Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نتفليكس من رفضها في "مهرجان كان" إلى هيمنتها على الأوسكار هذا العام

كيف تحولت عملاقة البث التدفقي من منبوذة مكروهة في قطاع السينما إلى شركة مجازفة تحتضن الأعمال المثيرة وغير النمطية

سيطر فيلم "مانك" على ترشيحات الأوسكار فحصد عشراً منها (أ ب)

تبدو كأنها دخيلة مشكوك في دوافعها رفضت كبرى سلاسل الصالات السينمائية عرض أفلامها. وقد حظر "مهرجان كان" مشاركة إنتاجاتها. حدث تكبُّر واضح ضدها. ونُظر إليها على أنها شركة لتوصيل أقراص "دي في دي" عبر البريد عند الطلب أخذت حجماً أكبر من حجمها الحقيقي، ثم أعادت اختراع نفسها كخدمة بث على الإنترنت، وها إنها تحاول الآن التعدي على السجادة الحمراء المقدسة. لم يرغب في "نتفليكس" سوى قلة من الموجودين في صناعة الأفلام. وعندما تحدث تيد ساراندوس، كبير مسؤولي المحتوى في تلك المنصة الرقمية، أمام "مهرجان كان" 2015، قوطِعَ واتّهِمَ بـ"تدمير النظام الطبيعي لإنتاج الأفلام في أوروبا".

في المقابل، احتفى البعض في هوليوود بـ"نتفليكس" بوصفها "أعظم المفسدين"، لكن غالبية أخرى استنكرتها. فحتى صانعي الأفلام الذين عملوا لمصلحة الشبكة ["نتفليكس"]، أبدوا قلقاً بشأن ذلك. إذ أعرب كاري فوكوناغا، مخرج فيلم "وحوش بلا وطن" Beasts of No Nation (2015)، أحد أوائل إنتاجات "نتفليكس" التي تنافست ضمن سباق الأوسكار،عن أسفه لمدى صعوبة وصول أعمال تحمل طابع الأفلام المستقلة إلى دور السينما "ما لم يكن ضخماً من الناحية البصرية أو ظهر من يزّكيك لفعل ذلك". وآنذاك، أوحى خطابه خلال العرض الأول للفيلم ضمن "مهرجان البندقية السينمائي"، بأنه قد تعاون مع العدو ("نتفليكس" أساساً)، لأنها الطريقة الوحيدة التي تجعل فيلمه يحصل على أي مشاهدة على الإطلاق.

وكذلك أعرب مؤلفون وازنون، عن قلقهم من أن الجمهور قد يشاهد الآن أفلامهم عبر الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، ويأخذ استراحات أثناء ذلك كي يتفقد آخر التحديثات على حسابات التواصل الاجتماعي بدلاً من مشاهدتها بطريقة مناسبة على الشاشة الكبيرة.

قبل ست سنوات، دار حديث عن وفاة السينما، وتلك عملية يُعتقد أن نتفليكس تسرع وتيرتها. وقد قاطع جميع العارضين الكبار فيلم "وحوش بلا وطن" على أساس أن الشبكة ترفض عرض الفيلم في " المنصة التقليدية بالصالات". وقد قُصِدَ بذلك تلك الفترة التي تمتد بين ثلاثة أو أربعة أشهر، ويفترض أن تكون الأفلام خلالها متاحة للمشاهدة بشكل حصري على الشاشة الكبيرة.

وتالياً، لم تُبدِ دور السينما المستقلة التي عرضت الفيلم، متحمسة للغاية كي تفعل ذلك. لقد شعرت أن "نتفليكس" تجري عملية الإصدار في الصالات بصورة شكلية لمدة قصيرة جداً، ببساطة من أجل التأهل إلى جوائز الـ"بافتا" أو الأوسكار.

في 2016، لاحظ فيليب ناتشبول، الرئيس التنفيذي في شركة "كيرزون" الفنية المستقلة في المملكة المتحدة، في حديث إلى صحيفة "سكرين إنترناشونال"، أنه "دفعت لنا ["نتفليكس"] مبالغ كبيرة كي نستأجر صالات سينمائية، لكن لم يأت أحد إلى دور السينما. ولم تكن هناك مبيعات أطعمة ومشروبات".

ومن دون إبداء ندم أو أسف على ذلك، أخبر مجلة "ديدلاين" المتخصصة في صناعة السينما، أن "نافذة العرض في الصالات تشكل المنفذ الوحيد المتبقي بالفعل. كل شكل آخر من أشكال الترفيه متاح إلى حد كبير للمستهلكين أينما ومتى أرادوا الحصول عليه. لا أعتقد أنه من المثير للاهتمام حقاً الحفاظ على هذا المنفذ، أي إضافة أموال جديدة من أجل إدامة نظام قديم". وبلا مبالاة، تجاهل [ساراندوس] حقيقة أن صناعة السينما التي انشغلت تماماً شركات من أمثال "نتفليكس" بتقويضها، كانت قيمتها السنوية لا تزال تساوي مليارات الدولارات.

قد يبدو كل ذلك كأنه كلام من الماضي، لكن الأمر يستحق أن نتذكره الآن خلال موسم جوائز الأفلام في 2021 الذي أصبحت فيه "نتفليكس" اللاعب المهيمن. إذ تمد عملاقة البث التدفقي أذرعها كي تصل إلى كل فئات الترشيح الحالية في جوائز الأوسكار. يمكنكم أن تجدوا أفلام "نتفليكس" في الفئات كلها، من الأفلام الوثائقية الطويلة ("معلّمي الأخطبوط" My Octopus Teacher و"معسكر كريب" Crip Camp) إلى أفضل فيلم رسوم متحركة ("على القمر" Over the Moon)، ومن جائزة أفضل ممثل في دور رئيسي (الممثلان شادويك بوزمان وغاري أولدمان) إلى أفضل ممثلة رئيسية (فيولا ديفيس وفانيسا كيربي). وكذلك يتنافس فيلما "مانك" Mank و"محاكمة شيكاغو 7" The Trial of the Chicago 7 على جائزة أفضل فيلم. وتحوز منصة "نتفليكس" للبث التدفقي 16 فيلماً مرشحاً لجوائز الأوسكار و35 ترشيحاً. وتضع تلك الأرقام المذهلة منافساتها من الشركات التلقيدية، في وضع مخجل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

واستطراداً، يبدو أن الخوف العام والكراهية اللذين اتسم بهما موقف هوليوود تجاه "نتفليكس"، قد تبددا. وفيما كان لا يزال من المثير للجدل قبل عامين، فوز فيلم "روما" Roma للمخرج ألفونسو كورون، وهو إنتاج أصلي لـ"نتفليكس"، بجائزة أفضل مخرج وأفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية، فلن يهتز جفن أحد في هوليوود إذا تجاوز فيلم "مانك" للمخرج ديفيد فينشر ذلك النجاح، وفاز بجائزة أفضل فيلم في 25 أبريل (نيسان).

إذا كنتم تريدون فهم السبب وراء استحسان "نتلفيكس" الآن بدلاً من رفضها، فما عليكم سوى إلقاء نظرة على مدى سرعة تغيّر هوليوود نفسها على مدار العامين الماضيين. إذ تمثّل أبرز التحولات الأخيرة الكبرى ضمن نظام تلك المؤسسة [هوليوود]، باستحواذ "ديزني" في مطلع 2019 على شركة "فوكس" المنافسة لها. وتبيّن أن تلك الخطوة أنها لمصلحة "نتفليكس" كلياً فيما يتعلق بموقف هوليوود منها.

وفي تفاصيل متصلة، لقد خلق اختفاء "فوكس" فجوة في نادٍ سينمائي حصري وقوي للغاية. إذ تعتبر "جمعية أفلام السينما" بمثابة الهيئة التجارية التي تمثل مصالح الشركات الكبرى في هوليوود. وتصل رسوم الاشتراك السنوية فيها إلى ملايين الدولارات. عندما دُعيَتْ "نتفليكس" إلى "جمعية أفلام السينما" وقِبِلَتْ الدعوة، فإنها كذبّت فكرة أن الاستوديوهات الأميركية في حالة حرب مع منصة البث التدفقي. في الواقع، أطلقت تلك الشركات الكبرى نفسها خدمات بث تدفقي عند الطلب خاصة بها. إنها جميعاً منخرطة في ذلك العمل نفسه الآن. ولا بد أنه كان من دواعي سرور "نتفليكس" أن الدعوة إلى الدخول تحت مظلة "جمعية أفلام السينما" لم تصل إلى شركة "آمازن" المنافسة لها في البث التدفقي.

واستكمالاً، ثمة أسباب واضحة وراء تحقيق "نتفليكس" هذا النجاح في ترشيحات الجوائز خلال السنوات الأخيرة. إذ تغامر تلك الشركة العملاقة في البث التدفقي، بمبالغ كبيرة كي تصنع أو تحصل على حقوق عرض، أفلام مثيرة أو غير مألوفة قد ترفض الاستوديوهات الأميركية السائدة دعمها. ثم تنفق ["نتفليكس"] مبالغ هائلة على إعلانات الجوائز، وتعقد عروضاً خاصة، وتُنظم جلسات عبر الإنترنت يجري فيها تبادل أسئلة وأجوبة مع المصوتين.

لا يمكنكم أن تتوقعوا أن تستثمر الاستوديوهات التي تركز على الأفلام الرائجة في فيلم مروّع كـ"شظايا إمرأة" Pieces of a Woman، الذي منح الممثلة فانيسا كيربي ترشيحاً لجائزة الأوسكار عن أدائها كأم مصابة بصدمة نفسية ويسيطر عليها الحزن عقب فقدان طفلها.

 وفي 2017، استطاعت "نتفليكس" دفع 4.6 مليون دولار أميركي كما قيل، بهدف عرض الوثائقي الجاد "إيكاروس" Icarus للمخرج بريان فوغل عن تعاطي الرياضيين الروس المنشطات. بدا الأمر كأنه رهان محفوف بالمخاطر ومتهور، إلى حين نظرت إليه "اللجنة الأولمبية الدولية" بوصفه "دليلاً رئيساً في منع" روسيا من المشاركة في "دورة الألعاب الأولمبية الشتوية" (وفق ما ورد في كتاب "سيطرة غياب القواعد" لمؤلفه ريد هاستينغز، الرئيس التنفيذي في شركة "نتلفيكس"). وتالياً، أصبح الفيلم الذي تجاهله المشاهدون في السابق، أكثر الأفلام الوثائقية التي جرى الحديث عنها في ذلك العام، وواصل نجاحه حتى فاز بأحد أوائل جوائز الأوسكار التي وُضَعَتْ في رصيد "نتفليكس".

في سياق موازٍ، لا تتمسك "نتفليكس" تماماً كحالها سابقاً، بأن تضيف الأفلام إلى منصتها في أسرع وقت ممكن. ويتذكر المنتجون أنه قبل أربع أو خمس سنوات، حينما كانت منافستها "أمازون" تقبل عرض أفلامها في دور السينما، بدت "نتفليكس" متخوفة من مجرد الحديث عن الصالات. ويتحدث ديفيد بارفيت، المنتج البريطاني لفيلم "الأب" The Father الذي يتنافس على جوائز الأوسكار، عن موقف الشبكة الأكثر تسامحاً من العروض في الصالات، مشيراً إلى إنها "قد غيرت موقفها بالكامل".

في العام الذي اجتاح فيه وباء كورونا العالم، وكانت دور السينما مغلقة على أي حال، لم يعد هناك ضرورة للجدل الدائر بشأن إلحاق "نتفليكس" الضرر بالبنية التحتية للعروض. في الأشهر الأخيرة، أسهمت منصة البث التدفقي بسخاء كبير في عدد من مشاريع التعافي من أزمة كورونا ودعم قطاع الأفلام حول العالم، ما أدى إلى صقل سمعتها بشكل أكبر لدى الصناعة التي اعتادت أن تنظر إليها بعين الشك.وعلى الرغم من الزيادات التدريجية في أسعار الاشتراك، يظل معظم العملاء ملتزمين بشكل جيد بالخدمة.

في تطور متصل، يبرز أن أحد أفلام "نتفليكس" التي وصلت إلى القائمة النهائية لجوائز "بافتا" هو وثائقي "المعضلة الاجتماعية"The Social Dilemma للمخرج جيف أورلوفسكي، الذي يسلط الضوء على الجانب المظلم في وسائل التواصل الاجتماعي. ربما كنتم تتوقعون أن تكون "نتفليكس" نفسها في مرمى نيرانه النقدية. في المقابل، تبقى "نتفليكس" مؤسسة كتومة للغاية وانتقائية للغاية بشأن مقدار البيانات التي تشاركها فيما يتعلق بأرقام المشاهدة. وكذلك تمتلك خوارزميات "الأعمال الموصى بمشاهدتها" الخاصة بالخدمة، جانباً شريراً ومتلاعباً. لا يمكن للمشتركين تجنب شعورهم بالانزعاج عندما يرون رسالة على الصفحة الرئيسية للخدمة مفادها أنها متأكدة بنسبة 98 في المئة من أن المشاهدين سيستمتعون ببعض الأفلام، لكنهم لا يستسيغونها في نهاية المطاف.

على كل حال، تجاهل أورلوفسكي بشكل واضح خدمة البث التدفقي في انتقاداته شركات "وادي السيليكون" وشركات الإنترنت العملاقة.

لم يكن ذلك السبب الوحيد في دعم "نتفليكس" فيلمه. وقد أخبرني المخرج أخيراً، "إنني أنظر إلى "نتفليكس" بشكل مختلف قليلاً عن "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر". إن أهم ما في الموضوع هو نموذج العمل التجاري. المشكلة التي أهتم بها تتمثّل في ذلك النوع من الإعلانات المستندة إلى المراقبة، وهي موجودة على "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر" و"سناب شات" و"إنستاغرام" و"يوتيوب" وغيرها. في المقابل، أنت تدفع مقابل الخدمة حينما تكون على "نتفليكس". أنت مشترك فيها. أنت الزبون. تعتمد "نتفليكس" تقييماً بشرياً في تقييم ما هو صالح للمشاركة مع الجمهور. نحن نرى نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة تخرج من "يوتيوب" و"فيسبوك" و"تويتر"، لكننا لا نراها عبر "نتفليكس" نفسها".

في ملمح بارز، يحتوي موقع "نتفليكس" الرسمي صفحة خاصة مكرسة لـ"مجموعة" أفلام المنصة المرشحة للأوسكار في 2021. ليس من المؤكد أن كل عنوان يرد في القائمة سيكون فائزاً. من غير المرجح أن تستمتع الخدمة بحصد جوائز الأوسكار في جميع الفئات الرئيسة. ومن المتصور أن يخسر "مانك" أمام "أرض الرُّحّل" Nomadland في فئة أفضل فيلم، وأن تتفوق أعمال أخرى على عدد من أعمال "نتفليكس" المرشحة لنيل الأوسكارات.

ومع ذلك، نظراً لمشاركتها بأكثر من 30 عمل منافس في السباق، فلا بد أن تظفر المنصة بعدد قليل من الفائزين. على كل حال، يتمثّلل الانتصار الأكبر في أن "نتفليكس" كانت منبوذة في هوليوود، وباتت تعتبر الآن جزءاً رئيسياً من أي سباق جوائز سينمائي يحترم نفسه.

© The Independent

المزيد من سينما