حاولت الحكومة العراقية إعادة الثقة بين الجيش العراقي وسكان منطقة الطارمية خلال الأشهر القليلة الماضية، خصوصاً بعد عودة هجمات تنظيم "داعش" ومقتل آمر لواء 59 المسؤول عن المنطقة العميد علي حميد الخزرجي في 18 يوليو (تموز) 2020.
ومثّلت هذه العملية تطوراً خطيراً في حينها ضد قوات الجيش العراقي المسؤولة عن أمن المنطقة بعد سلسلة هجمات محدودة لـ"داعش" على نقاط التفتيش وعناصر الحشد العشائري، امتدت بين مطلع 2019 وحتى بداية 2020، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر الأجهزة الأمنية.
سيناريو جرف الصخر
وعملت الفصائل الشيعية الموالية لإيران على استغلال هجوم يوليو بهدف تكرار سيناريو منطقة جرف الصخر شمال بابل، التي تم طرد "داعش" منها وإفراغها من سكانها بشكل كلي. وقد بدأت وسائل إعلام هذه الفصائل من قنوات فضائية ومدونين بالدعوة إلى تطهير المنطقة، لا سيما أنها لا تبعد عن منطقة الكاظمية سوى عشرة كيلومترات.
لكن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي زار القضاء الواقع شمال بغداد واجتمع بوجهاء ورؤساء العشائر، بعد يوم واحد من مقتل آمر اللواء 59، وطمأن السكان في كلمة أمام مبنى إدارته بأنهم سيكونون بأيد أمينة ولن يتعرض لهم أحد بالثأر أو الانتقام، نافياً المعلومات التي تحدثت عن حملة اعتقالات ضد الأهالي بسبب العملية.
ويبدو أن زيارة الكاظمي، وهي الأولى لرئيس حكومة منذ 2003، مثّلت تطوراً إيجابياً بالنسبة إلى سكان المنطقة الذين بدرت منهم إشارات للتعاون في سبيل منع "داعش" من اتخاذ منطقتهم كمقر له مجدداً، بعد إنهاء وجوده العلني في الأعوام ما بين 2014 و2017.
الثقة تطيح بقيادات "داعش"
واعتبرت عملية 20 فبراير (شباط) 2021 من ضمن بوادر إعادة الثقة بين السكان والجيش، لتطيح بقيادات بارزة من "داعش" كانت مجتمعة داخل المنطقة للتخطيط لهجمات جديدة في العاصمة بغداد.
وأعلن المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، أن "اللواء 59 التابع للفرقة التاسعة من الجيش قام بنصب كمين للإرهابيين بمشاركة من الحشد العشائري، وأنه جرى اشتباك معهم تمكنت على إثره الأجهزة الأمنية من قتلهم جميعاً"، لافتاً إلى أنه "تم التعرف من بين القتلى إلى جثة المسؤول الإداري والعسكري لعصابات داعش شمال بغداد، والمسؤول الإعلامي للتنظيم في قضاء الفلوجة".
معلومات الأهالي
واستندت العملية النوعية التي استهدفت اجتماعات قيادات "داعش" على معلومات قدمها الأهالي للقوات الأمنية، بحسب النائب عن المنطقة أحمد المشهداني، الذي بين أن العملية جاءت بناءً على معلومات قدمها أهالي المنطقة إلى حشد الطارمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف المشهداني أن "فوج حشد الطارمية وصلت إليه معلومات عن وجود مضافة لداعش في منطقة الشط، فتحركت قوة قليلة منه مع فوج من اللواء 59"، مبيناً أن بين القتلى قيادات مهمة مثل والي شمال بغداد والمفتي الشرعي والإداري وإعلامي شمال بغداد وقيادات أخرى.
ويشير المشهداني إلى أن عدد عناصر "داعش" في الطارمية قليل جداً، ولذلك يحتاج القضاء عليهم إلى جهد استخباري يتعامل مع المعلومة بدقة وسرية تامة، موكداً ضرورة التعامل مع المواطنين بحذر من أجل أن يشعروا بأن القوات الأمنية جاءت لحمايتهم.
أفشلت مخطط التهجير
ويشدد على ضرورة إشراك شباب المنطقة في مقاتلة "داعش"، لا سيما أن تركيبة المنطقة معقدة وأن أبناءها أعرف بها، داعياً إلى تشكيل فوج من قضاء الطارمية يأخذ على عاتقه حمايته من أجل عدم عودة الأمور إلى المربع الأول.
ويعتبر أن "هذه العملية النوعية مثلت رسالة إلى الطائفيين الذين أرادوا جعل القضاء خال وأن يتم تهجير أهله".
أهمية المنطقة
ويرى خبراء عسكريون أن أهمية المنطقة بالنسبة إلى العاصمة بغداد تتطلب من القيادات العسكرية العراقية كسب ثقة سكانها للحصول على المعلومات بهدف نجاح العمليات في المنطقة.
ويقول مدير المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية الدكتور معتز محيي عبد الحميد إن تضاريس المنطقة التي تضم مستنقعات مائية تجعل من مهمة الأجهزة الأمنية صعبة، لافتاً إلى أن تنفيذ العملية يشير إلى وجود تعاون بين أهالي القضاء والأجهزة الأمنية.
ويضيف عبد الحميد أن العديد من العمليات العسكرية في الطارمية جرت للحد من نشاط مسلحي "داعش"، إلا أنها لم تنجح لعدم تعاون سكان المنطقة مع الأجهزة الأمنية.
ويُمثل قضاء الطارمية أهمية كبيرة للعاصمة بغداد كونه يبعد عنها نحو 10 كيلومترات، ولهذا من الضروري أن تنجح القوات الأمنية في مسك الأرض وتطهير المنطقة وإغلاقها بوجه المسلحين، بحسب عبد الحميد، الذي بيّن أن الفشل في هذا الأمر سيعني تمكن المسلحين من نصب كمائن في منطقة التاجي والقرى والأرياف القريبة من بغداد والتي تقع على نهر دجلة شمال بغداد.
سمعة العراق
ويشدد على ضرورة أن تتخذ القوات الأمنية أسلوباً آخر في السيطرة على البؤر الإرهابية، بدل الكر والفر، واصفاً مطلب تكليف أهالي المنطقة بحماية القضاء بـ"الخطوة الخطرة" و"عسكرة للمجتمع"، باعتبار أن "تدريبات القوات النظامية خاصة ونوعية وهذا ما تتطلبه المعركة مع الإرهاب".
ويرى أن عدم تنظيف محيط العاصمة سيؤثر في سمعة العراق الإعلامية دولياً، ويؤدي إلى عدم قدوم الشخصيات المهمة إلى العاصمة.
حزام بغداد قلق
بدوره، يرى المستشار السابق في وزارة الدفاع صفاء الأعسم أن مناطق حزام بغداد "قلقة" وتحتاج إلى عمليات استباقية وجهد استخباري، مشيراً إلى وجود نشاط لـ"داعش" خلال الـ100 يوم الأخيرة، ما يدل على وصول أموال إليه.
ويضيف الأعسم أن "حزام بغداد أصبح من المناطق القلقة لأنه تم إدخال البعد السياسي فيه، وأن مرشحيه إلى الانتخابات عملوا على إعاقة عمليات التفتيش، ما أدى إلى اختراق العاصمة وضرب قلبها".
ويعتقد الأعسم أن هناك الكثير من الجيوب الإرهابية في حزام بغداد ومنها الجنوبي، ولهذا فإن كثيراً من المناطق معرضة للاختراق من قبل التنظيم.