Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صورة الدبابة والتمثال: متغيرات المشهد العراقي

التحولات الجيوسياسية التي بدأت بكسر "البوابة الشرقية للأمة العربية" لم تنتهِ بمزيج من التفاهم والتنافس بين أميركا وإيران

سقوط تمثال الرئيس صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد (أ ف ب)

 

خلال نقاش في البيت الأبيض حول غزو العراق، قال نائب الرئيس جورج بوش الابن، ديك تشيني، "الشرعية الوحيدة التي نحتاجها تأتي على ظهر دبابة إم1". هذا ما يرويه النائب السابق لوزير الخارجية والمدير الحالي لوكالة الاستخبارات المركزية، وليم بيرنز، في كتاب "القناة الخلفية".

والصورة الرمزية البارزة لـ "شرعية" الغزو كانت صورة الدبابة الأميركية التي أسقطت تمثال الرئيس صدام حسين بساحة الفردوس في بغداد، يوم التاسع من أبريل (نيسان) 2003، وسحله على أيدي خصوم النظام، لكن القراءة في الصورة تبدلت بعد 18 عاماً تكاثرت خلالها الصور والمشاهد، صور المنظومة السياسية الحاكمة التي جاءت على ظهور الدبابات الأميركية، وتجاوزت الحاكم الأميركي بول بريمر في الحماسة لإسقاط الدولة مع النظام وحل الجيش واجتثاث البعث، وتمادت في التسلط والمذهبية والفساد والسطو على المال العام، ومشاهد التحولات الجيوسياسية التي بدأت بكسر "البوابة الشرقية للأمة العربية" التي يحرسها العراق، كما كان يقول صدام حسين، ولم تنتهِ بمزيج من التفاهم والتنافس والصراع بين أميركا وإيران، وصولاً إلى "اختطاف العراق" الذي يعمل رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي على إنهاء ملفه باستعادة الهوية الوطنية والقرار السيادي.

أخطاء قاتلة

"الحوار الاستراتيجي" مع أميركا أدى إلى الاتفاق على سحب القوات المقاتلة الأميركية التي عملت على ضرب "داعش"، وإبقاء المستشارين والمدربين واستمرار الحاجة إلى الحماية الجوية، أما التدخل الإيراني في العراق فهو ملف بالغ التعقيد، ولا أحد يعرف نهايته.

ذلك أن أميركا ارتكبت أخطاء قاتلة في العراق، بعضها بالقصد والتخطيط، وبعضها الآخر بالجهل والغطرسة والغباء، ويعترف الجيش في تقرير عن الحرب بأن "ما قادت إليه خطوات خاطئة عدة هو أن إيران المتجرئة بدت الرابح الوحيد"، كما ترى مستشارة الأمن القومي ثم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في كتاب "قصص على طريق طويل إلى الحرية" أن محاولات بناء الديمقراطية فشلت، وأن "ما يمكن فرضه بالقوة هو الديكتاتورية لا الديمقراطية". والمختصر في رأي فريد زكريا هو إعطاء العراقيين "حرباً أهلية لا ديمقراطية" و"إفلاس الأمم لا بناء الأمم"، وأبسط ما قاله الرئيس العراقي الحالي برهم صالح في قمة المصارحة هو أن "منظومة الحكم منذ 2003 فشلت، ونحن في حاجة إلى بناء دولة قادرة ومتقدرة وذات سيادة كاملة"، وهي الدولة التي يطمح مصطفى الكاظمي إلى بنائها والرهان على قوى جديدة في الداخل، كما على ما يسميه "المشرق الجديد" عبر الانفتاح على مصر والسعودية والإمارات العربية والأردن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن إيران بالمرصاد. أول ما فعلته هو "لبننة العراق"، بحسب السفير الأميركي السابق الذي خدم في لبنان ثم سوريا ثم العراق، ريان كروكر. اللبننة عبر تركيز المحاصصة الطائفية والمذهبية في السلطة، واللبننة عبر فصائل "الحشد الشعبي" التي هي مثل "حزب الله" في لبنان و"أنصار الله" في اليمن وأماكن أخرى، ميليشيات مرتبطة بـ "الحرس الثوري الإيراني". الحشد يقصف بالصواريخ المنطقة الخضراء في بغداد والقواعد العسكرية العراقية التي فيها قوات أميركية لمحاربة "داعش"، والحوثيون يقصفون المراكز المدنية في السعودية بالصواريخ والمسيّرات المفخخة، وكل شيء من طهران ولا أحد يجهل أهمية الدور الجيوسياسي للعراق في "استراتيجية الملالي"، إذ هو طريق السلاح والرجال والنفوذ إلى سوريا ولبنان، إضافة إلى كونه عصب المشروع الإمبراطوري الإيراني.

جيل ما بعد الغزو

ولا شيء ثابت. القوى العراقية التي كانت في إيران وسوريا وبعض عواصم الغرب وجاءت مع الدبابات الأميركية، باستثناء القوى الكردية، هي التي تصر على الانسحاب الأميركي الفوري وتعمل لإفشال حكومة الكاظمي وعودتها إلى المحيط العربي، والجيل الذي ولد قبيل الغزو الأميركي وخلاله هو اليوم، لا سيما في المحافظات الجنوبية، الجيل الجديد الذي يشكل العمود الفقري للمجتمع المدني، والذي ينزل إلى الشوارع والساحات للمطالبة بدولة مدنية ديمقراطية، والتخلص من "الاحتلالين" الإيراني والأميركي. ففي كل نقطة قوة نقطة ضعف. الغلو في المحاصصة المذهبية والطائفية يقود حتماً إلى التمرد وتقوية الشعور المدني ومزيد من الضغط الإيراني على العراق، يؤدي إلى الثورة وتعميق الوطنية العراقية.       

والمشهد تراجيدي. أميركا تعترف بأخطائها، بصرف النظر عن مدى تعلم الدروس. إيران لا تعترف بأخطاء، لأنها تراها مرحلة على الطريق وتعتبرها من أسس مشروعها الإقليمي، فما فتح الطريق واسعاً إلى مشروعها هو الأخطاء الأميركية، ولولا الغزو الأميركي للعراق قبل 18 عاماً لكان المشهد في المنطقة مختلفاً عما هو عليه اليوم، وعلى قدر القوة العظمى تأتي الأخطاء عظيمة.

المزيد من تحلیل