Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عولمة الإيديولوجية "الداعشية": على ماذا يراهن البغدادي؟

يستخدم أدوات القرن 21 للعودة إلى القرن السابع

البغدادي في لقطة من شريطه الدعائي الأخير (أ.ف.ب)

كان ماوتسي تونغ يقول "إن فهم الهزيمة هو تحقيق النصر". أما أبو بكر البغدادي الذي ظهر في فيديو بعد خمس سنوات من ظهوره في جامع النوري في الموصل، فإن فهمه للهزيمة هو "الانتقام والثأر". لا بل إنه يخفّف من وقع الهزيمة بالقول "إن الله أمرنا بالجهاد ولم يأمرنا بالنصر". في الظهور الأول في العام 2014 كان البغدادي، واسمه الحقيقي إبراهيم عواد إبراهيم البدري، يعلن "الخلافة" الداعشية وإقامة "الدولة الإسلامية" فوق مساحة تقارب ثلث العراق ونصف سوريا. وفي الظهور الثاني في العام 2019 كان في مكان مجهول بعد خسارة الجغرافيا وموقعه الأخير في الباغوز شرق نهر الفرات.

وفي الحالتين كان يستخدم أدوات القرن 21 للعودة إلى القرن السابع. أما خدمة مشروعه، فإنها تبدأ بالرهان على أمرين، أولهما "جاذبية الخلافة"، وثانيهما حاجة خصوم مشروعه قبل داعميه إلى توظيف دوره وبشاعة ما يرتكبه في تحقيق أهداف متناقضة لهم.

"جاذبية الخلافة" مسألة تتحدى الأزمنة، وإن كان المبدأ الذي استقر عليه الأزهر الشريف والإمام محمد عبده والشيخ علي عبد الرزاق، الذي جرت محاكمته بعد كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، هو ان "الإسلام لم يحدد نظاماً معيناً للحكم". فما إن سقطت السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وألغى كمال أتاتورك الخلافة، حتى كان الشيخ حسن البنّا يؤسس تنظيم "الإخوان المسلمين" في العام 1928 في مصر، والذي انتشر في كل العالم العربي والإسلامي.

وفي قمة الأهداف "إقامة خلافة إسلامية وأستاذية العالم". كان البنّا يرفض "القوانين الوضعية"، ويقول "ليس هناك مفهوم المواطن بل مفهوم المسلم". ولم تكن الإيديولوجيا التي أقيم على أساسها تنظيم "القاعدة" ثم تنظيم "داعش"، سوى جمع أفكار الإخوان المسلمين والمنظمات الأصولية المتطرّفة، كما رأى الخبير الفرنسي أوليفيه روا.

ومن هنا كان انضمام المتشدّدين من مختلف الجنسيات إلى "القاعدة"، وتكاثر "جنود الخلافة" من الذين لا يعرفون "الخليفة" البغدادي ولا يرونه ولا يعرفهم ولا يراهم. ففي الفيليبين وسريلانكا وإندونيسيا وبوركينا فاسو ونيجيريا وفرنسا وألمانيا وأميركا وكل البلدان العربية، قام شبان بعمليات إرهابية باسم "الخلافة" الداعشية، سواء ضمن الهرمية التنظيمية أو بالتسيير الذاتي. ولم يكن الخلاف بين داعش وجبهة النصرة التابعة للقاعدة والتي صارت، هيئة "تحرير الشام"، سوى خلاف على السلطة والإمرة والبيعة.

فما يقوله زعيم النصرة أبو محمد الجولاني هو ما يقوله البغدادي، وخلاصته "نحن ضد كل مؤسسات الدولة الحديثة من دستور مدني وانتخابات وديموقراطية وجيش بعقيدة وطنية.

وماذا تعني التفاهمات والمصالحات التي قام بها الروس ونُقِلَ من خلالها "الجهاديون المتطرفون" والمدنيون، برعاية رسمية إلى إدلب، سوى ترك الجولاني يسيطر على إدلب؟ وماذا يعني تنافس الروس والأميركيين والإيرانيين والأتراك وغيرهم على مقاتلة داعش، وطرد مقاتليه من كل الأرض، من دون الوصول إلى البغدادي، سوى الحرص على بقاء دوره؟ ومن يصدق أن كل هذه القوى بما تملكه من إمكانات تكنولوجية واستخبارية لم تعرف أين يقيم البغدادي خلال خمس سنوات؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا بأس... ولكن بماذا يعدنا البغدادي في الفيديو؟ العنوان العام هو معركة "أمة الإسلام" في وجه "أمة الصليب". وهي "معركة طويلة لاستنزاف القدرات البشرية والعسكرية والاقتصادية واللوجستية كافة". أي أن البغدادي عاد إلى إستراتيجية القاعدة وأسامة بن لادن حول مقاتلة "العدو البعيد"، وتأكيد ما سمّاه تشارلي وينتر، الباحث في كلية الملك في لندن، "عولمة الإيديولوجيا بشكل غير مسبوق بعد خسارة الأرض".

وهذا ما سبقه إليه الإمام الخميني الذي قال في كتابه "الحكومة الإسلامية" إن "كل نظام غير إسلامي شرك، والحكم فيه طاغوت". لا بل أن حسن عباسي "منظّر" الحرس الثوري والملقب كيسينجر الحرس، يرى "اليوم الذي ترفرف فيه رايات الإسلام فوق البيت الأبيض"، ويفتي بأنه "إذا خلق المسلمون خوفاً في العالم الوثني، فإن هذا الخوف مقدس وليس إرهاباً ولا عنفاً.

وهذا بالطبع عكس وثيقة الأزهر عن "الدولة الوطنية الدستورية الديموقراطية الحديثة"، وتأكيد "التعددية واحترام كل العقائد الدينية السماوية"، ومبدأ "الموافقة وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس". فضلاً عن الوثيقة التي صدرت في القاهرة والأخرى التي صدرت في أبو ظبي، بتوقيع شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرنسيس. لا بل عكس تطور الحياة واتجاه التاريخ. فالعالم مشغول بالثورة الصناعية الثالثة وثورة التكنولوجيا، ونحن نواجه "إدارة التوحش".

الرئيس الصيني شي جيبينغ يخطّط لتكونَ الصين في العام 2049 "قوة علمية كونية"، ونحن نسمع وعد البغدادي بالمزيد من التفجير والقتل والعنف وسبيِ النساء والتخلّف. وإذا كان هناك طغاة يهددون باستخدام "سلاح الدمار الشامل"، فإن المتطرّفين التكفيريّين يستخدمون قبل العمليات الإرهابية، ما سمّاه الجنرال جون أبو زيد الذي أصبح سفيراً لأميركا في السعودية، "سلاح التأثير الشامل".

والمسألة ليست محصورة في بلد أو منطقة أو دين. ففي كتاب "الإرهاب في فرنسا: صعود الجهاديين في الغرب"، يرى جيل كيبل "أن التطرّف الإسلامي جزءٌ من صعود أكبر لسياسة الهوية". وفي رأي أوليفيه روا، فإن "الجيل الجديد من المتطرّفين ليس مهتماً بالدين، وهم يعرفون القليل عن الدين، إذ ليسوا علماء ولا رجال دين، وليسوا مع دفع الإسلام إلى الراديكالية، بل مع أسلمة الراديكالية".

وليس تنامي اليمين المتطرّف في الغرب سوى جزء من صراع الهويات. ففي ألمانيا صار حزب "البديل من أجل ألمانيا" وهو شبه نازيّ، الحزب الثالث في البرلمان. وفي فنلندا فاز حزب "الفنلنديين الحقيقيين"، اليمنيّ المتشدّد، بـ 39 مقعداً نيابياً، أي أقل بمقعد واحد من أكبر الأحزاب وهو الحزب الاشتراكي. وفي إسبانيا وصل أخيراً حزب "فوكس" اليمينيّ المتطرّف إلى البرلمان بالحصول على 24 مقعداً. وماذا عن لوبين في فرنسا وترامب في أميركا وأدريان في المجر وسواهم؟

لن يقودنا صراع الهويات إلا إلى الخراب تحت رايات الهزائم المسماة انتصارات.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء