Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سقوط ديفيد كاميرون مهين وغير مسبوق

افتتاحية: يعود سبب عدم جر أي رئيس وزراء بريطاني سابق للمثول أمام لجنة برلمانية بهذه الطريقة إلى أن أيا منهم لم يتصرف بهذه الطريقة

تُرك رئيس الوزراء السابق من قبل زملائه السالفين لمصيره في مهب الريح ( اندبندنت عربية - علاء رستم)

ارتبطت عبارة "مسترخياً" بديفيد كاميرون حين كان رئيساً للوزراء. وهو قد ظهر بمظاهر مختلفة في الماضي، إلا تلك التي غلبت عليه حين مثل في جلستين مطولتين أمام لجنتين من أعضاء البرلمان الذين يحققون في أنشطته الخاصة بالضغط لتغيير قرارات حكومية بالنيابة عن شركة ["غرينسيل فينانس" للتكنولوجيا المالية]  أعلن سلفاً إفلاسها.

وتكمن إحدى المشكلات التي يواجهها كاميرون في أنه أصبح حالياً محروماً من الأصدقاء أكثر من أي رئيس وزراء وزعيم حزب سابق ممن تزداد عزلتهم بصورة حتمية فيما يبتعد عهدهم في السلطة عن الواجهة ليدخل في خانة ما يسمى "التاريخ المعاصر". ويعاني كاميرون من لعنة مزدوجة، لأنه لم يفشل فقط في تحقيق النتيجة التي سعى إليها بحماس في استفتاء 2016 الخاص بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ( بريكست)، بل أيضاً لأنه من خلال هذا الفشل قد أرسى الأسس لصعود بوريس جونسون. وعلى الرغم من أنهما من خريجي مدرسة إيتون الأرستقراطية وجامعة أكسفورد ونادي بولنغدون– أو ربما بسبب ذلك كله– فإن الاثنين لا يحبان بعضهما بعضاً. كما لم يعد هناك أي ود متبادل للآن بين مايكل غوف وإشبينه السابق السيد كاميرون.

وقد تُرك رئيس الوزراء السابق من قبل زملائه السالفين لمصيره في مهب الربح، محروماً من أي إعلانات رئيسة ونشاطات دعائية من جانب الحكومة كان يمكن أن تساعد على تجنيبه الإحراج. وفي الحقيقة، لن يلام أي شخص كان يتابع الإجراءات إذا ظن أن نواب حزب المحافظين الذين أخذوا يمزقون زعيمهم السابق إرباً أثناء التحقيق إنما كانوا يفعلون ذلك بناء على طلب قيادتهم الحزبية التي أومأت إليهم أن يقوموا بذلك، وقيل لهم أن يمتعوا أنفسهم على حساب "دايف".

كان الأمر مهيناً وغير مسبوق. فحتى مثول توني بلير في مرات عدة أمام لجان تحقيق في حرب العراق، كان لها في الأقل ميزة تتمثل في أنها كانت تتركز على سلوكه حين كان ما زال في منصبه وعلى مسائل سياسية من النوع الذي يتعلق بالحياة والموت، ولم تكن عن أمور ملطخة بمكاسب شخصية أو أي صلة بترتيبات وصفها اللورد ماينرز بعبارة "مخطط بونزي" (شكل من أشكال الفساد والاحتيال) وهو اتهام تنفيه "غرينسيل". لم يضطر رئيس وزراء سابق إلى مواجهة مثل هذا السيل من الانتقادات الشخصية (مع أن بعضهم ربما كان يستحق ذلك لكنهم أفلتوا منه)؛ وهناك قلة منهم شهدت سمعتها تنهار على نحو سريع جداً. ولا شك في أن جونسون يحصل على قدر كبير من الرضى بسبب تلوي سلفه تحت سياط المحققين على هذا النحو الرائع. فقد ولى زمن التلميذ المتنمر كاميرون المتعجرف الذي قال ذات مرة لجيرمي كوربين: "صلح ربطة عنقك،" ولتوني بلير "لقد كنت أنت المستقبل، يوماً ما".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما هي الحال بالنسبة لخطأ الـ"بريكست" الفادح الذي ارتكبه كاميرون، لا بد لرئيس الوزراء السابق– الذي قال لأعضاء مجلس العموم إنه لم يخرق أي قواعد، وإنه فعل ما فعله من أجل المصلحة العامة– أن يعرف أنه لا يستطيع أن يلوم إلا نفسه على سوء تقديره. وقد أعرب عن تأييده لتشديد القواعد الناظمة الخاصة بالوزراء والمسؤولين ممن يتولون وظائف في أحد مجالات الأعمال.

ويعود سبب عدم جر أي رئيس وزراء سابق للمثول أمام لجنة برلمانية بهذه الطريقة إلى أن أياً منهم لم يتصرف على هذا المنوال. ولقد جنى العديد منهم المال على شكل أجور محاضرات ألقوها، واحتفظوا بما تقاضوه لأنفسهم أو قدموه لمؤسساتهم المختلفة. كما كانوا سعداء أيضاً بأداء أعمال استشارية أو بعضوية مجالس إدارة شركات، بيد أن أياً منهم لم يتقاض أجراً مادياً لقاء مضايقته وزراء على رأس عملهم. والأرجح أن كاميرون لم يكلف دوره هذا من قبل "غرينسيل كابيتال" فقط بفضل معرفته بالشؤون الجيوسياسية وخبرته فيها، بل أعطاه ليكس غرينسيل هذا الدور تحديداً لأنه كان يعلم أن كلاً من ريشي سوناك، ووتوم شولار، ومات هانكوك، سيرد على مكالماته إذا اتصل بهم. ربما كان السيد غرينسيل يعرف أو لا يعرف إلى أي مدى سيحط كاميرون من قدر نفسه في إطار محاولاته لمساعدة "غرينسيل كابيتال"، غير أن رئيس الوزراء السابق قد بذل بكل تأكيد الجهد المطلوب لذلك. وهذا لا يبدو جيداً.

إن المفارقة الساخرة الكبرى والمؤلمة التي تبعث على النفور تكمن في أن "غرينسيل كابيتال" لم تحظ بشيء من وزارة المالية وبنك إنجلترا، سواء كان لصالحها أو ضدها. هكذا نجح "النظام"، بهذا القدر، ولكن بالطبع كان من غير المقبول، وهو غير مقبول دائماً، أن يستطيع شخص له مكانة كاميرون أن يحاول الالتفاف على النظام، لأنه من الممكن أن يكون قد نجح في محاولته لكل الأسباب الخطأ.

يتذرع كاميرون بعدم وجود خريطة طريق تتعلق بعمل رؤساء الوزراء السابقين، وهذا صحيح، غير أن هناك طرقاً كثيرة قد جربت مراراً وتكراراً. هناك مذكرات ينبغي أن تكتب، وأحقاد قديمة لا بد من تسويتها، وكلمات يجب إلقاؤها. وينبغي أن تجري دراسة موضوع تولي أدوار مؤسسية أو دولية بارزة، بعناية، على أن تكون الأدوار المقترحة متوافقة تماماً مع هيبة منصب رئاسة الوزراء. لم تكن الوظيفة لدى "غرينسيل" مناسبة، حتى من دون النظر إليها في وقت متأخر وبعد ما حصل كل ما حصل، كما لم يكن ضرورياً أيضاً القيام بوظائف من هذا النوع.

تقاعد رؤساء وزراء من أمثال كليمنت آتلي وهارولد ويلسون فعلياً ولم تبق لهم علاقة تذكر بالأعمال أو السياسة بعد ما غادروا مجلس العموم. أما هارولد ماكميلان، فقد عاد بعد تقاعده للعمل في الشركة العائلية المتخصصة بالنشر، فيما رجع جيمس كالاهان إلى مزرعته. وكرس كل من مارغريت ثاتشر وتوني بلير نفسه لمؤسسته، ولنصح رؤساء الوزراء الخلف بما ينبغي لهم فعله. ومن ناحيتها، فإن تيريزا ماي، شأنها في ذلك شأن تيد هيث، تبدو عازمة على المضي في رحلة طويلة على مقاعد البرلمان الخلفية وهي متجهمة عاتبة على حظها بالوظائف. من جانبه، رسم ونستون تشرشل لوحات تصور روايته للتاريخ التي كتب نصها أيضاً. ويبقى غوردون براون ملتزماً العمل من أجل قضايا نبيلة، بما في ذلك إنقاذ وحدة الدولة البريطانية.

حاول كاميرون القيام بشيء مختلف، وأخفق في ذلك. وكان بوسعه أن يفعل ما هو أسوأ بكثير من قبول نصيحة الممثل داني داير الساخرة، والاسترخاء تماماً في مكان ما مثل نيس، أو ربما في الكوخ الذي نصبه في فناء بيته الخلفي وكلفه 25000 جنيه إسترليني.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء