Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أعمال فنية تُضمد جراحها من أثر انفجار مرفأ بيروت

"الفن الجريح" معرض جماعي يضم لوحات ومنحوتات وقعت ضحية العنف المأسوي

من معرض "الفن الجريح" في بيروت (الصورة تخضع للمكلية الفكرية - الخدمة الإعلامية للمعرض)

يُعرف الـ "كينتسوغي" بأنه فن ترميم الآنية الخزفية، وهو فن ياباني ظهر في القرن الخامس الميلادي تقريباً. لا يهدف هذا الفن إلى إعادة القطع الخزفية إلى هيئتها الأولى، فهو أمر بالغ الصعوبة، فبدلاً من ذلك تُوظَّف أجزاء القطع الخزفية المهشمة في نسق جمالي يؤكد على أثر الشروخ بدلاً من إخفائها. فباستخدام خليط من الذهب والفضة والبلاتينيوم يعيد الحرفي الماهر تجميع أجزاء القطعة الخزفية من جديد، لتشكل الشروخ الناتجة من عملية التجميع خطوطاً ذهبية قد تبدو هيئتها أكثر روعة من السابق. يدفعنا هذا الفن إلى تقبل عيوب الشكل الخزفي والتعامل معها كجزء من تاريخه، بل ربما تُمثل هذه العيوب أحياناً مصدر جمال الشكل وفتنته. هي فلسفة يابانية تتجاوز حدود التعامل مع الأشكال الخزفية إلى طبيعة الحياة نفسها، فلسفة تدعونا إلى اكتشاف الجمال في كل شيء من حولنا.

من وحي هذه الفلسفة اليابانية ينطلق المعرض الجماعي الذي تستضيفه فيلا عودة في بيروت تحت عنوان "الفن الجريح". يضم المعرض أكثر من ستين عملاً فنياً ما بين التصوير والنحت والتجهيز، ويشارك فيه فنانون لبنانيون وأجانب. الأعمال المشاركة في هذا المعرض تسلط الضوء على المحنة التي مر بها لبنان مع كارثة مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) الماضي، وتأثيرها الفاجع على اللبنانين كافة. لم يقتصر أثر هذه الكارثة على الناس والبنايات فقط، بل طال حتى الأعمال الفنية داخل المتاحف و"الغاليريهات" والمجموعات الخاصة.

يقول القيم على المعرض المعماري جان لوي مينغي "هذه الأعمال وضعناها متلاصقة لتؤلف لوحة مركبة تؤكد أنه مهما شهد الفن من تجريح وتدمير، وأفسده انفجار يبقى حاضراً بروحه" ويضيف مينغي "في هذا السياق يجب ألا ننسى أن الفن هو عالم بحد ذاته، يدور في نظام حركة دائمة ويتحول باتجاهات مختلفة، ويعايشنا كظلنا ولا يمكنه أن يموت. وإذا ما غاب حضوره هذا عنا علينا أن ننفخ فيه الحياة".

آثار متفاوتة

يضم المعرض جانباً من هذه الأعمال التي أصابها الضرر بفعل الانفجار، وقد انعكس هذا الضرر المتفاوت في فداحته على كثير من الأعمال المعروضة. بعض هذه الأعمال جُمعت أجزاؤها الممزقة إلى جوار بعضها، وعُرضت أخرى كما هي بعد أن تعذر لملمة قطعها وشظاياها، كما عولجت كذلك بعض الأعمال من طريق الغرافيك أو توظيف الضوء النافذ عبر التشققات وأماكن التمزق بها. هذه القطع الفنية جميعها تحولت إلى شاهد على ما حدث، ودليل حي على فداحة هذه المحنة التي تعرضت لها المدينة وقسوتها. 

تتوزع الأعمال المعروضة على طابقين، كما تنقسم إلى ثلاثة أقسام، يضم الأول الأعمال الفنية التي تعرضت للتلف من جراء التفجير، أما الثاني فيشمل عرض أعمال فنية مستوحاة من كارثة الانفجار، بأعمال لفنانين أمثال نبيل نحاس وأنطوني خليل وعماد فخري وأروى سيف الدين وشفيق عبود وفريد عواد وصليبا الدويهي وبول غيراغوسيان وحسن جوني وكاتيا طرابلسي وفؤاد جوهر. أما القسم الثالث فيضم مُعالجات جرافيكية لبعض الأعمال الفنية التي دمرت تماماً. بين الأعمال المعروضة ثمة لوحة تمثل يوحنا المعمدان لفنان عصر النهضة الإيطالي غيدو ريني تعود إلى القرن السابع عشر، وهي واحدة من الأعمال المتضررة تماماً من مقتنيات متحف سرسق في بيروت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن الأعمال المعروضة أيضاً لفنانين أجانب لوحتان زيتيتان للفنان الكوبي آندي ليانز من مقتنيات غاليري ساوث بوردر في بيروت. كلا اللوحتين أصابهما التلف بفعل الانفجار، الذي أحدث ثقوباً على سطحهما، وقد تم معالجة هذه الثقوب بالضوء المنبعث من الخلفية، كما أرفقت الثقوب بشرائح رقمية يمكن ربطها بالهاتف المحمول لمطالعة مزيد من الصور للعمل، بينما وضعت على جانبي اللوحتين أجزاء من نصوص شعرية مُترجمة لجبران خليل جبران.

لم يغب تأثير الانفجار على فضاء العرض، فبين صالات المعرض تركت إحداها على حالها من دون ترميم، لتتداخل أجزاء السقف المُهدم وتفاصيل النوافذ والجدران المتشققة مع الأعمال المعروضة. في وسط هذه الصالة المتضررة عُرضت منحوتة برونزية للفنان الفرنسي من أصول لبنانية هادي سي تحمل اسم بيروت، بالإضافة إلى لوحتين ثلاثيتي الأبعاد لأروى سيف الدين تتقدمهما منحوتة للفنانة نفسها.

يتخلل عرض هذه الأعمال الفنية عروضاً سمعية تضم نصوصاً شعرية لشعراء أمثال جبران خليل جبران، وصلاح ستيتة ونادية تويني، يصاحبها موسيقى لغابريال يارد وعبد الرحمن الباشا وأسامة الرحباني وزاد مُلتقى وغيرهم. هذا المزج المُتعمد بين العروض البصرية والسمعية، إضافة إلى المؤثرات الضوئية التي رافقت بعض الأعمال أسهم في تأكيد الترابط الوجداني بين الأعمال المعروضة، على نحو يمكن معه التعامل مع هذا العرض الجماعي بأقسامه الثلاثة كعمل تجهيزي واحد منسجم ومترابط الأطراف، وهو عمل يوثق لواحدة من أشد المحن التي ألمت ببيروت في العصر الحديث.    

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة