Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعكم مما يقوله جونسون وصفقة بريكست هذه لا تعيد لنا السيادة

الصراع الأساسي الكامن في صميم خروجنا من الاتحاد لم يحسم أمره

وقع جونسون للتو صفقة تقول إن على بريطانيا ان تتبع قواعد الاتحاد الأوروبي مقابل عدم فرض رسوم على المنتجات المصدرة أو المستوردة (أ ف ب)

قضينا قرابة خمس سنوات في المناقشات حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والصداقات التي فصمت عراها، والنزاعات العائلية، والفوضى السياسية، والإهمال التام لكل قضية تقريباً تؤثر في 66 مليون نسمة، وتم كل هذا في محاولة لإرضاء 17.4 مليون نسمة ممن أرادوا تحقيق جملة من الأشياء التي تفتقر إلى التجانس، بدءاً من إقامة علاقة مع الاتحاد الأوروبي على الطريقة النرويجية إلى مغادرته من دون صفقة.

وبدلاً من تمويل "خدمات الصحة الوطنية" وزيادة طاقاتها، عمدنا إلى شراء مراحيض محمولة لطريق "أم 20"، استعداداً للخروج من دون صفقة، وهو أمر لم يحصل، وبرأيك، أي من هذين الشيئين كان أكثر فائدة في التعامل مع جائحة فيروس كورونا؟

إذاً ماذا كان الغرض من ذلك؟ إن صفقة التجارة هذه هي ما سيحل محل المعاهدات التي جعلتنا يوماً أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعليه، فإن من الأفضل أن تكون جيدة بما فيه الكفاية حتى لا تكون تلك السنوات الخمس التي صرفت في البحث عنها بلا جدوى.

دعونا نبدأ من الأساسيات، كان السبب الرئيس الذي حمل الناس على التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتصل بالسيادة، وبالتمتع بالسيطرة الكاملة على قوانيننا، والآن، يقول الأشخاص المنطقيون الذين صوتوا لصالح الخروج إن السبب الذي جعلهم يفعلون ذلك كان رغبتهم في أن تكون المملكة المتحدة قادرة على تغيير قوانينها بطرق من شأنها أن تجعل حياة المواطنين البريطانيين أفضل مما مضى.

ويعني ذلك على الصعيد الاقتصادي أن تصبح المملكة المتحدة أكثر تنافسية، لكن على الرغم من هذا، فقد وقع بوريس جونسون للتو على صفقة صممت بصورة خاصة كي تضمن عدم اكتساب المملكة المتحدة أفضلية تنافسية على الاتحاد الأوروبي، لأن ذلك سيؤدي إلى فرض رسوم جمركية على المنتجات البريطانية.

من جهته، يحتفل جونسون بالقدرة على الابتعاد بشكل كبير عن قوانين الاتحاد الأوروبي، وهو يحتفل في الوقت نفسه أيضاً بحصوله على صفقة خالية تماماً من الرسوم الجمركية، وهذا لا معنى له حقيقة، طالما أنك تفقد ميزة الإعفاء التام لصفقتك من الرسوم الجمركية في اللحظة التي تبتعد فيها عن القوانين الأوروبية.

كما أن ذلك غير منطقي باعتبار أن جونسون قال سابقاً إنه لا ينبغي لأي رئيس وزراء بريطاني أن يوقع صفقة تشتمل على الشرط القائل إنه "إذا (أقر الاتحاد الأوروبي) قانوناً جديداً في المستقبل ولم نطبقه نحن"، سيكون لدى الاتحاد الأوروبي "الحق التلقائي" في فرض رسوم جمركية علينا، ومع أن هذه الصفقة الجديدة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خاضعة للتحكيم، فهي تعطي هذا الحق للاتحاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومما لا يثير الدهشة أن ذلك لم يكن الشيء الوحيد البعيد تماماً عن الواقع، الذي يمكن العثور عليه في ما قاله جونسون في إطار إعلانه عن الصفقة. فهو قد كرر الادعاء الذي أطلقه أول الأمر خلال حملة استفتاء العام 2016، عن أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يخلق أي عوائق في وجه التجارة، بيد أن ذلك ببساطة غير صحيح، لأن الوزارة التي يمسك مايكل غوف بزمام الأمور فيها قد قالت سلفاً إن المصدرين البريطانيين سيواجهون زيادة قدرها 7 مليارات جنيه إسترليني (حوالي 9.1 مليار دولار أميركي) هي عبارة عن تكلفة البيانات الجمركية وحدها.

وذكر أيضاً أن صفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ستؤدي إلى إجراء مزيد من التجارة مع الدول الأعضاء فيه، وأنا لا أعرف حتى كيف أجادل في ادعاء كهذا، فهو يقول فعلياً إن الانسحاب من سوق معينة سيساعدنا على القيام بمزيد من الأعمال التجارية مع تلك السوق، وكانت لدينا تعاملات تجارية خالية من المنغصات والمتاعب مع تلك السوق قبل صفقة الخروج من الاتحاد، غير أننا لن نتمتع بتلك الميزة بعد الصفقة. ولعل البيانات الجمركية الإضافية هي أشبه بمقبلات تمهد لما سيأتي لاحقاً، وأن ضياع الاعتراف المتبادل بمعايير المنتجات في مجالات محددة وابتعادنا التدريجي عن نظم الاتحاد الأوروبي، سيؤدي في رأيي إلى جعل التجارة مع بلدانه أكبر تكلفة.

غير أن الأمر الحاسم حقاً، هو أن الصفقة لا تمثل تنفيذاً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسيتعين التفاوض في شأن حصص صيد الأسماك في غضون خمس سنوات ونصف السنة، وكان ميشال بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، قد قال إنه إذا أردنا السيطرة على مزيد من مياهنا الإقليمية فإن رسوماً جمركية ستفرض على الأسماك التي سنبيعها لدول الاتحاد، علماً بأن هذه تمثل السوق التي نبيع فيها حالياً نصف حصيلتنا الإجمالية من السمك، وإن انحرافنا بشكل كبير عن قانون الاتحاد الأوروبي، وهو أمر لا بد أن يحصل، سيؤدي حال وقوعه إلى إجراء مزيد من المفاوضات في الرسوم الجمركية.

هكذا، فإن الصراع الأساسي في صميم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بين السيادة والازدهار الاقتصادي، لم يحسم أمره، لقد جرى إرجاء البحث فيه وسنتعامل مع هذا الصراع في كل القطاعات، واحداً بعد الآخر.

ثم ماذا عن فكرة أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من المفترض أن يكون انتصاراً لأبناء الطبقة العاملة على النخب؟ هل ستكون الشركات الكبيرة أم الأعمال التجارية الصغيرة هي القادرة على تحمل كل الزيادات في تكلفة التجارة؟ وهل ستكون الشركات متعددة الجنسيات أو تلك الناشئة والصغيرة للغاية هي التي ستستفيد أكثر من تحولنا للتجارة مع دول خارج قارتنا الأوروبية؟

وأعلن جونسون أن خروجنا من الاتحاد الأوروبي سيضعنا خارج برنامج "إيراسموس" (للتبادل الجامعي)، بيد أنه أكد لنا أن المملكة المتحدة ستعمل على إقامة شراكات من شأنها أن تسمح للطلاب البريطانيين بالدراسة في قارات أخرى، ولدي سؤال في هذا السياق، هل تكلف الرحلة جواً إلى فلوريدا أكثر أو أقل من تكلفة السفر على متن حافلة إلى بلجيكا؟ الجواب يوضح السبب الذي يدعو إلى إطلاق اسم "حرية الحركة" على حق الأوروبيين بالتنقل كما يشاؤون في دول الاتحاد.

عندما درست القانون واشتمل منهاجي على القانون الفرنسي، فإنني قضيت سنتي الدراسية الثالثة في جامعة فرنسية، حينذاك كنت أدفع 30 جنيهاً إسترلينياً (حوالى 42 دولارا أميركياً) لقاء تذكرة القطار إلى بليموث في جنوب إنجلترا، و60 جنيهاً (نحو 84 دولاراً) أجرة العبارة إلى روسكوف، و2 يورو (نحو دولارين ونصف دولار أميركي) ثمن تذكرة الحافلة إلى بريست، أما التعليم فكان مجاناً، في هذه الأثناء، كان على زملائي ممن اختاروا القانون الأميركي أن يبرهنوا أن لديهم 16 ألف جنيه إسترليني (حوالى 20 ألف دولار أميركي) في البنك لمجرد الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، ثم أن يدفعوا ثمن تذكرة الطائرة إلى تكساس، وأنا متأكد من أن أبناء الطبقة العاملة يشعرون بفرح غامر لأنهم قد يحصلون على فرص للدراسة في جامعات على الجانب الآخر من الكوكب، وذلك بدلاً من الجامعات التي يمكنهم أن يتحملوا نفقات الالتحاق بها.

لذلك فإن مواطني "بريطانيا العالمية" (وهي التسمية التي يطلقها حزب المحافظين على بريطانيا الجديدة الخارجة من الاتحاد الأوروبي) سيتنافسون في سياق البحث عن عمل مع قوة عاملة في أوروبا استطاعت أن تكتسب خبرة أكبر على المستوى الدولي مما نحصل عليه نحن.

دعني من الحجة القائلة "تلك هي الديمقراطية"، فبعدما درست القانون، وأنا لا أذكر ذلك على سبيل التباهي، بوسعي أن أقول لك إنك إذا وقعت على عقد مؤلف من أربع كلمات (ولنقل إنها مثلاً: خروج من الاتحاد الأوروبي)، ويقوم الطرف الآخر بتحويل هذا العقد إلى معاهدة من 2000 كلمة بعد خمس سنوات، فإن توقيعك ذاك لا يشكل دليلاً على موافقة قانونية تماماً، وعلى سبيل المثال، يعارض "الحزب الوحدوي الديمقراطي" الإيرلندي المؤيد للخروج من الاتحاد الأوروبي، هذه الصفقة لأنها ستؤدي إلى إقامة حدود في البحر الإيرلندي، وصوتت الغالبية في الانتخابات الأخيرة لصالح أحزاب تدرج استفتاء ثانياً في برامجها السياسية.

سجلت في أوائل يونيو (حزيران) 2016 شريط فيديو بغرض شرح لماذا سيكون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كارثة، وأشرت فيه إلى أننا في نهاية المطاف سنضطر إلى التقيد بقواعد الاتحاد الأوروبي من دون أن يكون لنا رأي فيها، أو إلى جعل أنفسنا أقل تنافسية من الناحية الاقتصادية. وفي هذا الأسبوع وقع جونسون للتو صفقة تقول إن علينا ان نتبع قواعد الاتحاد الأوروبي، وإما أن نواجه فرض رسوم جمركية علينا من قبل شريكنا التجاري الرئيس.

إننا على وشك الدخول في مرحلة جديدة من الأزمة السياسية والاقتصادية التي حذرت منها قبل قرابة خمس سنوات، وهذا يحدث في حين تشهد البلاد جائحة تسببت سلفاً بالفوضى في موانئنا. وأنا، على أي حال، أتمنى لكم عيد ميلاد مجيد.

© The Independent

المزيد من آراء