Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان "كان" يفرج عن فيلم "بينيديتّا" الذي ينتظره العالم

المخرج بول فرهوفن يدخل أحد الأديرة في ظل تفشي الطاعون في القرن الـ17

من أجواء فيلم "بنيديتّا" الذي سيعرض في "كان" (الخدمة الإعلامية للفيلم)

بعد انتظار دام سنوات، تم الكشف أخيراً عن الإعلان الترويجي لـ"بينيديتّا"؛ الفيلم الذي سيعيد المخرج الهولندي بول فرهوفن إلى مهرجان "كان" السينمائي، من 6 - 17 يوليو (تموز)... أربع سنوات بعد عرض "هي"، وبعد أكثر من ربع قرن على الفيلم الفضائحي "غريزة أساسية"، الذي شارك في المهرجان نفسه، محدثاً ضجة كبيرة.  

"بينيديتّا" كان جاهزاً العام الماضي، لكن إلغاء الدورة الماضية بصيغتها الحضورية المعروفة، حال دون مشاركته في المسابقة. ولم يرد القائمون على الفيلم أن يتم اختياره ضمن العروض الرمزية للمهرجان، كما فعل سينمائيون آخرون لانعدام الخيارات أمامهم، فقرروا الانتظار أكثر من عام كي يتحقق طموحهم: صعود سلالم المهرجان الحمراء مع مولودهم الجديد والإصرار على الوجود في تظاهرة سينمائية حقيقية مع جمهور حقيقي وصحافة حقيقية، وكل ما يعطي للوجود في "كان" سحره الخاص الذي لا تنافسه عليه أي تظاهرة أخرى. 

مع "بينيديتّا"، الذي تلعب بطولته الممثلة البلجيكية فيرجيني إيفيرا (إنتاج الفرنسي من أصل تونسي سعيد بن سعيد في ثاني تعاون مع فرهوفن)، أصبح واضحاً أننا أمام فيلم سيسيل الكثير من الحبر، وسيحدث ضجة إعلامية مرتقبة، من ذلك الصنف الذي لطالما سعى إليه مهرجان "كان"، لا بل افتعله في بعض الأحيان. ذلك أنه يجمع بين موضوعين فضائحيين إلى حد ما: المسيحية والجنس. وقد لا يشكل طرح كل موضوع من هذين الموضوعين على حدة أي مشكلة في أوروبا العلمانية المعاصرة، لكن ما إن اجتمعا في فيلم واحد حتى تولدت ردود فعل مستنكرة ومستهجنة.

إضطرابات نفسية

يروي "بينيديتّا" الحكاية الآتية: مع انتشار الطاعون في أنحاء إيطاليا خلال القرن السابع عشر، تلتحق الشابة بينيديتّا كارليني بدير بيسكيا في توسكانا. منذ سن مبكرة، تتمكن من صنع المعجزات، حتى إن وجودها في مجتمعها الجديد سيغير الكثير من الأشياء في حياة الراهبات المحيطات بها، لكن بينيديتّا تعاني أيضاً رؤى دينية معينة تعود وتتكرر في ذهنها لتحدث اضطرابات عميقة في نفسها. راهبة زميلة لها تساعدها في تخطي معاناتها، إلا أن العلاقة بينهما تتطور لتصبح علاقة حب رومانسية محرمة.

عندما كتبت الروائية الأميركية جوديث براون الرواية التي اقتبس الفيلم عنها، لم تلجأ إلى مخيلتها، بل نبشت في معطيات تاريخية. فالراهبة الكاثوليكية بينيديتّا كارليني التي أضحت في ما بعد رمزاً للنسوية شخصية تاريخية عاشت في القرن السابع عشر (1591-1661)، واشتهرت بمثليتها في فترة "الإصلاح المضاد" الذي كان قائماً في القارة العجوز. ترأست ديراً، لكن علاقتها الغرامية بالراهبة بارتوليما، قلبت حياتها رأساً على عقب. وبعد اختيارها من الكنيسة لتطويبها قديسة، اكتشفت الأخيرة علاقتها المحرمة، فتم توقيفها والتجريد من رتبتها واتهامها بالمثلية الجنسية وسجنها. 

نشأت بينيديتّا في عائلة إيطالية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة تمكنت من تأمين مكان لها في دير "والدة الإله" في بيسكيا. في الثلاثين من عمرها أصبحت رئيسة للدير، لكن سرعان ما وقعت ضحية سلسلة من الكوابيس بحيث بدأت ترى رجالاً يحاولون قتلها. ومن وقوعها في فخ الشر، أقدمت زميلاتها الراهبات على حبس الأخت بارتوليما في زنزانتها، الأمر الذي ساهم في توقف هذه الكوابيس، إلا أن رؤى من نوع آخر، بدأت تلوح في الأفق. الحادثة لفتت الحبر الأعظم الذي كان ضد إدخال الإصلاح إلى الكنيسة، بل كان مصمماً على إخضاع الصوفيين الذين يظهر لديهم ميول روحانية مستقلة عن تعاليم الكنيسة، بيد أن ما أثار سخط المراجع العليا في الكنيسة هو اكتشاف العلاقة بين الراهبتين، ولكن، بحسب جوديث براون، قد لا تكون المثلية هي التي أدت إلى سقوطها المدوي وإدانتها. فأنانيتها التي دفعتها إلى التلاعب بالكثير من الراهبات في الدير اضطلعت بدور سلبي في تبرئتها من التهم المنسوبة إليها. ونتيجة ذلك، زجت في السجن لمدة أربعين عاماً. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق بانتظار اكتشاف تفاصيل الفيلم: أي وجهة نظر سيتبناها فرهوفن في مقاربته لسيرة الراهبة؟ هل سيصورها باعتبارها ضحية أو بطلة، قديسة أو مجرد إنسان كسائر البشر؟ 

لا مساومة

في أي حال، المطلع على السيرة السينمائية لفرهوفن لن يتفاجأ لماذا اختار المخرج الثمانيني موضوعاً جدلياً كهذا، فهو عرف بشغبه الجميل ورفضه الصوابية السياسية في عدد من الأفلام التي أوصلته من وطنه إلى هوليوود، ثم إلى فرنسا، بعد انتكاسات سينمائية عدة كان أشهرها "فتيات الاستعراض" (1995)، الذي تعرض لهجمة كبيرة من قبل المحافظين في أميركا التي تتبنى الكثير من الأفكار الطهرانية، قبل أن ينتهي بفشل جماهيري غير مسبوق في الصالات.

فرهوفن سينمائي جريء لا يساوم في أطروحاته. لا يبحث بالضرورة عن الجدل والفضيحة، ولكنه لا يتوانى عن استدراج مواضيع إشكالية يقاربها دائماً من زوايا جديدة. ففي فيلمه ما قبل الأخير، "هي"، الذي اقتبسه من رواية لفيليب دجيان بعنوان "أوه..."، سيدة ستينية تتعرض للاغتصاب في بداية الفيلم، إلا أن الحدث يأخد منحى مختلفاً عما نتوقعه ونراه عادة في الأفلام، مع "المتعة" التي تجدها هذه الشخصية التي تجسدها إيزابيل أوبير في محنتها، حد أنها ترفض رفضاً قاطعاً الخضوع للإجراءات القانونية ورفع شكوى عند الشرطة. كل شيء في "هي" برائحة الكبريت المشتعل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من تجاوزه الثمانين، يبدو أن فرهوفن لم يمل الاستفزاز الذي كان دائماً على موعد معه في أفلام مثل "ستارشيب تروبرز"، و"فتيات الاستعراض"، و"الرجل غير المرئي"، و"غريزة أساسية"، وفي الفيلم الأخير أطلق شارون ستون رمزاً للجنس والشهوة، لكن مغادرته هوليوود أدخلته في جو سينمائي جديد بعد عودته إلى حضن السينما الأوروبية. وعندما قرر إنجاز "هي"، كان ينوي (بطلب من المنتج سعيد بن سعيد) تصويره في أميركا، بيد أنه لم يجد ممثلة أميركية تقبل بتجسيد الشخصية النسائية التي لا تخرج عن المألوف فحسب، بل تذهب بعيداً في فرض منطق خاص بها. شخصية كهذه أميركا لم تكن جاهزة لها.

فرهوفن يصور كل شيء بلا أي مقاربة أخلاقية للموضوع، الأمر الذي أثار حفيظة حراس الأخلاق الحميدة الذين يبحثون عن "درس" في كل شيء. إلا أن الدروس لسوء حظهم لا يحبها السينمائيون الكبار! فرهوفن من أنصار سينما منحرفة، تقول كلمتها وتمشي، لا تشرح ولا تعلن موقفاً، ولا تدين ولا تبرر، ولا شيء آخر من كل الذي يرتكبه بعض السينمات التجارية. معه، لا يمكن توقع أقل من فيلم يجاري صيغته الفنية المفضلة من جنس وعنف ومشاعر مكبوتة مطعمة بالكثير من البسيكولوجيا. أما النساء فلهن حصة الأسد في أفلامه: شارون ستون في "غريزة أساسية"، وإيزابيل أوبير في "هي"، والآن فيرجيني إيفيرا في "بينيديتّا"، الممثلة التي أبدعت في عدد من أدوارها الأخيرة، قبل أن تقف أمام كاميرا المعلم في عمل سينمائي أقل ما يقال فيه أنه سيكون صادماً.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما