Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حقيقة أصل كورونا... هل تتكشف أم تفسدها السياسة؟

بايدن يستعجل الإجابة ومنظمة الصحة تحت الضغط لكن الصين تقاوم

لم يكن توقيت إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن منح مهلة 90 يوماً لأجهزة استخباراته كي تحدد أصل فيروس كورونا مجرد مصادفة، فقد تزامن مع اجتماع منظمة الصحة العالمية حيث أصرت الصين مجدداً على رفض دعوات فتح تحقيق لمعرفة منشأ الفيروس القاتل. ما جعل الولايات المتحدة العائدة بقوة إلى المنظمة، تمارس ضغوطها كي تفتح بكين أبوابها للتعاون بشفافية لحل اللغز المستعصي، ومعرفة إذا ما كان الفيروس انتقل إلى البشر من الحيوانات، أم أنه تسرب من مختبر ووهان في الصين. فهل يمكن أن تغير بكين موقفها تحت الضغط الدولي، وإلى أي مدى يمكن أن تصل الاستخبارات الأميركية إلى أدلة تكشف الحقيقة الغائبة، أم أن المسألة كلها لعبة سياسية قد لا تصل إلى أي نتيجة؟

مع تصاعد الاهتمام من جديد في الولايات المتحدة والغرب عموماً حول منشأ فيروس كورونا وتزايد النظريات القائلة بأن الفيروس تسرب من مختبر ووهان الصيني، حدد الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء 26 مايو (أيار)، موعداً نهائياً مدته 90 يوماً لوكالات الاستخبارات الأميركية بهدف التوصل إلى نتيجة نهائية بشأن أصل فيروس كورونا، كما أصدر دعوة جديدة لإجراء تحقيق عالمي طموح وتوجيه أسئلة محددة إلى الصين.

ما معلومات الاستخبارات الأميركية؟

غير أن تحرك البيت الأبيض على هذا النحو يثير أسئلة عما تملكه أجهزة الاستخبارات الأميركية من معلومات حول الفيروس، وإذا ما كانت هذه المعلومات يمكن أن تجزم حقيقة منشأ الفيروس الذي تسبب في مقتل 3.51 مليون شخص حول العالم وإصابة 169 مليوناً آخرين حتى الآن، بينما يواصل حصد أرواح أكثر من 12 ألف شخص كل يوم.

فبينما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن تقرير استخباراتي أميركي أن ثلاثة باحثين من معهد ووهان لعلم الفيروسات نقلوا إلى المستشفى في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019، وما يثيره ذلك من جدل حول نظرية تسرب الفيروس من المختبر قبل شهر مما أبلغت عنه الصين في البداية، أبلغ مسؤولون في الاستخبارات البيت الأبيض أن لديهم قدراً كبيراً من الأدلة التي تحتاج إلى فحص وتحليل وفق ما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها، الخميس، أشارت فيه إلى أن الاستخبارات تخطط لاستخدام تحليل الكمبيوتر في معرفة إذا ما كان الفيروس قد تسرب عن طريق الخطأ من مختبر في ووهان في الصين، عبر تتبع تحركات عمال المختبر وفحص أنماط تفشي المرض، وأنها ستستخدم المختبرات الوطنية الأميركية والموارد العلمية الأخرى التي لم تشترك من قبل في هذا الجهد.

انقسام في الرأي

غير أن ذلك لا ينفي حقيقة أن هناك انقساماً في الرأي داخل مجتمع الاستخبارات حول الأصل المحتمل لفيروس كورونا، وهو ما اعترف به الرئيس بايدن نفسه قبل أن تؤكده أماندا شوش مساعدة مدير الاستخبارات الوطنية للاتصالات الاستراتيجية، التي أوضحت أن مجتمع الاستخبارات الأميركي لا يعرف بالضبط أين ومتى وكيف تم انتقال الفيروس في البداية، لكنه الآن منقسم حول سيناريوهين محتملين: إما أن الفيروس ظهر بشكل طبيعي من اتصال الإنسان بالحيوانات المصابة، أو كان حادثاً معملياً وقع في المختبر.

وبحسب كلام المسؤولة الأميركية، فإن مجتمع الاستخبارات لا يملك ما يكفي من معلومات حتى الآن لتفضيل سيناريو واحد على الآخر، بل إن كلاً منهما يحظى بثقة منخفضة أو معتدلة، وهو ما يدفع مجتمع الاستخبارات إلى فحص جميع الأدلة المتاحة، والنظر في وجهات النظر المختلفة، وجمع المعلومات الجديدة وتحليلها بقوة وعمق لتحديد أصل الفيروس.

قيود معلوماتية

ووفقاً لبعض المحللين، أظهر الوباء قيوداً في عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية الأميركية داخل الصين، وعلى الرغم من أن مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع مجموعات أخرى مثل مجموعة "العيون الخمسة" التي تضم إلى جانب الاستخبارات الأميركية أجهزة استخبارات بريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا، قد تسفر عن أدلة جديدة، إلا أن بيان بايدن أشار إلى أن الأدلة التي تم جمعها حتى الآن تحمل ثقة منخفضة أو معتدلة.

وعلى النسق نفسه، سيواجه أي تحقيق مستقل من الكونغرس الأميركي، قيوداً مماثلة حيث لا يتمتع أعضاء الكونغرس بإمكانية الوصول إلى البيانات والعينات التي يحتاجون إليها من أرض الواقع في الصين حتى يتمكنوا من إجراء أي نوع من التقييم.

مغزى التوقيت

لم تخل مبادرة بايدن الكشف عن حقيقة منشأ الفيروس من مغزى، فقد جاءت في توقيت مناسب تزامن مع اجتماع وزاري يستمر أسبوعاً بغرض تحديد جدول أعمال منظمة الصحة العالمية لهذا العام، ولهذا استهدف بايدن إحداث تأثير دولي على اعتبار أن المعركة الحقيقية هي ما يحدث في جمعية منظمة الصحة العالمية، خصوصاً بعد تصريحات رافضة من مسؤول صيني لإجراء تحقيق في أصل الفيروس طالب به مسؤولون أميركيون خلال اجتماعات المنظمة.

وفي حين يعتقد مراقبون أن بايدن يدرك أن التحقيق سيكون أفضل حالاً إذا ما أجرته هيئة دولية مثل منظمة الصحة العالمية، غير أن المنظمة المسؤولة عن تنسيق الاستجابة الدولية للوباء، وإن كانت تشعر بالضغوط الأميركية والغربية المتصاعدة عليها، إلا أنها لا تملك سوى قليل من الصلاحيات للتحقيق في أصل الفيروس وكيف بدأ. وهي الضغوط نفسها التي مارسها من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي غالباً ما كان ينتقد الصين ويطرح احتمال أن الفيروس جاء من معمل ووهان.

ألاعيب السياسة

وفيما يشير مسؤولو المنظمة إلى أنها لا تزال تتشاور مع فريق من الخبراء الذين زاروا ووهان للمرة الأولي في وقت سابق من هذا العام، لتحديد كيفية المضي قدماً في تحقيقهم، فإن جميع الاحتمالات تظل مفتوحة، بعد ما عرقلت ألاعيب السياسة وعمليات تحميل المسؤولية لأطراف بعينها، إمكانية استكمال الطريق لمعرفة الحقيقة، حتى أضحت السياسة هي السبب الرئيس في تسميم العملية برمتها.

بيد أن التقرير الذي أصدره في مارس (آذار) الماضي محققون صينيون مع محققين تابعين لمنظمة الصحة العالمية، ركز على فكرة "المصدر الحيواني" للفيروس، بمعني أنه انتقل من خفاش عبر حيوان آخر إلى البشر، وأنه ربما وصل إلى الصين عن طريق الأطعمة المجمدة، مع استبعاد فكرة تسرب الفيروس من معهد ووهان لعلم الفيروسات، باعتبار ذلك أمراً غير مرجح على الإطلاق.

وأثارت خلاصة التقرير انتقادات كثيرة منها توبيخ نادر من تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الذي قال إن تقييم احتمال انتقال الفيروس إلى البشر من خلال حادثة معملية لم يؤخذ في الاعتبار بالقدر الكافي.

هل تتجاوب الصين؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يبدو حتى الآن أن بكين يمكن أن تقدم تنازلات، إذ أكد مسؤول صيني خلال اجتماعات منظمة الصحة العالمية، أن الجزء الخاص بالصين في تحقيق المنظمة حول أصل الفيروس قد اكتمل، وأن التحقيق يجب أن يركز في مكان آخر، في إشارة واضحة إلى ما تقوله الصين بأن الفيروس وصل إلى الصين من الخارج.

ويخشى البعض من أن الضغط على الصين أمام العالم أجمع لإجراء مزيد من التحقيقات قد يؤدي إلى تشدد أكبر من بكين، فعلى الرغم من أن الصين لا تتمتع بحق النقض (الفيتو) في الجمعية المكونة من 194 عضواً، والتي من المقرر أن تختتم أعمالها، الإثنين المقبل، إلا أنها تتمتع بنفوذ هائل، تبدت ملامحه حين نجحت بكين في منع انضمام تايوان إلى المنظمة لسنوات، كما عارضت الصين العام الماضي اقتراحاً قدمته أستراليا لإجراء تحقيق كامل ومستقل حول أصل فيروس كورونا، وتم استبدال الاقتراح الأسترالي بدراسة مشتركة بين الصين ومنظمة الصحة العالمية. وهو ما صادقت عليه الجمعية.

طريق مسدود

وفي حين تبنت الولايات المتحدة نهجاً أكثر تعاوناً مع منظمة الصحة بعد النهج العدائي الذي اتسمت به فترة حكم ترمب، وعودتها إلى دورها الفاعل ومشاركتها في برنامج  لقاحات "كوفاكس"، إلا أن ضغوط واشنطن و13 دولة أخرى للمطالبة بتحليل شفاف ومستقل عن أصل كورونا بعيداً عن التدخل والتأثير، لم يجعل الصين تتراجع عن موقفها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن الولايات المتحدة لا تهتم بالحقائق.

وما يزيد من احتمالات التصعيد مع مضاعفة الضغوط، أن الصين يمكنها ببساطة الانسحاب إذا ما أيدت منظمة الصحة اقتراحاً بإجراء تحقيق أوسع، لأن المنظمة لا تملك سلطة مطالبة الصين بالسماح لها بدخول أراضيها أو تسليم البيانات والعينات، إضافة إلى معلومات التسلسل الجيني، وبالتالي لن تسفر الضغوط عن أي نتيجة.

خيارات أخرى

مع ذلك، فإن مواصلة الصين عرقلة التحقيق سيكون لها مغزى، لأنها ستوضح لجميع السكان على وجه الأرض أن الصين لا تريد التعاون الدولي لكشف الحقيقة، ما يوفر شرعية للتحقيقات الأميركية في أصول فيروس كورونا في الصين من خلال وسائل أخرى، وبالتعاون مع منظمات دولية مثل التعاون الاقتصادي والتنمية.

لكن الضغط على الصين وإن كان يحظى بدعم من الحزبين في الولايات المتحدة، إلا أن القليل من الدول الأخرى تبدو متحمسة له ولمواجهة بكين التي أصبح لها ثقل سياسي على الساحة الدولية. وهو ما تعكسه بعض تصريحات المسؤولين الذين أبدوا رغبتهم في إبقاء التركيز على التحليل العلمي بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى.

المزيد من تقارير