لم تصمد الشفافية في لبنان لأكثر من أسبوع، فعلى الرغم من تحذيرات تسرب اللقاحات إلى غير مستحقيها، نحو محظيين ومدعومين سياسياً، إلا أن الفضيحة لم تتأخر، فأطلت من مجلس النواب عبر ما تكشف عن تلقيح نواب وعائلاتهم ليسوا ضمن المرحلة الأولى المخصصة لمن تخطت أعمارهم 75 عاماً.
فرئاسة مجلس النواب التي تخضع مباشرة لرئيس المجلس نبيه بري، بادرت نهار الأحد مع وصول الدفعة الثانية من اللقاحات إلى الاتصال بجميع النواب والطلب منهم التوجه إلى المجلس النيابي الثلاثاء لتلقي اللقاح.
وبالفعل، كشف النائب سامي الجميل عن ذلك بفيديو مصوّر، تحدث خلاله عن رفضه وعائلته تلقي اللقاح قبل الوصول إلى فئته العمرية، وما هو أكثر من ذلك أن مجلس النواب أصدر لائحة تضمنت 16 اسماً لنواب قال إنهم تلقوا اللقاح نظراً لكون أعمارهم تتخطى الـ 70 عاماً، ليتكشف أن اسمين من اللائحة الرسمية تلقيا اللقاح في المراكز المخصصة وعبر المنصة التي أوجدتها وزارة الصحة لهذه الغاية، مما يؤكد أن التصريحات الرسمية لمكتب مجلس النواب تتضمن مغالطات جمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تسربت معلومات عن أن موظفين في المجلس النيابي تلقوا أيضاً اللقاح من غير وجه حق، من دون أي تعليق أو تفسير عن المجلس الصامت حتى اللحظة.
وفيما لا يمكن لأية جهة الحصول على اللقاح من دون موافقة وزير الصحة، يتعذر الاتصال بالوزير كما بمستشاريه، الذين امتنعوا عن الرد حتى كتابة هذه السطور.
الفضيحة دفعت بالبنك الدولي إلى التحذير وبنبرة عالية عبر مديره الإقليمي في لبنان ساروج كمار جاه، من كون هذه الممارسات وُثقت لدى البنك الدولي، وهي تخرق قواعد وشروط القرض، مما قد يؤدي إلى وقف تمويل اللقاحات المخصصة للبنان بقيمة 34 مليون دولار، ليضع جشع الطبقة السياسية في لبنان مصير وحياة اللبنانيين في خطر، بخاصة الفئات المهمشة والفقيرة.
وقائع وأرقام
التلقيح في لبنان بدأ متأخراً وخجولاً، فبحسب مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية، فإن وتيرة التلقيح لا تتعدى 3571 شخصاً في اليوم الواحد، وإذا ما استمرت بهذا البطء فلن يستطيع لبنان الانتهاء من التلقيح قبل العام 2025، أي أن لبنان والشعب اللبناني لن يكتسب المناعة المجتمعية قبل ذلك التاريخ، فيما معظم الدول تعمل على إنهاء عملية التطعيم خلال سنة أو سنتين بحد أقصى.
كما كشف مركز الأزمة أن أكثر من 50 في المئة من الأشخاص الذين تلقوا اللقاح ضد كورونا لم تكن أسماؤهم مسجلة على المنصة، فأولويات خطة التلقيح تلحظ 20 ألف لبناني عامل في القطاع الصحي، و75 ألفاً فوق الـ 70عاماً، مما يتطلب أربعة أسابيع على الأقل لتلقيحهم قبل الانتقال إلى الفئات العمرية الأخرى.
ويستعد لبنان مع الانتقال إلى المرحلة الثانية، أي بعد أربعة أسابيع، لتلقي كميات أكبر من لقاحات "فايزر"، كما سيتسلّم كمية من لقاحات "أسترازينيكا".
ورخّصت اللجنة الصحية في وزارة الصحة استعمال اللقاح الروسي على الرغم من أنه غير مرخص أميركياً وأوروبياً ولا من منظمة الصحة العالمية.
ومن سياسيي الصف الأول، تلقى رئيس الجمهورية ميشال عون وعقيلته و16 من المقربين منه اللقاح، فيما رفض الرئيس دياب تلقي اللقاح قبل الوصول إلى فئته العمرية، ولم يبدِ الرئيس بري رغبة في التلقيح.
ويتم العمل على توفير 75 ألف لقاح صيني للجيش اللبناني عبر هبة من الحكومة الصينية، كما يتم التفاوض على 50 ألف أخرى، فالقوى المسلحة اختارت أن تأخذ اللقاح الصيني، وكذلك اللجنة الفنية في وزارة الصحة.
السياسيون أولا.. رغم أنف الجميع
من جهته، كشف رئيس اللجنة الوطنية للقاحات كورونا الدكتور عبدالرحمن البزري أن البنك الدولي لن يسحب قرضه حالياً، وسيعطي لبنان فرصة أخرى، على أن تتم معالجة التجاوزات وعدم تكرارها.
وفي التفاصيل يروي بزري أنه تلقى مساء الإثنين اتصالاً من ممثل البنك الدولي، يحذره من تطعيم النواب في المجلس بعد توافر معلومات عن هذا التوجه، ليؤكد البزري عدم علمه بالأمر، ورفضه مثل هذه الممارسات التي تمت من دون علمه، ودفعته لإعلان الاستقالة.
وأكد في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أنه تمهل قبل الاستقالة حرصاً منه على المصلحة الوطنية والحفاظ على قرض البنك الدولي، إلا أنه إذا لم يحصل على ضمانات خاصة من وزارة الصحة، المعنية الأولى بتوزيع اللقاحات، بعدم تكرار هذه الفضيحة، وإلا فإن الاستقالة حتمية.
ويصف ما حصل في مجلس النواب بغير المقبول والخطأ الاستراتيجي الذي أضرّ بشكل كبير بالتعاون والشفافية التي طبعت العلاقة حتى اليوم بين وزارة الصحة والبنك الدولي.
وعن المسؤوليات، يقول البزري إنها تتوزع بين مكتب المجلس النيابي، أي من يدير عمليات المجلس الذي من الواضح أنه مارس ضغوطاً على وزارة الصحة، ووزير الصحة الذي سمح بتوزيع اللقاحات من خارج المنصة ولغير مستحقيها في هذه المرحلة، والفضيحة هزت الرأي العام، ولذلك فلن يكون هناك هامش أكبر من الأخطاء التي يجب ألا تتكرر.
ويؤكد المسؤول اللبناني أنه لا يعرف بالتحديد أعداد من تلقوا اللقاح داخل المجلس، ولكنه يؤكد أن على هؤلاء الذهاب إلى المراكز المحددة من وزارة الصحة، والانتظار كما كل المواطنين لتلقي الجرعة الثانية، فمن غير المسموح تكرار ما حصل.
واعتذر البزري من المواطنين اللبنانيين لأنه لم يستطع التصدي لهذه الإساءة، لكنه وعد بمتابعة ومراقبة كل اللقاحات من داخل وخارج وزارة الصحة، كما أنه سيبادر بطلب المعلومات عمن تلقى خلال هذين الأسبوعين اللقاح من خارج المنصة، لمعالجة التجاوزات وضبط عملية التلقيح.
فوضى اللقاحات الخاصة
وأقرّ بأن المرحلة الماضية شهدت "إدخال عدد غير معروف من اللقاحات وبصورة غير شرعية إلى لبنان، خصصت لبعض الأشخاص من سياسيين أو رجال أعمال ومقربين منهم، تصل إلى 15 ألف لقاح"، مؤكداً أن المشكلة في هذه اللقاحات أنه لا يمكن التأكد من أنها وصلت سليمة أو أنها أعطيت بشكل صحيح، "لذلك لن يتم الاعتراف الرسمي بهذه العمليات كونها لم تحصل بإشراف الدولة، كما لن يتم إعطاء هؤلاء أية شهادات أو وثائق تؤكد خضوعهم للقاح، وستكون ضرورية للسفر خلال المرحلة المقبلة".