Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفرج التطورات الدولية والإقليمية عن حكومة الحريري؟

قراءات متناقضة لـ "انتصارات" محور الممانعة وللتنازلات المقبلة عليها طهران إقليمياً وفي فيينا

قال الحريري منذ أيام إنه لن يشكل الحكومة كما يريدها عون (رويترز)

لطالما أرخت التطورات الإقليمية والدولية بظلها على الوضع اللبناني المأزوم، إن لم يكن مباشرة فبطريقة غير مباشرة، نتيجة حسابات الفرقاء المحليين، سواء أكانت صحيحة أم أنها مغالية في ربط التعقيدات في لبنان بالصراعات الدائرة في المنطقة، أم بالانفراجات الظرفية أو البعيدة المدى في بعض ميادينها.

وفي وقت ربط المعارضون للأكثرية الحاكمة في لبنان المرتكزة إلى تحالف "حزب الله" ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعطيل قيام الحكومة الجديدة برئاسة زعيم تيار "المستقبل" سعد الحريري منذ تكليفه، خلافاً لرفض عون في 22 أكتوبر (تشرين الأول) لماضي، بإمساك إيران لبنان ورقة في المفاوضات الدائرة في فيينا مع الولايات المتحدة الأميركية، دأب "حزب الله" وحلفاؤه على تأكيد أن عقد التأليف محلية بحتة، وفق ما كرر الأمين العام للحزب في خطاب له مساء الثلاثاء 25 مايو (أيار) في الذكرى الـ 21 لانسحاب إسرائيل من لبنان العام 2000.

وكان بري سبقه إلى تأكيد أن الأزمة داخلية مئة في المئة، في سياق دعوته عون والحريري إلى "إزالة العوائق الشخصية" من أمام تأليف حكومة تستعيد ثقة اللبنانيين وثقة العالم والدول العربية.

مع أن نصر الله قال إن الموقف اللبناني ينطلق من معادلات تصنعها "المقاومة"، في سياق حديثه عن المواجهة بين محور الممانعة وبين إسرائيل، فإن المعارضين للحزب رأوا أن كلامه يؤشر أيضاً إلى نفوذ "المقاومة" أي حزبه، في المعادلة الداخلية، وأن ظهوره بمظهر إيجابي يهدف إلى تسريع تأليف الحكومة، لا بد من أن يكون على علاقة بالتطورات الخارجية.

الموقف المستجد لـ "حزب الله" بدعم وساطة بري

توقفت الأوساط السياسية أمام الموقف المستجد لنصرالله في شأن الأزمة الحكومية، الذي أعلن فيه للمرة الأولى تأييده لدور وسيط بين عون والحريري يلعبه رئيس البرلمان نبيه بري، لتسهيل ولادة الحكومة كوسيط، إذا تعذر اتفاقهما سريعاً على تشكيلها. فالمعروف أن بري على خصومة مع الفريق الرئاسي الحليف للحزب، والأخير كان يتجنب اتخاذ موقف علني مؤيد لحليفه الثاني بري، لأنه منحاز لوجهة نظر الحريري في الخلاف مع عون على تشكيل الحكومة. بالتالي كان الحزب يحاذر إثارة عون بتأييده بري، ما تسبب في مرحلة معينة بخلاف بين الثنائي الشيعي انعكس في وسائل الإعلام، وجرى تطويق مفاعيله في لقاءات بين قيادتي حركة "أمل" و"حزب الله".

إعلان تفويض بري من قبل الحزب كي يلعب دور الوسيط، اعتبرته الأوساط السياسية تطوراً جديداً قد يفتح الباب على إمكان إحداث خرق إيجابي في جدار أزمة الفراغ الحكومي، لأنه مؤشر إلى أن الحزب قد يسهم في الضغوط على عون كي يتجاوب مع وساطة بري، التي رفض التعاطي بإيجابية معها سابقاً.

تقدم في فيينا يتيح تسهيل الحكومة

يقول رئيس السابق للحكومة، إن لا تفسير لديه لتعديل موقف "حزب الله" سوى أنه انعكاس لتقدم المفاوضات في فيينا، بحيث يدفع طهران إلى التساهل في عدد من المجالات، ربما يكون لبنان منها.

وفي اعتقاد بعض الأوساط السياسية التي تنسب تعطيل الحكومة إلى "حزب الله"، معتبرة أنه يستخدم عون ومعه باسيل واجهة لفرض الشروط أنه يستفيد من أجل إبلاغ الدول المعنية بالوضع اللبناني أن الكلمة الأخيرة له في الشأن الحكومي، وأنه بهذه الطريقة المواربة يرد على الموقف الأميركي الغربي باستبعاده عن الحكومة تحت شعار قيام حكومة اختصاصيين غير حزبيين كشرط من أجل تقديم الدعم المالي والاقتصادي لإخراج لبنان من الحفرة التي وقع فيها، ومن إفلاس الدولة اللبنانية الذي يرى خصومه أن سببه السياسات التي اعتمدها وحلفاؤه، وأدت إلى عزل البلد عن محيطه العربي، وحجبت عنه الاستثمارات الخارجية، لا سيما الخليجية، التي كان يعتمد عليها لتحريك اقتصاده، على الرغم من الأزمات التي كان يمر فيها خلال العقدين الماضيين.

