منذ اثني عشر عاماً، نجح جونا هيل الذي كان يبلغ من العمر 23 عاماً، في دوره كطالب سنة أخيرة في الثانوية في فيلم "سيء جداً" Superbad (2007). وبعد هذا الفيلم، أمضى الممثّل/ الكاتب المولود في لوس أنجلوس السنوات العشر التّالية من حياته مُحاوِلاً إثبات موهبته الواسعة عبر كتابة أفلام والتمثيل فيها، على غرار "21 شارع جامب" 21 Jump Street (2012)، ومازجاً بين الأدوار الكوميديّة تارةً والأدوار الجديّة تارةً أخرى (حيث كان من الصّعب تقبّل شخصيّته في دور إفريم ديفبرولي في "كلاب حرب" War Dogs (2016)، ومترشحاً لجائزة أوسكار عن دوره في كلّ من "كرة المال" Moneyball (2011) و"ذئب وول ستريت"The Wolf of Wall Street (2013). ومع فيلم "منتصف التسعينات" Mid90s، كانت بدايات هيل في عالم الإخراج، وكانت حكاية ذلك الشريط "قصة وحدة وإيذاء نفس قاسية إلى حدٍّ ما ومثيرة للمشاكل أحياناً"، وفق مراجعتنا للفيلم.
وبفضل الفيلم الأخير، استطاع هيل أن يفرض نفسه مؤلّفاً. واستطاع أيضاً أن يُعطينا صورة واضحة عمّا هي عليه حياة الرجل، وعمّا هي عليه تحديداً نشأة الفتى وتحوّله من مراهق إلى بالغ. ويُمكن اختصار هذه الصورة بكلمة واحدة: مُوجعة.
ويستهلّ هيل فيلمه بضربة جسديّة رائعة، تُظهر بطل الرواية ستيفي (سوني سولجيك) ابن الثلاثة عشر عاماً وهو يطير في الهواء ثم يرتطم بالحائط بضربةٍ من إيان، أخيه الأكبر الذي يُفترض أن يكون في السادسة عشر من العمر ولكنّه يبدو أكبر من ستيفي بعقدٍ كامل. إنّها الإفتتاحيّة المثالية لقصة شجاعة عن بلوغ سنّ الرّشد، وتخلو من الاستطرادات الخياليّة الطريفة المعتادة في هذا النوع من الأفلام.
وعندما كان يستعدّ هيل للعمل على "منتصف التسعينات"، فرض على نفسه قاعدتين، أوّلهما "لا إباحيّة مع التزحلق" وثانيهما "لا إباحيّة مع الحنين المتألّم إلى الماضي"، وفق ما صرّح به لـ"هوليوود ريبورتر". وبقرار الابتعاد عن الحنين، أراد هيل عدم المبالغة في التركيز على تسعينيات القرن الماضي، وعدم التقليل في التركيز على ستيفي. كذلك أراد عدم إضفاء نظرة حزينة على المراهقة التي غالباً ما تبدو رومانسية في الروايات. وتالياً، ليس "منتصف التسعينات" فيلماً ظريفاً أو جذاباً؛ بل إنّه مزيج بين "زمن الصبا" (Boyhood) و"الإصابة" (Whiplash) من جهة، وبين "السيدة بيرد" (Lady Bird) و"نادي القتال" (Fight Club) من جهة أخرى.
وفي الأساس، ستيفي هو الأخ الأصغر الذي يسعى لأن يكون الأخ الأكبر. يُحبّ التزحلق، لكنّه لا يحلم بأن يكون توني هاوك التالي (الذي لم يتمكّن من نحت تاريخه الشخصي عبر النجاح في إنجاز التفافة هوائيّة على لوح التزلج مقدارها 900 درجة، إلا في العام 1999). يتجسّد مثاله الأعلى في أربعة مراهقين من متجر الزلاجات الواقع عند منعطف الشارع، نراه يتطلّع إليهم ويُحدّق بهم مطوّلاً فيما يركب دراجته الهوائيّة.
والإصابات الجسدية هي الثمن الذي يدفعه ستيفي فيما يُحاول التقرّب من المجموعة. ويستخدم هيل مونتاجاً تلو الآخر لمشهد سقوط ستيفي في رواق بمنزل أمّه، مراراً وتكراراً، إلى أن يتمكّن أخيراً من تلك الالتفافة الهوائيّة، بعد أن دفع ثمناً قاسياً لذلك.
وعندما ينخرط ستيفي في مجازفة مميتة ضمن محاولةٍ جريئة لمجاراة براعة رفاقه، يسقط من أعلى السطح وينزف بشدة فتظهر علامات الدم على القميص المربوط حول رأسه. وعلى الرغم من فشل المحاولة، ينجح ستيفي في أن يكون العضو المفضّل والأصغر سناً في المجموعة. وفي بداية المشهد، يرفع هيل آمالنا عالياً، فلربما ينجح ستيفي في خطوته ويكون بطلاً في التزحلق وينال لقب القائد المبجّل، ولكن عندما يسقط ويرتطم جسده بالأرض مرة أخرى، نجد أنفسنا رازحين تحت ثقل سذاجتنا. بطبيعة الحال، سيفشل ستيفي. بطبيعة الحال، سيسقط. فالفتى دوماً يسقط والفتى دوماً يتوجّع.
ويتلقّى جسم ستيفي الفتيّ وغير البالغ والهشّ بشكلٍ صادم، الضربة الأكبر عند تعرّضه لحادث سيارة. ومن شأن هذه الضربة أن تُبيّن لنا حجم ما يتمتع به البطل الشاب من عزم والذي لا يقلّ أهمية عن العزم الذي سخّره هيل في أوّل عملٍ إخراجي له. ونرى ستيفي بعدها في المستشفى. بجانب سريره، شقيقه إيان وفي يديه زجاجتي عصير، واحدة ليشرب منها هو وأخرى لستيفي. ومن خلال هذا المشهد، نستشفّ لفتةً لطيفة، وهي حقاً أقلّ ما يمكن لإيان أن يفعله من أجل أخيه، كما نلاحظ أنّها المرّة الأولى التي يجتمع فيها ستيف وإيان على الشاشة ولا يُحاول الواحد منهما تهديد الآخر بنزع أحشائه.
وكان هيل قد خسر شقيقه الأكبر جوردان فيلدشتاين جراء انسدادٍ رئوي في ديسمبر (كانون الأول) 2017. ولعلّ تلك الخسارة هي التي أوحت له بإنهاء قصة إيان وستيفي بطريقةٍ إيجابية. أو ربما أراد هيل الذي اشتكى مرّةً تعرّضه "للتنمر" من قِبَل ماثيو موريسون في مسلسل "غلي" (Glee) والذي يقع في حيرةٍ في كلّ مرة يقوم فيها أحد المحاورين بمضايقته، أن يُبيّن لنا القوة الكامنة في ضعف ستيفي. ويسقط الفتى ويتألم الفتى. وعندما يحدث له ذلك، يسطع ضعف الجميع، لا ضعفه هو.
© The Independent