Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"كأس السوبر الأوروبية" استندت كـ"بريكست" إلى غطرسة ستقوضها

على الجمهور العادي لكرة القدم القبول بأن السلاح الذي يتهددهم يتمثل في الجشع والغطرسة السائدين في صفوف المسؤولين عن تلك المسابقة

خلال السنوات الماضية التي بدت كأنها عقود عدة، بُحّت أصوات أمثالي في الحديث عن "بريكست" ومعارضته. ونحن مستمرون بفعل ذلك بين الحين والآخر. بيد أن أمزجتنا قد تتبدل في ومضة عين، فنتوارى في جحورنا خلف شعور طاغٍ يولده، من هنا أو هناك، تطور مستجد وغير منطقي.

هناك الكثير من جحور الأرانب. وثمة غضب عارم، وإحباط فظيع. وما يبدو أحياناً أسىً حقيقياً هو ذاك الموت الذي يصيب كل شيء اعتقدنا أننا نؤمن به. وأن بلادنا ببساطة لم تكن تلك البلاد التي ظننّاها، وهي بالتأكيد ليست كذلك الآن. وما يكمن في أساس ذلك كله كان وهماً، له علاقة بعجزنا. ومرحلة فرساي [إشارة إلى معاهدات السلام عقب الحرب العالمية الأولى] في "بريكست" استمرت طويلاً، وسارت مفاوضاتها في منتهى الشراسة، ما جعلها تبدو كحرب فعلية، وقد تبقى نتائجها قابلة للتبدل. وذاك في الواقع لم يبلغ مستقراً له في 23 يونيو 2016، بحسب ما برز إلى العيان.

وطبعاً، ثمة نتائج أخرى محتملة، و"بريكستات" أخرى مطروحة للتفاوض. لكن، وسط كل الصراخ المتعالي، لم يوجد سوى قلة قليلة من الأشخاص ممن لديهم سلطة حقيقية تؤثر في كل ذلك. (أجل، حدثت انتخابات عامة. وفي الحقيقة أُجريت دورتا انتخاب، لكن الانتخابات بدت كأنها الوسيلة الأكثر فظاظة. وتظهر حقيقة الحاجة إلى عمليتَي انتخاب للوصول إلى استفتاء واحد، مدى عدم أهليتهما [الانتخابات والاستفتاء] في المهمة الموكلة إليهما).

والآن، قد يبدو أن كرة القدم وجمهورها يمران في لحظة صدمة ورعب تامَّين. فحلّت مسابقة "كأس السوبر الأوروبية" في منتصف الليل ككابوسٍ رهيب. لكنك ربما تسدي إلى جماهير كرة القدم نصيحة صادقة، فتتعلم الجماهير بعض الدروس الماثلة أمامها كي توفر على نفسها بعض البؤس العاطفي الذي لا طائل منه، والصادر من ذلك كله.

وتتعلق المسألة الأولى بالسلطة، إذ ينبغي على المتحمس العادي لكرة القدم الذي يقصد الملاعب، ولا يريد لذلك كله أن يحدث أن يحسب مقدار السلطة المطروحة أمامه. في المقابل، لا تأتي له سلطة من لجوئه إلى صبّ جام الغضب على المنصات التكنولوجية المصممة خصيصاً كمعززات صاروخية لتلك السلطة [المتضمنة في طرح مسابقة "كأس السوبر الأوروبية"].

إذاً، ما هي السلطة الذي يملكها محب كرة القدم؟ ربما تكون قليلة، لكنها ليست قليلة جداً، إذ يكمن في قلب فكرة مسابقة "كأس السوبر الأوروبية"، ذلك الاعتقاد الذي تتبنّاه بوضوح حفنة من أصحاب المليارات الأميركيين والروس والشرق أوسطيين، والقائل إن بإمكان الأندية الأكبر في كرة القدم الإنجليزية التشكل والنهوض بعيداً من النموذج الاقتصادي الذي ارتكز في السابق على ما يسمونه الآن بـ"إرث الجماهير"، والانطلاق نحو "جماهير المستقبل". وتتمثل تلك الأخيرة [جماهير المستقبل] في جماهير دولية غفيرة، لا صلات حقيقة بينها وبين الأمكنة المعنية [بـ"كأس السوبر"]. واستطراداً، إنها جماهير لا يهمها سوى مشاهدة صبية أوروبا الكبار يلعب بعضهم مع بعض، طوال الوقت. ويعني ذلك أنها نسخة أوروبية في لعبة كرة القدم عن دوري "الرابطة الوطنية لكرة القدم" الأميركية.

ومن الواضح أن المسؤولين عن "كأس السوبر الأوروبية" يعتقدون بإمكانية تحقق هذا الأمر على حساب المتحمس الكروي العادي. وليس ثمة الكثير مما يمكن أن يفعله المتحمس الكروي العادي على هذا الصعيد، إذ يمكن للجماهير أن ترفض حضور المباريات، ويمكنها أيضاً رفض تأمين الأجواء المطلوبة لشاشات العرض. بيد أن ملاعب الدوري الممتاز لكرة القدم آخذة منذ فترة في التحول إلى نقاط جذب للسياح. وكذلك لا تحاكي الأجواء السائدة فيها تلك التي سادت في الماضي. بالتالي، فالأرجح أن مقاطعة حضور المباريات، لن تنفع.

وإن من المحبط على نحو خاص أن كرة القدم، على مدى فترة طويلة، ثابرت على تحقيق واقع التوازن الدولي بنجاح لافت. وجرى تكوين جماهير عريضة في جميع أنحاء العالم، وحصد حقوق مبيعات عمليات البث الكبرى، وتغيير اللعبة (التي تعني هنا الجزء القائم فعلياً على أرض الملعب) وجعلها أفضل بكثير، مع ملاعب أسرع ولاعبين أفضل ومباريات أكثر احتشاداً بالجماهير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تبقى الجماهير في خطر. فمن غير المضمون والمستدام أن تتمتع جماهير الأندية الأوروبية الكبرى بدعم مُربح يأتي من جماهير موجودة في أمكنة أخرى من العالم. وكذلك من غير المضمون أيضاً توقع استمرار أن تتعامى اللعبة عما تريده تلك الجماهير. وقد لا يتمثل ما تريده الجماهير العادية في أكثر من أن يصمت المسؤولون عن شركة "غوانغدونغ ريد" Guangdong Red (شركة صينية للتصنيع والإمداد) وينصرفوا. لكن، لن يحصل ذلك، إذ انطلق المركب، ولا ينفع الغضب تجاه هذا الأمر.

إن عولمة كرة القدم وتمويلها الهائل هما، على غرار "بريكست"، عقدة لا يمكن الفكاك منها. قد تصدر من الجماهير العادية مطالب غاضبة تتعلق باللاعبين. [وربما قيل] "عليهم أن يرفضوا اللعب، عليهم مغادرة الملعب باشمئزاز". لكن، من غير الواقعي أن تتوقع الجماهير من شبان قضوا عقداً من عمرهم في حصد مكاسب محتملة لحيواتهم، أن يتخذوا مواقف مبدئية تسير ضد مصالحهم الخاصة كلياً. وفي السياق عينه، يُظهِر العمال النقابيون في شركات تستغلهم إداراتها، ميلاً إلى إطلاق صرخات مماثلة في اجتماعاتهم الغاضبة. لكن في النهاية، لا يمكن لأحد أن يقرر التحلي بالجرأة التي يريدها فيه أشخاص آخرون من خارج أوساطه. وفي هذا الأمر، لا يشكل لاعبو كرة القدم استثناءً.

إذاً، ماذا يمكن للجماهير العادية أن تفعل في الواقع أمام حقيقة قاتمة مفادها بأن ناديهم المحبوب له مالك يكرهونه، ويجني ذلك المالك حماستهم وعواطفهم، مثل "ديمينتور" [شخصية "الحارس القبيح"] في "هاري بوتر"، كي يستخدمها من أجل مصلحته الشخصية الخبيثة؟

واستناداً إلى الأدلة الراهنة، لا تتبدل الأمور كثيراً، إذ يمتلئ عالمنا، وسيمتلئ أكثر، ببلدان يحكمها مجرمون، وتحركات مدنية لا تحقق سوى فوارق نادرة وعزيزة. وبين بوتين، وشي جينبينغ، ومايك آشلي، وأسرة غلايزر، ثمة نقاط مشتركة أكثر مما يودّون الاعتراف به.

"اطردوهم! افضحوا احتيالهم!". القول أسهل من الفعل. وكذلك لا تبدو حقيقة وجود ستة أندية موقعة في الدوري الممتاز [الإنجليزي]، مجرد حادث عرضي. فقواعد الدوري الممتاز واضحة، وأمر كهذا لا يمكنه أن يحصل إن كان ثلاثة أرباع، أي 15، الأندية الحالية موافق. عشرون ناقص ستة، يساوي 14.

هل يمكن الاستمرار من دونها [الأندية التي وقّعت على مسابقة "السوبر الأوروبي]؟ ما زال معظم مداخيل أندية الدوري الممتاز يأتي من مبيعات حقوق البث إلى محطات التلفزة المحلية، من "سكاي سبورتس" Sky Sports، إلى "بي تي سبورت" BT Sport و"أمازون". ماذا ستساوي قيمة السوق لاتفاقيات حقوق البث هذه، من دون تلك الأندية الستة؟ يمكن للمرء أن يتصور أنها لن تكون كبيرة. قبل 29 عاماً، ولأسباب معقدة ومختلفة، قام أفضل لاعبي "رمي السهام" darts في العالم بالانفصال (من الدورات الرسمية آنذاك)، وتأسيس إطار جديد لمسابقاتهم. وحدث تنافس طبيعي وتلقائي بين الجديد والقديم على مدى فترة من الزمن. وحاضراً، بات القديم الذي يُبث على قناة الـ "بي بي سي" في حالة موت.

هل يمكن لكرة القدم الاستمرار، أو حتى الازدهار، إذا اعتمدت كلياً على "جماهير المستقبل"، وغدت شيئاً أكثر قليلاً من مجرد منتج تلفزيوني موجّه إلى جمهور عالمي؟

يحب علماء السياسة ممن كتبوا عن الثورات كعالمة الاجتماع الأميركية ثيدا سكوكبول، الإشارة إلى أن الثورات بحد ذاتها لا تمثل لحظات التغيير، بل إنها اللحظات التي يعمد فيها التغيير الذي حصل سلفاً، إلى الإفصاح عن وجهه.

في الحقيقة، على مدى فترة طويلة جداً، كان يمكن لمتحمس عادي لنادي "مانشستر يونايتد"، مثلاً، أن يعيش في حالة إنكار، فيرى أن ناديه ما زال النادي ذاته الذي أسسه عمال سكة الحديد في القرن التاسع عشر، وهو ذاك النادي الذي دأب والده، ووالد والده، ووالده قبله، على الذهاب لحضور مبارياته في أيام الآحاد بعد الظهر. كما يمكن لأولئك أن يدّعوا، ربما بذرائع قليلة، أن في هذه اللحظة الزلزالية جرى انتزاع كل شيء منهم. لكنهم يعلمون يقيناً، أن الآمال والأحلام التي استُثمرت فيه (نادي "مانشستر يونايتد") من قِبل أسلافهم، بدأت منذ فترة بالاختفاء من بيان الموازنة العامة. وإن هناك بعض الجدوى من العواء تحت القمر، وتمنّي لو كانت الأشياء مختلفة. أو بدل ذلك، أن يبقوا كما هم.

بالطبع، لا تنزع الثورات إلى اتباع المسارات التي يضعها لها مُشعلوها، إذ يميل الثوار إلى اعتبار أن التحول عن القديم لا يلغي الأسباب التي استند إليها القديم. لقد اختبر جورج بوش هذا الأمر في بغداد، على النحو عينه الذي اختبره روبسبير في باريس، وذلك على الرغم من أن الأول (بوش) أبدى اهتماماً أقل بكثير من الثاني، ولم تكن العواقب الشخصية عليه بالغة القسوة.

قد يرى جويل غلازير والشيخ منصور أن لـ"إرث الجماهير" ربما، في الواقع، أهمية في المستقبل أكثر بكثير مما تصوّراه. وأنه لا يمكنهما سرقة متاحف الماضي، والهرب إلى أسواق الغد، ومعهما التحف التي يؤثرانها.

وتخطر فكرة واضحة، لكن من المفيد تكرارها، تتمثل في أنه حتى ضمن موسم يتصدره بطل جامح، فإن الاهتمام بالدوري الممتاز لا يمكن استدامته إلا عبر الإثارة تجاه بطل جديد قد يتصدر كرة القدم الأوروبية، ومن ثم إبقاء الوعد حاضراً على هذا الصعيد بإثارة مقبلة في المستقبل.

وإن بطولة رابطة "مقفلة" للأندية الكبيرة، لا تتماشى سمعتها الدولية راهناً مع أدائها في الملاعب، وتنتهي الغالبية الساحقة من المباريات فيها من دون نتائج حقيقية، [إن بطولة كتلك] لا تمثّل فرصة للإثارة. وهنا يكمن الموضوع الأساس، إذ إن الغطرسة لا تتحقق إلا على حسابها بالذات. وعلى نحو مشابه، يسلك "بريكست" على نحو شبه أكيد، مسار الفشل، ويفعل ذلك منذ يومه الأول. وذاك المسار لم تبدّله سنوات طويلة من صرخات الغضب التي يطلقها مناوئوه، والتي بدأت بالتصاعد متأخرة.

ويُسير بطولة "كأس السوبر الأوروبية" ويشرف عليها، رهط صغير من الأشخاص الذين لا تهمّهم كرة القدم، ولديهم تجاهها فهماً بالغ الضآلة. بالتالي، فإن السبب الأكثر ترجيحاً لسقوطها، يتمثل فيها بحد ذاتها. ولا يرغب الجمهور العادي بحصول ذلك، وقد يرى أن الحياة قابلة للاحتمال أكثر قليلاً، إذا استطاع القبول، عاجلاً وليس آجلاً، بأن السلاح الأكثر خطورة عليه يتمثل في جشع القيّمين [على "كأس السوبر الأوروبية"] وغطرستهم. وإذا خرجت بطولة "كأس السوبر" من مسارها، فإن السبب يتمثل بالجشع والغطرسة، ولا شيء آخر.          

© The Independent

المزيد من تحلیل