Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مبدأ "فصل الدين عن الدولة" في السودان ينتظر امتحان التطبيق

رأى البعض أن وعي المواطن السوداني يسمح له بتخطي هذا الأمر فيما رفضه البعض الآخر

توقيع إعلان المبادئ في جوبا بين البرهان والحلو في 28 مارس الماضي (صفحة رئيس الحكومة الإنتقالية السودانية)

أثار البند الخاص بفصل الدين عن الدولة، الذي تضمنه إعلان المبادئ الموقَّع بين حكومة السودان، و"الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال"، الأحد 28 مارس (آذار) الماضي في عاصمة دولة جنوب السودان، جوبا، لغطاً كبيراً في الشارع السوداني، ما بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة. 

وعبّر مؤيدو هذه المسألة، عن اعتقادهم بأنه للمرة الأولى في تاريخ البلاد، يحصل إجماع حول قضية فصل الدين عن الدولة، باعتباره "الخيار الأنسب للسودان"، فيما رأى المعارضون أنه "تكريس للعلمانية وانتهاك للثوابت الوطنية"، وأن الاستعجال في تطبيقه قد يؤدي إلى نتائج عكسية لا تُحمد عقباها. 

وفي هذا السياق، يشير المحلل السياسي السوداني عبدالله آدم خاطر، إلى أن "مسألة فصل الدين عن الدولة ليست محل جدل في بلد مثل السودان في الوقت الراهن، وذلك لسبب بسيط هو أن المواطن السوداني أدرك بأنه لا يمكن أن تُستخدَم النصوص الدينية لاستقطاب الناس العاديين، أو لاستنزاف الموارد، وأن تكون مصدراً للترويج الإعلامي، وتشويش شخصية الإنسان. فالدين جزء من ثقافة المجتمع وتقاليده وأعرافه، كما أن التنوع في الثقافات أسهم في وجود تنوّع عند تناول قضايا الدين، فمواطن دارفور المسلم ليس بالضرورة أن تكون ممارسته لأمور دينه كمواطن شرق وشمال السودان، لذلك أصبح الفهم الواسع لقضايا الدين هو الخيار المناسب بالنسبة إلى السودان، وكذلك الحال في ما يتعلق بإدارة التنوع". 

استغلال الدين 

وأشار خاطر إلى أنه "لا يمكن أن يكون الدين سبباً في تشرذم المجتمع بأي حال من الأحوال، بالعكس فإنه في أوج حرية التديّن ظهرت اتجاهات فكرية مختلفة أسهمت في معالجة مشكلات المجتمع في ذلك الوقت، فالإسلام يظل دين الوسط والوسطية، مع العلم أن كل دعوات التشدد كان مصيرها الزوال". 

وتابع المحلل السياسي، "للمرة الأولى في تاريخ السودان تتفق كل القوى السياسية السودانية باختلاف أنواعها على المبادئ الدستورية التي تحكم الفترة المقبلة، لذلك فإن الجدل حول عملية فصل الدين عن الدولة لا قيمة له سواء من الناحية الدستورية أو القانونية أو الثقافية، حيث أصبح هناك وعي تام لدى المواطن السوداني بكل ما يحيط به ويتعلق بشؤون وطنه، فلن يقبل مرة ثانية بأن يُستخدَم الدين لاستغلال موارده". 

مخاض عسير 

من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية في "جامعة أفريقيا العالمية" في الخرطوم محمد خليفة صديق، أن "المجتمع السوداني مجتمع متديّن ومحافظ، بالتالي ليس من السهل تطبيق مسألة فصل الدين عن الدولة، على اعتبار أن حسم مثل هذه القضايا الحساسة يجب أن يتم بعد مخاض عسير، كما حدث في أوروبا حيث تم تطبيق هذه المسألة بعد حراك طويل. وربما أن الدين المسيحي من الأديان التي لها تأثير كبير في حياة الناس، فضلاً عن وجود تداخل كبير للديانة المسيحية في المسألة السياسية، لكن بالنسبة إلى الدين الإسلامي، فإن الأمر مختلف، وفيه كلام كثير، فهو دين حياة، ويصعب فرض قضايا محل خلاف". 

وأضاف صديق "لقد وضح ذلك جلياً الآن، حيث رأينا كيف استقبلت القوى الدينية والمجتمعية كهيئة شؤون الأنصار، واتحاد العلماء، وجهات كثيرة هذا الأمر، فكلها رفض هذه الخطوة، واتفقت على أنها أمر مصيري يستلزم إخضاعها للنقاش في مؤتمر دستوري، أو تنظر فيها حكومة منتخَبة وليس حكومة فترة انتقالية، فهذا الموضوع له أبعاد مختلفة، وأن الاستعجال في تطبيقه سيكون له رد فعل عكسي ربما يأتي بما لا تحمد عقباه. أما إذا كان هناك إصرار على تطبيقه فيجب أن يُطرح في استفتاء عام لكل السودانيين، حتى لا يؤدي إلى شرذمة المجتمع السوداني، وشرخه". 

ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن "موضوع فصل الدين عن الدولة غير متفَق عليه في منطقة جبال النوبة نفسها التي تنطلق منها هذه الدعوة، باعتبارها مكان سيطرة وتواجد الحركة الشعبية شمال، فهذه المنطقة (جبال النوبة) فيها وجود قوي للمسلمين والصوفية وكذلك السلفيين غير المتطرفين، لكن قد يكون رئيس الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو استمع إلى مستشاريه الغربيين الذين يحيطون به كما هو معلوم، وربما اقترحوا عليه هذا الأمر (فصل الدين عن الدولة)، كمعالجة ومخرج لمشكلات السودان، لكن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة متعمقة قبل تطبيقه على أرض الواقع". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مؤتمر دستوري 

في المقابل، قال مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون القانونية إسماعيل كتر، "ليس من حق مجلس السيادة، أو مجلس الوزراء، أو ثوار الثورة السودانية، أو أي شخص كان، أن يبت في قضية أساسية تتعلق بالدين، كما ليس من حق أي جهة حاملة سلاح أن تفرض أيديولوجيا معينة، فهذه المسألة تهم كل السودانيين، ما يستلزم حسمها في المؤتمر القومي الدستوري المتفَق على انعقاده قبل نهاية الفترة الانتقالية". 

وواصل كتر، "صحيح أن فترة النظام السابق شهدت انعدام الحريات، لكن الآن هناك توافق تام حول الدولة المدنية، وكل الحقوق المدنية مكفولة ومتساوية بغض النظر عن اللون والعرق والدين بما يتوافق مع نصوص حقوق الإنسان، لكن بشكل عام فإن حق فصل الدين عن الدولة يتم اتخاذه بموجب الشرعية الانتخابية، فأي جهة تمنح هذا الحق فمن حقها أن تبت وتقرر فيه، فهذه هي الديمقراطية التي نريد ممارستها، ولا نريد في الوقت ذاته استغلال ظرف محدد لتمرير أجندة أو أيديولوجيا خاصة بجهة ما". 

وأكد مساعد رئيس حزب الأمة القومي للشؤون القانونية، بأنه ليس هناك خلاف حول قضايا عدة حملها اتفاق المبادئ، بخاصة تلك التي تتعلق بسيادة واستقلال البلد، ووحدة أراضيه، وغيرها، لكن يجب أن يعرف الجميع أن الدين الإسلامي دين تسامح، وليس محل مزايدة في القضايا السياسية والمصيرية، بالتالي يجب ألا تُفرض القضايا الخلافية من دون أخذ رأي أهل السودان جميعاً ومشورتهم". 

تكريس للعلمانية 

وسارعت الأحزاب الإسلامية في البلاد التي تحمل أكثر من مسمى، بعد انشقاقها عام 1998، إبان فترة الحكم السابق، إلى رفض ما جاء في إعلان المبادئ الذي وقعته الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال"، حيث قال الأمين السياسي لـ"حزب المؤتمر الشعبي" المعارض في السودان عبد الوهاب سعد، "لا يملك رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح برهان تفويضاً من الشعب السوداني لفصل الدين عن الدولة، وعلى الجميع احترام المؤسسية والخيار الديمقراطي في اتخاذ مثل هذه القرارات مهما كانت نتائجه". 

وأكد رئيس "منبر السلام العادل في السودان" الطيب مصطفى، أن "إعلان المبادئ الموقع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال يكرس العلمانية ويتجاوز الوثيقة الدستورية"، معتبراً أن "السودان يعيش في ظل انقلاب عسكري كامل الدسم يفعل قائده ما يريد". 

كذلك أشار بيان لـ"حركة الإصلاح الآن" برئاسة غازي صلاح الدين، إلى أن "بلادنا استيقظت وقد غُلّت رقبتها باتفاق جديد وُقِّع في غفلة منها، بأسلوب المباغتة والمفاجأة المعلوم والمعتمد في فنون المعارك السياسية"، منوهاً بأن "الاتفاق لم تُشرَك فيه، بل لم تُخطَر به مجرد إخطار، أي جهة أخرى رسمية أو أهلية مما تعج بها ساحة السياسة السودانية". 

وتابع البيان، "لقد تناول الاتفاق واحدة من أعقد القضايا السياسية التي ظلت من ثوابت الأجندة السياسية في البلاد منذ الاستقلال، وبصورة خاصة تناول مسألة الدين والدولة، وفصل فيها بأكثر مما يطالب به رئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو".  

وكانت المفاوضات بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال، تعثرت العام الماضي وحالت دون توقيع الأخيرة (الحركة الشعبية) على اتفاق السلام بجوبا في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بسبب تمسك الحركة الشعبية بالعلمانية وحق تقرير المصير، لكن جهود الوساطة والمجموعات الدولية قاربت وجهات النظر بين الطرفين، مما أسهم في التوقيع على هذا الاتفاق. 

ومن المنتظر أن يمهد اعلان المبادئ، الطريق أمام الجانبين (حكومة السودان، والحركة الشعبية) لاستئناف المفاوضات التي حددتها الوساطة الجنوب سودانية في 20 أبريل (نيسان) الجاري.

المزيد من متابعات