Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهرجان كان: من هو المخرّب الذي سيفتتح دورة ما بعد كورونا؟ 

المخرج الفرنسي ليوس كاراكس يعود إلى الواجهة متجاوزاً الثوابت السينمائية

الممثلة الفرنسية جولييت بينوش في فيلم كاراكس "دم فاسد" (الخدمة الإعلامية للفيلم)

مهرجان كان سيُقام هذا الصيف. الخبر بات مؤكداً، إلا إذا حال إمر طارئ من دون حدوثه. هذا ما أعلنته ادارة المهرجان السينمائي الأشهر في العالم قبل أيام، فاتحة باب طلب الاعتماد للصحافيين الذين يرغبون في تغطية الدورة الـ 74، بعد عام كان توقف فيه بسبب تفشي وباء كورونا وعدم قدرة المنظمين على تجاوز الظروف المرتبطة بالجائحة، يضرب المجتمع السينمائي موعداً جديداً مع الفن السابع: 6 -17 يوليو (تموز) المقبل.

شدد المدير الفني تييري فريمو في حديث إذاعي معه بأن انعقاد المهرجان مشترط باعادة افتتاح الصالات الفرنسية، ولا يمكن تنظيم أي مهرجان من دونها. وها إن السلطات أعطت أخيراً الضوء الأخضر للصالات كي تعود إلى نشاطها اعتباراً من الـ 19 من الشهر الحالي، بعد ستة أشهر تقريباً من الإقفال القصري. إذاً لم يعد هناك أي عائق أمام المهرجان كي يُعقد في الصيف المقبل، مع الالتزام بجملة إجراءات وقائية، منها التباعد الاجتماعي، علماً أن كل من يعرف مدينة كان جيداً وزارها مراراً وانخرط في أجواء مهرجانها الجنونية، لن يفهم كيف يمكن فرض التباعد الاجتماعي. فالبشر منتشرون في كل مكان، في الصالات، على شارع الكروازيت الشهير، وداخل أروقة القصر.  

أعلن المهرجان عن الفيلم الذي سيفتتح الدورة القادمة لإعطاء المزيد من الصدقية للقرار المتخذ، فوقع الخيار في هذه الدورة على "أنيت" للمخرج الفرنسي الكبير ليوس كاراكس، البالغ من العمر 60 عاماً، وهو سينمائي مقل لم يقدم سوى ستة أفلام طويلة طوال 40 عاماً من الاشتغال البصري. بيد أنها أفلام لا مثيل لها في المشهد السينمائي الفرنسي، يتعذر تصنيفها، نصوص طموحة تتسم بالغرابة والرغبة في تعطيل الثوابت المعمول فيها سينمائياً. 

ميوزيكال بالإنجليزية

جديد كاراكس من النوع الميوزيكال، يدور حول فنان كوميدي (آدم درايفر) وزوجته مغنية الأوبرا الشهيرة (ماريون كوتيار). كل شيء يسير بشكل طبيعي في حياتهما، حتى موعد ولادة ابنتهما أنيت التي يبدو أنها تملك موهبة استثنائية. هذا أول شريط ناطق بالإنجليزية لمخرج فرنسي بدأ حياته المهنية بفيلم قصير في العام 1980 يوم كان في الـ 20. لم يمر أكثر من أربع سنوات على انطلاقته قبل أن يتحفنا بباكورته الروائية الطويلة "الشبان يلتقون البنات"، حين تعاون للمرة الأولى مع دوني لافان، الممثل الذي كان سيتحول لاحقاً إلى علامة فارقة في أفلامه، من خلال حضوره الدائم فيها. الحكاية عن مخرج سينمائي مكتئب وطموح يقع في حب شابة لديها ميول انتحارية. كلاهما تخلى عنهما حبيبهما ولا يتأقلمان مع وضعهما الجديد. يجتمعان عبر نظام اتصال داخلي في مبنى سكني. ذات يوم يراها جالسة في جانب نهر السين. يلتقيان أخيراً وجهاً لوجه في حفلة أنيقة فيبدآن بمحادثة طويلة وغريبة. يتبدى جلياً أن التشابه بينهما كبير، وهذا لن يمنع من أن تنتهي قصتهما بالتراجيديا. عُرض الفيلم في مهرجان كان ونال جائزة الشباب. 

في هذه المرحلة من حياته، كان لا يزال كاراكس يعمل كثيراً وبوتيرة متسارعة. فبعد انطلاقته المدوية، عاد وقدم الفيلم الذي كان سيكرسه نهائياً ويضعه في مرتبة كبار السينما الفرنسية، وذلك بلغة سينمائية جديدة وأجواء تشي بعبقرية ما. الفيلم المقصود هو "دم فاسد"، وهذه المرة ذهب به كاراكس إلى مهرجان برلين، كما أنه فاز عنه بجائزة لوي دولوك المهيبة. العنوان إشارة إلى قصيدة لأرتور رامبو من ديوان شعره "موسم في الجحيم". في هذا الفيلم أعطى كاراكس جولييت بينوش واحداً من أول أدوارها، فوقفت يومها أمام العملاق ميشال بيكولي بكل ثقة. تجري الأحداث في سياق مقلق، إذ ينتشر مرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي في جميع أنحاء البلاد، مرض ينتشر عن طريق ممارسة الجنس من دون شعور عاطفي، ومعظم ضحاياه هم من المراهقين الذين يمارسون الحب بدافع الفضول. توظف سيدة رجلين لسرقة المصل المحتجز في مبنى حكومي لا يمكن الوصول إليه.

سارقة الأضواء

جولييت بينوش التي سرقت الأضواء في "دم فاسد" أضحت أيضاً بطلة فيلمه التالي، "عشاق جسر نوف" الذي لم يكن أي فيلم، بل مشروعاً ضخماً كاد أن يقضي عليه. شهد التصوير عدداً كبيراً من المشكلات، بدءاً من تعرض الممثل دوني لافان لحادثة، الأمر الذي جعل التصوير يتوقف شهراً كاملاً، وصولاً إلى صراعات بين كاراكس والمنتجين بسبب تجاوزات في الموازنة. في النهاية، خرج الفيلم إلى النور وفاز بآراء متباينة بين من اعتبره تحفة ومن هاجمه. لكن، اليوم، بعد مرور ثلاثة عقود عليه، يمكن النظر إليه كتجربة خاصة جداً في السينما الفرنسية. مرة أخرى يروي كاراكس أكثر الأشياء التي تعز عليه: قصة حب. الحكاية عن أليكس (لافان) الذي يعيش على جسر نوف الباريسي مع رفيقه هانز. تأخد حياتهما منحى جديداً مع وصول ميشيل (جولييت بينوش). يكتشف الحب في حضنها الدافئ معاً، سيعيشون ويضحكون ويشربون ويرقصون على إيقاع الأوركسترا الباريسية وتحت أضواء إحياء الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية.

فيلم كاراكس الرابع، "بولا اكس"، بعد ثمانية أعوام على رائعته "عشاق جسر نوف"، عُرض في مهرجان كان ولم يتلق التجاوب المنتظر. فيلم صعب بالمفهوم التجاري مشغول بمكنونات النفس البشرية، مقتبس من رواية "بيار والالتباسات" لهرمان ملفيل المنشور عام 1852. بيار (غيوم دوبارديو) كاتب ناجح يعيش في نورماندي مع أخته ماري التي تخبره ذات يوم أنها حددت له موعد زواجها من خطيبته لوسي. يذهب بيار ليعلن البشارة لخطيبته، لكنه وهو في طريقه إليها يتعرف على إيزابيل التي يتبين لاحقاً أنها أخته غير الشقيقة. 

بعد هذا الفيلم والفشل الجماهيري الذي تعرض له، دخل كاراكس في صمت سينمائي طويل دام 13 سنة. هذا الفاصل الزمني هو الأطول في حياته. وفجأة، عاد مع "هولي موتورز" (2013)! شاعر الكاميرا الملعون غاب دهراً وعودته إلى حضن السينما كانت منتظرة بالتأكيد. دائماً مع ذاته الأخرى دوني لافان في دور البطولة. مرة أخرى، لم ينل الابن المخرب للسينما الفرنسية الإجماع، لكنه مع ذلك كان الوجه الأحب لتلك الدورة من مهرجان كان التي عرضت الفيلم وسط ذهول بعض النقاد. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"هولي موتورز" شيء أشبه بثورة بصرية فكرية وفنية. تسع شخصيات يتقمصها السيد أوسكار (لافان) في الفيلم. يمضي وقته يلبس قميص هذا وينزع بنطلون ذاك. ليموزين بيضاء تقوده من مكان في العاصمة إلى آخر بهدف الذهاب إلى ما يسميه مواعيد. هذا فيلم يحفل بالإحالات على أفلام كثيرة، منها أفلام لكاراكس نفسه، التي شهدت دائماً مخاضات صعبة: جسر النوف بادٍ في مطلع الفيلم، وهناك الكثير والكثير مما يشي بأننا أمام فيلم وفي داخله، أو حتى في شرايينه. إنه تحية خالصة إلى فن الشاشة. 

اليوم يعود ليوس كاراكس بفيلم ناطق بالإنجليزية. إعلانه الترويجي الذي نُشر قبل أيام يشي بعمل واعد سيرفع من مستوى انتظارنا لمهرجان كان المقبل. أما في ما يخص خيار اللغة، فلا بد من استعادة الرسالة التي وجهها المخرج لجمعية نقاد لوس أنجليس عند استلامه جائزة أفضل فيلم أجنبي عن "هولي موتورز" والتي تلخص فكره: "تحية، أنا ليوس كاراكس، مخرج أفلام أجنبية. أنجزتُ الأفلام الأجنبية طوال حياتي. طبعاً، الأفلام الأجنبية تُصنع في كل مكان إلا في أميركا. في أميركا، يصنعون الأفلام غير الأجنبية فقط. من الصعب انجاز الأفلام الأجنبية لأنها تحتاج إلى ابتكار لغة أجنبية، بدلاً من اللغة السائدة. ولكن في الحقيقة، السينما هي لغة أجنبية، لغة ابتُكرت للذين يحبون السفر إلى الضفة الأخرى للحياة".

اقرأ المزيد

المزيد من سينما