Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الاستعراض الأخير" مسرحية سورية تستلهم مشهديات برودواي

الإخراج يركز على الكواليس والتمارين هي مادة العرض الدرامي الراقص

من اجواء المسرحية السورية "الإستعراض الأخير" (اندبندنت عربية)

يحاول الفنان معتز ملاطية لي مقاربة أجواء مسارح برودواي الأميركية في مسرحيته الراقصة "الاستعراض الأخير"، التي كتبها وأخرجها (دار الأوبرا السورية)، مشتغلاً هذه المرة على منطقة الكواليس، بحيث يشاهد الجمهور تمارين الفرقة الراقصة، ليكون العرض هو ذاته أجواء البروفات التي يشرف عليها مخرج الفرقة (يحيى بيازي)، والذي تعرض لحادث سير جنوني أثناء خروجه شارداً من صالة المسرح، وصولاً إلى متابعته للتدريبات بعد عودته مُقعداً على كرسيٍ متحرك.

من هنا تدور أحداث "الاستعراض الأخير" لنتابع عمل مدرب الرقصات (محمد شباط) برفقة خمسةٍ وعشرين راقصاً وراقصة، فنشاهدهم يواظبون على تمارينهم، جنباً إلى جنب مع إنجاز الأعمال الفنية للعرض على مرأى من الجمهور، من تصميم وتركيب الديكور (صمم السينوغرافيا غيث المحمود) وتأليف موسيقي (سيمون مريش)، وتصميم للأزياء (أحمد منصور) مروراً بإعداد المادة الفيلمية للعرض (عبد الرحمن سمسمية).

وقد لعبت المادة البصرية هنا دور الوسيط بين صالة المسرح وخارجها، مصوّرةً للجمهور ذهاب الراقصين والراقصات وإيابهم من/ وإلى قاعة التدريبات، وصولاً إلى الحادث المؤلم الذي يتعرض له مخرج العرض بشكل لا منطقي، حين تدهس السيارة المخرج بقوة، فيطير أمتاراً في الهواء، لنرى عودته بعد ذلك وقد أصيب بشلل في قدميه.

هذه الفرضية بدت مثيرة على مستوى التفكير بعرض مسرحي راقص اعتمد على رقصات الجاز اللاتينية، لتقتصر هذه الرقصات في التنفيذ على حركة رتيبة لأقدام الراقصين وأيديم، من دون الدخول في الدوران والحركة الرشيقة للراقصة الشريكة في هذا النوع من الرقص، والذي أضاف عليه الشباب الأميركي حركات إضافية في تسعينيات القرن الفائت، ليتماشى مع موسيقى الروك الحديثة.

وهذا ما جعل العرض يبقى أسير تصوراته النظرية، مراوحاً في معالجة فنية قاصرة، وبعيدة من تحقيق عنصري الدهشة والتشويق. فعلى صعيد الشكل الفني دخل "العرض- البروفا" في رتابة حركية، وفي تكرار الرقصات على الخشبة من دون طائل.

واكتفى المخرج ملاطية لي بتمرير زمن التدريب كزمن موازٍ للعرض الفعلي، من دون أن يطوّر من خط سير الأحداث، أو يحاول مقاربتها فنياً، بل ظل في إطار نقل حذافير الزمن الواقعي، واستخدامه هنا كمعادل موضوعي وفني في آن واحد.

بين الواقعي والفني

هذا الخلط بين الواقعي والفني أدى إلى وضع الجمهور (ونفيه) في موقع المتلصص على العرض، ومن دون إشراكه حتى في وضعيات أو ترتيب وقوف الراقصين على الخشبة، الذين بدورهم أداروا ظهورهم وأشاحوا بوجوههم عن المتفرجين في معظم اللوحات التي قدموها، وكأنهم وحدهم على المسرح، منشغلون في أداء باهت لإرشادات المخرج ومدرّب الرقصات، ليتوالى المشهد تلو المشهد من دون الخلاص إلى صيغة استعراضية تلائم عنوان العرض وفرضيته.

هكذا خسر الريبرتوار السوري الراقص فرصة انبعاثه من جديد في "الاستعراض الأخير"، وقد بدا متعالياً في طرحه الرقص كموضوع للرقص نفسه، لتأتي أغنية العرض "هيك نحنا هيك" التي سجلتها بصوتها في الأستوديو سيدرة الحواصلي، وأدتها على المسرح مارييلا خوام. ثم يبدأ الاستعراض الضخم "الأخير" عبر رقصة ختامية كررت هي الأُخرى رقصات قُدمت كنوع من التدريبات طوال فترة العرض، لكن هذه المرة في غياب شخصية المخرج، فيقرر الراقصون ومدربهم تقديم عرضهم على الرغم من الحادث الذي يتعرض له مخرجهم الغريب الأطوار.

وكان لافتاً تقسيم المسرح في "الاستعراض الأخير" إلى مستويين، توزعت عليهما حركة الراقصين والموسيقيين وفنيي الديكور والأزياء. وتم إشغال القسم الأكبر من فضاء القاعة الرئيسية في دار الأوبرا، لتلعب إضاءة جواد أبو كرم دوراً حاسماً في إخفاء أو إظهار كتلتين رئيستين على الخشبة، موظّفاً المستوى الأعلى لهندسة الصوت الحية والمباشرة، والمستوى الثاني لحركة الراقصين، وبقية العمليات الفنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن كل هذا بقي بدوره مجانياً لانعدام رؤية إخراجية واضحة، وكذلك السعي دائماً إلى محاكاة برانية لمختبر راقص، بدا في "الاستعراض الأخير" وكأن الجمهور يطل على صالة لتمارين رياضية (أيروبيك) يجاهد فيها الراقصون لإنقاص أوزانهم، بدلاً من العمل على أبعاد جمالية للمسرح الجسدي، والخروج نهائياً من صيغة البروفا إلى صيغة العرض.

واللافت في عرض "الاستعراض الأخير" هو انعدام العلاقة الحركية بين الراقصين، وهي علاقة لا تعتمد على القوة العضلية بقدر ما تعتمد على الفهم العميق للتشريح وآلية حركة الجسد، ونقاط الثقل بين الجسدين. أي كيف يستطيع الراقص/ة أن يوزع وزنه على وزن الراقص الشريك، وهذا يحتاج للكثير من التجريب والتعمق لفهم مواطن الثِقل، بالتالي نقلها إلى هذا الشريك، وذلك بغض النظر عن جنس الشريك أو طوله ووزنه.

وهذا ما يتطلب حساسية عالية لالتقاط إشارات الشريك كراقص، ومدى تأثير الحركة سلبياً وإيجابياً عليه. علماً أن المعرفة الطويلة بالشريك لا تتطلب بالضرورة فترة طويلة من التدريب، بل يمكن أن تكون على هيئة ارتجال جماعي يشترط الخبرة أولاً التي يحتاجها هذا النوع الخطر والحساس من الرقص، وأي حركة خاطئة تؤدي إلى خسارة الشريك، وربما إلى إصابات جسدية فادحة.

تطويع الجسد

وهذا ما غاب نهائياً في "الاستعراض الأخير"، فالرقص لا يقوم فقط على الاستعراض، إنما على آليات معقدة تكمل جماليتها في الحركة اللولبية للجسد، ورهافة الحركة على المسرح؛ واللطف والقرب من المتلقي، من دون الحاجة إلى استعراض جسدي مادي أنثوي من جهة، ولا عضلي ذكوري من جهة أُخرى. فتصدير تضاريس الجسد أو انحناءاته التي تقدمها العضلات لا يعني شيئاً؛ لكون الرقص يتوق إلى تقديم لغة من خلال ذلك. فلغة الرقص تتطلب تطويع الجسد، وإتقان الحركة والمعرفة العميقة بها، إتقان الآلة- الجسد؛ لا استعراض هذه الآلة؛ بل الفكرة التي تريد هذه الآلة- الجسد أن تقولها.

من جهة أخرى غلب طابع الرقص السياحي على "الاستعراض الأخير"، مما شتت الانتباه عن المغزى الحقيقي لأشياء كان يمكن أن يقولها ملاطية لي من دون الذهاب إلى حالة "الـشو" (SHOW)، فالرقص لا يعطي مفردات جاهزة، بل حالات وأفكاراً ومواقف. والفكرة في الرقص أقرب إلى اللوحة التجريدية منها إلى الرسم الواقعي، لكونها توفر حالة وشكلاً؛ لكنها لا ترسم التفاصيل الصغيرة التي تتكون منها اللوحة، فيراها الجمهور كما تبدو له. إنها فكرة وليست تساؤلاً محدداً، ونقطة الثقل هنا تكون غالباً على الموضوع الذي تعالجه، وليس من خلال استعراض التقنيات الجسدية، كما هي الحال في عروض الرقص البحتة. ‏

ويحسب لـ"الاستعراض الأخير" تقديم مسرح بلا أسرار، فعلى الرغم من عدم تكييف الرقص لصالح الجهد المسرحي الدرامي، إلا أن المخرج والكريوغراف معتز ملاطية لي، وهو أستاذ الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية، لفت إلى أن تقديم تفاصيل العمل الإبداعي بهذه الصيغة جديد للغاية، ويُنفّذ للمرة الأولى في سورية. وقال إنه قد رغب بالتركيز على فكرة الإجهاد الكبير الذي يتعرض له مخرج العمل، لا سيما في الأسبوع الأخير للتحضيرات. وهذا ينطبق عليه، بحيث وصل معدّل الساعات التي عمل فيها ملاطية لي إلى عشرين ساعة في اليوم، سواء في إنجاز البروفات، أو ملاحقة تفاصيل العرض الفنية والإنتاجية كافة، موضحاً أنه يقدّم فكرة جديدة في كل نص يكتبه ويخرجه ليكون الأول من نوعه.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة