Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران ترسم مستقبل علاقاتها الخارجية على قاعدة التوجه نحو الشرق

يطمح خامنئي إلى بناء محور مع روسيا والصين

أدخل خامنئي تعديلاً في الرؤية الإيرانية التاريخية في علاقة طهران مع العواصم الغربية (أ ف ب)

لا شك في أن الإدارة الأميركية تراقب عن كثب الخطوات التي يقوم بها النظام الإيراني، والهادفة إلى رسم مستقبل العلاقات الخارجية لطهران على قاعدة التوجه نحو الشرق، خصوصاً بعدما دخلت المفاوضات مع الصين في شأن الاتفاق الاستراتيجي الاقتصادي مراحلها الأخيرة، ويبدو أن التوقيع عليه مرتبط من الناحية الصينية باتضاح الصورة التي ستحكم المشهد الإيراني بعد الانتخابات الرئاسية، وما ستنتهي إليه جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي، وما يشكله كمدخل لعودة الطرفين الأميركي والإيراني للجلوس إلى طاولة مفاوضات مباشرة.

وليس بعيداً من مسار العلاقة مع الصين، فقد أعلنت طهران وموسكو نيتهما تمديد الاتفاق الاقتصادي والتجاري الموقع قبل 20 سنة لمدة خمس سنوات جديدة، مع السعي إلى فتح مجالات التعاون بينهما نحو آفاق جديدة لم يلحظها الاتفاق سابقاً، وقد تشمل قطاعات مثل التعاون في إنتاج لقاحات كورونا والتعاون العسكري والأمني والسياسي وخطوط سكك الحديد التجارية، وفتح ممرات برية تربط روسيا بالمياه الدافئة في الخليج، والتي كانت في صلب محادثات وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف خلال جولته على دول القوقاز وموسكو، إضافة إلى تركيا، وما تم التأكيد عليه خلال زيارته حاكم منطقة نخجوان الروسية حول استعداد إيران لشق طريق بري تجاري يربط الموانئ الإيرانية على الخليج بهذه الدول وصولاً إلى موسكو، في إطار (كريدور شمال- جنوب)، فضلاً عن وجود أرضية واسعة للتعاون في مجال بناء المفاعلات النووية والحرارية.

هذا التوجه الإيراني الذي يقوده المرشد الأعلى علي خامنئي ويتابعه وزير الخارجية الذي يؤكد أنه لعب دور مهندس الاتفاق مع الصين، وشريك أساس في صوغ التفاهمات مع موسكو، وإعادة دفعه إلى الواجهة في هذه المرحلة، يأتي في وقت وصلت فيه جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي إلى مرحلة من الشد والجذب، نتيجة تمسك الطرفين بالشروط والآليات التي وضعها كمقدم للعودة إلى طاولة التفاوض والحوار.

وقد جاءت الرسالة التي وجهها المرشد الإيراني إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرسالة الجوابية التي بعثها بوتين إلى خامنئي، في مرحلة حساسة في العلاقات الأميركية مع كل من موسكو وبكين، وهي تصب من ناحية في تعزيز الموقف المتعنت للنظام الإيراني في التمسك بالشروط التي رفعها في وجه إدارة الرئيس جو بايدن للعودة إلى وقف أنشطته النووية خارج الاتفاق، وضرورة فتح التفاوض في شأن البرنامج الصاروخي والنفوذ الإقليمي، مستفيداً من حال التوتر المتصاعد بين واشنطن وهاتين العاصمتين، ومنها وصف بايدن لنظيره الروسي بوتين بالقاتل، والتهديدات المباشرة التي شهدها الاجتماع الأمريكي - الصيني الأول في ألاسكا.

ومن ناحية أخرى، فإن النظام في طهران يسعى إلى إرساء معادلة جديدة تخاطب الإدارة الأميركية والدول الغربية خصوصاً الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) بامتلاكها خيارات استراتيجية شرقية يمكن أن تلجأ إليها أمام تردد هذه الدول في اتخاذ خطوة جديدة لحل أزمة الحصار السياسي والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتلكؤ الترويكا الأوروبية في اتخاذ أية خطوة تخفف وطأة الإجراءات الأميركية، وهي استراتيجية تعني أن النظام سيتجه إلى المحافظة على علاقاته مع موسكو وبكين، وسيعمل على تعزيزها وتوسيعها وترسيخ العلاقات الاستراتيجية، تضع الانفتاح على دول آسيا في مقدم اهتماماتها، في رؤية لن تكون مرحلية بل طويلة الأمد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبدو أن خامنئي استطاع إدخال تعديل في الرؤية الإيرانية التاريخية في علاقة طهران مع العواصم الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، وهذا التغيير يأتي نتيجة تمسكه بسياسة الشك والتشكيك في النيات الأميركية تجاه النظام الإسلامي، وسياسة الاتهام الدائم لواشنطن بالعداء والسعي إلى الإطاحة بالنظام، والقضاء على الثورة وطموحاتها الإقليمية في إطار رؤيته "للعالمية الإسلامية"، وقد برز هذا التغيير في الأسبوع الأول بعد التوقيع على الاتفاق النووي في 15 يوليو (تموز) 2015 خلال لقائه مع قادة حرس الثورة، والذي حاول فيه تقديم ضمانات لهذه المؤسسة بلعب دور مفصلي ومحوري في مستقبل إيران، وأن التوقيع على الاتفاق لا يعني التخلي عن الشك والريبة تجاه الموقف الأميركي ونياته، مشيراً بشكل واضح إلى ضرورة الالتفاف نحو الشرق للبحث عن بدائل اقتصادية واستثمارية من باب الوفاء لهذه الدول الشرقية، خصوصاً روسيا في وقوفها إلى جانب إيران في معركتها التفاوضية.

الدخول المباشر للمرشد الأعلى ومن دون قفازات على خط رسم السياسات والتوجهات الاستراتيجية للنظام، على الرغم من أنه الجهة الوحيدة في النظام التي تمتلك السلطة الشرعية والدستورية التي تحصر صلاحية رسم السياسات الخارجية والمواقف الاستراتيجية للنظام، هذا الدخول يأتي في مرحلة زمنية حاسمة تسبق الانتخابات الرئاسية التي من المفترض أن تعيد السلطة التنفيذية إلى حضن المعسكر المحافظ الموالي له، وبالتالي سحب الورقة التي منحها إلى الرئيس حسن روحاني الذي قاد المفاوضات النووية انطلاقاً من ضوء أخضر من المرشد، والتوقيع على الاتفاق الذي لم يحصل على تأييده الواضح، وتقديم برهان واضح لدعاة اعتماد سياسة الانفتاح على الغرب، وجذب استثماراته للنهوض بالاقتصاد الإيراني وتطويره، لعدم صواب هذا الخيار.

بناء عليه، فإن المرحلة المقبلة في حال أُعيد تفعيل الاتفاق النووي أو لا، لن تكون سياسة الاستفادة من دعم الدول الشرقية ومنح الاستثمارات للدول الغربية ضمن الرؤية الاستراتيجية للنظام، خصوصاً أن التعاون مع هذه الدول، ولا سيما روسيا في القضايا الاقليمية والدولية، وتحديداً في الأزمة السورية، قد برهن على إمكان الاستثمار الحقيقي في المصالح المشتركة بينهما، وتوظيف هذه العلاقات وتعزيزها في مواجهة التشدد الأميركي، إن كان في شروطه الاقتصادية أو في العقوبات التي تسخدمها أداة ضغط لفرض تنازلات على هذا المحور (الإيراني- الروسي- الصيني) الذي يطمح خامنئي لبنائه مع بوتين وشي جين بينغ.

المزيد من تحلیل