Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رياح التوتر تعصف بالتبادل التجاري بين الرباط ومدريد

انتشار دعوات لمقاطعة المنتجات الإسبانية في الصفحات المغربية على مواقع التواصل الاجتماعي

لا طالما اتسمت العلاقات بين المغرب وإسبانيا بحركة من المد والجزر (أ ف ب)

لم تتأخر المغرب في اكتشاف مسألة دخول زعيم "جبهة بوليساريو" إبراهيم غالي الأراضي الإسبانية للعلاج بهوية وجواز سفر مزورَين. وعلى الرغم أن مدريد بررت ذلك بوجود دوافع إنسانية فإن الرباط رفضت ذلك، معتبرة أن "إنصاف ضحاياه ممَن رفعوا شكاوى التعذيب ضده تشكل دوافع إنسانية أقوى".
في موازاة ذلك، وفي تطور مفاجئ تسلل إلى مدينة سبتة نحو 10 آلاف مهاجر سري من المغرب ودول أفريقيا جنوب الصحراء، الأمر الذي حرك الرأي العام الإسباني، بينما اعتبر مسؤولون إسبان ذلك "ابتزازاً" يضر بمصالح بلدهم.
واعتبرت الرباط استقبال إسبانيا لزعيم البوليساريو، عدوها الأول، "ضرباً لكل مواثيق حسن الجوار والصداقة التي تجمع البلدين بل هو خرق للمواثيق الأمنية الدولية التي تفرض إلقاء القبض على كل المطلوبين للعدالة، بخاصة وأن بعض جرائم غالي ارتُكبت على الأراضي الإسبانية".
وتوالت ردود الأفعال، واستدعت الرباط سفيرتها في مدريد كريمة بنيعيش، مع الإعلان عن عدم عودتها إلى مزاولة عملها إلا بعد تصويب إسبانيا لأخطائها تجاه المغرب، وفق تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.

دعوات لمقاطعة المنتجات الإسبانية

وفي ظل استمرار التوتر بين البلدين الجارين، تعالت أصوات مطالبة بمقاطعة المغاربة للمنتجات الإسبانية، لإلحاق الضرر باقتصادها، على خلفية قضية استقبال إبراهيم غالي.
وشهدت منصات التواصل الاجتماعي ظهور وسوم من قبيل "أنا مقاطع للمنتَج الإسباني". واعتبر الإعلامي المغربي يونس دافقير أن "الجانب الاقتصادي أقصر طريق لإشعار مدريد بما اقترفته".

كذلك نشر الباحث المغربي في العلاقات الدولية مصطفى العسري، تدوينة دعا فيها إلى مقاطعة المنتجات الإسبانية، مذكراً بأن "50 في المئة من الصادرات الإسبانية نحو أفريقيا تمر عبر المغرب، لا سيما الصادرات التي تتوجه إلى غرب أفريقيا عبر معبر الكركرات". وأضاف العسري أن "المغرب ثالث شريك اقتصادي لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة والمكسيك".

وتصل قيمة صادرات إسبانيا نحو المغرب إلى 6.2 مليار يورو (نحو 7.6 مليار دولار)، في مقابل 6 مليارات يورو (نحو 7.3 مليار دولار) من الصادرات المغربية إلى إسبانيا.


التعاون الأمني

في سياق متصل، قال العسري إن "الاستخبارات المغربية التي فضحت وجود إبراهيم غالي تحت اسم بن بطوش في إسبانيا، سبق وأنقذت مدريد من حمامات دم متوالية بحسب وزير الدفاع الإسباني السابق".

وختم العسري موضحاً أن "مدريد خرقت العرف ومواثيق حسن الجوار المتفق عليها"، عازياً "تخبط المواقف الإسبانية إلى الصراع السياسي الداخلي في البلاد".
ولاقت الدعوات إلى المقاطعة تفاعلاً كبيراً ذهب جله في اتجاه التأييد، بل وحازت تغطية إعلامية مغربية وعربية لكنها ظلت على المستوى الشعبي ولم تنتقل إلى الجهات الرسمية بخاصة في ظل توجه مدريد نحو تلطيف الأجواء والتهدئة، بعد إعلان الحكومة الإسبانية تقديم إبراهيم غالي للمحاكمة مباشرة بعد استشفائه. 

تاريخ من المد والجزر 

وليست هذه أول مرة تتوتر فيها العلاقات بين الجارين الحذرين لأسباب تاريخية أو اقتصادية أو سياسية، فحتى الاجتماع بين الحكومتين الذي كان مقرراً في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي، أُجل أكثر من مرة بسبب ظروف الجائحة بحسب الرواية الرسمية، لكن مراقبين يرجعون ذلك إلى تباين المواقف بين البلدين في عدد من الملفات، بخاصة بعد خطوة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب الاعتراف بمغربية الصحراء الغربية، ما فسره البعض بالتقارب الأميركي - المغربي الذي يزعج إسبانيا.

وفيما لا تزال هناك مطالب تاريخية بضرورة اعتذار إسبانيا عن استخدام أسلحة كيماوية خلال حرب الريف، عاد مشاهير ومؤثرون مغاربة للدعوة إلى فتح ملف سبتة ومليلية والمطالبة باسترجاعهما.

مدريد أول شريك تجاري للرباط

وتشير آخر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية المغربية إلى أن إسبانيا أصبحت الشريك التجاري الأول للمغرب مند عام 2014 بحصة تبلغ 23.7 في المئة من صادراتها، والمورد الأول بحصة تبلغ 16.8 في المئة من وارداتها، لكن العجز التجاري لا يزال مستمراً لصالح إسبانيا بما قيمته 14.9 مليار درهم (نحو 1.6 مليار دولار) عام 2017، مقابل -6.3 مليار درهم (714 مليون دولار) عام 2010.

وقال الباحث في الاقتصاد الاجتماعي ناصر بن حميدوش إن "المبادلات التجارية بين البلدين شهدت طفرة كبيرة خلال العقدين الماضيين، إذ انتقل حجمها من 22.3 مليار درهم (نحو 2.5 مليار دولار) في عام 2000 إلى 56.9 مليار درهم (نحو 6.3 مليار دولار) عام 2010، لتقفز إلى 132.7 مليار درهم (14.9 مليار دولار) في عام 2017.

وبلغت وتيرة التقدم السنوي في المبادلات التجارية بين الجارين ما بين عامَي 2010 و2017، نسبة 11.5 في المئة.

صادرات مغربية نحو إسبانيا 

وارتفعت صادرات المغرب نحو إسبانيا بـ11.3 في المئة في 2017 مقارنة مع عام 2016، حيث تستورد 2.8 في المئة من صادراته العالمية. وشرح بن حميدوش أن "هذه الصادرات قفزت في تلك الفترة من 3.27 مليار يورو (4.5 مليار دولار) إلى 5.46 مليار يورو (نحو 6.5 مليار دولار)، إذ تمثل حصة إسبانيا من ضمن الصادرات الموجهة إلى دول الاتحاد الأوروبي 23.7 في المئة، وعلى رأسها الملابس المصنوعة، التي تمثل 23.9 في المئة من إجمالي مبيعات المغرب إسبانيا، بقيمة 5.8 مليار دولار تقريباً لسنة 2017، تليها الأسلاك وكابلات الكهرباء، التي استحوذت على 17.8 في المئة، بقيمة 1.2 مليار دولار في 2017 أيضاً، وحققت ارتفاعاً بنسبة 9.6 في المئة، مقارنة مع عام 2016".

وعلى مستوى السياحة، استقطبت المملكة المغربية 711 ألف سائح إسباني في 2017 شكلوا 12.1 في المئة من مجموع السياح الوافدين، وأسهموا في دفع 634.7 مليون دولار في المغرب.

أما مغاربة إسبانيا، فتجاوزت تحويلاتهم إلى المغرب566.7  مليون دولار، ما يجعل ذلك البلد في المرتبة الثالثة في تحويلات مغاربة الخارج، بعد فرنسا التي تحتل المرتبة الأولى وإيطاليا في المرتبة الثانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أهم صادرات إسبانيا نحو المغرب

وبخصوص واردات الرباط من مدريد، قال الخبير الاقتصادي بن حميدوش إنها "ارتفعت بنسبة 14.9 في المئة خلال عام 2017 لتصل إلى 73.8 مليار درهم (8.3 مليون دولار)". وأضاف أنه "إلى حدود عام 2020، أكثر من 20 ألف شركة إسبانية تصدر منتجاتها نحو المغرب، بينما تتمركز أكثر من 800 منها في البلاد وأكثر من 600 شركة تملك أسهماً في شركات مسجلة في المغرب".
أما بالنسبة إلى إسبانيا، فإن المغرب يُعتبر المورد رقم 11 والمستورد التاسع عالمياً، إذ بلغت حصته من صادراتها نحو العالم ما نسبته 2 في المئة في 2017، فيما شكلت 16.9 في المئة، من مجمل واردات المغرب من الاتحاد الأوروبي، وأهمها الغازوال وزيوت الوقود بنسبة 11.7 في المئة من إجمالي واردات عام 2017، تليها محركات السيارات وأجزاؤها الأخرى.

مَن الخاسر الأكبر؟

يرى خبراء أنه نظراً إلى تاريخ البلدين المدجج بالخلافات، فإن ما تشهده مواقفهما اليوم من تصعيد لن يصل إلى حد القطيعة الاقتصادية، بسبب أهمية كل طرف لدى الآخر.

وعلى الرغم من استبعاد ذلك، فإن قراءات تحليلية بدأت تطفو على السطح تتحدث عن تضرر مدريد بشكل أكبر، بالنظر إلى الخيارات البديلة المتاحة للمغرب بفضل موقعه الجغرافي، بخاصة في ظل الصراع الأميركي – الروسي - الصيني للتوغل في المنطقة من دون أن ننسى أن لإسبانيا حصة الأسد من اتفاقية الصيد البحري الموقعة بين المغرب والاتحاد الاوروبي وأن اقتصادها تضرر بـ30 مليون يورو (36 مليون دولار) في ثلاثة أشهر فقط من تجميد الاتفاقية قبل إعادة تفعيلها.

وختم الباحث في الاقتصاد الاجتماعي ناصر بن حميدوش بالقول إن "المغرب سيكون مطالباً بمضاعفة جهوده لتطوير اقتصاده وتعبئة مزيد من الرافعات لجذب الرساميل والتحول إلى منصة لوجستية للتبادل التجاري بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب، إذ يملك عناصر قوة مهمة يجب تطويرها واستثمارها، من بينها الموقع الجغرافي، البنوك، التأمين، الموانئ، المطارات، الطرق وموارد بشرية مؤهلة".