قراءة أوساط "الممانعة" للموقف الإقليمي

وفي وقت ترى أوساط بري أن قرار الحزب تسهيل وساطة رئيس البرلمان، كان إشارة أيضاً منه إلى حليفه عون بضرورة خفض سقف شروطه المعطّلة للحكومة، فإن الانتقال إلى خيار الضغط على عون وباسيل جاء نتيجة استشعار خطورة الوضع المعيشي الناجم عن إطالة الفراغ الحكومي، والمخاوف من انفجار شعبي جديد جراء استنزاف الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، ووقف دعم استيراد مواد حيوية مثل المحروقات والأدوية والطحين.

غير أن هناك قراءة لأوساط قوى الممانعة الحليفة لإيران في لبنان تقول إن التطورات الإقليمية تأتي لمصلحة هذه القوى وفي طليعتها "حزب الله"، في شكل يريحه على الساحة اللبنانية، ويؤدي إلى فك أسر أوراق يمتلكها في مواجهة الضغوط، ومنها ورقة تشكيل الحكومة. ويلفت أصحاب هذه القراءة إلى أنه فضلاً عن أن محادثات فيينا أحدثت تقدماً ينبئ بقرب رفع جزء رئيس من العقوبات الأميركية عن إيران، فإنها تتم على قاعدة تأجيل البحث ببندين مهمين كانت طهران ترفض مناقشتهما إلى مرحلة لاحقة، هما المتعلقان بتمددها الإقليمي وتدخلها في أزمات ساخنة، وبرنامجها للصواريخ الباليستية.

ومن الطبيعي أن يشمل هذا التأجيل موضوع سلاح "حزب الله" في لبنان، الأمر الذي دفع نصرالله في خطابه الأخير إلى تأكيد المعادلة التي فرضها على مدى السنوات الماضية عن تعاون "الجيش والشعب والمقاومة"، وهي عبارة كانت ترد بطريقة أو بأخرى في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، لإضفاء الشرعية على سلاح الحزب.

تصنيف "انتصار" غزة لمصلحة الممانعة

وتفيد أجواء وتصريحات حلفاء محور الممانعة الحليف لإيران في لبنان، أن حرب القدس – غزة على مدى 11 يوماً التي جاءت حصيلتها وفق حسابات "حزب الله" لمصلحة هذا المحور، نظراً إلى أنها أربكت إسرائيل وأعادت الاعتبار إلى خيار المقاومة، ولحركة "حماس" كحليف رئيس لإيران، التي تغذيها بالصواريخ والإمكانات العسكرية والمالية، بحيث أن هذا المحور يجيّر ما دأب على ترداده بأنه حقق انتصاراً في تلك المواجهة العسكرية، بعد أن بلغت صواريخ "حماس" العمق الإسرائيلي للمرة الأولى، ووضع الداخل الإسرائيلي في حال خوف في صفوف المستوطنين، وألّب الرأي العام العالمي ضد اليمين المهيمن على الدولة العبرية، فتغيرت قواعد الاشتباك مع الجيش الإسرائيلي، مما أجبره على الرغم من الدمار الذي ألحقه بغزة، على القبول بوقف إطلاق النار نتيجة الضغوط الأميركية والدولية عليه.

وبينما يصنّف الترويج لـ "انتصار غزة" على أنه عامل إضافي لعامل محادثات فيينا، ولمصلحة هذا المحور، يتيح له التنازل عن ورقة تعطيل الحكومة في لبنان بنظر تلك القراءة، فإن المقتنعين بهذه النتيجة يعتبرون أن "حزب الله" كان مرتاحاً في لبنان إلى هذه التطورات، مما دفع نصرالله إلى التشديد على أن "حماس" في غزة لم تكن بحاجة إلى دعم عسكري من الجبهة اللبنانية، وأنها نجحت لوحدها في الرد على الآلة العسكرية الإسرائيلية، رداً على انتقادات وجّهت للحزب بأنه التزم الهدوء في لبنان، ولم يتدخل لنصرة غزة كما كان يهدد في السابق.

التجديد لانتخاب بشار الأسد

ومن العوامل التي يرى محللو ورموز الممانعة وحلفاء المحور الإيراني السوري في لبنان أنها لمصلحته، بحيث يفرج عن الحكومة في هذه المرحلة قياساً إلى مرحلة الضغوط السابقة، تجديد انتخاب رئيس النظام السوري بشار الأسد لولاية جديدة من سبع سنوات، تكرس شرعية النظام الذي ساندته إيران عسكرياً عبر الميليشيات الموالية لها، وفي مقدمها "حزب الله". وتجلت مظاهر الابتهاج بذلك في لبنان عبر استعراض انتخاب جزء من النازحين السوريين للأسد في السفارة السورية، التي استدرجت ردود فعل ميدانية من أنصار حزب "القوات اللبنانية" في المناطق المسيحية التي عبرتها تلك الاستعراضات، إذ جرى التعرض لها بالضرب وتكسير زجاج السيارات التي حملت صور الأسد، وتلاها ما قام به "الحزب السوري القومي الاجتماعي" الوثيق الارتباط بالقيادة السورية، في شارع الحمراء التجاري في قلب العاصمة بيروت، حيث أقام ما يشبه العرض العسكري، ولكن من دون سلاح.

وتأمل "قوى 8 آذار" أن يؤدي هذا التطور المدعوم من الجانب الروسي إلى انفتاح الحكومة المقبلة برئاسة الحريري في حال نجاح جهود ووساطات تأليفها على دمشق قياساً إلى رفض الحريري هذا الخيار سابقاً. وتعتمد هذه المراهنة على الانفتاح السعودي - الخليجي على الأسد لتشجيع سعد على تعديل موقفه.

القراءة المقابلة: إيران تمهد لتنازلات

وفي مقابل تقديرات فريق "الممانعة" لعوامل تقدم نفوذه، يدعو المحللون المقربون من "قوى 14 آذار" وبعض رموزها إلى عدم استعجال الاستنتاجات من المسرح الإقليمي. وتفيد قراءات هؤلاء بأن التقدم في مفاوضات فيينا لإعادة طهران إلى التزام القيود على برنامجها النووي يعني أنها ستقدم تنازلات في هذا المضمار كي تُرفع عنها العقوبات التي أنهكت اقتصادها كما لم يسبق له مثيل، وأن قبولها المبدئي ببحث برنامجها الصاروخي الباليستي ونفوذها الإقليمي في مرحلة لاحقة يعني أنها سلّمت بأمرين كانت ترفض بقوة البحث فيهما.

وفي رأي أصحاب القراءة المضادة لاستنتاجات مؤيدي محور الممانعة أن طهران تحاول استباق مناقشة دورها الإقليمي بالانفتاح على بعض الدول الخليجية، ومن هنا اللقاءات التي بدأت بينها وبين الجانب السعودي في بغداد مطلع أبريل (نيسان) الماضي، والتي تبحث بحذر خطوات الجانب الإيراني في تخفيف التوتر في مرحلة استكشافية لنيات طهران.

ويلفت هؤلاء إلى أن القصف الصاروخي وعبر الطائرات المسيرة للمدن والمناطق السعودية المأهولة، وللمنشآت النفطية والمطارات، توقف منذ أسابيع نتيجة هذه الاجتماعات، مما يعني أن الجانب الإيراني يتراجع عن خطوات تصعيدية كان يمارسها عبر الميليشيات الحوثية، في انتظار اتضاح نتائج اللقاءات الثنائية بالتناغم مع التطورات الإقليمية ومصير حرب اليمن.

أما في شأن نتائج حرب غزة، فإن الفرقاء الذين يخالفون قراءة قوى محور الممانعة يعتبرون أنه من المبكر الاستنتاج بحصول "انتصار" لهذا المحور لأسباب عدة، منها أن العامل السياسي الأهم الذي أعطى المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية بعداً جديداً، هو الهبّة الفلسطينية العارمة نصرة للقدس ومنعاً لمزيد من إجراءات تهويدها ولتهجير أهالي منطقة الشيخ جراح، التي شملت الضفة الغربية وأجزاءها المحتلة، وأراضي 1948 التي هزّت الكيان الإسرائيلي في العمق، بقدر الصواريخ التي أطلقتها "حماس".

وعلى الرغم من الدعم الذي تلقاه الأخيرة من طهران، ومع استفادة الأخيرة من أن هذه الصواريخ شكلت انتقاماً إيرانياً من الضربات الإسرائيلية المتتالية (استهداف البرنامج النووي، والاغتيالات، وقصف المواقع الإيرانية في سوريا)، فإن هوية الصواريخ التي أطلقتها في العمق الإسرائيلي هي في نهاية المطاف أدت وظيفة فلسطينية في الصراع. كما أن التوظيف السياسي الإقليمي لنتائج الحرب ليس في متناول إيران وحدها، لأن دولاً عربية عدة معنية بما بعد حرب غزة، وفي طليعتها مصر.

كما أن "حزب الله" حاذر القيام بأي حركة انطلاقاً من لبنان، لأن جمهوره في ظل الأزمة الكبرى التي يعيشها البلد لا يحتمل أي رد فعل إسرائيلية مدمرة، حتى إن إطلاق صواريخ شاردة من الجنوب باتجاه إسرائيل خلال القصف على غزة من مناطق تحت سيطرته لم يجرؤ على تبنيها، وحين طلب من منظمات فلسطينية أن تعلن مسؤوليتها عنها رفضت ذلك، وامتنعت عن توريطها في عمل انطلاقاً من الأراضي اللبنانية.

وسواء صحت قراءة حلفاء المحور الإيراني أم خصومه لارتباط حسابات القوى المحلية بالوضع الإقليمي وتأثيره على الأزمة الحكومية أم لا، فإن الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة عن هذه الأحجية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير