Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحرس الثوري الإيراني" بين "اقتصاد المقاومة" و"عسكرة" السياسة والرئاسة

العقوبات التي فُرضت على النظام دفعته إلى السوق السوداء والتهريب والاستئثار بالقطاعات الاقتصادية

قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي خلال تفقده "مدينة الصواريخ" الجديدة في 15 مارس الحالي (رويترز)

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية واستعداد عدد من المنتمين إلى "الحرس الثوري" لخوض غمارها من جهة، وتوالي تصريحات قادته التي تستعرض القوة العسكرية من جهة أخرى، يمكن تحليل تطور دور تلك القوة العسكرية كإحدى مؤسسات صنع القرار على المستويين السياسي والاقتصادي، بما جعلها مركزاً رئيساً للنفوذ، إذ تسيطر على جوانب عدة من السياسة الإيرانية.
في أعقاب الإطاحة بالشاه، ثم التخلص من شركاء التيار الديني في إيران، من قوميين ويساريين وليبراليين لتأسيس دولة ثيوقراطية ثورية عام 1979، أُنشئ "الحرس الثوري" لحماية النظام الجديد، وكحارس أيديولوجي من التهديدات الداخلية والخارجية. وتأسس كجيش شعبي لترسيخ مبادئ الثورة وحماية النظام الجديد من أي انقلاب.
وحددت المادة 150 من الدستور الإيراني واجبات "الحرس الثوري" بـ"حراسة الثورة ومنجزاتها"، ويمكن أن نجد أن ثمة غموضاً يكتنف هذه المادة، إذ لم تفسّر حدود سلطاته، في حين أنه الأكثر تأثيراً سياسياً من بين القوات النظامية. ويُعدّ المرشد الإيراني هو القائد الأعلى لـ"الحرس الثوري" ويعيّن قائده، فيبسط بذلك سلطته على قيادته لتقييد أي محاولة للتصرف وفق أجندة تختلف عن توجهاته.
ويرجع تعاظم نفوذ "الحرس الثوري" سياسياً إلى الاعتماد عليه لقمع المعارضة منذ بدايات تأسيس النظام. وتطور دور "الحرس الثوري الإسلامي" (IRGC) إلى ما هو أبعد من دوره الأصلي كحارس أيديولوجي للنظام الوليد، فحضوره قوي في النظام السياسي الفصائلي، ويؤيد بشكل عام التيار المتشدد. كما تأتي شخصيات بارزة عدة من بين صفوفه. وامتد نفوذه من خلال تأسيس "فيلق القدس" ليكون أداة رئيسة لتنفيذ سياسة إيران الخارجية وللتأثير في المنطقة، داعماً للحركات والقيادات المؤيدة لطهران.

ومنذ عام 2007، يتمتع قائد "الحرس الثوري" بتأثير سياسي، فقائده الأسبق محمد علي جعفري، وهو حليف مقرب من المرشد الأعلى علي خامنئي، سبق أن انتقد الرئيس حسن روحاني في أعقاب مكالمة هاتفية تلقّاها الأخير من الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في 27 سبتمبر (أيلول) 2013. واستمر جعفري في معارضة تقديم تنازلات كجزء من التسوية النووية مع الغرب.
كذلك يلعب سلاح البحرية التابع لـ"الحرس" دوراً في الدوريات التي تُسيَّر في مضيق هرمز.

أما قوام "فيلق القدس" فيصل إلى نحو 15 ألف عنصر يقدمون المشورة والدعم، ويتهمون بتوصيل شحنات الأسلحة إلى الفصائل المؤيدة لإيران، وبعض الشخصيات في لبنان والعراق وسوريا وغزة والضفة الغربية وأفغانستان وآسيا الوسطى. وينفي الحرس الثوري دائما مشاركته بالمعارك في عدد من الدول منها سوريا والعراق واليمن.
يُذكر أن تنامي دور "الحرس" على مدى سنوات عمر النظام الإيراني، أدى إلى سيطرته على الاقتصاد الوطني، وذلك في أعقاب إتاحة الفرصة له لإعادة إعمار البنية التحتية بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية (1980 – 1988). ومنذ ذلك الحين، توسّع في صناعات أخرى عدة، إضافة إلى البنوك وقطاع الشحن والتصنيع والواردات الاستهلاكية، كما أمّن النفوذ السياسي للشركات التابعة لـ"الحرس الثوري" عقوداً من الدولة من دون مناقصات، لخدمة قطاع النفط وتطوير البنية التحتية. وتعدّ شركة "خاتم الأنبياء" الإنشائية أهم شركات "الحرس" وتعمل فى مجالات صناعة النفط والغاز وإدارة المياه وبناء السكك الحديد والطرق وتطوير الموانئ والمناجم وخطوط أنابيب النفط والغاز وتكنولوجيا المعلومات. ويخدم قادة كبار في "الحرس" في مجلس إدارة الشركة، كما شغَل رئيسها بين عامَي 2011 و2013، منصب وزير النفط.
أدار "الحرس الثوري" هذه القطاعات بمنطق "اقتصاد المقاومة" الذي يعني التأكيد على سياسات الاكتفاء الذاتي لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، إلا أن هذه السياسة أدت إلى تحكّمه بحوالى ثلث الناتج المحلي، والاعتماد على التهريب والسوق السوداء. ويتم توجيه هذه الإيرادات إلى أعضائه وعائلاتهم وتطويع عناصر لميليشيا "الباسيج"، هذا غير الإنفاق على العمليات العسكرية والسرية والبرنامج النووي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


المفارقة الواضحة هي أن العقوبات الأميركية التي فُرضت على النظام، أتاحت له مزيداً من الفرص في السوق السوداء والتهريب والاستئثار بالقطاعات الاقتصادية بعد انسحاب الاستثمارات الأجنبية من البلاد. وهنا يتجلّى دافع "الحرس الثوري" لرفض الانفتاح على الغرب وإتمام الاتفاق النووي، الذي كان سيجعل إيران سوقاً مفتوحة أمام العقود الأجنبية.
لم تقتصر تأثيرات الحرب العراقية - الإيرانية على إتاحة الفرصة أمام تنامي دور "الحرس" اقتصادياً فقط، بل وعسكرياً كذلك، إذ حوّلته من جيش شعبي إلى قوة قتالية تقليدية ذات طابع مؤسسي كبير. ولا يزال "الحرس" قوةً موازية للقوات النظامية الإيرانية، إذ يتشكّل من القوات البرية وقوات "الباسيج" شبه العسكرية، والقوات البحرية المنفصلة عن الفرع البحري للجيش الإيراني النظامي، والقوة الجوية المسؤولة عن برنامج الصواريخ الباليستية. كما تم تشكيل منظمة استخبارات متخصصة تابعة له (منظمة استخبارات الحرس الثوري الإسلامي) أثناء رئاسة محمود أحمدي نجاد، الذي كان متطوعاً سابقاً في "فيلق القدس". وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، أعطى النظام الإيراني وحدات الاستخبارات الثوري مزيداً من القوة، التي تجاوزت تلك التابعة لوزارة الاستخبارات، وذلك بهدف رصد المعارضة الإيرانية. وأصبحت هذه الوكالة الجديدة على الأقل بالقوة ذاتها إن لم تكن أقوى من وزارة الأمن القومي والاستخبارات.
ومع اندلاع ما سُمّي بـ"ثورات الربيع العربي" عام 2011، كان "فيلق القدس" موجوداً في سوريا. في البداية، ادعت إيران أن عناصرها كانوا ينفذون مهمة محدودة للدفاع عن الأضرحة الشيعية. لكن في وقت لاحق، أقرّت بأن "فيلق القدس" كان يساعد رئيس النظام السوري بشار الأسد على البقاء فى الحكم. وردّاً على صعود تنظيم "داعش" المتشدد، وسّع المسؤولون الإيرانيون وجود "فيلق القدس" في كل من العراق وسوريا.
أما على مستوى السياسة الداخلية، فأصبح "الحرس" أيضاً لاعباً مركزياً في السياسة الداخلية لإيران، إذ حصل على السلطة كثقل موازن لرئاسة الإصلاحي محمد خاتمي بين عامَي 1997 و2005. وعيّن المرشد علي خامنئي قادة سابقين لـ"الحرس" في مناصب سياسية عليا. وأخيراً، تستعد شخصيات عسكرية إيرانية لخوض الانتخابات الرئاسية.


ويرجع تعاظم قوة "الحرس" إلى علاقته بخامنئي، التي شكّل منبعها افتقار المرشد إلى الشخصية الكاريزماتية التي كان يتمتع بها سلفه روح الله الخميني وشعبيته، فضلاً عن تدنّي رتبته الدينية بين كبار رجال الدين، فوطّد مركزه وسلطته كزعيم للبلاد عبر إنشاء شبكة علاقات شخصية. ونجح خامنئي في إنشاء شبكة من الأتباع المخلصين والممثلين له في كل فرع من فروع الحكومة، وجعل دوائر السلطة المرتبطة به أكثر قوة، ما منحه السيطرة على كل قضية يتدخل فيها، إذ أسس قاعدة دعم مستقلة وشبكة شخصية تضم ممثلين له يتمركزون في آلاف الوظائف الاستراتيجية، في كل وزارة ومؤسسة حكومية مهمة، بما في ذلك المؤسسة الدينية والجيش. وتشكّل هذه القاعدة اليوم شبكة مصالح مكرّسة لإنفاذ سلطة خامنئي، وهي أكثر قوة من الموظفين الحكوميين الآخرين، لأن لديهم سلطة التدخل في أي قضية. كما وطّد المرشد علاقته بـ"الحرس" واعتمد عليه داخلياً وخارجياً.
لا شك أن تزايد الدور السياسي والاقتصادي لإيران، أدى إلى تنافس وصراع على السلطة بين مختلف الفصائل السياسية داخل البلاد، فضلاً عن تآكل مصداقية "الحرس" وشرعية النظام السياسي. وتعثّر الوضع الداخلي الإيراني، إثر التنافس بين مراكز النفوذ التقليدية، التي رأت أن مؤسسات "الحرس" تعاظم دورها على حسابها. كما يمكن ملاحظة كيف أدت الأوضاع الاقتصادية إلى استمرار احتجاجات الإيرانيين لثلاث سنوات. وسبّب كل ذلك أزمةً شرعية للنظام الإيراني، زادها فشله في التعامل مع أزمة وباء كورونا.

المزيد من تحلیل