توقع محللون أن يقوم الكونغرس الأميركي خلال الفترة المقبلة بتشديد ضوابط التداول لمنع التلاعبات ووقف الممارسات التي تضر بالأسواق بعد أن شهدت "وول ستريت" ارتفاعات حادة لبعض الأسهم، بسبب اتفاق مستثمري التجزئة على تحدي الرهانات الهبوطية لصناديق التحوط على بعض الأسهم، ما تسبب في تقلبات حادة.
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن عددا من الدول بدأت بتنفيذ قرارات تقيد عمليات البيع على المكشوف، بعدما تعززت خلال الفترة الأخيرة ارتفاعات "مصطنعة " لأسهم في السوق. ومع تجدد المراهنات على انهيار سوق الأسهم للمجموعات التي باعت عدداً كبيراً من أسهمها، تعتزم هذه الصناديق جني الأرباح عن طريق إعادة شرائها بأسعار منخفضة، إلا أن مجموعة من المستثمرين الهواة الناشطين، إضافة إلى آخرين في منتدى "وول ستريت بيتس" التابع لموقع "ريدت"، قرروا التغلب على هذه المؤسسات من خلال لعبة خاصة عبر الشراء المكثف للأسهم المستهدفة التي شهدت أسعارها ارتفاعاً حاداً الأسبوع الماضي.
وأدت هذه التداولات المحمومة للأفراد التي بدأت الأسبوع الماضي إلى أن يتدافع المتعاملون العالميون للحصول على السبائك والعملات المعدنية لتلبية الطلب، ودفعت الهيئة المعنية بتنظيم السلع الأولية في الولايات المتحدة إلى مراقبة السوق.
أسباب جنون التداولات
وفي تصريحات سابقة، علّق رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس روبرت كابلان، بأن برنامج شراء الأصول الضخم لمجلس الاحتياطي الفيدرالي يعتبر أحد أهم أسباب جنون التداولات الأخيرة. وقال لمحطة "سي أن بي سي" الأميركية إن وجود كثير من السيولة أدى إلى الوضع الراهن، وهذا يرجع في بعض الجوانب إلى البرنامج الفيدرالي لشراء السندات والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري بقيمة 120 مليار دولار شهرياً. وتابع "من الأفضل البدء بالحدّ من هذه السيولة وتطبيع السياسة النقدية في المستقبل".
فيما قالت ممثلة ماساتشوستس في مجلس النواب الأميركي في تصريحات لشبكة "سي أن أن"، "ما يحدث مع غيم ستوب يذكرنا فقط بما يحدث لسنوات في وول ستريت... إنها لعبة تنطوي على غش". وأردفت "لقد حان الوقت لتقوم هيئة الإشراف على الأوراق المالية بعملها"، داعية الهيئة التنظيمية لسوق الأسهم الأميركية إلى التدخل بأسرع ما يمكن.
في المقابل، انتقد السيناتور المستقل عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز نظاماً "يتضمن شوائب" وسلوكاً "مخزياً". وكانت اللهجة لاذعة أيضاً من الجانب السياسي الآخر، فقد شن المدعي العام المحافظ في تكساس كين باكستون هجوماً عنيفاً على صناديق التحوط وضد بعض منصات السمسرة.
ووفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية، فقد أعلنت مجموعتان برلمانيتان في لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب ولجنة الخدمات المصرفية في مجلس الشيوخ، عقد جلسات استماع مقبلة لإلقاء الضوء على ممارسات المضاربة في الأوساط المالية.
وقال السيناتور الديمقراطي شيرود براون، الرئيس الجديد للجنة المصارف، إن "المؤسسات الكبيرة في وول ستريت تهتم بالقواعد فقط عندما تكون هي من يعاني". وأضاف "يعرف العمال الأميركيون منذ سنوات أن نظام وول ستريت لا يعمل، إنهم من يدفع الثمن".
ووعدت ماكسين ووترز، النائب الديمقراطية لرئيس مجموعة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي، بإجراء تحقيق فعلي في السلوك "المضرّ والمتلاعب" لبعض المضاربين في السوق.
وبضغط من جميع الجهات، خرجت هيئة الإشراف على الأوراق المالية عن تحفظها نهاية الأسبوع الماضي عبر إعلانها ضمان "المراقبة والتقييم عن كثب للتقلب الشديد في أسعار بعض الأسهم وضمان حماية صغار المستثمرين عندما تظهر الوقائع نشاط سوق الأوراق المالية المسيء".
المعدن المفضل لـ"غولدمان ساكس"
في مذكرة بحثية حديثة، يرى البنك الاستثماري الأميركي "غولدمان ساكس" أن الفضة لا تزال المعدن الثمين المفضل له، على الرغم من الاعتراف بأن الارتفاع الحاد في تداولات الاثنين غير كافٍ للضغط على المراكز البيعية.
وبالرغم من رؤية البنك لمحدودية تأثير جنون التداولات على سعر الفضة، فإنه حافظ على نظرته الإيجابية له، متوقعاً ارتفاعا في الأسعار ة في حال قام الرئيس الأميركي جو بايدن بالضغط القوي لصالح الاعتماد على الطاقة الشمسية.
وفي تعليق، قال طارق الرفاعي مدير مركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية، في لندن، إن "المعركة الجارية هي كر وفر بين صناديق التحوط والمستثمرين الأفراد، وقد بدأ ذلك على بعض الأسهم التي كان مضغوطاً عليها من قبل تلك الصناديق من خلال بيعها على المكشوف".
وأوضح أن "المضاربات في هذه الأسواق كانت طبيعية بالنسبة إلى صناديق التحوط، لكن عندما تدخّل المستثمر العادي وغيّر اتجاه الأسهم، أو بمعنى آخر بدأ يلعب اللعبة نفسها بطريقة معاكسة، فقد اتجهت الصناديق بشكل سريع إلى الهيئات الرقابية".
وأشار إلى أن "العدوى انتقلت إلى الفضة ولكن تجنبت صناديق التحوط المعركة مع صغار المستثمرين في أسعار المعدن باعتبارها قضية مختلفة، لأن البيع على المكشوف في هذه السوق أقل من بعض هذه الأسهم والشركات الصغيرة، كما أن تدخل صناديق التحوط في أسواق الفضة أقل من تدخلها في الأسهم، إضافة إلى أن التداول المكشوف على الفضة كان من جي بي مورغان، أكثر من أي بنك آخر".
ورأى الرفاعي أن "المستثمرين الأفراد لن ينجحوا في رفع أسعار الفضة مثلما يتوقعون".
وحول انتقال العدوى إلى أصول أخرى، أفاد الرفاعي بأن ذلك كان مرتقباً، فكل السيناريوهات مطروحة لكن مع التركيز على الأسهم، إذ يتجه المضاربون إلى الشركات الصغيرة، مثل "غيم ستوب" التي عليها البيع على المكشوف بنسبة عالية وسيركزون على هذه الشركات.
ذعر كبير بعد ارتفاع تاريخي
من جانبه، قال أحمد نجم، رئيس قسم أبحاث ودراسة الأسواق في شركة "أوربكس"، إن الأسواق ما زالت تعاني من ذعر كبير بعد الارتفاع التاريخي لشركة "غيم ستوب" بأكثر من 1500 في المئة خلال ساعات بسبب متداولين هواة، الذين لاقت تغريداتهم رواجاً بين المحافظ الصغيرة ليشكلوا ما يسمّى بـ"اللوبي" أو مركز ضغط للتأثير في الأسواق لتنهزم صناديق التحوط أمامهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن هؤلاء بدأوا بالهجوم على أداة جديدة من أدوات أسواق المال، ولكن ليست في الأسهم بل في سوق السلع، تحديداً الفضة التي ارتفعت في جلسة واحدة بحوالى 4 دولارات منذ بداية التغريد حول المعدن، ثم تأتي النتائج لتفقد كل تلك المكاسب في جلسة واحدة أيضاً.
وذكر "ربما لم يستوعب هؤلاء أن أسواق السلع لن تحتوي هذا الأمر مثل أسواق الأسهم نظراً إلى ضخامتها، كما أن العرض والطلب هو اللاعب الرئيس في تحديد الأسعار".
وأفاد نجم بأن "تلك التحركات أثارت الزعر في الأسواق لنشاهد مؤشر الـ VIX، الذي يقيس الخوف في الأسواق، يرتفع إلى مستويات اكتشاف السلالة الجديدة من فيروس كورونا، قبل أن يعود إلى الهدوء".
أهداف أكبر للمضاربة
من جانبه، قال جون لوكا، محلل السلع النفيسة والمدير الإقليمي لشركة "غولد إيرا" لتجارة الذهب ومقرها دبي، إن ما حدث في سهم "غيم ستوب" سيشجع المستثمرين الأفراد على اتخاذ أهداف أكبر للمضاربة، مما يؤسس لمنهجية جديدة للاستثمار.
وذكر أن الفضة كانت أول هذه الأهداف ومن المتوقع أن تنتقل هذه الآلية إلى أصول أخرى في المستقبل. وأضاف "استفادت أسعار الفضة إيجابياً مع بداية تداولات الأسبوع بدعم التقلبات التي تغذيها منصة ريدت".
وكانت الفضة قد سجلت ارتفاعات قوية خلال عام 2020 بعدما قفزت بنسبة 60 في المئة، مستفيدة من ضعف الدولار والتأثيرات السلبية لجائحة كورونا في الاقتصاد العالمي وزيادة الإقبال على الملاذات الآمنة للاستثمار.
وكشف لوكا عن أن الفضة كسلع استثمارية تختلف عن الأسهم من ناحية ضغوط البيع التي تكون أقل وضوحاً لصالحها. ولفت إلى أن هذا المعدن ارتفع بأكثر من 10 في المئة ليتجاوز 29.8 دولار للأونصة يوم الاثنين، وهو المستوى الذي لم تشهده الأسعار منذ فبراير (شباط) 2013 مدعومة بالحماس من المستثمرين الأفراد بمنصة "ريدت".
وتابع "تم رصد عمليات البيع على المكشوف في سوق الفضة، مما أدى إلى ارتفاع أسعارها وكذلك الصناديق المتداولة على الفضة بالبورصة، كما تعززت الأسعار أيضاً من توقف عمليات نشر لقاحات فيروس كورونا المستجد مما يزيد جاذبية المعادن النفيسة".
وتوقع لوكا أن تشهد الفضة ارتفاعات سعرية خلال النصف الأول من العام الحالي، مع استمرار سياسات البنوك المركزية حول العالم وخطط إقرار حزم تحفيز مالي إضافية، أبرزها حزمة الدعم المتوقعة من إدارة الرئيس بايدن التي تقدر بنحو 1.9 تريليون دولار.
وحول تأرجح أسعار الفضة رأى محلل السلع النفيسة أن إجراءات بورصة شيكاغو التجارية بزيادة هوامش تداول الفضة وتثبيط سلوك المضاربة المرتفع في السوق، حفّزا بعض عمليات جني الأرباح. والهوامش هي ودائع تفرضها البورصات للحدّ من مخاطر التخلف عن السداد أثناء تداول المستثمرين في أسواق العقود الآجلة، ويتم رفعها عادة في أوقات تقلّب الأسعار.