Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لبنان يقترب من الظلام والنكايات السياسية تشتعل

رفض بري اقتراح منح سلفة لـ"الكهرباء" ومطالب بتحرير وزارة الطاقة من قبضة التيار الوطني

في الـ16 من يوليو (تموز) 2020 أبلغ وزير الطاقة ريمون غجر اللبنانيين بأن أزمة الكهرباء في طريقها إلى الحل على مراحل، وبعد تسعة أشهر قال إن البلد سيدخل في عتمة دائمة أواخر مارس (آذار)، مبرراً الأمر بأن مؤسسة الكهرباء "لم تعد تملك الأموال" لشراء المحروقات، ومحذراً من أنه إذا لم تقر السلفة الجديدة ستكون المؤسسة مضطرة إلى إطفاء المعامل في أواخر الشهر، لا سيما أن الوزارة "لم تعد مرتبطة" بعقد طويل لشراء الفيول بعد انتهاء العقد مع شركة سوناطراك، ما يعني استحالة تأخير الدفعات، فيما تعمد حالياً إلى الدفع المباشر لثمن كل شحنة.

تحرير وزارة الطاقة

وفي الـ17 من شهر فبراير (شباط) الماضي، زار وزير الطاقة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، محاولاً إقناعه بتمرير قانون في مجلس النواب "يجيز إعطاء سلفة" جديدة لمؤسسة كهرباء لبنان، لكي تتمكن من الاستمرار في شراء الفيول لزوم معامل الإنتاج.

لكن بري رفض الاقتراح، معتبراً أنه لا يمكن إقرار سلفة بينما البلد "في حالة إفلاس"، وفيما الحكومة لا تزال عاجزة عن حسم مسألة ترشيد الدعم. وقد كان بري واضحاً في حصر الحل بـ"الإسراع في تشكيل حكومة جديدة" تقر الموازنة، وتذهب إلى الإصلاحات.

حاول غجر بعد طرح المشكلة مع رئيس الجمهورية الالتفاف على موقف بري، مستعيناً بالتيار السياسي الذي ينتمي إليه، فقدم تكتل لبنان القوي اقتراح قانون معجل مكرر لإعطاء سلفة جديدة لمؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 1500 مليار ليرة (نحو مليون دولار أميركي وفق السعر الرسمي) لشراء المحروقات.

لكن بري كان لهم أيضاً بالمرصاد، مصمماً على الضغط من باب الكهرباء، وما قد تحدثه العتمة من غضب في الشارع سيرتد بشكل أساسي على العهد والتيار الوطني الحر الذي تعاقب على وزارة الطاقة لأكثر من 11 عاماً. فرفض رئيس المجلس النيابي إدراج اقتراح القانون على جدول أعمال الجلسة التشريعية، ولم يعرض حتى الاقتراح على المجلس للتصويت عليه على صفة العجلة، بحيث بادر مباشرة الى إسقاط هذه الصفة عنه، وحوّله إلى اللجان المشتركة محدداً الثلاثاء المقبل موعداً لجلستها.

رفض عرض اقتراح القانون لإعطاء سلفة جديدة لمؤسسة كهرباء لبنان وضعه البعض في خانة تسليط الضوء على "فشل التيار الوطني الحر في وزارة الطاقة"، بالتزامن مع إصرار التيار على إبقاء هذه الحقيبة معه في أي تشكيلة جديدة، وأتى كلام النائب الاشتراكي وائل أبو فاعور على هامش الجلسة التشريعية معبراً، إذ دعا إلى "تحرير وزارة الطاقة من التيار الوطني الحر" الذي يضع اللبنانيين تحت رحمته كما قال.

مشكلة السلفة الجديدة لم تكرس فقط الخلاف السياسي بين بري والتيار، بل أخرجت إلى العلن الانقسام الحاصل داخل تكتل لبنان القوي الذي انقسم أعضاؤه بين فريق أصر على المشاركة في الجلسة التشريعية وعدم كسر الجرة مع الرئيس بري، وفي مقدمهم النائبان إبراهيم كنعان وألان عون، وفريق آخر أصر على مقاطعتها انسجاماً مع رأي النائب جبران باسيل الذي اتخذ قراراً بمقاطعة الجلسة على خلفية عدم إدراج اقتراح القانون المعجل المكرر على جدول أعمالها.

أزمة السلفة والدولار

هي ليست السلفة الأولى التي تطلبها مؤسسة كهرباء لبنان ولن تكون الأخيرة. وخلاصة طلب السلفة هي أن شيئاً لم يتغير في السنوات الخمس الماضية منذ بداية العهد الجديد، والسيناريو نفسه يتكرر يقول نائب رئيس الحكومة السابق غسان حاصباني إلى "اندبندنت عربية"، معتبراً أنه في كل مرة يجري التهديد بانقطاع الكهرباء يفتح اعتماد جديد ويتراكم الهدر وهكذا دواليك منذ سنوات طويلة. بحسب خطة الكهرباء التي أقرت عام 2019 كان يفترض أن ينخفض الهدر عام 2020 في القطاع البالغ مليار ونصف دولار، بنسبة 21 في المئة، فيما نحن اليوم تخطينا 37 في المئة زيادة في الهدر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المشكلة في السلفة الجديدة يشرح حاصباني هي الحاجة عند إقرارها إلى تحويلها إلى دولار، ما يعني فتح مصرف لبنان اعتماداً جديداً بالعملة الأجنبية بقيمة مليار دولار، بينما الأموال في المصرف المخصصة للدعم بدأت تنفد، وقد حذر الحاكم مراراً السلطة السياسية من عدم القدرة على الاستمرار بدعم المواد الأساسية ومنها الفيول.

يذكر حاصباني أنه كان توقع منذ أشهر العودة إلى العصر الحجري، وأن الكهرباء ستنقطع وتليها الاتصالات والإنترنت، بسبب عدم توافر الأموال لشراء الفيول المشغل لهذه القطاعات.

والمشكلة أن عقد شراء الفيول مع شركة سوناتراك انتهى، ولم يجر وزير الطاقة مناقصة جديدة، والآلية المعتمدة حالياً لشراء الفيول تعتمد على تأمين ما توافر من بواخر في البحر، وبنوعية غير مضمونة وبأسعار مرتفعة، كما يتطلب الأمر توافر الأموال وفتح الاعتماد لاستقبال الباخرة، الأمر المستحيل نظراً إلى الواقع المالي لخزانة الدولة.

هل كان يمكن تفادي العتمة؟ يجيب حاصباني مؤكداً أن الامتناع عن تنفيذ الإصلاحات في قطاع الكهرباء أوصلنا إلى ما وصلنا إليه. معتبراً أنه كان يمكن وضع "حلول مؤقتة وسريعة" بدلاً من ترك الأمور تصل إلى نقطة اللا عودة كما في كل مرة.

لماذا لم يجدد عقد شراء الفيول؟

يشرح أحد الوزراء الدائمين في الحكومات المتعاقبة عن قصة العقد الخاص بشراء الفيول الذي كان مطلب تغييره يصل دائماً متأخراً إلى مجلس الوزراء لفرض الاستمرار به أمراً واقعاً، تحججاً بضيق الوقت وتفادياً للعتمة التي تحذر منها اليوم وزارة الطاقة.

في عام 2017 اتخذ قرار بتجديد العقد على أن يجري التحضير لإجراء مناقصة جديدة لإلغائه واستبداله بعقد أفضل. وتطلب إعداد دفتر الشروط نحو العشرة أشهر في وزارة الطاقة، قبل أن ترسله إلى إدارة المناقصات لإبداء الرأي، التي طالبت بعد أسابيع بإدخال بعض التعديلات على دفتر الشروط، كان ذلك في عهد الوزير السابق سيزار أبي خليل.

وبقي الموضوع معلقاً حتى تسلمت حقيبة الطاقة الوزيرة ندى البستاني فأدخلت تعديلات على دفتر الشروط، وأعادت إرساله إلى إدارة المناقصات التي ردت بدورها على الملاحظات. ومع استقالة الحكومة تسلم وزارة الطاقة الوزير ريمون غجر، ولم يجر مناقصة للتعاقد مع شركة جديدة لشراء الفيول حتى بدأت التظاهرات، ووصلنا إلى ما وصلنا إليه من عجز وأزمة مالية ونقص في السيولة.

لو طبقت الإصلاحات

لم يعد هناك بلد في العالم مستوى الكهرباء فيه كما في لبنان. يشرح متخصصون في القطاع أن عدم تنفيذ الإصلاحات أوصل قطاع الكهرباء إلى ما وصل إليه وزاد الهدر. والإصلاحات التي لم تنفذ هي إنشاء معامل إنتاج جديدة للاستغناء عن المعامل المؤقتة، أي البواخر التي تكلف الدولة أموالاً طائلة وبالدولار.

لم تحسن وزارة الطاقة أداء الشبكة ولا بالفوترة، ولا تعدلت أسعار الكهرباء لزيادة المداخيل، كما لم تتمكن مؤسسة الكهرباء من تنفيذ القانون الذي يسمح لوزارة الطاقة ولمجلس الوزراء، في ظل غياب الهيئة الناظمة، بإصدار تراخيص لإنتاج الطاقة المؤقتة، الهوائية أو الشمسية أو غيرهما.

مشكلة الكهرباء هي في أحسن حالاتها سوء إدارة وإخلال في الأداء الوظيفي، وفي أسوأ حالاتها التصميم على تنفيذ مشاريع محددة مسبقاً، ورفض أي اقتراحات أخرى لأسباب مشبوهة.

نكايات سياسية

يتهم وزراء التيار الوطني الحر القوى السياسية، بما فيها حركة أمل والقوات اللبنانية والاشتراكي في السنوات الخمس الماضية والمستقبل سابقاً بـ"عرقلة خطة الكهرباء"، ويضع التأخير في معالجة الأزمة في خانة النكايات السياسية، على رغم الوعود التي أطلقت مراراً وتكراراً بتوفير الكهرباء 24 على 24.

وفي المقابل يسأل المتهمون: أين العرقلة السياسية؟ وهل تحسين شروط العمل في القطاع يعد عرقلة أم الذي يرفض هذا التحسين هو المعرقل؟ ويسأل منتقدو أداء التيار في وزارة الطاقة، لماذا لم تنفذ الخطة التي حصلت على دعم كل القوى السياسية؟ لماذا لم ينفذ مشروع دير عمار؟ ألم يربط تنفيذ معمل دير عمار بمعمل سلعاتا في قضاء البترون أي في المنطقة المحسوبة على رئيس التيار الوطني الحر؟

الكل يذكر كيف أن رئيس الحكومة حسان دياب وافق في جلسة مجلس الوزراء في السراي على تطبيق الخطة التي نصت على البدء بمعمل الزهراني، استناداً إلى تقرير جاهزية المواقع التقنية، ثم اضطر إلى تبديل موقفه في جلسة أخرى عقدت في قصر بعبدا بحضور رئيس الجمهورية ميشال عون الذي طالب بمعمل سلعاتا كشرط للبدء بالزهراني.

ويسأل المتهمون بالعرقلة أيضاً: ألم يعرقل وزراء الطاقة تنفيذ الخطة وإنشاء المعامل الدائمة بهدف الإبقاء على المعامل المؤقتة والحفاظ على "صفقة" البواخر؟ ويذكر نائب رئيس الحكومة أن مجلس الوزراء كان طلب من وزيرة الطاقة ندى البستاني إبلاغ الحكومة بشكل دوري عن أي عرقلة قد تعترضها في تنفيذ خطة الكهرباء، من ناحية إزالة التعديات أو لدى مطالبة الجهات الدولية المانحة تسديد الأموال المترتبة عن اللاجئين والنازحين، أو في إصلاح الشبكة أو جاهزية دفتر الشروط الخاص بالمناقصات المطلوبة للمعامل الدائمة. لكن جواب البستاني كان دائماً بأن "لا عرقلة للخطة"، وهي تقوم بعملها وفق البرنامج المحدد.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي