Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عمرو موسى يكشف إشكالات احتفال فرانكفورت بالكتاب العربي

الجزء الثاني من سيرته يلقي ضوءاً على كواليس الجامعة العربية

عمرو موسى يكتب مذكراته (اندبندنت عربية)

جاء الجزء الثاني من سيرة الدبلوماسي المصري البارز عمرو موسى الذاتية، الذي صدر قبل أيام عن دار "الشروق" في القاهرة، تحت عنوان "سنوات الجامعة العربية". ويتوقع أن يصدر جزء ثالث، يعمل موسى عليه حالياً مع الصحافي خالد أبو بكر. وبالطبع غلب الطابع السياسي على الجزء الخاص بالسنوات التي قضاها موسى في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، من 2001 إلى 2011، ما جعله مثيراً للجدل، خصوصاً وأن عدداً لا بأس به من شهود تلك الفترة ما زالوا أحياء.

وعموماً فإننا هنا نركز على الموضوع الثقافي الأوحد الذي تضمَّنه في شكل مسهب وبجرأة، أحد فصول هذا الجزء من سيرة عمرو موسى، التي يبلغ إجماليها 19 فصلاً، وقد جاء تحت عنوان "الثقافة العربية تسطع في فرانكفورت 2004"، وتضمن حديثاً مستفيضاً عن العوائق التي واجهت مبادرة الأمين العام لمشاركة الدول العربية كضيف شرف في أكبر معرض للكتاب في العالم، وكذلك العقبات التي حالت دون أن تتحقق مبادرته لعقد أول قمة ثقافية عربية.

يرى عمرو موسى بأن العالم العربي ليس فقط حكومات، بل هو مجتمع أهلي فاعل، وحركة ثقافية وفنية تتجاوز الإطار الرسمي في غالب الأحوال. وهو عندما عبر عن ذلك في الفصل الثامن من "سنوات الجامعة العربية"، كان يعلق على عدم حماسة ما لا يقل عن 9 دول عربية لمبادرة المشاركة ضيف شرف في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في خريف 2004، ما أدى إلى مواجهة أزمة في تدبير الموازنة المالية لتلك المشاركة. ويقول موسى، "كنا في مسيس الحاجة إلى تلك المشاركة بعد الهجمة التي تعرض لها الغرب والمسلمون في أعقاب أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001". وبحسب ما ذكره موسى في هذا الصدد، فإن وزير الثقافة اللبناني في ذلك الوقت غسان سلامة كان في مقدم المتحمسين لهذه المبادرة والمسهمين في تفعيلها، مع الأمين العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) وقتها، الدبلوماسي التونسي المنجي بوسنينة، ورئيس اتحاد الناشرين المصريين وقتذاك إبراهيم المعلم.

فكرة غسان سلامة

والفكرة أصلاً، كما يوضح موسى، ترجع إلى غسان سلامة، وقد طرحها عقب مؤتمر الجامعة العربية "حوار الحضارات، تواصل لا صراع"، الذي دعا إليه موسى وشهد مشاركة 100 مفكر وكاتب عربي، للبحث في كيفية الرد على موجة العداء للعرب والمسلمين في أعقاب أحداث 11/ 9. ويذكر موسى أنه تحمس لفكرة غسان سلامة، ورأى أنها فرصة عظيمة لمخاطبة "الآخر الغربي"، ليس عبر الطريق التقليدي بدعوة عدد من المفكرين الغربيين إلى مقر جامعة الدول العربية، بل إن العرب أنفسهم بقضهم وقضيضهم وثقافتهم ومعارفهم وكتبهم وآدابهم وفنونهم، سيرتحلون إلى عقر دار أوروبا، فتصبح الفرصة مواتية ليعرضوا بضاعتهم الحضارية، ليس فقط أمام المفكرين والمثقفين وأمام صانعي الثقافة في العالم من كبار الناشرين، بل أمام المواطن الأوروبي وأمام وسائل الإعلام الألمانية والعالمية... وأمام الاتهام الموجه للعرب بأنهم يحملون العصي والخناجر والسيوف والمدافع، فسوف نذهب حاملين كتباً ومراجع علمية وفنوناً وآداباً وأفلاماً"  صـ 205، 206.     

في 24 مارس (آذار) 2003، صدرت موافقة مجلس الجامعة العربية على مشروع المشاركة في معرض فرانكفورت، وتكليف موسى الإشراف عليه، واختيار المنجي بوسنينة منسقاً عاماً لتنظيم تلك المشاركة. وفي أغسطس (آب) 2003، وقعت الجامعة العربية وإدارة معرض فرانكفورت اتفاقاً التزمه الطرفان باتخاذ الإجراءات الضرورية لإنجاح المشاركة العربية، ومن ثم تشكلت لجنة عليا من وزراء الثقافة العرب لمتابعة هذا العمل، واجتمعت في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2003، لإقرار الموازنة التقديرية للمشروع، التي بلغت 4.6 مليون دولار، بزيادة عما قرره مجلس وزراء الخارجية العرب بـ 1.6 مليون دولار.

وهنا يقول موسى إن بعض وزراء الخارجية العرب "حاولوا إجراء تعبئة ضد الأمين العام لإفشال المشروع، وتساءل بعضهم، "هل مطلوب منا أن ندفع من أموالنا كي نحقق مجداً شخصياً لعمرو موسى؟" صـ 208. ونقل موسى عن وزير خارجية مصر آنذاك أحمد ماهر السيد قوله، إن وضع المشاركة العربية في معرض فرانكفورت على جدول أعمال الملوك والرؤساء يقلل من هيبة القمة، التي كان من المقرر أن تستضيفها تونس. كما نقل عن وزير الخارجية السعودي وقتها الأمير سعود الفيصل قوله، ما دمنا حمَّلنا الأمانة العامة مسؤولية، فيجب أن نتبعها بتوفير الإمكانية اللازمة للقيام بواجبها، موضحاً أن المملكة سددت إسهامها في هذا الإطار، "ونأمل حتى تتم المشاركة على المستوى المطلوب أن تؤدي كل الدول إسهاماتها في الوقت المحدد لذلك". وانتهت النقاشات على المستوى الوزاري إلى التوافق على أن يرفع موسى الأمر إلى القادة العرب، "وبعد أن وصلت أصداء ذلك التوتر والخلافات إلى الرئيس التونسي وقتها زين العابدين بن علي، قرر تأجيل القمة. ويقول موسى هنا، "ما يهمني أن أذكره هنا هو أنه عند انعقاد القمة في مايو (أيار) 2004 تضمّن بيانها الختامي بنداً خاصاً جاء نصُه كالآتي، يؤكد القادة العرب أهمية المشاركة العربية في معرض فرانكفورت لعام 2004، باعتبارها تظاهرة ثقافية عربية عالمية تبرز الدور الحضاري والثقافي للعالم العربي".

كلمة نجيب محفوظ

ويكشف موسى أن البعض اقترح أن تلقي السيدة سوزان مبارك كلمة افتتاح المشاركة العربية في معرض فرانكفورت، لكن جرى التوافق على أن يلقيها موسى نفسه نيابة عن رئيس القمة العربية وقتها الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي... "أما بخصوص كلمة الثقافة العربية، فقد اقترح البعض أن يلقيها الفنان الراحل عمر الشريف، لكن رئيس المعرض فولكر نويمان، رأى أن من الأوفق أن يلقيها نجيب محفوظ، "ذلك الرجل الذي جعل العالم يهتم بالأدب العربي المعاصر"، وبالفعل تم الاتفاق مع الكاتب محمد سلماوي أن يلقي تلك الكلمة نيابة عن محفوظ، وقد سبق له أن تحدث نيابة عن صاحب "أولاد حارتنا" في حفل تتويجه بجائزة نوبل في الأدب لعام 1988.

وكان طبيعياً (يقول موسى) أن تحاول إسرائيل وبعض أنصارها في ألمانيا وأوروبا شن حملة مضادة للتشويش على المشاركة العربية في معرض فرانكفورت، "وهو ما فشلوا فيه فشلاً ذريعاً. ويذكر موسى في هذا الصدد ما كتبه أحد كتاب صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن لماذا ينفق العرب هذه الأموال من أجل الذهاب إلى أوروبا، وأنه كان من الأجدى لو أنفقوها من أجل دعم حقوق الإنسان العربي وصون حرياته. وقام معهد سيمون فيزنتال اليهودي في باريس بإرسال خطاب إلى مدير معرض فرانكفورت يطالبه بإزالة الكتب العربية المعادية من المعرض، إلا أن المدعي العام لولاية هيسن التي تقع فيها فرانكفورت، وجد أن تلك الكتب لا تتضمن شيئاً يتعارض مع القوانين الألمانية، التي تحظر الترويج للعداء للسامية أو إنكار "الهولوكوست"، ومن ثم فإن وجودها في المعرض قانوني. ثم بدأت الجمعيات اليهودية في الاعتراض على شخصيات بعض المدعوين من الوفود العربية وبخاصة عبد الوهاب المسيري مؤلف "موسوعة اليهود واليهودية"، التي كانت تتصدر الكتب التي تعرضها دار "الشروق" في جناحها في المعرض. والثابت كما يقول موسى هو أن المسيري حاضر ضمن فعاليات المعرض عن الاتجاهات المعاصرة في الفكر العربي، فيما شنت صحف ألمانية حملة ضد مدير المعرض، ونشرت إعلانات مدفوعة الأجر تحت عنوان "لا حوار مع الإرهابيين"، وطلبت من يهود ألمانيا وأوروبا إذا كان ممكناً، التجمع أمام الباب الرئيس للمعرض والقيام بتظاهرة ضخمة ضد العرب. لكن العدد الذي شارك في تلك التظاهرة التي نظمت في اليوم الأخير لتلك الدورة، كان محدوداً، علماً أن المشاركين فيها وزعوا بياناً بالألمانية والإنجليزية يحمل أسماء 45 منظمة داعمة لهم، فضلاً عن أسماء عدد من الشخصيات اليهودية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى غرار المشاركة العربية في معرض فرانكفورت، التي أفاض موسى في ذكر ثمارها، فإنه تحدث كذلك عن مهرجان أرابيسك لفنون العالم العربي، الذي رعته الجامعة العربية واستضافه مركز جون كينيدي التذكاري للفنون الأدائية في واشنطن، وشارك فيه 800 فنان من مختلف الدول العربية، وجرت فعالياته في مارس 2009. كان من المتحمسين لتنظيم هذا المهرجان مدير مركز كينيدي، مايكل كايزر، ومع أنه يهودي الديانة، فقد دافع عن مشاركة فرق فلسطينية في المهرجان، بعد اعتراض عدد من اليهود الأميركيين، بل سافر بنفسه إلى رام الله لدعوة هذه الفرق، بحسب ما أورده عمرو موسى.

بدأ حفل افتتاح ذلك المهرجان بأغنيتين لجوقة "فرح" من سورية، تبع ذلك مقطوعة موسيقية من تأليف مارسيل خليفة، ثم فقرة موسيقية بالمزامير والطبول التقليدية لفرقة بشير العطار. وشهد المهرجان نفسه عرض مسرحية "قصص تحت الاحتلال" لفرقة مسرح وسينماتيك القصبة في رام الله، وعرض ثلاث مسرحيات أخرى، منها مسرحية "ريتشارد الثالث، دراما عربية" لفرقة سليمان البسام من الكويت. وأقيمت على مسارح مركز كينيدي ستة عروض موسيقية لكل من مارسيل خليفة من لبنان، وفتحي سلامة من مصر، وتضمن البرنامج مجموعة من حلقات النقاش الأدبية شارك فيها نخبة من الأدباء العرب، منهم أهداف سويف، وصنع الله إبراهيم ورضوى عاشور.

وختاماً، فإنه في إطار دور الجامعة العربية على الصعيد الثقافي خلال تلك العشرية، "يجب (يقول موسى) أن أشير إلى المساعي التي بذلتها الجامعة لعقد أول قمة ثقافية عربية. هذه القمة اقترحتها مؤسسة الفكر العربي برئاسة الأمير خالد الفيصل، وتحمس لها الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب برئاسة محمد سلماوي، وصدر قرار بالموافقة عليها خلال قمة سرت في 28 مارس 2010، وجرى التوافق على عقدها في العام التالي، "غير أن ظروف ما عرف بالربيع العربي، حالت دون ذلك".

وعموماً فإن "الربيع العربي" وخفاياه، سيكون في متن الجزء الثالث من سيرة عمرو موسى (1936) الذاتية.       

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة