Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل سمح المغرب بـ"غزو" سبتة ردا على استقبال إسبانيا زعيم "البوليساريو"؟

شبه البعض ما عرفته المدينة بـ"المسيرة الخضراء" التي تمكنت الرباط من خلالها من تحرير منطقة الصحراء

يبدو أن مسلسل الانتكاسات التي تعيشها العلاقات المغربية - الإسبانية لا يزال مستمراً... فبعد الأزمة التي تسبب فيها استقبال إسبانيا زعيم جبهة "البوليساريو" "لأسباب إنسانية" بهدف العلاج من الإصابة بفيروس كورونا، شهدت مدينة سبتة الخاضعة للسيادة الإسبانية هجرة جماعية لآلاف المغاربة في يوم واحد، وذلك في غياب تام لقوات الأمن، ما أثار غضب سلطات مدريد.

تحركات دبلوماسية وميدانية

استدعت الخارجية الإسبانية سفيرة المغرب في مدريد، كريمة بني عيش، للتشاور بخصوص حدث تدفق آلاف المهاجرين إلى مدينة سبتة، فيما ردت السلطات المغربية باستدعاء سفيرتها للتشاور. وكانت بني عيش قد صرحت بأنه "في العلاقات بين الدول هناك أفعال لها عواقب ويجب افتراضها"، إشارة منها إلى استقبال السلطات الإسبانية لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، معتبرة أن هناك مواقف لا يمكن قبولها، وأن العلاقات بين دول الجوار يجب أن تقوم على الثقة المتبادلة التي يجب العمل عليها ورعايتها.

في حين رحلت سلطات مدينة سبتة ما يناهز 1500 مهاجر ممن دخلوا المدينة، الإثنين 17 مايو (أيار) نحو الأراضي المغربية، بحسب الداخلية الإسبانية التي أكد وزيرها فرناندو غراندي مارلاسكا، أن بلاده ستعيد كل الذين دخلوا إلى سبتة بطريقة غير قانونية، معلناً إرسال 200 جندي و150 من ضباط الشرطة الوطنية و50 من الحرس المدني إلى المدينة، قصد استكمال مجموع 1100 موظف سيعملون هناك بشكل منتظم.

المعاملة بالمثل

وقام عدد هائل من المغاربة من رجال ونساء وأطفال، الإثنين، بأكبر عملية هجرة جماعية في تاريخ الهجرة السرية من المغرب إلى الأراضي الإسبانية، لدرجة اعتبر فيها الشارع المغربي أن الرباط سمحت بهجرة الأهالي لمدينة سبتة لأسباب إنسانية، وذلك رداً على استقبال إسبانيا زعيم جهة "البوليساريو"، المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق صحراويين وإسبان، بـ"دواع إنسانية". وعلى الرغم من نفي السلطات المغربية هذا الأمر، فإن تلك الفكرة أخذت مداها في الداخل المغربي، وهو ما يتماشى مع التوجه الجديد الذي شرعت فيه السلطات منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء. وعمل المغرب منذ ذلك على اعتماد البراغماتية والمعاملة بالند في سياسته الخارجية، خصوصاً تجاه الدول الأوربية، نظراً لعدم حسم موقفها من قضية الصحراء، بحسب تصوره.

من جانبه، اعتبر الناشط السياسي المغربي، خالد أشيبان، أن  "المغرب لا يعمل عند أي دولة"، وبالتالي فإن العلاقات بين الدول يجب أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل والتعاون المشترك من الطرفين وليس من طرف واحد، لذلك فالمغرب يطمح لشراكة حقيقية مع الدول، ولن يقبل بأن يتم التعامل معه كـ"تابع ينفذ فقط ما يطلبه الآخرون منه".

"غزو" مدينة سبتة

شبه البعض ما عرفته مدينة سبتة بـ"المسيرة الخضراء" التي تمكن المغرب من خلالها من تحرير منطقة الصحراء، واعتبر الصحافي والكاتب الإسباني فرناندو أونيغا، بحسب إحدى الصحف المغربية، "أن زحف نحو خمسة آلاف شخص سباحة وبشكل غير قانوني صوب جيب سبتة، يشبه الغزو السلمي، ولا ينقص هؤلاء المهاجرون المغاربة إلا الأعلام وروح الغزو فقط لتذكر المسيرة الخضراء الملهمة التي وقعت عام 1975"، معتبراً أن أزمة الهجرة ووصول أعداد كبيرة من المهاجرين إلى سبتة، يمكن اعتباره تحذيراً من المغرب بشأن تأثيره لزعزعة استقرار سبتة متى شاء.

وأشار الكاتب الإسباني إلى "أنه يكفي أن يخبر المغرب رجال شرطته بالسماح للمهاجرين، وتسهيل عملية المرور، حتى يصل المغاربة وجميع المهاجرين عبر الجبال والطرق إلى تراجال، وكما يقال فإن هناك حافلات مجانية للنقل إلى سبتة، وبالأمس كان هناك خمسة آلاف شخص، واليوم لا أحد يحد من سيل الفيضانات، إنه غزو سلمي". ويرى أونيغا أن "ما وقع هو عمل محسوب، لا سيما بعد أن استقبلت إسبانيا إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو"، مشيراً إلى أن "المغرب يحذر بذلك جارته الشمالية من المدى الذي يمكن أن يذهب إليه ضغطه مع المناورة السهلة المتمثلة في فتح اليد للهجرة، الخاصة بها وتلك الخاصة بالدول الأفريقية الأخرى".

من جانبه، علق المتخصص في المجال الدبلوماسي، سمير بنيس، على هذه المسألة قائلاً، "لم ترقني بأي شكل من الأشكال الطريقة التي تعاملت من خلالها السلطات المغربية مع مسألة غض النظر عن دخول المغاربة وأفارقة جنوب الصحراء إلى مدينة سبتة"، معتبراً أنه "كان بالإمكان توجيه رسالة أقوى لإسبانيا من دون إعطاء تلك الصورة السلبية عن المغرب ودون السماح للقاصرين لدخول مدينة سبتة المحتلة، أظن أن الطريقة لم تكن هي الأنسب وكان بالإمكان تفادي تلك الصورة".

أسباب الهجرة

وبعد ما كانت المناطق المغربية المجاورة لمدينة سبتة تعيش على تجارة السلع المهربة من تلك المدينة، تسبب إغلاق السلطات المغربية لمعبر باب سبتة الحدودي، خلال عام 2020، في إحداث ركود اقتصادي وسياحي لتلك المناطق، الأمر الذي دفع العديد من المغاربة، وبشكل خاص خلال الأشهر الأخيرة، إلى الهجرة سباحة نحو تلك المدينة، بحثاً عن أوضاع اقتصادية واجتماعية أفضل.

وخلص خالد أشيبان إلى أنه بعيداً عن الخلافات بين المغرب وإسبانيا، فإن القابلية التي يبديها الشباب المغربي، ومنهم مراهقون، لترك البلد كلما سنحت الفرصة، يؤكد وجود خلل في السياسات العمومية الموجهة للشباب (التعليم، التشغيل، الترفيه...)، مؤكداً أن "ذلك ليس بالأمر الجديد، لأن كل التقارير الصادرة عن المؤسسات الرسمية تؤكد ذلك منذ سنوات. ويكفي هنا أن نذكر بأن أكثر من 300 ألف تلميذ تركوا المدارس سنة 2020، بحسب الأرقام الرسمية، وبأن معدلات البطالة وسط الشباب بلغت مستويات قياسية وخصوصاً في المجال الحضري".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يخص عدم تمكن جهود المغرب بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في الحد من الهجرة غير الشرعية، أكد أشيبان أن "المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي، والمطلوب هو مقاربة تنموية توفر حياة كريمة للناس في بلدانهم لكي لا يضطروا للبحث عنها في الخارج"، معتبراً أن الدول الأوروبية تتحمل، تاريخياً، جزءاً من مسؤولية الأوضاع في دول الجنوب، وما زالت تتعامل معها بنبرة استعلائية.

وأضاف أن "المطلوب اليوم هو رفع اليد عن ثروات دول الجنوب لتتمكن تلك الدول من تحقيق تنمية حقيقية يستفيد منها مواطنوها، واعتبارها شريكاً وليس ملحقات للدول العظمى".

موقف حكومي

وفي تعليقه على الموضوع، أشار وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان في الحكومة المغربية، مصطفى الرميد، إلى أن "إقبال دولة إسبانيا على استقبال رئيس جماعة البوليساريو المسلحة، وإيواءه في أحد مستشفياتها بهوية مزورة، ومن دون اعتبار لحسن الجوار الذي يوجب التنسيق والتشاور، أو على الأقل الإخبار في مثل هذه الأحوال، فإنه إجراء متهور غير مسؤول وغير مقبول إطلاقاً"، سائلاً عما كانت تنتظر إسبانيا من المغرب، وهو يرى أن جارته تأوي مسؤولاً عن جماعة تحمل السلاح ضدها؟

واعتبر الوزير المغربي أن "إسبانيا فضلت علاقتها مع جماعة البوليساريو وحاضنتها الجزائر على حساب علاقتها بالمغرب"، مؤكداً أن الرباط التي ضحت كثيراً من أجل حسن الجوار، ينبغي أن تكون محل عناية كلتا الدولتين الجارتين، ومحط حرصهما الشديد على الرقي بها.

وتابع الرميد بما أن إسبانيا لم تفعل ذلك، "فقد كان من حق المغرب أن يمد رجله، لتعرف إسبانيا حجم معاناة المغرب من أجل حسن الجوار، وثمن ذلك، وتعرف أيضاً أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جداً، فتراجع نفسها وسياستها وعلاقاتها، وتحسب لجارها المغرب ما ينبغي أن يحسب له، وتحترم حقوقه عليها، كما يرعى حقوقها عليه".

إصرار على تكرار محاولة الهجرة إلى سبتة

وفي هذا الإطار، يؤكد أسامة (17 عاماً) أنه سيكرر محاولة الوصول إلى سبتة "في أول فرصة"، وذلك بعد لحظات قليلة من إعادته من الجيب الإسباني إلى الفنيدق الحدودية في المغرب مع الآلاف غيره من المهاجرين.

ويلتقط الشاب المنقطع عن الدراسة والعاطل عن العمل أنفاسه ويقول بتصميم، "أتمنى أن أنجح في العودة الليلة، أحب بلادي لكنني لا أستطيع العيش من دون مورد رزق".

بالقرب منه، العشرات من المهاجرين من أعمار مختلفة بينهم نساء برفقة أطفالهن، وقفوا على الطريق الرئيس المعبد الذي يقع عليه معبر الفنيدق.

وأعلنت وزارة الداخلية الإسبانية أن ثمانية آلاف شخص وصلوا من المغرب إلى سبتة بطريقة غير قانونية منذ الإثنين، وتمت إعادة أكثر من نصفهم.

وتنتشر قوات الأمن المغربية التي عززت وجودها في المنطقة منذ صباح الثلاثاء على طول الممر المؤدي للبوابة الحدودية.

إلى جانب العائدين بالعشرات من الساعين إلى الهجرة، وأغلبهم مغاربة، أمضوا الليل في العراء في محيط المعبر الحدودي في انتظار فرصة للعبور إلى الجانب الآخر، وفق ما قال عدد منهم، صباح الأربعاء، لوكالة الصحافة الفرنسية.

بين وقت وآخر، يحاول البعض اختراق فتحة في سياج محاذ للشاطئ بهدف النزول في المياه والسباحة مسافة قصيرة حتى الوصول إلى شاطئ سبتة. لكن قوات الأمن كانت تتدخل لثنيهم عن ذلك.

خلال الليل، عمدت مجموعات على رشق سيارات قوات الأمن بالحجارة. وطاردت عناصر الأمن هؤلاء لنحو ساعتين.

ظروف معيشية صعبة

وأسهمت مقاطع فيديو نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منذ الإثنين، مشيرة إلى أن الطريق إلى سبتة "مفتوحة"، في تدفق الراغبين بمغادرة المغرب إلى الفنيدق، هرباً من ظروف معيشية صعبة وأملاً بمستقبل أفضل. وبين هؤلاء مجموعات من المتحدرين من أفريقيا جنوب الصحراء، أتوا من مدن مجاورة أو حتى من الدار البيضاء البعيدة أكثر من 400 كيلومتر جنوباً نحو طنجة، وفق شهادات عدة.

وتحدث العديد من المرحلين لوكالة الصحافة الفرنسية عن "اليأس" الذي يدفعهم إلى هذه المغامرة، وقال كثيرون ممن تسللوا فجر الثلاثاء عبر طرق موازية للمعبر، إنهم تعرضوا لغازات مسيلة للدموع من جانب قوات الأمن الإسبانية، إلا أن معظمهم أكدوا إصرارهم تكرار المحاولة في أقرب فرصة.

وتوفي شخص غرقاً أثناء محاولته العبور إلى سبتة. عند مدخل الطريق المؤدي للمعبر الحدودي، تصطف سيارات أجرة لنقل الراغبين من العائدين من سبتة إلى منازلهم.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات