Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أجهزة تنفس مفقودة ومستلزمات طبية لا يشملها الدعم في لبنان

تكاليف الجنازات عبء إضافي على أهالي ضحايا كورونا

"أعجز عن التنفس، وأحتاج إلى الأوكسجين"، هذا هو حال مرضى كورونا في لبنان أمام أبواب المستشفيات، وفي أروقتها، ولكن كيف السبيل إلى تأمين ذلك في بلد خائر القوى ومنهك؟

أصبحت فرصة الحصول على علاج كورونا مراداً صعب المنال بالنسبة لكثيرين، وبات الأوكسجين عملة نادرة، لتطول قائمة الأعباء التي تتكبدها عائلة المصاب بالفيروس، خصوصاً في حال الوفاة، وما يتبعها من إجراءات مالية يصعب تأمينها في ظل وضع اقتصادي سيئ.

الأوكسجين المفقود

تتكرر قصص المعاناة على ألسنة الناجين من كورونا، من بينهم "صلاح"، الذي تحدث عن تجربته الخاصة، ويروي كيف أنه عندما احتاج إلى الأوكسجين "تجنب دخول المستشفى"، وطالب العائلة بإحضار جهاز أوكسجين منزلي. وتمكنت العائلة بعد جهد كبير من الحصول على آلة تنفس مستعملة لقاء 250 دولاراً أميركياً، في حين أمنت له إحدى الصيدليات oximeter لقاء مبلغ 150 ألف ليرة لبنانية.

تجاوز الشاب الأزمة بعد ثلاثة أيام، ومن الجيد أن حالته لم تتدهور وتتطلب الدخول إلى المستشفى، لأن ذلك كان سيعني الانتظار لحين خلو أحد أسرّة العناية المركزة في أحد المستشفيات الخاصة.

أوكسجين للإعارة

يعود سبب أزمة أجهزة التنفس والأوكسجين إلى تهافت المواطنين عند بدء أزمة كورونا لشراء أجهزة التنفس وتخزينها، وكذلك التأخر في صرف الاعتمادات من قبل مصرف لبنان لمستوردي الأجهزة الطبية، والازدياد المخيف في إصابات "كوفيد-19" في لبنان، حيث بلغت المستشفيات قدرتها الاستيعابية القصوى، واضطرت لإعطاء الأوكسجين للمرضى في الطوارئ ومواقف السيارات، وحتى داخل سياراتهم، وتشجيعهم على العودة إلى منازلهم وتناول العلاجات هناك بعيداً عن الازدحام.

ودفعت الحاجة المتزايدة لأجهزة الأوكسجين إلى بروز عدد كبير من المبادرات، من خلال عرض إعارة أجهزة التنفس المحمولة. وتوزعت المبادرات بين مغتربين يؤمنون التبرعات والهبات لشراء الأجهزة وتزويدها لقراهم، وبين بلديات ومؤسسات كشفية تولت هذه المهمة. وتسعى هذه المبادرات في لبنان إلى تخفيف العبء عن المرضى وأهاليهم المنهكين صحياً ومادياً. وفي هذا الشأن، يؤكد حسين الهق، تاجر مواد طبية في بيروت، أن تكلفة جهاز التنفس المنزلي تتراوح بين 1200 و1500 دولار أميركي، موضحاً أن "هذه الأجهزة مقطوعة، وأن هناك شحنة مصدرها الولايات المتحدة يرجح وصولها الاثنين المقبل". ويحذر وجود "تجار غير متخصصين في مجال التجهيزات الطبية، يستغلون الفرصة لشراء أجهزة ذات نوعية رديئة"، لافتاً إلى أن "هؤلاء يستفيدون من حاجة الناس لهذه الأجهزة، ويقومون بترويجها من دون اكتراث لآثارها ونتائجها الجانبية".

ويعلل الهق سبب التفاوت في أسعار الأجهزة، بأن شركات الشحن طالبت بثلاثة أضعاف التكلفة السابقة من أجل إيصال الطلبات الطارئة، التي يجب وصولها مع بداية الأسبوع، أما المؤجلة فستكون أقل تكلفة بسبب الفرق بالتكلفة بين الشحن الجوي والبحري إلى بيروت.

ويشير إلى أن عدداً من التجار بدأ يشترط الحصول على فحص pcr إيجابي، وتقرير طبي يؤكد هبوط مستوى الأوكسجين في الجسم، والحاجة إلى أجهزة تنفس اصطناعية.

الحق على المصرف

تعيد سلمى عاصي، نقيبة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية في لبنان، سبب الأزمة إلى أن "عدد أجهزة التنفس المنزلية لم يكن كبيراً في الأصل، لأن الشركات توقفت عن استيراد كميات كبيرة لأن هذه الأجهزة تدخل تحت إطار المعدات التي لا يدعمها مصرف لبنان"، وهي تتحدث عن "تهافت على هذه الأجهزة للتخزين من قبل 70 في المئة من المواطنين، خصوصاً أن أكثرهم لم يكونوا بحاجة لها"، وتلفت عاصي إلى إصدار النقابة توصية تدعو إلى عدم بيع هذه الأجهزة للأفراد، وحصر تسليمها إلى المرضى ريثما تأتي البضاعة من الخارج. وتستهجن امتلاء السوق بأجهزة ليس لها مرجعية أو قطع تبديل أو كفالة، لافتةً إلى عدم وصول صوت النقابة إلى خلية أزمة كورونا لأن "النقابة غير ممثلة ضمنها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتكشف نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية عن أن "هناك أجهزة وصلت إلى المطار يوم الجمعة الماضي، وتأخر إخراجها بسبب روتين المعاملات الإدارية"، داعيةً إلى التسريع في إخراجها بسبب حاجة المواطنين إليها.

معاناة مستفحلة

معاناة صعوبة الحصول على الأجهزة الطبية لم تبدأ مع جائحة كورونا، وإنما تعود إلى يونيو (حزيران) 2019، لذا تكرر عاصي مطالبتها بتحويل الأموال من حسابات الشركات في المصارف إلى الموردين في الخارج، لأنه منذ ذلك الحين لم يتمكن التجار من تحويل بدلات الأجهزة لأن المصرف المركزي حصر الدعم بالدواء والطحين والمشتقات النفطية. وتأخر شمول الدعم المعدات الطبية إلى شهر يناير (كانون الثاني) 2020، وقرر في شهر أبريل (نيسان) إلغاء جميع الفواتير التي تعود إلى أكثر من 300 يوم. وأدى هذا المفعول الرجعي في القرارات إلى اضطرار الشركات للحصول على "فريش دولار" من أجل تغطية الفواتير السابقة على القرار. وتلفت عاصي إلى أن المعاملات لدى مصرف لبنان تتأخر لأربعة أشهر، وحال هذا الأمر من دون إمكانية استيراد المستلزمات الطبية.

وتعلن أن "الكمامات، والجوانتيات، والمواد التعقيمية، وملابس الوقاية التمريضية، لا تخضع للدعم"، وهذا أمر مستغرب في دولة يعصف بها كورونا، في وقت تدعم فيه بعض السلع الكمالية، ما أسهم في فضح الواقع المتردي للبلاد في مواجهة الجائحة.

وفيات وجنازات

أما إذا ما تقطعت سبل الحياة بمريض كورونا، فإن الأعباء ستستمر بالنسبة لعائلته، لأن تكاليف الدفن تتفاوت بين المناطق والطبقات الاجتماعية.

وبعد تقصي التكلفة من خلال التواصل مع مؤسسات متخصصة في هذا المجال، ورجال دين وأعيان في مناطق عدة من أقصى شمالي لبنان إلى أقصى جنوبه، مروراً بجبل لبنان وبيروت، تبين أن تكلفة تكفين ودفن المتوفى بكورونا في طرابلس وعكار تبلغ 600 ألف ليرة، بحسب وليد الأحمد، صاحب مؤسسة لدفن الموتى في طرابلس، في حين تبلغ تكلفة المتوفى العادي 400 ألف ليرة. وأشار إلى أنهم يأخذون الوضع الاقتصادي بعين الاعتبار، مبرزاً أن التكلفة الإضافية البسيطة هي لقاء تأمين وسائل الوقاية والحماية عند نقل ودفن مريض كورونا.

ولاحظ الأحمد زيادة ملحوظة بعدد الوفيات، ومنذ بدء الجائحة بدأ يتعامل مع كل متوفى على أنه مصاب بكورونا، لأن البعض قد يموت في المنزل من دون أن يعاني أعراضاً بارزة. أما بالنسبة للغسل والكفن، فيشير إلى أن الغسل يتم وفق الشروط الشرعية. ويتم تكفينه بثلاث طبقات، وينقل للدفن من قبل فريق متخصص، وعلى نطاق ضيق.

هذا الأمر، يشبه إلى حد ما من ناحية الإجراءات والتكلفة، ما يحدث في مناطق الجنوب التي تشرف عليها البلديات. ويوضح أحد المعنيين في بلدة ميس الجبل، أن "الكفن والغسيل يكونان مدفوعين، أما الصلاة فمجانية"، والنقل من المدينة إلى مسقط الرأس مجاني، وأجرة قراءة القرآن ومراثي العزاء تكون وفق معادلة "شو بيطلع من خاطرك"، ويقدرها بـ600 ألف ليرة لبنانية، ويبقى ثمن الطعام وضيافة العزاء لمدة ثلاثة أيام، وذكرى الأسبوع على عاتق العائلة، أما فيما يرتبط ببناء القبر والشاهد فيقدر التكلفة بـ500 ألف ليرة لبنانية. ولا ينفي أن هذه الشكليات مستمرة في زمن كورونا، إلا أنه يشير لاتجاه بجعلها على نطاق ضيق تشمل الأعمام وأولاد العم، لذلك تصل تكلفة العزاء المتواضع إلى حدود ثلاثة ملايين ليرة لبنانية.

وليس بعيداً عن منطقة الجنوب، فتشير أوساط أبرشية صيدا ودير القمر للموارنة، أن "تكلفة الموت ليست ثابتة، وتتفاوت بحسب المكانة الاجتماعية للعائلة، ووضع البلدة الاقتصادي". ففي قرى ساحل الجية والدامور يتعارف على "إكرامية" الكاهن الواحد بـ100 ألف، أما في المعاصر فهي 100 دولار أميركي. ويختلف الأمر إذا ما طلبت العائلة المطران لإجراء الصلوات، لأن عليها إكرامه، نظراً لمكانته الروحية. كما أن التكلفة تتأثر بوجود مدفن عائلي من عدمه، حيث تدفع بعض العائلات آلاف الدولارات لقاء استئجار مدفن مؤقت في بعض الأحيان. أما إذا كان المتوفى مقيماً في بيروت، وقررت العائلة إجراء المراسم في بيروت، ومن ثم إجراء مراسم أخرى في مسقط رأسه، عندها سيتضاعف المبلغ.

أما في منطقة جبل لبنان، فإن تكلفة تكفين مريض كورونا نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون، وتبرر الأوساط ذلك بضرورة اتخاذ إجراءات وقائية خاصة، وإعداد فريق متخصص بهذه المراسم من أربعة شبان. ففي هذه المنطقة "يجري إحراق البدلات التي يلبسها الشباب مباشرة بعد الدفن، ولا يتم غسلها لإعادة استخدامها". وتطلب المؤسسات قاعدة بيانات من العائلة من أجل إجراءات الدفن، لتقرر التكلفة وفق قدرتها، لأن هناك إجراءات بتكلفة ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، وأخرى بمليون ليرة لبنانية فقط، كما أنهم يقررون إذا ما كانوا "سيعتمدون التزيين بالأزهار من عدمه".

ويتضح أن معاناة مريض كورونا لا تتوقف عند حدود الآلام الجسدية والنفسية، بل تتجاوزها إلى صعوبة بلوغ أجهزة الأوكسجين والتنفس الاصطناعي، وصولاً إلى تحمل أعباء الوفاة والدفن التي تتأثر بالمكانة الاجتماعية للأفراد وموزاييك الجغرافيا اللبنانية المتنوعة ثقافياً.

المزيد من متابعات