Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البريطانية أيلا مورلي تخوض عنصرية البشرة البيضاء في أميركا

"وادي اليراعات" رواية الأسرة المصابة بلعنة اللون الأزرق في مزرعة بعيدة

الروائية البريطانية أيلا مورلي (دار سوي - باريس)

لا عجب في اهتمام الكاتبة البريطانية أيلا مورلي بموضوع التمييز العنصري، وهي التي نشأت في جنوب أفريقيا، قبل أن تستقر في الولايات المتحدة. اهتمام يظهر بقوة في روايتها الجديدة، "ذوو البشرة الزرقاء الأخيرون" (2020)، التي صدرت ترجمتها الفرنسية حديثاً عن دار "سوي" الباريسية بعنوان "وادي اليراعات" (2021)، واستوحت مورلي قصتها من مقال تزينه صورة فوتوغرافية مبلبلة. رواية لا تفوت لاستكشافها بحسية وبصيرة العنف الناتج من التعصب والجهل والأفكار المسبقة، وطرحها سؤال الأخلاق والعدالة عن طريق قصة حب آسِرة.

الصورة التي تزين المقال المذكور قديمة لكن بالألوان، وبشرة بعض الأشخاص الماثلين فيها زرقاء! هل هي مصطنعة؟ مونتاج؟ لأن الجواب عن هذا السؤال هو "لا"، ابتكرت مورلي في روايتها شخصية مصور فوتوغرافي، كلاي هافنس، وشخصية صحافي، أوليس ماسي، وحطت بهما في المكان والزمان اللذين التقطت الصورة فيهما، أي ولاية كنتاكي الأميركية عام 1937.

أحداث الرواية تنطلق عام 1972، في مزرعة تقع على أطراف بلدة شانس الأميركية (ولاية كنتاكي)، حيث نرى المصور كلاي عجوزاً يمقت التواصل مع الآخرين ويمضي وقته في الاعتناء بالحيوانات الجريحة. وحين يحضر شاب إلى البلدة ويبدأ بطرح أسئلة حول امرأة تدعى جوبيلي بوفور، يتملكه غضب شديد في البداية. فبأي حق يسمح هذا الشخص لنفسه بالمجيء للتنقيب في ماضيه الحميم؟ لكن تدريجياً، يتبدد حنقه ويستسلم لذكرياته التي تعود به إلى عام 1937.

في ذلك العام، وافق كلاي وصديقه أوليس على الاضطلاع بالمهمة التي أوكلتهما بها مؤسسة "إدارة أمن المزارع" الحكومية، وتقتضي بالتوجه إلى منطقة "أبالايشس" الريفية لإجراء ربورتاج مصور عن بؤس سكانها والترويج لمشروع الرئيس روزفلت آنذاك، "الصفقة الجديدة"، الذي كان هدفه دعم الطبقات الفقيرة من سكان المنطقة. لكن حين وصلا إلى بلدة شانس، كانت تنتظرهما قصة أخرى استحوذت فوراً على كامل اهتمامهما وقررا رصد ربورتاجهما لها: إنها قصة "الجرذان الزرق" الذين سيحذرهما أبناء البلدة منهم، ويعيشون في مكان يقع في قلب الغابة المحاذية لشانس ويسمى "وادي اليراعات".

"الجرذان الزرق"

"الجرذان الزرق" هم أفراد عائلة بوفور التي اختارت العيش في المكان المذكور لتجنب اضطهاد أبناء البلدة لها. أما سبب هذا الاضطهاد، فهو زرقة بشرة اثنين من أفرادها: الشاب ليفي وشقيقته جوبيلي، التي تعود إلى مرض جيني نادر جداً يدعى "الميثيموكلبينميا" (Méthémoglobinémie) ولا عوارض له سوى تلون البشرة بالأزرق بسبب نقص الأوكسيجين في الدم. لكن في بلدة نائية مثل شانس آنذاك، كان الناس يجهلون كلياً هذا الداء ويفضلون على الحقيقة اتهام المصابين به بالشعوذة ونبذهم وإثارة الكراهية تجاههم. ولذلك، على الرغم من منفاها الطوعي، لن تسلم هذه العائلة المسكينة من شرهم الذي سبق وطاول عدة أجيال منها.

هذا ما سيكتشفه كلاي وأوليس لدى تشاركهما حياتها اليومية. وبينما يقع كلاي فوراً في حب الشابة الفاتنة جوبيلي ويتجاوز بفضل ذلك المحنة العاطفية التي كان يتخبط بها قبل مجيئه إلى هذه البلدة، يثور سخط أوليس من جراء الجرائم التي تتعرض لها هذه العائلة منذ مطلع القرن التاسع عشر، ويقرر كتابة مقال عن مأساتها، على الرغم من ممانعة أفرادها، لاقتناعه بأن "كشف الأشياء لا يدمر حياة الناس، بل محاولة إخفائها". الأمر الذي يطرح على طول الرواية سؤالاً واجباً سرد قصة عائلة بوفور بأي ثمن، أم ملازمة الصمت لعدم تأجيج مشاعر الكراهية تجاهها. وبالنتيجة، هل سيتمكن كلاي وجوبيلي من التحاب بسلام وحرية، أم أن جنون أبناء بلدة شانس وجهلهم القاتل سيحول دون ذلك؟

قصة حب كلاي وجوبيلي، بتقلباتها ومآلها، تستحق وحدها أن نقرأ هذه الرواية، علماً أن ثراء سرديتها لا يقتصر على ذلك. إذ يشكل نصها أيضاً نشيد احتفاء بالطبيعة، بكشفه غنى ولاية كنتاكي بالحيوانات والنباتات. وفي هذا السياق، تمد كتابة مورلي السينماتوغرافية بالحياة المناظر المتنوعة لهذه الولاية، ما يجعل من طبيعتها شخصية روائية بذاتها. كتابة صورية تسمح أيضاً بتعرية التناقض الفاضح بين سكون أو فتنة "وادي اليراعات" والعنف الذي يخضع له قاطنوه بسبب جهل وعدم تسامح "ذوي البشرة الصحيحة"، كما يسمي أبناء بلدة شانس أنفسهم. وهو ما يمنح الكاتبة فرصة صوغ تأملات عميقة في الأخلاق والعدالة والرأفة تحث القارئ على مساءلة سلوكه الخاص.

قصة حقيقية

ولأنها ترتكز على قصة حقيقية، قصة عائلة "فوغات" الأميركية التي عانت الأمرين في ولاية كنتاكي، مطلع القرن التاسع عشر، من جراء إصابة بعض أفرادها بالمرض الجيني المذكور، ولأنه يمكننا أيضاً أن نقرأها كقصة حقبة مهمة من تاريخ أميركا، حقبة ما بعد "الكساد الاقتصادي العظيم" (1929)، وقصة تحقيق صحافي، إلى جانب قصة الحب الجميلة المركزية فيها، تشكل "وادي اليراعات" رواية متعددة تترسخ بفطنة في ثقافة بلد كان يشهد آنذاك تحولات عميقة. بلد تنقلنا مورلي إليه بيسر كبير، بفضل نثرها الغنائي الأخاذ، وتجعلنا نتآلف مع النضال الذي قاده بعض أبنائه منذ فترة طويلة من أجل الحق في الاختلاف وضد الأفكار المسبقة، ومع ذلك، ما تزال قضايا هذا النضال راهنة. وفي حال أضفنا أن روايتها تتضمن أيضاً تأملاً ثاقباً في الدور السلبي أحياناً لوسائل الإعلام التي يسعى العاملون فيها إلى سبق صحافي بأي ثمن، وبالتالي في حق كل إنسان في الخصوصية، لتبينت لنا كل قيمتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبقى أن نشير إلى أن بعض النقاد في أميركا لاموا مورلي على البطء الذي يطبع أحياناً عملية السرد في روايتها، في حين أنه كان حرياً بهم مدحها على ذلك لنجاحها في نقل إيقاع الحياة البطيء في منطقة نائية وخلال حقبة لم يكن يتسلط على الناس فيها هاجس العبور السريع للزمن، كما هو الحال اليوم. نقاد آخرون في فرنسا اعتبروا أن قصة الحب في روايتها تحتل مساحة فائضة داخلها، ومعالجتها تأتي بالتالي على حساب الموضوعات الأخرى المهمة فيها. لكن ما فات هؤلاء النقاد هو أن الكاتبة لم تهدر تلك "المساحة الفائضة" في وصف مشاعر رومنطيقية ساذجة، بل في تصويرها بدقة شعرية صائبة، ذلك التدجين المتبادل والضروري لشخصين جفولَين على المستوى العاطفي، مثل كلايس الخارج من قصة حب فاشلة ومؤلمة، وجوبيلي التي لم تختبر أبداً الحب مع الآخرين، بل الكراهية والنفور بسبب لون بشرتها. وهو ما يمنح "وادي اليراعات" قيمة إضافية أكيدة وكل فرادتها.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة