة في تحميل المسؤولية بشكل عادل جراء الوفيات غير الضرورية هي أن كل الحكومات تسعى إلى نسب الفضل لنفسها عن كل الأمور الناجحة حتى عندما لا يكون لها دخل فيها، وتفادي تحمل المسؤولية عندما يقع أي خطب، حتى عندما تستحق اللوم عليه. وما تزعمه، وهو ما تصدقه بعض وسائل الإعلام، هو أنها هي المسؤولة وتقبض على حبال السلطة بيد قوية، حتى عندما لا تعود مرتبطة بأي شيء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في بريطانيا، دفعت أرواح ثمن إضعاف مؤسسات الدولة بسبب التقشف والاستعانة بمصادر خارجية وأربعة عقود من الخصخصة. والدول التي تعاملت بشكل جيد مع الجائحة هي تلك التي كان نظامها الصحي فيه إمكانات إضافية. فأول ضحية في أي عملية اقتطاع للموارد هي الاحتياجات الضرورية في حالات الطوارئ، وهي حالات لا يمكن التنبؤ بها وقد لا تقع أبداً. ويلوم كمينز هانكوك ووزارة الصحة بسبب سماحهم للمرضى المسنين الذين لم يفحصوا أن ينقلوا كوفيد-19 من المستشفيات إلى دور الرعاية، لكن أين كان يمكن نقلهم العام الماضي حين امتلأت المستشفيات؟

يجب أن تكون هذه الجمل الدفاعية متاحة لجونسون وهانكوك، لكنهما لا يستطيعان استخدامها على الأرجح، إذ من يمكنه أن يصدق الآن ما قالاه حينها، في شأن الإمساك بزمام الأمور وقدرتهما على حماية دور الرعاية وسكانها المنكوبين؟

لكن التفسير الأشمل لارتفاع حصيلة الوفيات هو ببساطة أن الدولة البريطانية سيئة للغاية في التعامل مع بدايات الأزمات الشديدة، بغض النظر عن شكل هذه الأزمات، سواء كانت عدواً بشرياً أم فيروساً قاتلاً. قارنوا طريقة التفاعل البريطانية مع جائحة كوفيد-19 ليس فقط مع السنوات الأولى للحربين العالميتين الأولى والثانية، بل مع حروب سابقة - بدءاً من تلك الحروب في فرنسا خلال سنوات الثورة في تسعينيات القرن الثامن عشر وحرب القرم حين ارتكب أحدهم أخطاء فادحة، حتى حرب البوير والحربين العالميتين. في كل الحالات، احتاجت الدولة البريطانية لوقت طويل لكي تتماسك وتعرف كيف تتصرف. أما في النزاعات الأصغر في العراق وأفغانستان خلال هذا القرن، فلم تتماسك أبداً.

تفاجأ كمينز بهذا التقصير، ولم يدرك كما ينبغي وجود فرق كبير بين حكومات زمن السلم وحكومات زمن الحرب، إذ تتطلب كل منهما تولي أشخاص مختلفين المسؤولية كما تتطلب تنظيماً مختلفاً. في زمن الحرب، ربما يستدعي الأمر وجود سلطات ديكتاتورية، وحشد كافة الموارد - وقد قال كمينز إنه يريد لديكتاتور كهذا أن يتولى مكافحة فيروس كورونا - لكن خلال الأوقات العادية هذا الموضوع هو تحديداً ما لا يجب أن يحدث ولا يجدي نفعاً في زمن السلم.

سيكون من الصعب دائماً الانتقال من إحدى هاتين المقاربتين إلى نقيضتها الثانية، ولا سيما عندما يدير الدفة شخص يتمتع بسوء التقدير والتردد في الحكم مثل جونسون.

لذلك إلى أي درجة تعتبر الحكومة الحالية مذنبة بإساءة التعامل مع أزمة غير مسبوقة؟ باعتباره عضواً مشاركاً نوعاً ما في نادي القادة الشعبويين القوميين، يتشارك جونسون بعضاً من صفاتهم التي قد تجلب الكوارث. وقد ظهرت بوضوح العام الماضي في الولايات المتحدة، في ظل حكم دونالد ترمب، وفي الهند في ظل حكم ناريندرا مودي، والبرازيل التي يحكمها جائير بولسونارو. وتشمل إخفاقاتهم المتعددة الميول الديماغوجية التي تضخم المخاطر الوهمية وتستغلها فيما تفشل في التعامل مع المخاطر الحقيقية. ومن الصفات المشتركة الأخرى بينهم تمجيد الشخصية الذي يصور قائداً منزهاً عن الخطأ ولا يمكنه الاعتراف بأخطائه، وينفي أن أي شيء لا يسير على ما يرام إلى أن يفوت أوان القيام بأي تدخل من أجل منعه.

هل سينجح جونسون وحكومته في الإفلات من مسؤولية وقوع كوارث العام الماضي، والوفاة غير الضرورية لهذا العدد الكبير من الأشخاص؟ على الأرجح أنهم سيفلتون من المسؤولية، لأن الرأي العام يفضل التفكير في أنباء الوقت الحاضر الجيدة على التشبث بأنباء البارحة السيئة، وهو أمر يمكن تفهمه.

يسود اعتقاد بأن التركيز على انتصار بريطانيا على الفيروس والتقليل من أهمية الفشل القديم هو واجب وطني. وسيدّعي جونسون ووزراؤه بأنهم مشغولون جداً في إدارة حملة التطعيم - مع أن ذلك هو مهمة العلماء وهيئة الخدمات الصحية الوطنية إجمالاً - فلا يمكنهم الانشغال بالماضي، حتى لو لم يمضِ عليه أكثر من ستة أشهر.

نجحت المقاربة المشابهة في حال هيغ ورولينسون، اللذين لم تتضرر مسيرتهما المهنية جراء مذبحة السوم التي ترأساها. فبعد أن بذلا جهوداً سرية وشبه ناجحة في تحوير السجلات التاريخية، توليا في ما بعد مناصب رفيعة المستوى، ولم يكن ضحايا انعدام كفاءتهما في موقع يسمح لهم بالتذمر من ذلك.

© The Independent

المزيد من آراء